تنتشر الصور والأخبار من المدن السوريّة المختلفة منذ أسابيع لتظهر حجم أزمة المواصلات في البلاد. فحادثة إغلاق قناة السويس المصريّة، بسبب جنوح سفينة ضخمة، أسفرت عن كارثة في سوريا تمثلت في أزمة ندرة المشتقات النفطيّة والتي تجلت آثارها في صورة غياب مركبات المواصلات العامة، واستطالة طوابير الانتظار أمام محطات الوقود في جميع المناطق، وهي أزمة تمتد منذ شهور طويلة، إلّا أنّها تفاقمت خلال الأيام والأسابيع الماضيّة.
وذكرت تقارير صحافيّة أنّ باصات النقل الداخلي أصبحت قليلة جدًا منذ قرابة أسبوعين، وأنّ الميني باص (السرفيس)، وهي وسائل النقل الرئيسيّة في سوريا، لم يعد لها نشاط يذكر، على الأقل في العاصمة دمشق.
في حديث لرصيف22 قالت لمى (اسم مستعار، وهي مقيمة في دمشق) إنّ "السيارات تكاد لا تُرى في الشوارع، وإنّ السرافيس قد اختفت نهائيًا، وإنّ الحكومة أدخلت عددًا من حافلات النقل الداخلي الكبيرة في الخدمة، لكن الوضع سيىء جدًا وليس هنالك مواصلات تكفي".
وأضافت أنّ الوضع "مزرٍ بشكل غير قابل للوصف"، وخاصة مع انتشار فيروس كورونا المستجد: "بعض الناس فوق بعض والأجرة تضاعفت من ألف إلى ألفين وخمسمئة ليرة (150%) خلال أقل من شهر، وهو مبلغ كبير للشريحة الأوسع من الشعب ".
وتصف لمى الوضع في الشارع الدمشقي بأن "السيارات تحولت إلى هياكل"، والسائقين غير قادرين على إصلاح سياراتهم إن تعطلت، وأنّ معظم السيارات الخاصة تحوّلت إلى سيارات أجرة بسبب صعوبة الأوضاع المعيشيّة والنقص الهائل في وسائل النقل العامة.
"الوضع مزرٍ بشكل غير قابل للوصف، خاصة مع انتشار فيروس كورونا، بعض الناس فوق بعض والأجرة تضاعفت من ألف إلى ألفين وخمسمئة ليرة خلال أقل من شهر". - مواطنة سورية لرصيف22
إنقاذ إيراني
تعد سوريا من أكثر الدول استيراداً للنفط الإيراني. واعتمدت الحكومة السوريّة بشكل رئيسي على دعم إيران البترولي، إذ تصدّر إيران النفط لسوريا بطرق مختلفة، متجاوزة العقوبات الأمريكيّة والأوروبيّة المفروضة عليها وعلى النظام السوري.
كما أعلنت إيران أخيرًا تدشين خط تجاري جديد مع سوريا، يُتوقَّع أن يساهم في تخفيف الضغط عن الحكومة، لكن إغلاق قناة السويس، أغلق – بالتبعية- طريق القوافل الإيرانيّة، وهذا ما أعاق قدرة النظام السوري على تقديم الخدمات الأساسيّة للمواطنين.
كذلك اعتمدت الحكومة على تهريب المحروقات عبر صهاريج من المناطق الشرقيّة في البلاد، حيث تتركز معظم حقول النفط السوريّة، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطيّة (قسد)، لكن الخلافات المتجدّدة بين الجانبين ساهمت أحيانًا في تقليل أو انعدام وصول المشتقات النفطية من مناطق سيطرة قسد إلى مناطق سيطرة الحكومة.
حلول حكوميّة؟
في محاولات الحكومة لحل الأزمة الحالية أكدت الشركة العامة للنقل الداخلي في دمشق وريفها، أنّها كثفت من تسيير باصاتها (الحافلات) لتأمين نقل المواطنين من جميع مراكز باتجاه مناطق دمشق وريفها، لتعويض النقص الحاصل في وسائط النقل العامة 'السرافيس".
وتولّت العديد من المكاتب التنفيذيّة في مجالس المحافظات المختلفة تعديل أجور نقل الركّاب في السيارات العاملة بالبنزين، كما حدث في محافظة طرطوس. أما في محافظة حلب، فقد قررت لجنة نقل الركاب المشتركة إيقاف بطاقات آلاف المركبات التي "تستجر (تسحب) المازوت المدعوم ولا تعمل على الخطوط المحددة لها".
فيما أصدر مجلس الوزراء بلاغًا هدفه "تخفيض مخصصات السيارات الحكوميّة من مادة البنزين لنيسان/ أبريل الحالي بمقدار 100 ليتر للسيارة الأولى، و25 ليترًا للسيارة الثانيّة، و15 ليترًا للسيارة الثالثة".
اعتمدت الحكومة السوريّة بشكل رئيسي على الدعم الإيراني، إذ تصدّر إيران النفط لسوريا بطرق مختلفة، متجاوزة العقوبات الأمريكيّة والأوروبيّة المفروضة عليها.
السوريون يسخرون
امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات المواطنين على القرارات الحكوميّة، بعضها يحمل الحزن والأسى علي حال البلاد، فكتبت إحدى المعلّقات "لك بس من شان الله شوفو دور الكازيات رجال كبار عم ينذلو ليعبو بانزين، او يأمنو ربطة خبز لعيلتو خافو الله مواصلات مافي العالم بالساعات اليوم راح عليهن دوام مدارس ودوام جامعات حسبي الله ونعم الوكيل".
وكتبت أخرى "بلله جد عذر اقبح من ذنب وحياة ربي لك مووو حرام هالعالم عم تتلذذو بعذابها كل يوم بتطلعو قرار بذل اكتر من التاني الله يخفس فيكن الأرض ويريحنا منكن ومن قراراتكن الحقيرة"
وكتب آخر "سكروا البلد وبلا هالمسخرة العالم ماعم تقدر توصل عشغلا والكورونا معبية البلد".
ونشرت صفحة "الوكالة الطرطوسيّة للأنباء" الساخرة صورة لأناس يركبون الخيول وعلّقت على الصورة "في ضربة استباقية لمنع المواطن من استخدام الدواب في المواصلات العامة، الحكومة تصرح: تكلفة استيراد الأعلاف ارتفعت بنسبة 100 بالمئة".
في ضربة استباقية لمنع المواطن من استخدام الدواب في المواصلات العامة الحكومة تصرح : تكلفة استيراد الاعلاف ارتفعت بنسبة ١٠٠ بالمئة .
Posted by الوكالة الطرطوسية للأنباء TNN on Friday, 2 April 2021
كما كتب أحدهم معلقًا على خبر قرار حكومي ساخرًا: "بحسكن بس تحكوا وتصدروا قرارات كأنكن عايشين بكندا وبتحكوا بكل برود كمان يا مسخرة".
أزمة متكررة
الاعتماد الكبير من الحكومة على النفط الإيراني تسبب مراراً في أزمات في الداخل السوري، خاصة مع العقوبات الأمريكية التي عادت للضغط على إيران في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وقدّرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في 2019 أن النظام السوري يصله نحو 66 ألف برميل يومياً من إيران. وعلّقت "كان النفط الإيراني شريان حياة للنظام السوري طوال فترة الحرب الأهلية".
في شباط/ فبراير 2019، وجد النظام السوري نفسه في مواجهة أزمة مع توقف إمدادات النفط الإيرانية. لكن الأزمة انتهت في غضون أسابيع، وعادت تتجدد في أيلول/سبتمبر 2020، واستمرت شهرين.
وتستقبل سوريا النفط الإيراني بعدة طرق، منها السفن الإيرانية الواصلة إلى موانئها على المتوسط عبر قناة السويس.
كذلك حاولت إيران إحياء خط يمر منها عبر الأراضي العراقية إلى ميناء بانياس السوري، إلا أن سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات شاسعة من المنطقة التي يمر بها الخط حال دون ذلك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين