شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"نظرة متهالكة لمكانة النساء في المجتمع"... ما يكشفه جدل قانون الأحوال الشخصية في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 27 فبراير 202112:59 م

حالة من الجدل والارتباك تشهدها الساحة الحقوقية والنسوية في مصر، بعد أنباء عن موافقة الحكومة على مشروع قانون للأحوال الشخصية، في 20 كانون الثاني/ يناير الماضي. الجدل الذي بدأ بانتقاد عقلية المشرّع الذكورية ونهج الاستمرار في حرمان النساء من حقوقهنّ ما لبث أن دخل إليه عنصر جديد وهو انعدام الشفافية وتغييب الحوار المجتمعي.

انتشرت العديد من الأخبار حول تسليم مجلس الوزراء مشروع القانون إلى البرلمان، بل ونشرت إحدى الصحف الخاصة المقرّبة من السلطة نصّه الذي كان متشابهاً بقدر كبير مع "قانون الأزهر" الذي قُدّم عام 2019 ولقي رفضاً كبيراً من المجموعات النسوية.

ولكن في الـ24 من شباط/ فبراير، تفاجأ متابعو الملف بأن الصحيفة التي انفردت بدايةً بنشر نص مشروع القانون سحبته عن موقعها الإلكتروني، بينما ظلت عشرات المواقع تنشر مقتطفات منه، ما أثار أسئلة كثيرة وصلت إلى حد اعتبار ما جرى بالون اختبار.

في اتصال لرصيف22 بإحدى عضوات اللجنة التشريعية في المجلس القومي للمرأة، وهو مؤسسة أنشئت عام 2000 بقرار جمهوري "كآلية وطنية مستقلة تتبع رئيس الجمهورية وتقوم باقتراح السياسات العامة للمجتمع ومؤسساته الدستورية للنهوض بالمرأة وتفعيل دورها"، أخبرتنا أن هنالك تعليمات صدرت في 24 شباط/ فبراير، بعدم الإدلاء بأية تصريحات تخص القانون في الفترة الراهنة.

"استمرار نهج عدم الشفافية"

تشير الباحثة في قضايا النوع الاجتماعي والتنمية في مؤسسة "المرأة الجديدة" نيفين عبيد إلى أن الجدل الراهن حول قانون الأحوال الشخصية الجديد وعدم معرفة ما إذا كان المشروع الذي نُشر على المواقع هو مشروع الحكومة بالفعل أم لا، هو "انعكاس لاستمرار نهج عدم الشفافية، والتغييب المتعمد لأدوار الأطراف الفاعلة، واستلاب لحق المجتمع في الحوار"، معتبرة أن ذلك "بمثابة دليل جديد على "انسداد المجال العام في مصر".

وتضيف عبيد لرصيف22 أن مشروع القانون الذي نُشر كشف عن استمرار الرؤية النمطية والمتهالكة حول مكانة النساء في المجتمع، والنظر إليهن باعتبارهنّ أصحاب مواطنة منقوصة أمام القانون، خاصة في ما يتعلق بقرار الزواج، وإتاحة الحق للولي بفسخ تعاقد زواج المرأة الراشدة إذا ما رأى "عدم التكافؤ"، وهو دليل جديد على ذكورية المشرّع، وتنحيته لمفاهيم المواطنة في أخطر الملفات على الإطلاق، أي قانون الأحوال الشخصية.

وفي ما يتعلق بالطلاق، لفتت عبيد إلى أنه على الرغم من محاولات القيادة السياسية للبلاد منذ ثلاث سنوات الدعوة إلى توثيق الطلاق الشفهي، واعتباره طلاقاً ملزماً تترتب عليه كل الحقوق والواجبات بين الجنسين، إلا أن مشروع القانون نفى إمكانية توثيق الطلاق الشفهي إلا بموافقة الزوجين، وهو ما يُعَدّ "تراجعاً وتواطؤاً في استمرار تعليق حال آلاف النساء المطلقات شفهياً سراً في البيوت المصرية".

ولفتت عبيد إلى أن المشروع المسرّب يتبنى موقفاً داعماً ومتواطئاً مع تعدد الزوجات وإنْ كان ذلك بشكل مستتر، ففي الوقت الذي أقرّ سجن الزوج الذي يخفي عن زوجته الأولى زواجه من ثانية، لم ينص على أية ضمانات إجرائية تشترط علم الزوجة الأولى بالزواج الثاني، وهو ما اعتبرته "تناقضاً سافراً مع السياسات المعلنة للدولة حول تمكين النساء"، بل تخاذلاً عن دعم براغماتي مباشر لسياسات تنظيم الأسرة.

"يشبه مشروع الأزهر ومَن كتبه ذكوري"

يبدأ المحامي ياسر سعد حديثه لرصيف22 بالقول إن مشروع القانون المسرَّب يشبه إلى حد كبير مشروع قانون الأزهر الذي ظهر عام 2019، ولاقى رفضاً شديداً من قبل المجتمع المدني والنساء في مصر، لأنه كان يكرس لفكرة وصاية الأزهر، ويضيف: "إذا نظرنا إلى مشروع القانون المثير للجدل، سنجد أن أغلب المواد التي جاءت فيه متشابهه مع مشروع الأزهر الذي سُحب بسبب حالة الغضب الشديد".

"على مدار السنوات الماضية، حاول المشرّع أن يأتي بقانون أحوال شخصية عبارة عن هجين ما بين الشرع وما يمكن أن تعتبره الحكومة بذور إقامة دولة مدنية حديثة"

وعدّد سعد التشابهات بين مشروعي القانونين وأشار إلى أن كليهما تبنى وجهة نظر ذكورية في التعاطي مع القضايا التي تعاني منها النساء في مصر منذ فترات طويلة، وتأسس على منطق أن النساء ليس لهنّ حق الولاية القانونية على الأبناء، وأنكر على الزوجة حق وضع شروط في عقد الزواج، واعتبر أن العقد المشروط سارٍ ولكن الشروط تكون لاغية إذا خالفت الشرع، وأن الزواج بأخرى لا يبطل العقد، ووضَع عقوبة الغرامة والسجن لكنه لم يمنح المرأة حق الطلاق إذا علمت بزواج زوجها من أخرى، بل طلب منها إثبات الضرر ونوعيته لتحصل على الطلاق، وهذه أزمة كبيرة برأي سعد الذي أضاف أن المشروع الجديد يشبه أيضاً أغلب المشاريع السابقة في أنه يمنع أن تكون العصمة في يد الزوجة.

ولفت سعد إلى أن مشروع القانون الجديد جاء بما هو أسوأ من مشروع الأزهر، إذ إنه ألغى إثبات الزواج بشهادة الشهود وقصر إثبات العلاقة الزوجية على وجود عقد أو قسيمة زواج رسمية، وهو ما سيتسبب في العديد من الأزمات التي ستعاني منها النساء في الفترة المقبلة. وإضافة إلى ذلك، يتابع، ألغى القانون اختصاص المحاكم الجنائية في ما يتعلق بمنقولات الزوجية، ما يحرم النساء من أي قوة ضاغطة لاستلام منقولاتهنّ فيصبحن في حال الخلاف بلا سكن أو فرش.

وختم سعد بأنه على الرغم من أن مشروع القانون أشار إلى إمكانية استفادة غير المسلمين من بعض ميزاته، في إشارة مستترة إلى تفعيل مبدأ حق المواطنة للجميع، إلا أنه في أحد بنوده نص على عدم إمكانية زواج المواطن غير المسلم من مسلمة، بينما أتاح ضمنياً العكس، وهذا "يؤكد استمرار نهج المشرّع في التمييز الديني، ويكشف عن انحياز متأرجح حول حقوق المواطنة للجميع".

"مشروع هجين ومشوّه"

"على مدار السنوات الماضية، حاول المشرّع أن يأتي بقانون أحوال شخصية عبارة عن هجين ما بين الشرع وما يمكن أن تعتبره الحكومة بذور إقامة دولة مدنية حديثة"، تقول الناشطة النسوية ووكيلة مؤسسي حزب العيش والحرية إلهام عيدراوس لرصيف22، وتضيف أن مشروع القانون المسرّب جاء لجس النبض ومحاولة الالتفاف على رفض المجتمع المدني لقانون الأزهر الذي سبق أن رفضه الجميع.

"فلسفة مشروع القانون المطروح لم تتغيّر عن فلسفة القانون الحالي الذي أُقرّ قبل أكثر من مئة عام، وهي فلسفة قائمة على أفكار وأطروحات فقهية مات أصحابها منذ أكثر من ألف عام، فلسفة اعتبار الزواج "عقد نكاح"، وعقداً من عقود الإذعان للرجل"

وتدلل عيداروس على ذلك بأن المادة الخاصة بحق الولي في فسخ عقد الزواج قبل الدخول لو تزوجت المرأة من شخص "غير كُفء" كانت موجودة بنفس النص في مشروع الأزهر.

وعن المادة الخاصة بمنقولات الزوجية، والتي تصفها بـ"الكارثية"، تعتبر أنها لا توفّر ضمانة حقيقية للزوجة من التشرد لو حدث الطلاق بعد سنوات طويلة من الزواج خاصة إذا كانت الزوجة غير حاضنة، إذ سيتم إلقاءها في الشارع.

وتلفت إلى أنه "قدّمنا اقتراحات سابقاً، ولكن الحكومة تجاهلتها، وطرحنا حلاً يقضي بضرورة منح مسكن الزوجية للطرف الذي لا يمتلك القدرة على أن يوفر مسكناً بعد الطلاق، إلا أننا فوجئنا بأن مَن كتبوا مشروع القانون المسرّب ألغوا اختصاص محكمة الجنح في موضوع قائمة المنقولات وبالتالي تُحرم النساء من أداة الضغط الوحيدة وهي منقولات الزوجية".

"مشروع القانون تعامل مع الأمهات باعتبارهنّ ماكينة لتفريخ أطفال فقط".

وأوضحت عيداروس أن مشروع القانون تعامل مع الأمهات باعتبارهنّ ماكينة لتفريخ أطفال فقط، إذ مُنعنَ من كافة أشكال الولاية القانونية على أبنائهنّ، سواء في قيد ميلاد الطفل أو الإشراف على أمواله أو حتى معرفة وضعه المالي وحماية مصالحه من ولاية جَدّ ربما يستولي على أمواله، مضيفة أن الأم وفق المشروع لا تستطيع اتخاذ قرار بشأن إجراء عملية جراحية لطفلها، ولا استخراج جواز سفر أو بطاقة شخصية له، ولا دعمه في أي تعامل قانوني، ولا اختيار نوع التعليم أو التدخل في دراسته إلا في حال الخلاف مع الأب وصدور أمر قضائي بالولاية التعليمية، كما منع المشروع سفر الأم الحاضنة بالطفل بغير إذن غير الحاضن، لكنه لم يقيّد سفر الأب بالطفل، ما يفتح الباب لخطف الأطفال خارج البلاد.

وأنهت عيدرواس حديثها بالقول إنه طالما أصرّت الحكومة على استبعاد أصحاب الرأي والرؤية الحقوقية والنسوية من صياغة قانون مثل قانون الأحوال الشخصية لن يخرج قانون يلبّي طموحات المرأة ويتماشي مع التغييرات التي تشهدها بنية الأسرة المصرية وحياة النساء في مصر، لافتة إلى أنه "من غير المنطقي ألا يكون هنالك مواد لاقتسام الثروة التي تراكمت لدى الأسرة في حال الطلاق".

من جانبه، يرى أحمد أبو المجد، الباحث في مركز قضايا المرأة المصرية، وهو أحد المراكز التي تقدّمت بمشروع قانون متكامل للأحوال الشخصية، أن فلسفة مشروع القانون المطروح لم تتغيّر عن فلسفة القانون الحالي الذي أُقرّ قبل أكثر من مئة عام، وهي فلسفة قائمة على أفكار وأطروحات فقهية مات أصحابها منذ أكثر من ألف عام، فلسفة اعتبار الزواج "عقد نكاح"، وعقداً من عقود الإذعان للرجل، إذ يمنحه وحده الحق في اتخاذ القرارت المصيرية كالطلاق الشفهي، ويبيح له تعدد الزوجات، ويربط النفقة بحبس المرأة في منزل الزوج بما له من "ولاية ووصاية وقوامة"، في الوقت الذي تعيل المرأة المصرية 40% من الأسر و25%؜ من الأسر الأكثر فقراً، وفقاً لاستراتيجية تمكين النساء 2030.

ويقول لرصيف22: "للعجب، في الوقت الذي تتخذ فيه الدولة إجراءات صادمة للشارع في ما يتعلق بالرسوم والغرامات والضرائب الخاصة بالعقارات، تتأخر عن أي إصلاح اجتماعي ضروري في تشريعات الأحوال الشخصية، لمغازلة التيارات المحافظة والرجعية على حساب النساء والأطفال والمجتمع ككل، متناسية أن أي إصلاح اقتصادي لا قيمة له إذا لم يرافقه إصلاح اجتماعي".

"نحن لا نطالب بإعادة اختراع العجلة"، يضيف أبو المجد ويتابع: "كل ما نطالب به هو النظر إلى قوانين وتشريعات دول مسلمة وعربية تجاوزتنا من سنين للاستفادة من تجاربها، كالمغرب وتونس ومؤخراً السعودية، والتعامل بجدية مع مقترحات المشاريع التي بُذلت فيها مجهودات تلخّص أكثر من عشرين عاماً من الحوار المجتمعي".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard