بهذه العبارات وغيرها الكثير، انتفضت سيدات مصريات على مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الفائتة، وأطلقن وسم "#الولاية_حقي"، لنقل معاناتهن من قوانين وممارسات اجتماعية تفرض عليهن الولاية والوصاية في كثير من مفاصل الحياة، ما دفع بعضهن لوصف قوانين الأحوال الشخصية التي تتحكم بحياتهن "بالعقيمة".
وجاءت هذه "الانتفاضة" بعد مقتل سيدة في حي السلام بالقاهرة إثر وقوعها من شقتها في الطابق الرابع، واتهام أشخاص من البناء الذي تسكنه باقتحام شقتها وتهديدها، مدعين بأنها استقبلت شخصاً غريباً، "ما يخالف قيم المجتمع المصري". ويأتي ذلك بعد أقل من شهر على النقاشات والاعتراضات التي أثارها مشروع قانون الأحوال الشخصية، على اعتبار أنه يستمر بحرمان النساء من حقوقهن، وبتكريس الرؤية النمطية والمتهالكة حول مكانتهن في المجتمع.
"تذلّلت لعمي من أجل الولاية"
من خلال هذه الحملة الافتراضية، شاركت نساء وفتيات مصريات حكاياتهن عبر مواقع التواصل، ما أظهر فعلاً حجم المعاناة التي تلاحقهن بشكل شبه يومي، وشكل ما يشبه "الصدمة" لروّاد هذه المواقع.
من الصور المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي ضمن حملة #الولاية_حقي
تقول أميرة محمد (27 عاماً) إنها سعيدة بانتفاضة السيدات هذه، وتشرح لرصيف22 حكاياتها: "منذ سنوات طويلة وأنا أعاني بعد وفاة والدي. عندما أردت عمل بطاقة شخصية لي، رفضت الجهات الحكومية ذلك لأن والدي متوفى. قال لي الموظف الحكومي 'لازم أبوك يكون معاك'. وعندما أخبرته بالأمر طلب مني إحضار عمي شقيق والدي".
الأمر لم يكن سهلاً بالنسبة لأميرة التي تعاني من خلافات عديدة مع عمها. تضيف: "لا أزال أعاني حتى الآن عندما أريد تخليص بعض الأوراق الرسمية. عند زواجي أيضاً قد أضطرّ لكسب رضا عمي حتى يشهد على العقد في حال رفض المأذون إتمامه. للأسف فإن القانون المصري يعامل المرأة على أنها شخص دون هوية، وكأنها ليست كائناً عاقلاً تمتلك عقلاً تفكر به".
"المدرسة تنكر حقنا"
نورا ناجي (34 عاماً) روائية، هي مشاركة أخرى في الحملة، وأخبرت رصيف22 قصتها: "عندما التحقت ابنتي بالمدرسة طُلب مني أن أقدم لها ما يعرف بمصطلح 'الولاية التعليمية'، رغم أن التقديم كان بموافقة أبيها، لكنه مسافر خارج مصر ونحن منفصلان".
تتابع السيدة: "لن أنسى أنني لمدة أسابيع كنت أذهب للمحكمة كي أحصل على الولاية، وانتظرت في طوابير طويلة، ثم اضطررت لإرسال محضر لجدتها في محافظة بور سعيد، ولأن الروتين لم يسعفني سافرت بنفسي إلى هناك".
ولا تقتصر معاناة نورا مع هذا الأمر، إذ إنها لن تتمكن من السفر خارج مصر مع ابنتها لعدم قدرتها على إصدار جواز سفر لها بمفردها. اختتمت قائلة: "والله احنا بني آدمين عادي ومفيش حاجة مختلفة في مخنا، لا هو حجمه أصغر ولا عندنا خلل في التفكير".
تواجه لبنى (40 عاماً) ذات المشكلة، فهي منفصلة عن زوجها منذ 7 سنوات، ولديها ولد وبنت. تقول في حديث لرصيف22: "تطلب المدرسة في أي قرار خاص بالأولاد حضور الأب، رغم أن الحضانة لي وأولادي يعيشون معي". تتابع بحسرة: "تنتابني مشاعر سيئة للغاية في كل مرة أطلب منه الذهاب لمدرسة الأولاد، وهو يبدو غير مكترث. الولاية حق كل أم انفصلت عن زوجها وتريد رعاية أطفالها دون عناء".
أما وفاء علي (28 عاماً) فبدأت معاناتها مع مشكلة الولاية منذ أن كانت بسن صغيرة، حين رأت والدتها تقوم بدور الأب والأم وتتحمل مسؤولية أربعة أطفال دون وجود أي دعم لها عقب انفصالها.
تتحدث وفاء لرصيف22 بالقول: "رأيت أمي تعاني حرفياً عندما تريد نقل أحد منا من مدرسة لأخرى، أو استخراج أوراق رسمية لنا، لأن الولاية ليست من حقها والقانون لا ينصفها. لا بد من أن نحصل على أبسط هذه الحقوق كي لا نشرب المرّ من أجل حياة أولادنا في المستقبل".
تطلب المدرسة في أي قرار خاص بالأولاد حضور الأب، رغم أن الحضانة لي وأولادي يعيشون معي. تنتابني مشاعر سيئة للغاية في كل مرة أطلب منه الذهاب لمدرسة الأولاد، وهو يبدو غير مكترث. الولاية حق كل أم انفصلت عن زوجها وتريد رعاية أطفالها دون عناء
الولاية تضعنا في تفاصيل مؤلمة
تضامن مع الحملة رجال أيضاً، ومنهم علي نبيل (30 عاماً)، وهو يعيش مع والدته التي انفصلت عن والده مذ كان في سن السادسة. كشف نبيل لرصيف22 عن معاناته هو ووالدته من الأمر: "كانت جميع الإجراءات الخاصة بي تتطلب وجود والدي في المدرسة. كان يستدعى بجواب رسمي، وحينها لم نكن على تواصل معه".
يرى نبيل اليوم بأن من حق أمه أن تكون الولاية لها، أو على الأقل أن تكون بين الرجل والمرأة بالاتفاق، قائلاً في ختام حديثه: "لن أنسى معاناة أمي، ولا أنسى كل الحرج والمشاعر السيئة التي أحسسنا بها خلال سنوات طويلة".
مؤسسة المرأة والذاكرة: نأمل بالمساواة
تقول الدكتورة هالة كمال وهي عضوة بـ "مؤسسة المرأة والذاكرة" التي دشّنت حملة "الولاية حقي" منذ أيام، بأن الأمر بدأ بفكرة بسيطة من رئيسة مجلس أمناء المؤسسة، الدكتورة هدى الصدة، ثم تحول لحملة كبيرة، والهدف الأساسي "العمل على تعديل قانون الأحوال الشخصية بعدما نشرت مسودة خاصة به، ومن المفترض أن يتم عرضه على البرلمان خلال الأيام المقبلة".
وتضيف كمال في حديثها لرصيف22: "يعود القانون لعام 1920، وتحلم النساء المصريات اليوم بقانون ينقلهن نحو الأمام وليس بنصوص تعيدهن سنوات وقروناً للوراء".
وتستكمل المتحدثة بأن الفكرة تحولت إلى حملة عندما بدأت السيدات المصريات بنشر قصصهن المأساوية مع الولاية، وفي أول ساعات من إطلاق الوسم تخطى عدد التغريدات والمنشورات الألف، مؤكدة أن الحملة كشفت عن مآسي سيدات مصريات من جميع الطبقات، وعن وضع مجتمعي بائس بسبب قوانين قديمة.
تحلم النساء المصريات اليوم بقانون ينقلهن نحو الأمام وليس بنصوص تعيدهن سنوات وقروناً للوراء.
وتشير كمال إلى أن توجه الحملة للبرلمان ليس مطروحاً الآن، وإن حدث ذلك سيكون بمساعدة محامين ومنظمات حقوقية ونسوية. وتختم حديثها بالقول: "نحن لا نريد انتزاع الولاية من الأب، ولكن نريد المساواة بينه وبين الأم. السيدات يواجهن مشاكل كثيرة في استخراج الأوراق الرسمية الخاصة بأولادهن، أو في المدارس بسبب آباء مهملين. إن مطالبة السيدات لولاية الزواج أو العصمة أو السفر لا يتعارض مع الشرع أو الدين كما يدعى البرلمان".
البرلمان: نسير طبقاً للشريعة الإسلامية والولاية مشكلات فردية
تقول عبير نصار، النائبة بالبرلمان المصري، إنها تابعت حملة "الولاية حقي"، مؤكدة أن قوانين الأحوال الشخصية تطبق وفقاً للشريعة والدين، ما يصعب موافقة البرلمان على أي تعديل بهذا الخصوص.
وتضيف في حديث لرصيف22: "قد تكون هناك سيدات متضررات من جعل الولاية للأب، لكني أرى بأنها حالات فردية وليست معممة، ومهمة البرلمان سن قوانين تساهم بحل مشكلات جماعية". كما تشير إلى أن البرلمان يرجع قبل سَنّ أي قانون لمحكمة الأسرة والجهات المعنية بالأحوال الشخصية، ولا يمكن تخطي هذه الجهات أياً كان الأمر".
من الصور المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي ضمن حملة #الولاية_حقي
وتقول شادية ثابت، وهي عضوة لجنة برلمان سابقة، إن الولاية مشكلة كبيرة تعاني منها المصريات منذ سنوات طويلة، ويجب تعديل كافة النقاط المتعلقة بالأمر، كما لا بد من أن تكون الولاية مقرونة بالحضانة للمرأة حتى سن 15 عاماً للأطفال.
وتضيف ثابت في لقاء مع رصيف22: "تصبح الكثير من الأمهات مسؤولات عن كل ما يخص الأطفال ومصاريفهم بعد الطلاق، والرجل يكون في وادٍ آخر تماماً. لذلك من حق الأم أن تحصل على الولاية حتى تستطيع الانتهاء من الإجراءات الخاصة بأولادها".
القانون يرى المرأة كائناً دون حقوق
المحامية والناشطة نهاد أبو القمصان شاركت في الحملة وتدعمها بشكل كامل، وترى بأن "قوانين الأحوال الشخصية في مصر تنظر للمرأة على أنها فرد دون أي حقوق، لا شخصية قانونية لنفسها ولا صلة قانونية لها بأبنائها. القوانين ترانا على أننا مجرد خادمات مهمتنا تغيير حفاضات الأولاد مهما كان منصبنا أو عملنا".
العجيب أننا في عام 2021، والحكومة –التي تضم عدة وزيرات- كانت تعمل على تمكين المرأة بخطة 2030، فتكون المحصلة قوانين أحوال شخصية تعيد إنتاج نفس الأحكام التي تتعامل مع النساء باعتبارهن كائنات أدنى مرتبة
وتضيف المحامية في حديثها لرصيف22: "زوجي قبل وفاته كان يقوم بكل المعاملات الخاصة بأولادنا، وكنت ألزمه بتأمينها بشكل مستمر كيلا أقع ضحية مواقف لا تحمد عقباها، وهو كان يتذمّر على الدوام من ضياع وقته بهذه الإجراءات. عندما طلب مني أن يعمل لي توكيلاً رسمياً رفضت، وقلت له إن هذا مجرد حل فردي، ونحن بحاجة لحل جماعي لكل النساء والرجال على حد سواء".
وتستنكر الناشطة الوضع برمته بقولها: "العجيب أننا في عام 2021، والحكومة –التي تضم عدة وزيرات- كانت تعمل على تمكين المرأة بخطة 2030، فتكون المحصلة قوانين أحوال شخصية تعيد إنتاج نفس الأحكام التي تتعامل مع النساء باعتبارهن كائنات أدنى مرتبة".
من الجانب القانوني، يقول المحامي طارق العوضي إن قوانين الأحوال الشخصية لا تكون منفصلة عن الشريعة الإسلامية، ووفقاً للشريعة فإن الولاية لصيقة بالأب، أما الولاية التعليمية فمن حق الأم أن تحصل عليها من المحكمة خلال مدة لا تتجاوز الأسبوعين. أما فيما يتعلق بالسفر، فالقوانين تمنع سفر الأم مع الأولاد إلا بموافقة الأب، لأنها ترى بأن السفر قد يسبب ضرراً للطفل.
ويرى المحامي خلال حديثه مع رصيف22 بأن الحل لكل هذا هو قانون مدني يكون بمثابة اتفاق بين الأب والأم، ويرجع الحكم فيه للقضاء وفق الحالة المعروضة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...