"لا أماكن للنساء".
هذا ما نقلته صحيفة "الراي" عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية التي أعلنت، قبل بضعة أيام من بدء شهر رمضان، أن صلاة التراويح والقيام بالمساجد حينذاك ستكون "للرجال فقط"، وهو ما أدّى إلى سيل من الانتقادات في صفوف الكويتيين كونه يحمل تمييزاً ضد النساء، هذه المرّة بإقحام طقوس دينية في الأمر، قبل أن يعلن عضو مجلس الأمة الكويتي أسامة المناور قبل دقائق أنه "وبالتواصل مع الأوقاف والصحّة، سيتم السماح للنساء بصلاة التراويح والقيام في المسجد".
وكان وكيل الوزارة فريد عمادي قد صرّح أنه "بموجب تطبيق الاشتراطات الصحية، لن تكون المصليات متاحة للنساء، لأن مصليات النساء في المساجد ستخصص للرجال فقط هذا العام، وستكون صلاة النساء والأطفال في المنازل…".
"لا أماكن للنساء".
ومما كتب في انتقاد القرار: "'لا أماكن للنساء' جملة معبرة جداً"/"لا أماكن للنساء في بيت الله بسبب كورونا. حينما تتقاطع الصلوات في رمضان مع التمييز الجنسي"/"دينياً: 'لا تمنعوا إماء الله مساجد الله'، وطبياً: 'الفيروس لا يفرق بين رجل وامرأة!"، علماً أن هناك العديد ممن يدعم القرار في المقابل، من بينهم يوسف الصقر، رئيس جمعية مقومات حقوق الإنسان وأستاذ الشريعة في جامعة الكويت الذي قال: "ثمة فرق بين الجائحة والظروف الطبيعية. مصليات النساء أصغر من مصليات الرجال ووجود الفيروس سيكون مؤثراً أكثر، وبالتالي ليس ثمة تمييز في القرار بل هو للحفاظ على المرأة من انتقال العدوى، وهذا هو المقصد وليس الأمر متعلقاً بجنس المرأة بل بحجم مصليات النساء".
وأضاف: "هناك احتياطات أخذت في شأن ذهاب المرضى والأطفال وكبار السن للمساجد، وبالتالي فالأمر ليس به أي تمييز ضد أحد وإنما من باب الالتزام بالاشتراطات الصحية".
على النقيض، دعا النائب الكويتي أسامة الشاهين إلى التراجع عن مثل هذا المنع، معلناً أنه تقدّم باقتراح إلى مجلس الأمة يقضي بـ"السماح للنساء بأداء صلاة التراويح والقيام في المساجد خلال شهر رمضان، مع تكليف الجمعيات التعاونية والفرق التطوعية النسائية بالإشراف على اتباع الاشتراطات الصحية اللازمة بهدف تحقيق الموازنة بين أداء العبادة والتمتع بروحانيات شهر رمضان واتباع الإجراءات الصحية".
ويقرّ دستور الكويت في المادة (29) مبدأ المساواة وفحواها: "الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين".
"ألا يطال كورونا الرجال أيضاً؟"
كان هذا تساؤل أروى الوقيان الصحافية الكويتية والناشطة في مجال العمل الإنساني والتي قالت لرصيف22 إن "الحل سهل" يكمن في تحديد عدد المصليات والحرص على تطبيق الاشتراطات الصحيّة، آملةً العدول عن القرار "لا سيما أن هناك من النساء من ينتظرن شهر رمضان للصلاة في المساجد".
وترى الوقيان أن الوصول إلى التمييز في العبادات قد يضعنا أمام "مزيد من الظلم على جميع الأصعدة"، مشيرة إلى ضرورة الاعتراض على قرار كهذا بقولها: "السكوت يعني الرضى".
"حتى العبادة لم تَسلم…"
"حتى العبادة لم تَسلم من العنصرية وفق الجنس! فأي عقل ومنطق يسمح بعبادة الرجال ويمنع النساء عنها؟ قرار لا بد من إلغائه فوراً. قرارات عشوائية وغير منطقية ومعيبة أخلاقياً قبل كل شيء، أمور غير مفهومة لا تحدث إلا في بلد العجائب 'الكويت'". هكذا يرى الأمر الصحافي عبد العزيز الشعبان، وهو رئيس الحركة الليبرالية الكويتية ونائب رئيس جمعية الحرية الكويتية. يقول لرصيف22 إن "القرار بشأن منع النساء من أداء صلاة التراويح مجحف، ويضاف إلى سلسلة التمييزات القائمة ضد النساء في الكويت، فلا مبرر من منع النساء وكأن فيروس كورونا يصيبهنّ دون الرجال".
ورداً على من أرجع القرار إلى صغر مساحات مصليات النساء، ومن يحاول إنهاء الجدل القائم بقول إن صلاة التراويح سُنّة وليست فرضاً، يعلّق الشعبان: "إذا كانت المصلّيات صغيرة، فلماذا لا يتم تقليل أماكن الرجال لتمكين النساء من أداء صلاة التراويح؟ وإن كانت سُنّة وليست فرضاً، فهي أيضاً ليست فرضاً على الرجال، فلماذا تُمنع فئة دون أخرى؟ فإما أن يكون المنع للجميع أو السماح للجميع".
تم إقحام الدين للتمييز ضد المرأة، ما الذي سنراه مستقبلاً إن بقينا على ما نحن عليه؟ يجيب الشعبان: "سيتم التمييز أكثر بين الرجال والنساء في أمور عدّه، فلا يزال هناك تمييز ضد المرأة بشأن عدم تجنيس أبنائها، وهو ما يخالف الدستور الكويتي وفق المادة 29 منه، إضافة إلى عدم وجود مراكز إيواء للمعنفات وفرق الأجور بين الرجل والمرأة وغيرها من الأمور، وإذا بقينا على ما نحن عليه فسينشأ جيل مستقبلي يرى أن التمييز هو الوضع الطبيعي وليس أمراً يجب التخلّص منه، وستنشأ ثقافة ذكورية تبيح سلب حقوق المرأة".
"إذا بقينا على ما نحن عليه فسينشأ جيل مستقبلي يرى أن التمييز هو الوضع الطبيعي وليس أمراً يجب التخلّص منه، وستنشأ ثقافة ذكورية تبيح سلب حقوق المرأة"
"التهاون معه يمكّن المسؤولين من استغلاله"
أما الناشطة الكويتية زينب السلطان، فأشارت في حديثها لرصيف22 إلى أن "الخطر في هذا القرار يكمن في احتمال منع النساء من الأنشطة والممارسات القادمة، ليست الدينية فقط، لكن في جميع المجالات بحجة غير مقبولة كالاشتراطات الصحية مثلاً، رغم توفر جميع الإمكانات في بلدنا لتنظيم العملية. التهاون معه يمكّن المسؤولين من استغلاله".
وتضيف أن "القرار فاشل"، معتبرة أنه "لا يوجد له أي تبرير صحي أو ديني أو اجتماعي، وأنه يرسخ مفهوم الذكورية في الوقت الذي تناضل فيه نساء للمطالبة بالمساواة والعدالة وغيرهما"، ملخصةً القرار بالقول: "تمييز بين الجنسين، واحتقار لمكانة المرأة، وترسيخ لمفهوم الذكورية، وغباء".
وتتابع: "نرى بشكل واضح منعهنّ من ممارسة حقّهن الديني من غير سبب، وبالمقابل السماح للرجل بشكل كامل. هل التعبّد في الأماكن العامة حكر للرجل، وهل المرض يفرق بين الجنسين إذا كان بحجة الاحترازات الصحية؟".
ولفتت إلى أن ضيق مصليات النساء "ليس مبرراً"، إذ "من الممكن توسعة المصليات عن طريق الخيم الخارجية كما حصل في السابق، وتنظيم المكان تنظيماً يوافق الاشتراطات الصحية ويتسع للطرفين".
"الخطر في القرار يكمن في احتمال منع النساء من الأنشطة والممارسات القادمة، ليست الدينية فقط، لكن في جميع المجالات بحجة غير مقبولة كالاشتراطات الصحية مثلاً. التهاون معه يمكّن المسؤولين من استغلاله"
"حجج واهية"
وتعتبر الناشطة النسوية الكويتية كريمة كرم أن في "القرار تمييزاً بين الجنسين وإقصاء لنصف المجتمع من ممارسة حق"، لافتةً في حديث مع رصيف22 إلى أنه "إذا وافقنا على هذا القرار، فسنجد الإقصاء غداً بأمور هامة أخرى، مع أننا بالأصل نعاني منه في المراكز الوظيفية العليا، بما في ذلك مجلس الأمة".
وتشير إلى أن "التمييز ضد المرأة في الكويت له صور كثيرة، أبرزها عدم تجنيس أبنائها وتوظيفهم والتمييز بالحصول على سكن حكومي وغيرها".
وترى كرم أن هناك عدداً كافياً من المساجد إذا ما أرادوا أن يعيّنوا مسجداً للرجال وآخر للنساء، أو أن يضعوا حواجز في نفس المسجد بدلاً من "الحجج الواهية".
بالإضافة إلى ذلك، تطول قائمة المطالب النسائية المبنية على إنهاء التمييز بين الجنسين، قد يكون على رأسها إسقاط المادة 153 من قانون العقوبات وهي تنصّ على أن "من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا أو فاجأ ابنته أو أمه أو أخته حال تلبسها بمواقعة رجل لها، وقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو يواقعها أو قتلهما معاً يُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 3 سنوات أو بغرامة لا تتجاوز 3 آلاف روبية (45 دولاراً) أو بإحدى هاتين العقوبتين".
وكذلك إسقاط المادة 182 من قانون العقوبات وهي تنص على أنه "إذا تزوج الخاطف بمن خطفها زواجاً شرعياً بإذن من وليها وطلب الولي عدم عقاب الخاطف، لم يحكم عليه بعقوبة ما". ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن صياغة القانون بحد ذاتها تمييزية، لاعتبار أن الخاطف ذكراً بالضرورة والمخطوفة أنثى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...