قرَّرت مي وزوجها الانفصال قبل عدة أشهر، ولكنهما بعد سماع تجارب آخرين في رفض بعض المدارس الخاصة في العاصمة المصرية القاهرة قبول الأطفال في حال انفصال والديهم، قررا عدم اتخاذ خطوات رسمية لتوثيق الطلاق، حتى يتم قبول طفلهما بإحدى المدارس التي يخططان لإلحاقه بها.
يتبادل الآباء النصائح حول ترشيحات المدارس الخاصة غير الحكومية، وكذلك تفضيلات القائمين عليها، فبعضها لا يقبل بأطفال الوالدين المطلقين، والبعض الآخر يقبل الأطفال من مربع سكني ذي مستوى اقتصادي بعينه، وهناك نوادٍ ذات تقييم أعلى من غيرها، وبعضها لا يقبل إلا من يقدم واسطة من أحد الأشخاص ذوي النفوذ، ولا بديل بالطبع عن ارتداء الوالدين الملابس الرسمية في المقابلة.
"هنتطلق بعد قبول ولدنا"
اعتقدت مي، وهي صيدلانية تسكن في القاهرة، أن ما سمعته مبالغ به، ولكن كانت معظم الاستمارات التي وقعتها تسأل عن الحالة الاجتماعية للوالدين، وحين غامرت مرة بإعلان انفصالها عن زوجها خلال المقابلة، لم تتلق رداً من المدرسة بشأن قبول الطفل من عدمه، ولكنها علمت برفضه بعد تلقي آباء آخرين اتصالات بالقبول وتجاهلهم.
مشكلة أخرى، واجهت مي وطفلها، في المدرسة الخاصة الواقعة بحي المعادي بالقاهرة، فقد رفض الصغير الإجابة عن أسئلة المدرسات أثناء المقابلة الفردية معه، وبدأ بالبكاء، ولكنه بدأ التفاعل بعد ضم والديه للمقابلة، ومحاولات الأم لتهدئته.
شهادة جامعية مزورة حصلت عليها مروة عبر شخص على موقع "فيسبوك" مقابل 200 دولار، انحلت عقدة قبول طفلها الصغير، وأبلغت إحدى المدارس الخاصة التي سبق ورفضته في العام الماضي، فقبلته في العام الجديد.
توضح هدى سعيد، مدرسة علم النفس الإكلينيكي المساعدة بجامعة القاهرة، أن الأطفال في تلك المرحلة يشعرون بقلق الانفصال، وأن أخذ الطفل بعيداً عن والدته في المقابلات، هو إجراء خاطئ علمياً، ويسبب استجابة الخوف من الغرباء، ويعاني من خبرات التهديد والقلق والتوتر، وقد يبكي ويضعف تركيزه.
تقول مي لرصيف22: "4 مدرسات بيسألوه، أنا كبيرة والموضوع وتّرني، سألوه بالإنجليزي وبعدين بالعربي في حاجات كتير جداً، الحروف والأرقام والأشكال والحيوانات والألوان وأعضاء الجسم كل ده عربي وإنجليزي. فكرت شوية لو طفل 3 سنين عارف كل ده، هياخد إيه في المدرسة اللي مصاريفها في السنة 3000 دولار".
شهادة جامعية مزورة للأم
"لم يقبل" أو التجاهل هو ما تلقته أسرة يونس، صاحب الثلاث سنوات ونصف، بعد أكثر من 7 تقديمات في مدارس خاصة مصرية. لم تكن والدته مروة تتخيل أنها قد تكون السبب في بقائه بالمنزل لعام دراسي كامل، رغم استيفائه جميع الشروط، من حيث السن وتجاوز المقابلات وغيره.
كان عائق يونس الوحيد الذي اختلقته معظم المدارس الخاصة، هو عدم حصول والدته على شهادة جامعية، ولكن ما وصل للطفل بعد تجربته مع اختبارات القبول، وعبر عنه مصحوباً بنوبة بكاء: "أنا مش شاطر ومنجحتش وعشان كدة المدرسة مش عايزاني".
كثير من الآباء ميسوري الحال في مصر يتجنبون المدارس الحكومية، لتدني الخدمات التعليمية، وفي المقابل تضع معظم المدارس الخاصة أسئلة في استمارات التقديم للقبول، تتضمن السؤال عن مؤهلات الوالدين التعليمية. بعد تجاهل ثلاث مدارس استمارات يونس، قررت أمه أن تكتب في استمارة التقديم لمدارس أخرى أنها حاصلة على مؤهل عال.
تقول مروة لرصيف22: "عارفة إن ده غلط لكن كنت أعمل إيه، وهما حتى مش بيردوا علينا، ولما سألت الكل، قالوا لي إن ده السبب، فكرت إن يمكن يغيروا موقفهم بعد الانترفيو اللي بيعملوه مع الأهل، أنا مثقفة وباقرأ كتير".
لم يصب ظن مروة، تم رفض طفلها بعد اكتشاف أمرها من كل المدارس الخاصة لعدم تقديمها ما يثبت حصولها على شهادة جامعية، وأصيبت الأم الشابة بالحزن الشديد، وبدأت تبكي وتنهار لأتفه الأسباب، بعد أن فشل طفلها في الالتحاق بمدرسة خاصة.
فكرت مروة في الالتحاق بالجامعة لتحل مشكلة صغيرها، ولكن صديقتها قدمت لها حلاً آخر، شهادة جامعية مزورة حصلت عليها عبر شخص على موقع "فيسبوك" مقابل 200 دولار، انحلت عقدة تعليم الصغير وأبلغت إحدى المدارس الخاصة التي سبق ورفضته في العام الماضي أسرته بقبوله في العام الجديد.
كارنيه النادي والعربية
عبأت أسرة نور استمارات مجموعة من المدارس غير الحكومية، التي يعتقدون بجودة نظامها التعليمي، لضمان أن تلتحق الطفلة بإحداها، ودفعوا مع كل استمارة تقديم 70 دولاراً تقريباً، كرسوم لا تسترد، وهو إجراء متبع في معظم المدارس الخاصة، واستقبلوا بحماس الاتصال الأول لإجراء مقابلة تبدأ مع الطفلة، ثم مع الأب والأم.
يحذّر قرار وزارة التربية والتعليم رقم 420 لعام 2014 بشأن تنظيم التعليم الخاص، المدارس الخاصة من فرض أي مصروفات إضافية، كإجراء مقابلات أو سحب ملف، بخلاف المصروفات المقررة من الإدارة التعليمية، ولكنه يبقى بلا صدى ولا تلتزم به المدارس، كما لا تلتزم بموعد فتح التقديم للالتحاق بمرحلة رياض الأطفال، والذي حدده ذات القرار بالأول من حزيران/ يونيو من كل عام.
"أنا عندي في المدرسة أولاد سفراء وأولاد وزراء، مش كفاية إنه يقدر يدفع المصروفات، لازم يبقى عايش زي زمايله، عشان نحافظ على (الكوميونيتي) الخاص بالمدرسة"
تعجّب وليد، وهو مهندس إلكترونيات، من سؤال مديرة مدرسة خاصة شهيرة بمنطقة الدقي بالجيزة، عن النادي الذي يشتركون به، والذي تكرر في استمارة التقديم أيضاً، ولكنه تفاجأ عندما طالبته بالاطلاع على كارنيه النادي، وتذكر حينها إجابته عن سؤال باستمارة التقديم عن الدخل السنوي للأسرة، ونوع العقار الذي يقيمون به ومكانه، وهل يمتلكونه أم يستأجرونه، ثم سألت والدة الطفلة إن كانت الأسرة تسافر للخارج لقضاء العطلات، وعندما انضمت الطفلة للمقابلة، سألتها عن "لون عربية بابا".
يقول وليد، لرصيف22: "حسيت إني مطالب أستعرض قدراتي المادية، مش رايح أقدم للبنت في مدرسة، معظم الأسئلة هدفها التأكد من مستوانا المادي بس، وطبعاً كلها بالإنجليزي، لكن أكثر شيء ضايقني سؤالها للبنت يعني لو معنديش عربية ليه تحسسها إن ناقص حاجة".
ولكن مدرسة مساعدة في علم النفس، قررت طمأنة الأب، مؤكدة أن هذه النوعية من الأسئلة تزعج الآباء وتؤثر عليهم بشدة، وقد تصل بهم للاكتئاب، خاصة إذا تم رفض الطفل لأحد هذه الأسباب، ولكن الأطفال في هذه المرحلة العمرية لا يلتفتون إليها، ويدركون العالم من خلال ذواتهم فقط.
ماذا يقول مسؤول مدرسة خاصة؟
مدير مرحلة رياض الأطفال بواحدة من مدارس محافظة القاهرة، والتي تستقبل تقديمات الأطفال حالياً، طلب عدم ذكر اسمه أو المدرسة التي يمثلها، يبرر الإجراءات التي تتخذها المدارس، معللاً الحصول على رسوم التقديم بأنها تستخدم في إجراء اختبارات ذكاء وقدرات للطفل ولتغطية نفقات تقييمه، كما يتم خصمها من المصروفات في حال قبول الطفل، ولكنها لا تسترد في حالة الرفض.
واعتبر أن الاختبارات ضرورية لتقييم مستوى الطفل، واختيار الأطفال الأفضل للحفاظ على سمعة المدرسة وتقييمها بين المدارس الأخرى، ونفى رفض أطفال المطلقات، ولكنه أشار لعدم تفضيلهم، خاصة إذا لم تقدم الأم ما يثبت ولايتها التعليمية.
وأضاف المسؤول أن بدء إجراءات التقديم في حزيران/ يونيو قرار غير عملي ولا يوفر للمدارس الخاصة الوقت الكافي لإجراء الاختبارات والمقابلات، ولذا لا تلتزم به جميع المدارس.
وتابع الرجل مبرراً الأسئلة التي تستهدف تحديد المستوى الاقتصادي للأسر قائلاً: "أنا عندي في المدرسة أولاد سفراء وأولاد وزراء، لو قبلت طفل مستواه المادي على قده هابقى باظلمه، ومش كفاية إنه يقدر يدفع المصروفات، لازم يبقى عايش زي زمايله، عشان نحافظ على (الكوميونيتي) الخاص بالمدرسة".
تهيئة الطفل وامتحانات القبول
خاضت هدى سعيد، أستاذة علم النفس العيادي بجامعة القاهرة، ذات رحلة البحث عن مدرسة خاصة لطفلها، ولكنها خرجت منها بكثير من الملاحظات على الإجراءات التي تتبعها المدارس في إجراء اختبارات ومقابلات الأطفال وأسرهم.
تحكي هدى لرصيف22 عن تجربتها في التقدم لإحدى المدارس الخاصة بمحافظة الجيزة: "أخدوا الولد لوحده في فصل فيه 4 مدرسات، وفيه مشتتات انتباه كتير جداً وألوان ومجسمات وألعاب، والطبيعي في السن ده إن الطفل يقوم يلعب ويكتشف الحاجات الكتير الملونة اللي شايفها حواليه".
تابعت هدى: "كان مطلوب منه يحل اختبارين عربي وإنجليزي كل واحد 6 صفحات، مقابلة لطفل 3 سنوات تستمر ساعتين كيف؟ علمياً نصف ساعة وياخد في نصها راحة".
يجب تهيئة الطفل وكسر حاجز الخوف قبل البدء بالاختبار.
تؤكد هدى، أنه يجب تهيئة الطفل وكسر حاجز الخوف قبل البدء بالاختبار، وأن يتولى شخص واحد إجراء الاختبار كاملاً لتجنب شعور الطفل بالتهديد والقلق، خاصة أنه يلاحظ أن الجالسين منتبهون له ويكتبون ملاحظاتهم، وهو وضع موتر للطفل.
وأشارت إلى أن قدرة الأطفال على الإجابة عن أسئلة متتابعة ومتعددة وتوزيع الانتباه تكون محدودة في هذه المرحلة العمرية، كما أن تشتت الانتباه يكون مرتفعاً في تلك المرحلة، فزيادة وقت الاختبار لأكثر من نصف ساعة بدون راحة غير علمي وغير أخلاقي.
تضيف هدى: "اللي بيحصل في اختبارات كتير من المدارس يدل على جهل القائمين عليها، واكتشفت أن بعض المدارس بتعين أشخاص حاصلين على شهادات في تخصصات بعيدة عن التربية، وده بيفسر الأداء الغريب مع الأطفال، وفي مدارس حولت الأمر لبيزنس، وهدفها تجميع أكبر قدر من فلوس استمارات التقدم رغم قبول العدد اللي محتاجينه بالفعل".
تفسر هدى سبب رفض بعض الأطفال الإجابة رغم معرفتهم، بعدم تهيئة الطفل وشعوره بالقلق، كما أن الأطفال في تلك المرحلة يختبرون "التمركز حول الذات" أي لا يستجيب للتعليمات غير المرغوبة بشكل كامل، كما يتميز بالتصلب وإدراك العالم من خلال ذاته.
وأوضحت المدرسة المساعدة، أن الاختبارات تختلف من مدرسة لأخرى، بناءً على مدى فهم المدرسين ومدير المدرسة لمراحل نمو الطفل وقدرتهم على اختيار الاختبارات المناسبة، وتحقيق الهدف منها، كالتحقق من سلامة عضلات يد الطفل، قدرته على الإمساك بالقلم، وخبراته والمعلومات التي يكتسبها من الحياة اليومية، وهو ما يجب الاهتمام به، مع مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...