شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
كيف ينقل البنتاغون ملايين الدولارات إلى ميليشيات مرتبطة بإيران؟

كيف ينقل البنتاغون ملايين الدولارات إلى ميليشيات مرتبطة بإيران؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 26 مارس 202104:55 م

كشفت وثائق مسربة عن قيام وزارة الدفاع الأمريكية بتمويل ميليشيات مسلحة وفرق موت موالية لإيران عبر صفقات فاسدة عقدتها إحدى الشركات التي كانت تعمل نيابة عن الجيش الأمريكي في إدارة قاعدة عسكرية في العراق.


 تذكر الوثائق أن شركة "ساليبورت"، المتعاقدة مع البنتاغون لإدارة قاعدة بلد العسكرية في العراق، أبرمت اتفاقاً مع شركات أخرى مرتبطة بمسؤولين حكوميين وأحزاب وقيادات في الحشد الشعبي الموالية لإيران.


كان الوقود في قاعدة بلد الجوية في العراق، مركز مقاتلات إف -  16 الأمريكية، على وشك النفاد في ربيع عام 2017، حينما كان الجيش العراقي يستعد لإخراج تنظيم داعش من الموصل، التي سقطت في أيدي المتطرفين قبل ثلاث سنوات. 


في ذلك الوقت، كانت شاحنات الوقود قادمة من بغداد إلى الشركة الأمريكية التي تدير القاعدة، لكنها تعرضت لكمين، فأصبحت الطائرات المقاتلة غير قادرة على توفير الدعم الجوي للجنود العراقيين على الأرض.


بحسب التقرير الذي نشره  الصحافي زاك كوبلن في 25 آذار/مارس على موقع مركز "بروسبكت"، تظهر عدة وثائق أن ساليبورت كانت في مأزق، وتريد توفير الوقود في هذا التوقيت السيىء ولم تكن عازمة على التخلي عن هذه المهمة.


في رأي كوبلين، فإن النفوذ الأمريكي في العراق يمكن الشعور به إلى حد كبير من خلال الشركات العسكرية، مثل سليبورت، التي تعمل بمثابة قوات غير معترف بها على الأرض. 


وقال كوبلين إن لهذه الشركات مصلحة في استمرار الحرب وهذا الاحتلال غير المرئي إذ تتضمن قيادة ساليبورت قائمة من الضباط العسكريين والاستخباراتيين السابقين، وقد حصلت على عقود بقيمة ملياري دولار من البنتاغون، في إطار برنامج إدارة قاعدة بلد الجوية العراقية منذ عام 2014. 


وكي تستمر سليبورت في الربح، عليها أن تحافظ على السيطرة على القاعدة وضمان عملها بسلاسة، لذلك لجأت إلى عقد صفقات مع سياسيين عراقيين معروفين بالفساد.


يُزعم أن شركاء ساليبورت العراقيين - الذين تعاقدت معهم - مرتبطون بجماعات شبه عسكرية معادية وتقاتل الولايات المتحدة على الأرض وتنتهك حقوق الإنسان. 


يعلق كوبلين قائلاً: "هذا النوع من الصفقات غير المشروعة يُعدّ جزءاً روتينياً من عقود البنتاغون في جميع أنحاء البلاد، وهو ذو قيمة كافية للقتال من أجله".


من جانبه، قال الرئيس التنفيذي للعمليات في ساليبورت جلوبال هولدنجز سي. دي مور: "لقد تم فحص جميع شركائنا التجاريين في العراق بشكل كامل، بما في ذلك فحص وزارة الدفاع الأمريكية للعمل في القاعدة". وأضاف في بيان. "نحن يقظون بشأن التزاماتنا ونأخذها بجدية تامة للامتثال لجميع قوانين ولوائح الولايات المتحدة والدول المضيفة".

الاعتماد على شركاء ومقاولين محليين وسيلة مناسبة للإدارة الأمريكية لتجاوز القانون الأمريكي، لا سيما في حالات الفساد، والإثراء غير المشروع ، وانتهاك حقوق الإنسان وتجاوز كل معايير المؤسسة العسكرية الأمريكية

ابتزاز الشركة

أشار كوبلين إلى أن الشركة ألقت باللوم على تنظيم داعش في الهجمات على شاحناتها، لكن الكمائن التي استهدفت هذه الناقلات لم تتطابق مع تلك التي قامت بها هذه الجماعة الإرهابية ولا يتناسب مع قدراتها. 


وأضاف: "يعتقد محللو المخابرات بشكل خاص أنهم كانوا جزء من حرب تنافسية بين الشركات".


في ذلك الوقت، كتبت مستشارة ساليبورت، جينجر كروز، في رسالة بريد إلكتروني إلى الشركة، وتحديداً في أيار/مايو 2017: "أكبر العقبات التي تواجهك في الحصول على الوقود 'سياسية' في المقام الأول".


وعرضت كروز، وهي مسؤولة سابقة في مكافحة الفساد بالحكومة الأمريكية، حلاً لساليبورت في نفس البريد الإلكتروني وهو: "يرتبط اختيار البائعين ارتباطًا مباشراً بقرارات العمل الجيدة".


في العراق، تعني جملة "الأعمال الجيدة" عادةً كسر القواعد، وهو أمر كانت شركة ساليبورت مستعدة للقيام به. لذلك تواصلت الشركة، بعد توصية كروز، مع شركة عراقية، هي "ليث البوادي"، لتوريد الوقود. 


تجمع ليث البوادي شبكة معقدة من موظفين تابعين لشركات متعددة الجنسيات، تسمى "سيغما"، وقد تم إدراجها سابقاً في القائمة السوداء من قبل المفتش العام الخاص بإعادة إعمار العراق خلال الاحتلال الأمريكي، وكانت كروز مساعدته، بدعوى الفساد.


لم تسلّم ليث البوادي سوى شحنة واحدة من الوقود، وفقاً لما ذكرته كروز نفسها، لكن العمل مع سيغما أدى إلى حل مشكلات الوقود القصيرة الأجل لشركة ساليبورت. 


بحلول عام 2018، كانت شركتان أخريان مع سيغما، هما علياء (Al-Lia) والجبل، تبيعان نحو 2.5 مليون لتر من الوقود، بأسعار متضخمة، إلى الشركة الأمريكية، كل شهر. 


وفقا لموقع شركة سيغما على شبكة الإنترنت، فإن علياء هي شركة تابعة لها، أما الجبل فلها حسابات مصرفية مشتركة مع المجموعة.


 تظهر الفواتير أن هاتين الشركتين تتقاضيان أسعاراً تزيد على 0.30 دولاراً للتر الواحد أعلى من الأسعار القياسية المحددة للعقود من قبل شركة توزيع المنتجات النفطية العراقية.


نجحت ساليبورت في تمكين الطائرات من مواصلة القتال وتم طرد داعش من الموصل، لكن قيل للشركة الأمريكية إن الصفقة "قذرة"، على حد وصف كوبلين.


وكتبت كروز، في تبرير عقد الصفقة، لموظفي ساليبورت، الذين يبدو أن بعضهم رفض الشراكة: "لقد التزمنا بليث البوادي لمجموعة كاملة من الأسباب الأخرى، بما في ذلك قدرتها على الحصول على جميع التراخيص المناسبة من رئيس الوزراء، هناك قوى أكبر تعمل هنا".


لماذا سيغما؟

كانت الاتصالات الرفيعة المستوى التي تحظى بها "سيغما" هي التي جذبت ساليبورت. وقد تم استئجارها جزئياً لأنها، وفقاً لكروز، كانت تتلقى دعماً مباشراً من رئيس الوزراء العراقي آنذاك حيدر العبادي.


الشركة الفرعية ذات الصلة، علياء، "تمت التوصية بالعمل معها" لأنها "متحالفة" مع العبادي وحزبه السياسي، وفقاً لمذكرة فحص مقدمة لساليبورت، من شركة كروز للاستشارات "مانتيد الدولية- Mantid International"، في تشرين الأول/أكتوبر 2017. 


تجادل كروز بأن هذه الشركات العراقية المرتبطة بشخصيات سياسية لا تختلف كثيراً عن جماعات الضغط الأمريكية. 


وكتبت رداً على أسئلة من صحيفة "بروسبكت" أنه يمكن للشركات "أن تتمتع بمكانة جيدة مع الأحزاب السياسية، تماماً كما تتمتع الشركات في الولايات المتحدة بمكانة جيدة مع مختلف الإدارات الأمريكية". 


وقالت كروز: "لنكن حقيقيين. إنها طريقة قانونية، وهي الطريقة التي يعمل بها عالم الأعمال".


ومع ذلك، ردت جيسيكا تيليبمان ، مساعدة عميد برنامج قانون المشتريات الحكومية في جامعة جورج واشنطن قائلة: "هناك حقائق على الأرض تجعل من العراق مكاناً مليئاً بالتحديات لممارسة الأعمال التجارية، ولكن من منظور الامتثال ومكافحة الفساد ، فإن هذه الصفقة مثيرة للقلق".

من أبرز أسباب فشل أمريكا في العراق: اعتمادها على شركات خاصة أمريكية (ومحلية) لتنفيذ مهماتها - هذه الشركات يديرها أمريكيون كانوا في المؤسسة العسكرية، وهم اليوم رجال أعمال موجودون في العراق للكسب المالي فقط

ابتزاز آخر 

الأسوأ من ذلك أن هذه الصفقة لم تضع حداً للهجمات بشكل كامل. كانت هناك فصائل عراقية أخرى بحاجة إلى مكافأة. فبعد أقل من شهر من تعاقد الشركة مع سيغما، وعلى الرغم من جهود رئيس الوزراء العبادي لتأمين الطرق، تعرضت شاحنات الجبل مرتين لهجمات. 


 ولم يكن واضحاً بالضبط من المسؤول عن هذه الهجمات الجديدة، لكن السياسة العراقية دفعت شركة ساليبورت إلى الدخول في شراكة مع شركات قذرة أخرى، بعضها أسوأ بكثير من شركة سيغما.


يعلق كوبلين قائلاً: "إسناد الفساد والعمليات العسكرية إلى شركة هو مجرد أداة للسياسيين لتجنب المساءلة عن حروب أمريكا وأخطائها".


تعاقدت الشركة مع "عدو" قاد ضد البنتاغون تمرداً محتدماً في جنوب العراق ذي الأغلبية الشيعية لعدة سنوات بعد الغزو في عام 2003، بحسب وصف كوبلين. 


عقب غزو داعش للعراق في عام 2014، اندمج هؤلاء "المتمردون" إلى حد كبير في "مجموعات من فرق الموت المدعومة من إيران والمعروفة باسم الحشد الشعبي". ويُطلق على أنفسهم اسم "مقاتلين من أجل الحرية"، لكن هناك أدلة موثقة من قبل منظمات مثل هيومن رايتس ووتش، تكشف أن أعضاء هذه الجماعات شبه العسكرية هم في الغالب مجرمو حرب وأدوات قمع.


 منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019، شاركت مجموعات الحشد في خطف وتعذيب وقتل مئات المتظاهرين العراقيين السلميين الذين كانوا يعترضون على النفوذ الأجنبي والنظام السياسي الفاسد في البلاد.


خلال الحرب على داعش في الموصل، قام الحشد والجيش الأمريكي بتنسيق العمليات بشكل واسع ضد التنظيم الإرهابي، لكن مشاركة "العدو" لم تجعلهم حلفاء، كما يقول كوبلين. 

خلال العامين الماضيين، أطلق مقاتلو الحشد صواريخ على الأمريكيين، ومع ذلك اضطر المتعاقدون الأمريكيون إلى أن يتعاونوا بشكل أساسي مع خصوم واشنطن.

خلال العامين الماضيين، أطلق مقاتلو الحشد صواريخ على الأمريكيين، وخاصةً على قاعدة بلد. في المقابل، اغتالت الولايات المتحدة القائد الرئيسي للحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، في غارة جوية بطائرة بدون طيار استهدفت الجنرال الإيراني قاسم سليماني في كانون الثاني/ يناير2020. 


ومع ذلك اضطر المتعاقدون الأمريكيون إلى أن يتعاونوا بشكل أساسي مع خصوم واشنطن.


وحتى أواخر شباط/ فبراير الماضي، كان قائد القاعدة العراقية هو الجنرال في سلاح الجو ساهي العامري، الذي حددته المصادر على أنه قريب لقائد الحشد الشعبي، فالح الفياض. وعوقب هذا الأخير من قبل إدارة دونالد ترامب بتهمة "التوجيه والإشراف على قتل المتظاهرين العراقيين السلميين".


 اتجهت ساليبورت لشراء وقود إضافي من شركة عراقية أخرى، من مدينة القباب وهي مدينة الجنرال العراقي، لتتشكل علاقة غير مباشرة مع أحد أفراد عائلة العامري الخاضع لعقوبات الآن، وميليشياته.


كل هذا كان معروفاً جيداً للشركة، إذ قالت مذكرة "مانتيد" المسربة، والتي نصحت ساليبورت بتوظيف الشركة، إن مدينة القباب "مرتبطة بقائد قاعدة بلد". 


ومع ذلك ترى كروز الآن أن هذه الروابط لا تمثل أي شيء يتجاوز العلاقة المهنية.


يظهر سجل مشتريات تم تسريبه، اعتبارًا من كانون الثاني/ يناير 2020، أن شركة ساليبورت اشترت أكثر من مليون لتر من الوقود من سرية قائد القوات الجوية العراقية، كل شهر، بمعدلات تقارب 0.20 دولار للتر الواحد، وهو سعر مرتفع جداً في العراق.


في المقابل، تقول المصادر إن اللواء العامري أعرب عن ارتياحه بشكل محدود تجاه الميليشيات المحلية، وسهّل مهمة وصول الوقود جزئياً من خلال أقاربه المرتبطين بالحشد الشعبي مثل الفياض، وفقاً لمصادر متعاقدة وحكومية. وقالت الوثائق "إن مدينة القباب مرتبطة بوحدات شبه عسكرية تسيطر على الطريق بين بغداد وبلد".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard