لا أدري لماذا يعتريني الشعور أحياناً أن العلاقة بين الرجل العربي والمرأة العربية هي علاقة عقارية، ينطبق عليها كُل ما ينطبق على العلاقات العقارية من معاينة، ودفع رسوم، واستملاك، هذه المقولة للشاعر الراحل نزار قبّاني، تختصر ما تمّر به النساء في بعض المجتمعات العربية، تقدم الزمن والقضايا المصيرية التي تواجهها النساء باقية بلا حلول.
نساء يناضلن من أجل منح جنسياتهن لأطفالهن، نساء ينضالن في سبيل اختيار أزواجهن، نساء يدافعن عن الزواج المدني، نساء يستمتن في سبيل المساواة في الميراث، أخريات يناضلن ببساطة في سبيل البقاء على قيد الحياة.
ونضال الكويتيات على سبيل المثال لإسقاط المادة 153 من قانون العقوبات الكويتي يتنزل في خانة الكفاح الإنساني، لا النسوي فقط، لوقف قتل النساء، فالقانون المذكور يمنح "ولي أمر المرأة" سواء كان والدها أو شقيقها أو زوجها أو حتى ابنها أو ابن عمّها حق قتلها تحت مُسمى جريمة شرف.
تنص المادة 153 التي لا يعرفها 85% من المُجتمع الكويتي وفقاً لمسح وطني أجرته الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان عام 2016 على أن "من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا أو فاجأ ابنته أو أمه أو أخته حال تلبسها بمواقعة رجل لها، وقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو يواقعها أو قتلهما معاً يُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 3 سنوات أو بغرامة لا تتجاوز 3 آلاف روبية (45 دولار) أو بإحدى هاتين العقوبتين".
اللافت أن 54% في الكويت يُعارضون إلغاء هذا قانون، بحسب استفتاء أجراه حساب "مجلس الكويتي شبه الرسمي على تويتر شمل 23 ألف شخص، في سبتمبر الماضي.
من بين المُطالبين بإلغائه الصحافية والكاتبة والمتطوعة في مجال العمل الإنساني الشابة الكويتية أروى الوقيان التي وصفت القانون في حديثها مع رصيف22 بأنه "مُجحف وظالم للمرأة"، مُعتبرةً أن وجوده حتى يومنا هذا "أمر مُخجل". ولفتت إلى أن القانون يُشجع على العنف والقتل في الوقت الذي لا يتم التعامل فيه مع جرائم القتل بهذا التسامح مؤكدةً: "ما من شخص يستحق أن تزهق روحه بسبب غلطة لأن طرق المغفرة كثيرة، والقتل لا يتناسب مع روح التسامح التي يجب أن تتسم مجتمعاتنا بها".
ولفتت الوقيان إلى أن الإنسان غير معصوم عن الخطأ مُعتبرةً أن التعامل مع المرأة بقسوة تصل حد القتل لمجرد أنها أخطأت أمر مرفوض مُتسائلة: حتى الدين لم يعاقب الزنا بالقتل، فكيف للقانون أن يسهل القتل؟
تضمنت الدراسة سؤالاً عن أكثر الأشخاص المُعنِّفين للمرأة، فقالت 50% من المعنفات إن الزوج أو الخطيب أكثر شخص يقوم بتعنيف المرأة وقالت 20% منهن إنه شريك (طليق)، و13% أجبن إنه أخ أو أب أو أحد الأقارب.
"لا أدري لماذا يعتريني الشعور أحياناً أن العلاقة بين الرجل العربي والمرأة العربية هي علاقة عقارية، ينطبق عليها كُل ما ينطبق على العلاقات العقارية من معاينة، ودفع رسوم، واستملاك".. مقولة للشاعر نزار قبّاني تختصر ما تمّر به النساء في بعض المجتمعات العربية
تقول الناشطة النسوية الحقوقيةكريمة كرم لرصيف22 إن استمرار وجود المادة 153 حتى اليوم يعود للمُجتمعات الذكورية والقبلية التي تعتبر أن "عضواً تناسلياً بين أفخاذ النساء هو الشرف".
مفهوم الشرف
تقول الناشطة الكويتية النسوية الحقوقية كريمةكرم التي تُعرّف عن نفسها بـ "المُتمردة" على تويتر، وهي إحدى مؤسسات حملة #كويتيات_ضد_العنف إن استمرار وجود المادة 153 حتى اليوم يعود للمُجتمعات الذكورية والقبلية التي تعتبر أن "عضواً تناسلياً بين أفخاذ النساء هو الشرف"، وفقاً لما قالته لرصيف22. وأضافت أن هذه الفئات تُقدّس الرجل وتعتبر أن المرأة خُلقت لخدمته فقط بسبب الصحوة الدينية التي رسّخت مبادئ "ملكية الزوج لزوجته" لافتةً إلى أن المُجتمع يقول للمرأة "سامحيه... اصبري" في حال خان الرجل في حين يحرضون الرجل على قتل المرأة لو خانت أو شك بسلوكها، مؤكدة: جوهر قضيتنا هو نظرة الرجل لفروج قريباته.
ولفتت في حديثها مع رصيف22 إلى أن آخر ضحايا المادة 153 كانت فتاة كويتية قُتلت على يد شقيقها في ديسمبر الماضي في منطقة بر السالمي بسبب "خلافات عائلية"، مُشيرة إلى أن ملف القضية أغلق ولم يتابعه الإعلام مؤكدةً وجود مئات القضايا في الأدراج بسبب جرائم القتل التي يسمونها جرائم شرف.
ورغم أنها لم تفقد الأمل بأن يسقط القانون إلا أن كريمة تعتبر التغيير صعباً، يتطلب وقفات احتجاجية وتوحيد صفوف النسويات وكُل الرافضين للمادة لافتة إلى أن مجلس الأمة مشغول بقضايا ثانوية وسطحية ولهذا لا يتطرّق أحد لهذا القانون.
حملة لإلغاء مادة 153
اكتشفت الدكتورة العنود الشارخ وهي باحثة وأكاديمية وناشطة المادة 153 التي تُشرّع جريمة القتل بدافع الشرف عام 2005 حين مُنحت المرأة في الكويت حقها السياسي بالترشح للبرلمان ولكنها لم تستطع العمل على إلغاء المادة حينها حتى عام 2015 حين أطلقت برفقة شيخة النفيسي ولولو الصباح وسندس حمزة وأميرة بهبهاني الحملة المُطالبة بإلغاء المادة.
الدافع وراء إطلاق الحملة بعد نحو عشر سنوات كانت قضية طالبة كويتية طعنها والدها 16 طعنة مُبرراً فعلته بأنها: جريمة شرف! ليتبيّن في ما بعد أن السبب هو عدم رد ابنته على اتصاله وانشغالها بمُحادثة أخرى، ما أثار استفزازه مُعتبراً أنها "قللت من احترامها لشخصه" وأنها بالفعل ارتكبت "عملاً مخلاً بالشرف".
تقول الدكتورة العنود الشارخ لرصيف22 إن الحملة نجحت بنشر الوعي بشأن المادة 153 وكشف مواد قانونية أُخرى تُبيح العنف ضد المرأة في ظل غياب قانون يحميها ودار إيواء تقدم الأمان للمرأة المُعنفة في الكويت، مُشيرة إلى أن أمن الأسرة وحماية المعنفات ليس من أولويات الحكومة الكويتية.
ولفتت إلى أن الحملة نجحت في شهر مايو 2017 بتمرير مقترح مشروع قانون لإلغاء المادة بتوقيع 5 نواب وهم عمر الطبطبائي وعبدالوهاب البابطين وأحمد الفضل ويوسف الفضالة وصفاء الهاشم، أخذ صفة مستعجلة وهو بانتظار تحديد جلسة للتصويت عليه.
ولفتت إلى "استغراب شديد واستنكار من حضور مواد لا إنسانية في بلد مستنير مثل الكويت" حين بدأت الحملة في تسليط الضوء على قضايا العنف مؤكدةً أن المُجتمع بات أكثر وعياً اليوم وأصبح يُطالب بإسقاط المادة لافتةً إلى أن الحملة لم تطلق هاشتاغ #كويتيات_نطالب_باسقاط_المادة153 في ديسمبر الماضي حين قُتلت الفتاة التي أُطلق عليها اسم "منحورة السالمي" في منطقة بر السالمي. وأكدت لرصيف22 غياب إحصائيات رسمية بعدد ضحايا جرائم الشرف رغم مطالبة مؤسِسات الحملة لوزارة العدل بتقديم أرقام بذلك. وقالت الشارخ: "أصبحنا نحن الملجأ والملاذ للمُعنفات وللمُهددات وهذا دافع يومي رغم أنه عبىء كبير مادياً وقانونياً"، لافتةً إلى أن الحملة ساعدت نحو 100 حالة من جميع أطياف المجتمع بالكويت، مُضيفة: هذا واجب الدولة.
ولفتت إلى أن الحملة تسعى أيضاً لنشر الثقافة مُعتبرة أن "العنف ضد المرأة قضية ثقافية تحمل نظرة دونية للمرأة" ولذلك نظمت معارض فنية وأمسيات شعرية ومؤتمرات إقليمية ومحلية، آخرها كان عرض مسرحية "كيري ميري" التي تسلط الضوء على مُعاناة المرأة الكويتية المُعنفة.
وأكدت لرصيف22 أن المادة 153 هي مادة دخيلة من الموروث الاستعماري الفرنسي (المادة 337 من قانون العقوبات الفرنسي القديم) لافتةً إلى أنها "ليست من عادتنا وتخالف الشرع والدستور ومعاهدات حقوق الإنسان"، بحسب قولها، مُضيفة: نرفض التقليل من شأن المرأة الكويتية بمواد بالية مثلها.
وفي دراسة أعّدتها عضو هيئة التدريس في قسم الإعلام في كلية العلوم الاجتماعية الدكتورة فاطمة السالم حول انتشار العنف ضد المرأة في الكويت خلال ندوة استضافت مؤسسات الحملة أقرت 51.2% من نساء العينة تعرضهن لنوع من أنواع العنف.
وتصدّر "الإيذاء الجسدي" قائمة أنواع العنف المسلط على الكويتيات فيما جاء في المرتبة الثانية "العنف النفسي"، أما "الإيذاء اللفظي" فكان أسفل الترتيب.
وتضمنت الدراسة سؤالاً عن أكثر الأشخاص المُعنِّفين للمرأة، فقالت 50% من المعنفات إن الزوج أو الخطيب أكثر شخص يقوم بتعنيف المرأة وقالت 20% منهن إنه شريك (طليق)، و13% أجبن إنه أخ أو أب أو أحد الأقارب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 20 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت