تتوارد الأنباء منذ حوالي شهر من مدينتي القامشلي والحسكة، الواقعتين شمال شرق سوريا، واللتين تسيطر عليهما قوات سوريا الديمقراطية "قسد" (تأسست في العام 2015، وكانت ما يشبه توسّع وحدات حماية الشعب الكردية، وانضمام مجموعات أخرى، من خلفيات دينية وعرقية مختلفة لها) عن اشتباكات بين القوات الأمنية الموالية لنظام بشار الأسد، وقوات سوريا الديمقراطية التي تتبع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، ما دفع إلى محاصرة قوات النظام السوري في مربعاتها الأمنية. وجاء هذا التطور بعد أيام طويلة من المعارك والقصف المتبادل، بين القوات التركية والمليشيات السورية الموالية لها من جانب، وقوات قسد في مناطق مختلفة من ريف عين عيسى، من جانب آخر.
الأسباب الكامنة خلف المشكلة الأخيرة
تختلف الآراء حول أسباب "الحرب" الأخيرة بين قوات النظام السوري وقوات قسد، حيث تردد قنوات الأخبار المرتبطة بالنظام أخباراً عن حصار قسد للمدنيين، فأوردت وكالة سانا للأنباء، وهي الوكالة الرسمية للأخبار في سوريا والناطقة باسم حكومة دمشق، خبراً يقول إنّ "ميليشيا قسد، المرتبطة بالاحتلال الأمريكي، تفرض حصارها الخانق على مدينة الحسكة، وتمنع دخول الآليات ووسائل النقل والمواد التموينية والغذائية وصهاريج المياه، وغيرها من الاحتياجات الأساسية اليومية، لأهالي المدنية".
فيما قال علي الحسن، الناطق باسم قوات الأسايش (قوى الأمن الداخلي التابعة لقسد) إن "تدهور الأوضاع الأمنية وتصعيد حالة التوتر كان بسبب استمرار قوات الدفاع الوطني (ميلشيات تابعة للنظام السوري) باستكمال مشروع زرع الفتنة بين مكونات الشعب".
حرب بين قسد وقوات النظام في أغنى مناطق سوريا: كيف يؤثر ذلك على وصول المواد الأساسية للمدنيين؟
في حين ربطت تصريحات صادرة عن قسد الحصار المفروض على ما يُسمى محلياً بالمربعات الأمنية في مدينتي القامشلي والحسكة، بالتضييق الذي تمارسه قوات النظام على وصول المواد الغذائية وحركة الأفراد باتجاه منطقة الشيخ مقصود ذات الأغلبية الكردية في مدينة حلب. حيث أورد موقع الجمهورية عن مصادر محلية، أن الأسباب مرتبطة بالتحركات الأمريكية الروسية التركية في أكثر من منطقة تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.
نبذة سريعة عن القامشلي والحسكة
تتكون مدينتا القامشلي والحسكة من خليط كبير من الإثنيات والأديان والقوميات واللغات، إذ يعيش فيها الأكراد والعرب والكلدان والآشوريون والتركمان والشركس، بخليط متنوع من طوائف الأديان الإسلامية والمسيحية واليهودية والإيزيدية. لغة المنطقة الرسمية خلال سنوات حكم الأسد كانت العربية، وكان يُمنع التحدث باللغة الكردية، لغة أغلبية سكان المنطقة. وبعد "تحرير" المدينة وسيطرة القوات الكردية عليها، أصبحت الكردية لغة رسمية إلى جانب العربية والسريانية.
تغيب الإحصائيات الرسمية لأعداد السكان، لكن يقدّر عدد سكان القامشلي بمئة ألف نسمة، وعدد سكان الحسكة بمئة وثمانين ألفاً، فضلاً عن عشرات الآلاف من النازحين من مدن سوريا الأخرى خلال سنوات الحرب، وخاصة من مدن دير الزور والرقة وحلب وحمص.
تسيطر قوات سوريا الديمقراطية على مساحات واسعة من شمال وشرق سوريا، وتنتشر فيها نقاط لقوات التحالف وقواعد عسكرية أمريكية، فيما تسيطر ميلشيات الأسد وقوات النظام السوري على بعض النقاط والمربعات الأمنية، في الوقت الذي تسيطر فيه قوات تركية وميلشيات سورية موالية لها، على بعض المناطق الحدودية، فضلاً عن دوريات روسية تركية مشتركة، تسير على طول الخط الحدودي الفاصل بين جنوب تركيا وشمال سوريا.
تظهر المنطقة المُلوّنة باللون الأصفر مناطق سيطرة قسد، والمناطق باللوم الأحمر مناطق سيطرة قوات النظام
هذه الخريطة مُحدّثة بشكل دائم من قبل موقع سوريا لايف ماب وهذا تحديث اليوم الرابع من شباط/فبراير 2021
ما هي المربعات الأمنية في مدينتي القامشلي والحسكة؟
المربعات الأمنية هي عدد من الأحياء في مدينتي القامشلي والحسكة، خاضعة لسيطرة النظام السوري، في الوقت الذي تسيطر فيه قسد على باقي المدينة والمنطقة ككل. يتواجد النظام السوري في هذه المربعات بدوائره الرسمية وفروع أمنه، كما تتواجد فيها منظمات حزب البعث العربي الاشتراكي، وتكون هذه المربعات صلة وصل المنطقة بمؤسسات الحكم في دمشق.
والمربعات الأمنية ليست مربعات مغلقة، بل هي مناطق مفتوحة يتم العيش فيها بشكل عادي وطبيعي، ويمكن أن يعيش المرء في مربع أمني ويعمل خارجه والعكس صحيح. تغير الوضع في بداية شهر كانون الثاني/ يناير المنصرم، حين نشرت قوات قسد حواجز اسمنتية على جميع الطرق المؤدية إلى مناطق النظام، لكن ورغم ذلك، يمكن الدخول والخروج من تلك المناطق بسهولة نسبياً.
المربع الأمني في مدينة الحسكة والصورة مأخوذة من موقع سوريا لايف ماب في الرابع من شباط/فبراير 2021
المربع الأمني في مدينة القامشلي والصورة مأخوذة من موقع سوريا لايف ماب في الرابع من شباط/فبراير 2021
مظاهرات ضدّ قسد
قامت قنوات النظام ووسائله الإعلامية بالترويج لمصطلح الحصار، بما يهدف لنشر تهمة الانفصال التي كان يُتهم بها الأكراد طوال حكم آل الأسد لسوريا. فقامت القوات الأمنية بفرض خروج موظفين وطلّاب مدارس في مدينة دير الزور في "مظاهرة"، للتنديد بحصار قسد المفترض لأهالي القامشلي والحسكة، فضلاً عن بيانات لا يُمكن التأكد من صحتها، قامت بنشرها وكالة سانا للأخبار.
كما خرج مئات الأشخاص في "مظاهرة" في مدينة الحسكة، وقاموا برشق حواجز الأسايش بالحجارة، ويُلاحظ في مقطع فيديو انتشر على شكل واسع، وجود رجال أمن بأسلحتهم النارية ضمن "المتظاهرين"، ما يعزّز الشكوك في وقوف القوات الأمنية خلف هذه التحركات.
حرب دولية في شمال شرق سوريا، أبطالها قوات الأسايش وميلشيات النظام السوري... ما الذي يحدث في مناطق الإدارة الذاتية؟
ماذا يحدث الآن؟
ما تزال المناوشات بين الفريقين جارية في المدينتين، ما خلق أوضاعاً صعبة على المدنيين، وخاصة فيما يتعلق بوصول المواد الأساسية، مثل الطحين والخبز والمحروقات.
لكن، يبدو أن الأمور تتجه نحو حلّ ما غير معروف التفاصيل، إذ عقد علي الحسن، الناطق الرسمي باسم قوى الأمن الداخلي (الأسايش) التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والتي تشكل قسد جناحها العسكري، يوم الثلاثاء، الثاني من شباط/ فبراير الجاري، مؤتمراً صحفياً، قال فيه: "إنهم يعملون على إنهاء حالة التوتر في المنطقة، وأنهم يؤكدون على عودة الحياة الطبيعية والسماح بدخول كافة المواد إلى مناطق تواجد النظام في المربعين الأمنيين في مدينتي القامشلي والحسكة، وذلك حرصاً منهم على وحدة الدم والتراب السوري".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...