تهافت الخليجيون على "كلوب هاوس". في وقت قصير، صارت الغرف التي يديرها خليجيون أو يشاركون فيها كثيرة ومتنوّعة. منها السياسية والحقوقية ومنها الدينية والثقافية، وهناك مكان أيضاً للغرف الترفيهية.
صار التطبيق فضاء جديداً للتعبير عن الذات وعن الشأن العام الذي تتجاهله الصحافة المحلية، لعدم توافر مناخ للحرية في بلدان الخليج.
و"كلوب هاوس" هو تطبيق تواصل اجتماعي للنقاشات الصوتية، يمكن لمستخدمي نظام iOS فقط استخدامه، ويعتمد على التواصل الصوتي، في غرف افتراضية بإمكانها استيعاب مجموعات تصل إلى 5000 شخص، وتناقش موضوعاً أو موضوعات معيّنة.
فرصة للحوار
"ما ميّز هذا التطبيق عن غيره من المنصات ليس ما يتيحه من هامش لحرية التعبير، فهذا الهامش متاح أيضاً على تطبيقات ومنصات أخرى، ولكن تمكين مستخدميه من التحاور المباشر، ومن النقاش والسجال حيال القضايا التي تُطرح، ومن فنّ إدارة الاختلاف".
هذا ما يقوله الكاتب والصحافي العماني د. محمد اليحيائي، في تعليقه لرصيف22 على الإقبال الخليجي على "كلوب هاوس"، مضيفاً: "في المجتمعات العربية عموماً، وفي مجتمعات الخليج على وجه الخصوص، لم نختبر قدرتنا على إدارة الاختلاف بهدوء وروية، ولا قدرتنا على الاستماع إلى الرأي المختلف دون شخصنة وتشنج".
لهذا الواقع الذي يشخّصه أسباب كثيرة برأيه. "في المقام الأول، لا يعود إلى النزعة الفردية في التفرد بالرأي ومصادرة الرأي المختلف، وإنْ كانت هذه النزعة هي واحدة من سمات النظم التسلطية وما تنتجه من ثقافة عصبوية منغلقة، لكنه يعود إلى غياب الفضاء أو المساحات أو المنصات التي تعطي للناس الحق في التحاور وفي السجال وفي الاختلاف، علناً ووجهاً لوجه".
يشاطره في الرأي الصحافي البحريني ورئيس رابطة الصحافة البحرينية عادل مرزوق. يقول لرصيف22: "يبادر المواطن الخليجي ويتفاعل مع كل منصة اجتماعية جديدة تتيح له إبداء رأيه والتعبير عن مواقفه السياسية أو حتى مواقفه التي تتناول الشؤون العامة والخدمية، لأنه ممنوع من المشاركة في قنوات الصحافة الكلاسيكية ولا يسمع منها إلا صوت الدولة والإشادة بسياساتها".
منحت وسائل التواصل الاجتماعي الخليجيين الفرصة للتواصل مع العالم والتعبير عن أنفسهم، وأصبحت مكاناً للتنظيم السياسي والمناظرات الأدبية، والمطالبات الحقوقية، حتى بدأت السلطات بمراقبة هذه الأدوات ومحاسبة الأشخاص على آرائهم وانتقاداتهم واعتراضاتهم على الفضاء الإلكتروني.
يقول مرزوق: "لفترة من الزمن، كانت المنصات الاجتماعية، تويتر وفيسبوك وإنستغرام، فضاءات مفتوحة، حتى بدأت الدولة في مزاحمتها بملايين الحسابات الإلكترونية المزوّرة (الذباب الإلكتروني) وعبر حزمة من القوانين والإجراءات العقابية لكل رأي لا يتماشى ولا يتسق مع مخرجات الإعلام الرسمي وسياسات الدولة الداخلية والخارجية".
لكن لبعض الناشطين آراء أخرى حول مدى ما توفّره هذه المنصة الجديدة من الحرية. تقول "النور"، وهي ناشطة كويتية في قضايا حقوق مجتمع الميم-عين إن مساحة الحرية على منصة تويتر مفتوحة أكثر. وتضيف لرصيف22: "يملك الشخص تلك المساحة وهو حرّ بكيفية التعبير ووقته، بينما على ‘كلوب هاوس’ تعتمد المساحة بشكل أكبر على منظّمي الغرفة ومختاري الموضوع، لأن الجميع ملزم بوقت معيّن تقريباً، كذلك تحتوي أغلب الغرف على شروط مؤسسي الغرفة والتي لا يجب تجاوزها".
وبين الرأيين، هناك رأي ثالث يمثّله الناشط والحقوقي الإماراتي حمد الشامسي الذي يقول لرصيف22 إن مساحة الحرية التي يمنحها "كلوب هاوس" هي نفسها التي يمنحها تويتر، "ولكن الفرق أن ‘كلوب هاوس’ يعطي فرصة التواصل المتبادل مع الجمهور والتحاور المباشر وليس فقط التلقّي كما هو الحال في تويتر".
مساحة جديدة للنقاشات
في ظل غياب الفرص أمام عامة الخليجيين لمناقشة أمور متعلقة بحياتهم بشكل مباشر، عبر المجتمع المدني أو الأحزاب السياسية، تسدّ منصات التواصل الاجتماعي هذا النقص.
تقول الناشطة الاجتماعية البحرينية سبيكة الشملان لرصيف22: "سمح ‘كلوب هاوس’ بنقاشات عميقة في موضوعات معقدة، وبالأخص مع انتشاره في وقت قلّت فيه التجمعات وجهاً لوجه (بسبب انتشار فايروس كورونا)، وزاد الحضور على المساحات الافتراضية، وتميّز التطبيق بجمعه حاملي آراء ووجهات نظر مختلفة، لم يكن لهم أن يلتقوا في الواقع أو يندمجوا في حوارات صريحة وجريئة".
"من خلال الاستماع إلى الحوارات في بعض غرف كلوب هاوس في الكويت، نرى أن هامش حرية التفكير والتعبير بل والحريات السياسية والاجتماعية في هذا البلد أكبر بكثير مما يُعتقد"
وتضيف: "احتضن التطبيق موضوعات مختلفة، لها علاقة بهموم الفرد العربي سياسياً واجتماعياً وروحانياً، إضافة إلى التحديات التي يواجهها الشباب ويهتمون بأن يتعلّموا المزيد عنها، مثل الأمراض النفسية ومواضيع الدمج الاجتماعي والنسوية والتحديات التي تواجه المرأة العربية".
وتشير إلى أن مما لفت انتباهها "الغرف الثقافية الكثيرة والمتنوّعة، والمساحات التي ناقشت قضايا التطبيع وغرف جمعت بين مواطنين خليجيين وفلسطينيين وناقشت الهموم المشتركة وعرضت آراء سياسية مختلفة".
ترى الشملان في "كلوب هاوس" مكاناً مناسباً لمناقشة جميع الأمور المتعلقة بالتحديات التي تواجه المرأة الخليجية اجتماعياً، وتقول: "أرى هذه المساحة مكاناً ملائماً للنقاش مع فئات مختلفة من المجتمع التي قد لا تتفق مع المطالب النسوية أو حراك العمل النسائي في الخليج، إلا أنها قد تبدأ بالتعرف عليها وفهمها أكثر".
تتنوع الموضوعات التي تُطرح عبر المنصة الجديدة. وأشارت الناشطة الكويتية "النور" إلى أن الخليجيين على "كلوب هاوس" يثيرون موضوعات جدلية كالمثلية الجنسية والعبور الجندري والموضوعات السياسية بشكل عام.
ولفتت انتباه اليحيائي سلوكيات الخليجيين على التطبيق. يقول: "دخلت إلى عدد من غرف النقاش التي أنشأها مستخدمو التطبيق في عُمان -قبل حجب التطبيق- وفي السعودية والكويت والبحرين، وفي كل ما استمعت إليه لم أجد سوى قدر عالٍ من المسؤولية الأخلاقية ومن الانضباط ومن الرغبة في المعرفة وفي السجال والنقاش"، يقول.
أمور كثيرة لفتت انتباهه أيضاً. "من خلال الاستماع إلى الحوارات في بعض الغرف في الكويت نرى أن هامش حرية التفكير والتعبير بل والحريات السياسية والاجتماعية في هذا البلد أكبر بكثير مما يُعتقد".
ويضيف: "يمكنني القول بثقة كبيرة إن ‘كلوب هاوس’ قدّم لي صورة لم أكن أعرفها عن السعودية، فمن خلال بعض غرف النقاش ومن خلال القضايا المثارة وعبر السجالات العميقة والجادة يمكن القول إن هذا البلد يعيش ما يشبه الثورة الثقافية، وإن جيلاً سعودياً جديداً سيغيّر خلال السنوات القادمة، ليس وجه السعودية، ولكن وجه المنطقة".
"من خلال بعض غرف النقاش في كلوب هاوس ومن خلال القضايا المثارة وعبر السجالات العميقة والجادة يمكن القول إن السعودية تعيش ما يشبه الثورة الثقافية، وإن جيلاً سعودياً جديداً سيغيّر خلال السنوات القادمة، ليس وجه السعودية، ولكن وجه المنطقة"
يميّز الشامسي، انطلاقاً من ملاحظات جَمَعها، بين اهتمامات مختلفة لشعوب الدول الخليجية، معتبراً أنه لا يمكن وضع كل شعوب الخليج في قالب واحد. يوضح: "الشعب الكويتي مثلاً يميل إلى طرح المواضيع السياسية والتفاعل مع الأحداث السياسية بإقبال جماهيري كثيف وهذا نتيجة لسقف الحرية المرتفع في الكويت المحمي بالدستور. أما إماراتياً وسعودياً، وبما أن الحديث السياسي ممنوع في هاتين الدولتين، فالناس تميل إلى طرح المواضيع الاجتماعية، ونرى أن شخصيات محسوبة على السلطة تدير غرفاً تُشيطن أصحاب المطالبات السياسية".
ويلفت إلى أن "كلوب هاوس" رفع سقف المواضيع التي تُطرح، "فمن الواضح أن الموضوعات المطروحة تجاوزت الكثير من الخطوط الحمراء التي وضعتها السلطة كإصلاح النظام السياسي والمطالبات بالمَلَكية الدستورية، ولكن هذه المطالبات حصرياً تتصدرها المعارضة الخارجية بحكم أن الطرح السياسي من داخل هذه الدول مجرّم قانوناً ويلاحَق المغردون ومستخدمو هذه المنصات إذا كانت لهم آراء داعمة للتغيير".
مراقبة السلطات
في الرابع عشر من آذار/ مارس، تفاجأ مستخدمو "كلوب هاوس" في عُمان بعدم قدرتهم على الولوج إليه، وسرعان ما أعلنت السلطات العُمانية أنها حجبته "لعدم حصوله على الترخيص المناسب"، ما أثار امتعاض كثيرين.
يقول اليحيائي: "الحجب أمر مؤسف فهو لا يُظهر الضيق بالآراء المختلفة لقطاعات واسعة من المجتمع، ولا سيما الشباب فحسب، ولكنه يحرم السلطة من معرفة يومية ومباشرة لاهتمامات الناس وأسئلتهم، بل ومن فرصة التحاور معهم"، مشيراً في المقابل إلى مشاركة شخصيات بارزة في بعض النقاشات، مثل الأمير الوليد بن طلال في السعودية، وإلى حضور وزارة الإعلام الكويتية بحساب خاص بها على التطبيق.
وبرأي الشامسي، "تحاول السلطات أن تحدّ من الحرية المتاحة، إما بسنّ قوانين تجرّم التعبير بما يتجاوز الخطوط الحمراء التي تحددها هي، وإما بالتشويش كما هو الحال في الإمارات حيث اشتكى العديد من المستخدمين من تشويش، أو بالحظر كما جرى في سلطنة عُمان".
هذه التضييقات تُفقد الكثيرين من الخليجيين الإحساس بالأمان. ولكن "النور" تعتبر أن موضوع إحساس الخليجيين بالأمان "أمر نسبي". تقول: "هناك مَن يخافون من التعبير بسبب موانع اجتماعية أو قانونية، وهناك مَن يعانون من الرهاب الاجتماعي، ولكن هذا لا يعني أنه لا توجد فئة قادرة على التعبير وعددهم ليس بقليل".
وتضيف: "منح ‘كلوب هاوس’ مساحة مفتوحة وحرّة لمناقشة موضوعات معيّنة إلى حد كبير، ولكن هذا يعتمد على مؤسسي الغرفة والموضوع ومدى استحسانهم للرأي الآخر".
أيّاً يكن الحال، صار "كلوب هاوس " يمثّل اليوم فضاءً جديداً ومساحة جديدة وساحة مواجهة بين الحكومات الخليجية ومجتمعاتها، حسبما يرى رئيس رابطة الصحافة البحرينية. يقول: "يمكننا ملاحظة عشرات الغرف الخليجية الصاخبة بالآراء الناقدة لدول الخليج والتي تتناول موضوعات وملفات سياسية واقتصادية واجتماعية وفي شتى المجالات، إلا أنني لا أعتقد أننا سننتظر كثيراً لنسمع بالاستدعاءات والمحاكمات القضائية لنشطاء خليجيين بسبب مشاركاتهم على هذه المنصة، هذا الأمر سيحدث لا محالة".
ويضيف: "فعلياً، وبشكل واضح، بدأنا نلاحظ دخول الحكومات في دول الخليج ومحاولتها مزاحمة النشطاء والصحافيين في التأثير وصناعة الرأي العام. هي مسألة وقت وستكون المواجهة أكثر حدة وشراسة".
يبقى التطبيق الحديث العهد مساحة حرة للخليجيين وغيرهم لإيصال صوتهم وإثبات وجودهم، رغم القمع والتضييق على حرية التعبير في العديد من المناطق حول العالم.
وتبقى خشية لدى البعض مما يعتبرونه "خطابات منفلته". يقول مرزوق: "كيف يمكن لإدارة الشركة المؤسِّسة التعامل مع الخطابات المنفلتة أو التي تحرّض على الكراهية والعنف؟ شخصياً، استمعت في بعض الغرف لخطابات منفلتة وتساءلت ما إذا كانت هذه المنصة ستعاني من صعوبة في الرقابة على المحتوى، وما إذا كان بالإمكان أساساً مراقبة محتوى صوتي مباشر".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 14 ساعةأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ 20 ساعةحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ يومينمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com