في مطلع الألفية الثالثة، عرضت إيران تقديم خدمات في منطقة "عين علي" التابعة لمدينة الميادين، في ريف دير الزور، شرق سوريا، وبناء مسجد، على أن يكون الإشراف عليه لأهل المنطقة، ولكن أبناء الميادين وقراها رفضوا ذلك.
واليوم، وبدون مقابل، صارت منطقة "عين علي" لإيران إشرافاً وتبعيةً. شيّدت فيها القباب ورصفت أرضيتها لاستقبال "الحجاج".
عين للزيارة ومراكز لتجنيد الأطفال
"عين علي" عين ماء تقطر مياهاً يعتقد أبناء المنطقة أن لها فوائد شفائية. أما بالنسبة إلى الإيرانيين، فهي مكان روحاني مقدس مرتبط بعلي بن أبي طالب وتشجّع على الحج إليه، إذ يسوّق الإيرانيون لرواية أن النبع تفجّر من تحت حوافر فرس علي بن أبي طالب، خلال توجّهه مع جنوده إلى معركة "صفين"، قرب مدينة الرقة.
قد يبدو هدف إيران من السيطرة على المنطقة روحانياً بريئاً، ما يدغدغ مشاعر محبي "آل البيت"، ولكن هذه الروحانية تتلاشى عند معرفة أنه، وعلى مسافة قريبة جداً منها، وبالتحديد على طريق قلعة "الرحبة" القريبة جداً من نبع الماء، يوجد مركز "البصيرة" لتدريب الأطفال على القتال.
يستقبل "الحاج إبراهيم"، وهو إيراني يشرف على المركز، أطفالاً أعمارهم بين 15 و18 سنة، بعد أن يكونوا قد شاركوا في دورات في "مركز الشدوحي" في مدينة الميادين، تحت إدارة شخصين هما طلال الحموي وقيس أبو سرمد الديري، وفق ما أوردته شبكة عين الفرات الإخبارية، وهي شبكة سورية تهتم بأخبار المنطقة الشرقية.
وأوضحت الشبكة أن مركز الشدوحي أنشأته جمعية جهاد البناء التابعة للحرس الثوري الإيراني في شهر أيار/ مايو من عام 2019، ويسعى لإعداد الأطفال عقائدياً ثم بعد تخرجهم منه تكون وجهتهم مركز البصيرة، على أطراف مدينة الميادين، حيث يتلقّون دورات تصل مدة كل منها إلى ثلاثة أشهر، في معسكرات تعدّهم بدنياً وعقائدياً، مع تدريبهم على الأسلحة الخفيفة.
وبعد إتمام الطفل دورته مع "الحاج إبراهيم" يُقيّد اسمه في مركز النصر الذي يشرف عليه إيرانيون، ويقع في حي الصناعة في دير الزور، وبعدها يرسل الطفل إلى اللواء 137، لينهي دورة مدّتها أسبوعان يتدرّب فيها على الأسلحة والمهمات التي سيُكلَّف بها لاحقاً عند فرزه على المقرّات الإيرانية.
أين يذهب الأطفال بعد المعسكرات؟
عبد الله (اسم مستعار)، هو طفل من الميادين يبلغ من العمر 16 عاماً، هرب مؤخراً من قوات "أمن القرى" التي يشرف عليها "الحرس الثوري" وتمكن من الوصول إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ويحاول الآن الدخول إلى تركيا، عبر مهربين محليين، على أمل أن يكمل طريقه إلى أوروبا.
يقول عبد الله لرصيف22: "تركت المدرسة و انضميت عندما كان عمري 14 سنة. بعض المتطوعين معي كانت أعمارهم 12 سنة، فالمهم لقبول المتطوع هو ضخامة الجسم".
ويضيف: "جمعونا في مركز بالقرب من قلعة الرحبة حيث تلقينا تدريباً عسكرياً، وبعدها قُيّدت أسماؤنا في مدينة دير الزور. وبعد تقييد الأسماء من الممكن أن نُفرَز مع مجموعات ‘أمن القرى’ التي تنشط داخل الريف وخصوصاً على المعابر النهرية".
هؤلاء الأشخاص لا تتجاوز رواتبهم الـ60 ألف ليرة سورية (48 دولاراً)، ولكن يستفيدون من "الجَمرَكة"، أي أخذ المال من المواطنين العابرين بين ضفتي نهر الفرات.
قد يبدو هدف إيران من السيطرة على منطقة عين علي التابعة لمدينة الميادين السورية روحانياً بريئاً، ولكن هذه الروحانية تتلاشى عند معرفة أنه، وعلى مسافة قريبة جداً منها، يوجد مركز لتدريب الأطفال على القتال
هنالك آخرون يقبلون القتال والانتقال مع الميليشيات التابعة لإيران إلى مناطق أخرى وتتجاوز رواتبهم الـ200 ألف ليرة سورية (حوالي 160 دولاراً).
وهنالك أيضاً قسم ثالث من الأطفال والمراهقين، هم الذين قبلوا التشيّع. هؤلاء يصيرون مقرّبين من "الحاج"، المسؤول عن المنطقة، ويتلقّون تدريبات ليصيروا عناصر مرافقة.
"أنا اخترت أمن القرى"، يوضح عبد الله، ويتابع: "كنّا نشرف على المعابر النهرية ونأخذ قوائم من الجهات الأمنية لإلقاء القبض على بعض المطلوبين، ولكن لم نكن ندقق كثيراً، فما يهم العناصر هو الحصول على المال والتدخين".
ويضيف: "أحياناً، كان يتم الزج بنا في معارك فرض السيطرة مع حواجز قوات الفرقة الرابعة أو ميلشيات تحاول أن تكون لها السلطة في المنطقة، ولكن في الفترة الأخيرة نُقل قسم كبير منّا إلى مناطق البادية حيث تنتشر خلايا لتنظيم داعش ولم يعودوا وهذا ما دفعني للهرب".
مركز للأطفال غير المقاتلين
ليست كل المراكز التي أنشأها الإيرانيون معدّة للتدريب على القتال. فبحسب شبكة عين الفرات الإخبارية، لا يدرّب مركز "النور الساطع" (مركز الحسبة في عهد داعش)، والذي يستقبل أكثر من 250 طفلاً، لمدة يومين أسبوعياً، على القتال بل يوزع الهدايا والطعام والألعاب عليهم، ويعطيهم دروساً في الدين والإرشاد يشرف عليها شخصان إيرانيان هما سيد أيوب وسيد مهدي، يتحدثان بلغة عربية جيدة.
"انضمامه للإيرانيين سيجعله يحصل على مال يكفي مصروفه ومن الممكن أن يساعدنا في ظل موجة غلاء الأسعار التي تعيشها عموم المنطقة"... لماذا لا يمنع الآباء (السنّة) أبناءهم من الالتحاق بالميليشيات التابعة لإيران في منطقة دير الزور السورية؟ الجواب بسيط: الفقر
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، تسعى إيران من وراء مركز النور الساطع إلى "استقطاب الشبان والأطفال، من أجل تعزيز التواجد الإيراني ضمن المنطقة وتهيئتهم فكرياً ومن ثم عسكرياً".
السبب: الفقر
لماذا لا يمنع الآباء (السنّة) أبناءهم من الالتحاق بالميليشيات الإيرانية أو التابعة لإيران، أو بالمراكز التي تديرها إيران؟ الجواب بسيط: الفقر.
تستغل إيران فقر السوريين، وتمكنت من تجنيد أكثر من 11 ألف سوري في عموم سوريا، بحسب مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن.
وبحسب تقرير سابق للمرصد أصدره عندما كان يقول إن عدد المجنّدين يبلغ نحو 9000 عنصر، هناك 3600 من الشباب والرجال السوريين من أعمار مختلفة "جرى تجنيدهم في صفوف القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها، وذلك ضمن منطقة غرب نهر الفرات في ريف دير الزور"، فيما الباقون مجنّدون في منطقة الجننوب السوري. ويؤكد ناشطون الآن أن عدد هؤلاء تجاوز الأربعة آلاف شخص.
ينشغل الآباء بهَمّ توفير لقمة العيش، في ظل أوضاع اقتصادية بالغة السوء. وهذا ما يجبرهم على السماح لأبنائهم، وأحياناً دفعهم، للانخراط في صفوف الميليشيات التابعة لإيران، بغية الحصول على الراتب والسلال الغذائية، بالإضافة إلى المعاملة الخاصة والطبابة المجانية في المراكز الصحية التي افتتحتها إيران في المنطقة.
أبو ياسر (اسم مستعار)، هو موظف حكومي يبلغ من العمر 49 عاماً، وراتبه نحو 45 ألف ليرة سورية (حوالي 36 دولاراً)، وأب لستة أطفال. تطوع ابنه ذي الـ17 عاماً في صفوف الميليشيات الإيرانية. ويقول لرصيف22: "أعرف أن انضمامه إلى صفوف الحرس الإيراني خطأ ولكن ليس باليد حيلة، فإما أن يبقى إلى جانبي ولكن سيجبر على الخدمة العسكرية مع الجيش السوري ويزج به في مناطق القتال في إدلب ويلقى حتفه مثل العديد من أبناء قريتنا أو أن ينضم للحرس فأضمن بقاءه في المنطقة".
ويتابع: "انضمامه للأخير سيجعله يحصل على مال يكفي مصروفه ومن الممكن أن يساعدنا في ظل موجة غلاء الأسعار التي تعيشها عموم المنطقة".
بكل الحالات، موافقة الآباء ليست ضرورية لانضام شاب أو طفل للميليشيات الإيرانية. ففي أحيان كثيرة قد يتمرد المراهق الذي تغريه النقود والسلطة والسلاح الذي سيستلمه على أهله، وهو سلاح بدأ يحصد أرواح بعض حامليه خلال مهماتهم، ليُضافوا إلى مئات الأطفال الأفغان والعراقيين الذين قضوا في معارك إلى جانب الحرس الثوري سابقاً.
وتسعى إيران من خلال السيطرة على مناطق دير الزور إلى إكمال هلالها الشيعي الممتد من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق. ولا تتوانى عن استغلال الحاجة الاقتصادية للسكان وغياب الخدمات الطبية الرسمية.
ولكن تجنيد الأطفال يُعَدّ الخطوة الأهم والأخطر في سياق تحقيق مشروعها، وسيبقى أثره حتى في حال اضطرت للخروج من سوريا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.