أم عبد الله (38 سنة) سيدة مصرية مقيمة في المملكة العربية السعودية. اختبرت مع أولادها عدة نظم تعليمية. فقد حاولت إرسالهم إلى مدارس مصرية لمدة عامين، لم يحظوا خلالهما بتقدم علمي. وعندما انتقلت للعيش في السعودية اختارت التعليم المنزلي. وتأكدت أنها على الخط السليم حينما أنشأت صفحة Schoolna للتعليم المنزلي على فيسبوك ووجدت الكثير من مثيلاتها يفضلن لأبنائهن التعلم بالمنزل عن المدارس الاعتيادية.
من عادة الأمراء لاضطرار الفقراء؟
في الماضي، اعتاد الوجهاء تخصيص معلمين لأبنائهم في القصور. وكان مأثوراً عن بعض الأمراء أنهم تلاميذ المعلم فلان أو درسوا على يد الشيخ فلان. فقد تتلمذ عالم الكيمياء الشهير جابر بن حيان على يد الإمام جعفر الصادق على سبيل المثال. واليوم، ها هو التعليم المنزلي يعود إلى الظهور من جديد. ليس في مصر، بلد أم عبدالله، فقط، إنما في أكثر من دولة عربية. فبعد انتشار النظم التعليمية المتعارف عليها بشكلها المعهود، والتي يفضلها معظم الأهالي، أصبح التعليم "من المنزل" سمة غير القادرين على الانتظام في المدارس لأسباب مختلفة. فهناك الطلاب الذين يمارسون مهنة أو وظيفة ما بجانب التعلم، خاصة في المرحلة الثانوية. حيث يستذكر الطالب دروسه طوال العام في المنزل ثم يذهب لأداء الامتحان، وانتشرت بسبب ذلك جملة "حاصل على شهادة كذا من منزله".مصروفات باهظة وخدمة رديئة
"يُعد الإقبال على التعليم المنزلي في مصر الأكبر بين الدول العربية، حسب ما يتضح من المشتركين في صفحتنا Schoolna وصفحة سوبر حوا"، تقول أم عبدالله.
لا عجب في ذلك. فيبلغ متوسط الدخل السنوي للأسرة المصرية، حسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2015، 44.2 ألف جنيه (ما يعادل 2326.31 دولاراً). وتضمن التقرير نفسه أن 4.8% من إجمالي دخل الأسرة يتم إنفاقه على التعليم، أي ما يعادل 111 دولاراً.
وتختلف الأسر في مصر في كيفية إنفاق هذه النسبة على المصاريف التعليمية بين مدارس حكومية وأخرى خاصة وثالثة دولية تكلّف عشرات الآلاف كل عام للطفل الواحد.المصاريف المرتفعة والخدمة التعليمية الرديئة دفعت الكثيرين إلى مقاطعة المدارس وتعليم أطفالهم في المنزل
اعتاد الوجهاء تخصيص معلمين للأبناء في القصور واليوم عاد التعليم المنزلي لغير القادرين على الذهاب للمدرسةوفي ظل المصروفات المرتفعة للمدارس، والتي لا تتناسب مع الخدمة التعليمية الرديئة التي يتلقاها الطلاب، قرر الكثيرون تعليم أطفالهم في المنزل باستخدام مناهج تعليمية "أونلاين". فبعد أن فقدت المدارس هيبتها كصروح تعليمية، وبعد أن أصبح الآباء والأمهات يستطيعون الحصول على مناهج تعليمية متطورة مقارنة بما تقدمه الوزارات التعليمية من مناهج كُتبت في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، لم يعد التعليم المنزلي خياراً غريباً أو ترفيهياً. وتختلف الآراء حول التعليم المنزلي بين مؤيد ومعارض، وبين مزايا تتلخص في التطور ومواكبة العلم وبين اتهامات بتكوين طفل انطوائي ينفر من المجتمع.
حالات ناجحة
تقول أم عبد الله لرصيف22 أن أولادها أثبتوا نجاحاً وارتياحاً للتعليم المنزلي أكثر مما كانوا عليه حين كانوا ينتظمون في الذهاب إلى المدرسة في مصر، إذ يقومون الآن بمطالعة دروسهم ثم يتقدمون للامتحان في السفارة المصرية في نهاية العام. وهو ما يُمكِّنهم من إدارة أوقاتهم بشكل مثالي دون إضاعة ساعات طويلة في المدارس بدون نتيجة تتناسب مع تلك الساعات وذلك المجهود. وتؤيدها في الرأي مي حمادة، مصرية مقيمة في الإمارات العربية إذ تقول: "أتمنى أن أتحلى بالشجاعة الكافية لأن أتوقف عن التعليم في المدرسة وأن أتبنى نظام التعليم المنزلي، رغم اقتناعي الكامل بالخيار الأخير إلا أنه يحتاج لشجاعة كبيرة لتحمل عقباته كاملة". وترى حمادة أن هذا التعليم يعد أوفر من المدارس الدولية نوعاً ما، بالإضافة إلى أنه يضمن مستوى معيناً من الخدمة التثقيفية المقدمة للطفل إذ إن الأهل هم من يشرفون بأنفسهم على هذه العملية تبعاً للطاقة الاستيعابية للطفل والوقت المخصص لعملية الدراسة. أما منة الله عبد الرحمن (27 سنة) فتخالفهما الرأي. هي أم لطفلين وتعمل بالمجلس القومي لشؤون الإعاقة وتقول: "لا أحبذ أن يتعلم أطفالي بالمنزل. الانتظام بالمدرسة كالانتظام بالعمل يخلق في الأطفال تحمل مسؤولية الانتماء لمكان ما". وهي ترى أن تلقِّي العلم على يد المُعلِّم لا يقل أهمية عن العلم نفسه، إذ إن المناخ العام في المكان المخصص لذلك وهو المدرسة، يساعد الأطفال على الاندماج واستقبال المعلومات. كما أن المدرسة تفرِّغ طاقات الأطفال في ظل وجودهم وسط مجموعات كبيرة من أمثالهم. بالإضافة لذلك، فإنه من الصعب على المرأة العاملة مثلها أن تعطي أولادها الوقت الكافي لتعليمهم الذي يتطلب تفرغاً كاملاً.تجارة رابحة على هامش التعليم
عبد الرحمن التي تنتقد التعليم المدرسي تعي تماماً أن التعليم المنزلي تجارة مثله مثل التعليم العادي ويقوم على هامشه عدة أنشطة رابحة على حساب المستهلك. ويتضح ذلك عندما تحاول أن تبحث عن مميزاته وعيوبه على الانترنت وتجد إعلانات الدورات التدريبية للأم التي تريد أن تُعلم أطفالها منزلياً وكذلك إعلانات متاجر الألعاب المناسبة للتعليم المنزلي والتي تعزز ذكاء الطفل. وما دام الأمر يتعلق بالتجارة فهي تُفضِّل التجارة المعروفة مسبقاً. بحسب تقرير مركز ابن خلدون للتعليم المنزلي، فإن هذا النوع من التعليم ينقسم إلى نوعين: مدارس عن بُعد "تعليم أونلاين"، وتعليم حر. التعليم الأونلاين يكون من خلال الالتحاق "الاسمي" بمدرسة دون الالتزام بالحضور الكامل فيها، ومن ثم الحصول على شهادة بإتمام الصف الدراسي. وهذا النظام غير مُعترف به في مصر - حسب ابن خلدون - أي أنه لا يؤهِّل الطالب لدخول الجامعات المصرية. وفي نظام التعليم الحر، يختار الدارس بعض المناهج المتخصصة في المواد التي يريد دراستها فقط دون الحاجة لدراسة مواد أخرى لا يرغب فيها. فمثلاً يختار الدارس موادّ الرياضيات أو العلوم أو الصوتيات، أو كل هذه العلوم معاً. فالمهم أن يرغب في دراسة ما يقوم بدراسته بالفعل، لا أن يستذكره مضطراً. وهذا النظام لا يوفر للدارس شهادة معينة تفيد بأنه تجاوز مرحلة كذا أو درس مادة كذا، وعلى الرغم من ذلك يقوم البعض بالتحايل على هذا العيب عن طريق تسجيل أبنائهم في إحدى المدارس ثم أداء الامتحان في نهاية العام دون الالتزام بمنهج المدرسة. لكن مها محمد (28 عاماً)، تفضل تكاليف التعليم في المنزل وتراها محمولة في ظل غلاء الأسعار التي تتسم بها المدارس الخاصة، لا سيما الدولية التي تقدم مستوى تعليم مميز، رغم المسؤولية التي يضعها هذا الخيار على عاتق الوالدين. فعلى سبيل المثال، تُقدّر مصروفات إحدى المدارس الخاصة التي تتبع المناهج التعليمية المصرية بـ10 آلاف جنيه (526 دولاراً) لمرحلة التعليم الأساسي، أي الابتدائي وتصل إلى 20 ألفاً في بعض المدارس (1052 دولاراً). وقد دفع غلاء الأسعار هذا النائب "ماجدة نصر" إلى المطالبة بتغليظ العقوبات ضد المدارس الدولية التي تقوم بتحصيل مصروفاتها بالدولار إذ يعد ذلك مخالفاً لقرار وزير التربية والتعليم. محمد تخرجت من كلية التجارة في مصر، لكنها اليوم متفرغة للمنزل ولتدريس أولادها. العامل المادي ليس الدافع الوحيد وراء خيارها، فالتدريس المنزلي برأيها خيار آمن في ظل الحالة المتردية التي وصل لها حال المدارس الحكومية في مصر. وهي ترى أنه لا يمكن لنظام تعليمي مدرسي أن يواكب التطور السريع الذي تتحرك به دول العالم المتقدم، لكن الأم في المنزل يمكنها أن تدرس مع أطفالها أحدث المناهج التعليمية "أونلاين" وأن تجعلهم يواكبون ما يحدث حولهم ولا يتقيدون بمحلية النظم التعليمية في مصر.للأمر أصول
لا يكفي أن تقرر العائلة اختيار التعليم المنزلي لكي يتم الأمر. فللخيار هذا أصول وطرق تضمن نجاحه. يرى الباحثون في مجال التعليم المنزلي أن هذا النظام لا بد أن يبدأ في مجموعات، فعلى الأهل أن يجدوا 5 أسر على الأقل قريبة منهم حتى يخوضوا معاً التجربة ذاتها، مكانياً وفكرياً، ويؤمنوا بهذا النوع من التعليم حتى يجد الأطفال مجتمعاً قريباً يمارسون فيه نشاطاتهم الترفيهية. كما أن وجود هذا العدد من الأسر الداعمة والمشاركة في التجربة يجعلها أكثر صلابة وقوة في مواجهة المنتقدين لهذا النوع من التعليم.الأهل منهكون
"أونلاين"، في البيت أو في المدرسة، الكل يريد لأبنائه الأفضل. لكن من الصعب الحسم في ما هو الخيار الصواب: الذهاب إلى المدرسة بما لها وما عليها أم العزلة والدراسة في البيت؟ وما بين هذا وذاك، يبقى الأهل مُنهكين في رحلة بحث دائمة عن الأفضل لأطفالهم. يضغط عليهم المجتمع وإحساسهم بالمسؤولية لبذل المزيد وصرف المزيد، ليحصل الأبناء على مستقبل أفضل من حاضر آبائهم. يشعرون بوطأة ذلك على جيوبهم في ظل ظروف اقتصادية خانقة، ومنظومة عالمية تعيق الانتقال الطبقي بل تجعله مستحيلاً.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.