شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"حقنا كامل وما بنجامل"... نساء السودان يطالبن "الثورة" بتحقيق مطالبهنّ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 6 أغسطس 202010:21 ص

في عزّ الثورة السودانية التي أطاحت بالرئيس السوداني السابق عمر البشير، علت الشعارات التي ترسم ملامح التغيير المنشود، ومن ضمنها أطلّ شعار "ثورتنا دي ثورة مرا (امرأة)"، في تدليل على الدور المهم والمفصلي الذي لعبته النساء في إنهاء حكم الإسلاميين الذي استمر من حزيران/ يونيو 1989 حتى نيسان/ أبريل 2019.

قادت النساء مواكب تطالب بإنهاء الحكم الشمولي، وشاركن مع الرجال في كافة الأنشطة الثورية، بما في ذلك عمليات "صيد" قنابل الغاز المسيّل للدموع، مروراً بـ"تتريس الشوارع"، وليس نهاية بنقل نبض الثورة محلياً وخارجياً.

حصدت السودانيات نصيبهن كاملاً من القتل والتعذيب والاعتقال، ولم يتراجعن عن السير في درب الثورة، رغم رفض كثيرين من أفراد المجتمع لانخراطهن في العمل الثوري، إما بسبب الصورة النمطية التي تعتبر أن المرأة مكانها المنزل أو خشية من تعرّضهن للعنف والإهانة، ولعبت مليشيات البشير على هذه الأوتار في محاولةٍ لحمل الثوار على التراجع والحدّ من اتساع رقعة الاحتجاجات.

اختار المنتفضون، بتأثير من السودانيات الثائرات، الزغرودة كإشارة لانطلاق المواكب، سواء في العاصمة أو في الولايات، كما سار "موكب نسوي" إلى سجن النساء في أم درمان، في شهر المرأة، آذار/ مارس من عام 2019، قبل شهر من سقوط البشير، للمطالبة بإطلاق سراح عشرات المعتقلات بتهمة المطالبة بإسقاط حكم الإسلاميين.

دوافع المشاركة

كانت مشاركة النساء في الثورة فعلاً طبيعياً في مجتمع ملَّ من تعسّف الحكم الدكتاتوري، وسئم من تنامي عمليات القمع والقتل خارج القانون، ومن توسع رقعة الحرب والنزوح، فضلاً عن معاناته من التردي الاقتصادي وعمليات الفساد الممنهجة.

وكانت مشاركتهنّ أيضاً انتفاضة نسوية للتحرر من ربقة نظام الإسلاميين، الشبيه بنظام الملالي في إيران، فقد كان النظام السوداني يعمل على أن تقبع المرأة في قعر بيتها، وفقاً لتفسيرات متطرفة للدين، بانت في عدد كبير من القوانين واللوائح التي تحط من كرامة السودانيات.

الآن، بعد أكثر من سنة على نجاح الثورة، كيف هي أحوال النساء في سودان ما بعد البشير؟ هل حصدن ثمار ما زرعته أيديهن إبان الثورة عبر المشاركة الفاعلة في رسم معالم السودان الجديد؟

غير كافٍ

لا يبدو أن النسوة في السودان راضيات عن أوضاعهن بعد التغيير، صحيح هناك إقرار بينهنّ بحدوث تحسنٍ مقارنة بحقبة البشير، ولكنهن يعتبرنَ أنه دون الطموح، ولذلك أطلقن قبل أيامٍ حملة "حقنا كامل وما بنجامل" للمطالبة بحصتهن كاملة في السلطة، وللمناداة بإلغاء كافة القوانين التمييزية بحق النساء.

تقول الصحافية والناشطة الحقوقية ويني عمر لرصيف22 إنه بقدر المشاركة الكبيرة للنسوة في الحراك الثوري، كانت الخيبة من جراء عدم وجود إيمان بالمساواة والندية بين المرأة والرجل في السودان الجديد، فالتشكيلات النسوية ما تزال غائبة على مستويات صناعة القرار.

وتدلل على ذلك بحالة الهيمنة الذكورية على المناصب في هياكل السلطة المختلفة.

وتذهب الناشطة المهتمة بقضايا النوع الاجتماعي والعدالة الاجتماعية، ماهيتاب محجوب، في ذات مسار ويني عمر، وتقول لرصيف22 إنه "ما عدا الاعتراف والتقدير الكبيرين في الخطاب السياسي، لا أعتقد أن النساء حققن الكثير".

وتدلل على ذلك بالتمثيل المحدود للنساء في هياكل السلطة المختلفة. فعلى مستوى المجلس السيادي، هناك امرأتان من أصل 11 عضواً، بنسبة 18.2%، وعلى مستوى مجلس الوزراء هناك 4 نساء من أصل 18 عضواً، بنسبة 22.2%، وعلى مستوى الولايات، تحكم امرأتان من أصل 18، بنسبة 11.1%.

أما على مستوى تحالف قوى الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، فعدد النساء في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير هو 3 نساء من أصل 23 عضواً، بنسبة 13%، بينما تخلو تنسيقية قوى الحرية والتغيير، أهم تشكيل في التنظيمات السياسية، من النساء تماماً.

وتضيف محجوب أنه "بالنسبة إلى تمثيل النساء على مستوى وفود مفاوضات السلام، وتعيينات السفراء الجدد، والمتحدثين الرسميين في أي جهة سياسية، فحدّث ولا حرج".

وجرى أخيراً تعيين 12 سفيراً في عدّة مواقع خارجية، وخلت القائمة تماماً من النساء.

"بقدر المشاركة الكبيرة للنسوة في الحراك الثوري، كانت الخيبة من جراء عدم وجود إيمان بالمساواة والندية بين المرأة والرجل في السودان الجديد، فالتشكيلات النسوية ما تزال غائبة على مستويات صناعة القرار"

عن ذلك تقول محجوب: "بسرعة شديدة تبدّلت صور مواكب ثورة ديسمبر الملوّنة بآلاف النساء، بصور تهيمن عليها البدلات الرجالية الباهتة، أحياناً في غياب تام لأي تمثيل نسائي".

تغيّرات مهمة

رغم قتامة المشهد، هناك بعض الأضواء التي تلمع في طريق النساء السودانيات. فبعد انتظار لعقود، جرت أخيراً تعديلات على مواد في القانون الجنائي وقانون الأحوال الشخصية، وهي قوانين تمييزية تكرّس دونية المرأة.

وضمن حملة تعديلات قانونية، ألغيت المادة التي تحرّم اصطحاب المرأة لأطفالها خارج البلاد دون موافقة الزوج أو مَن ينوب عنه، وجُرّمت عمليات تشويه الأعضاء التناسلية للمرأة (الختان)، وألغي قانون النظام العام المرتكز على المادة 152 من القانون الجنائي والذي كان يسوّغ عمليات مطاردة النساء وابتزازهن بتهم ارتداء "زيّ فاضح أو مخل بالآداب العامة" وبتهم " إتيان سلوك فاضح أو مخل بالآداب العامة"، وهي صياغة فضفاضة ومطاطة كثيراً ما استُخدمت لقمع حضور المرأة في الفضاء العام، ولفرض عقوبة "الجلد" على النساء.

تطالب سكرتيرة مبادرة "لا لقهر النساء" أميرة عثمان الحكومة بالذهاب إلى أبعد من ذلك والتوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، ما يعني، حسبما توضح لرصيف22، "إبطال جميع القوانين واللوائح التمييزية ضد المرأة".

وسبق أن أعلن وزير العدل نصر الدين عبد البارئ عن اتجاه السودان للمصادقة على كافة المعاهدات الدولية.

"بسرعة شديدة تبدّلت صور مواكب ثورة ديسمبر الملونة بآلاف النساء، بصور تهيمن عليها البدلات الرجالية الباهتة، أحياناً في غياب تام لأي تمثيل نسائي"

وما تزال النساء في السودان يعترضن على مواد قانونية تمنعهن من تزويج أنفسهن، أو إبطال عقود زواجهن، بجانب أخرى تتيح لأولياء الأمور تزويج الطفلات من دون موافقتهن.

عقبات قائمة

ترى الناشطة الحقوقية ناهد محمد الحافظ، وهي عضوة في الحزب الاتحادي الديمقراطي، في القوى السياسية أحد أبرز العقبات في طريق المرأة.

وتقول لرصيف22 إن غياب الديمقراطية داخل هذه الكيانات أمر ظاهر للعيان، خاصة في الأحزاب التقليدية التي تستند على عقائد دينية، وكذلك هناك "تراجع في الوعي بالقضايا النسوية" داخل هذه الأحزاب، و"للمفارقة فإن النساء داخل هذه الكيانات يرضخن للسلطة الذكورية، ما يجعلهن في ذات صف الرجال، إنْ لم يكنّ عدوات للمرأة".

وتتساءل الحافظ عمّا إذا كانت النساء داخل هذه الأحزاب قادرات على التمرد على قياداتهنّ، والائتلاف مع أخريات، للمدافعة عن حقوق المرأة؟ وتجيب بيأس: "أعتقد أن القضايا السياسية في السودان مقدَّمة على ما عداها، وهذا أساس أزمات البلاد".

وتنوه ماهيتاب محجوب إلى الصعوبات التي تعترض المرأة جراء وجود قوانين متحيّزة، وأعراف تمييزية متوارثة، وعدم تكافؤ في الفرص، أضف إلى ذلك تماسك النظام الأبوي إلى حدٍ كبير إلى يومنا هذا.

أما ويني عمر، فترى في نظام الإسلاميين المخلوع إحدى أكبر العقبات في طريق المرأة السودانية، مشيرة إلى حملات التحريض التي جوبهت بها قرارات إلغاء القوانين المنتهكة لحقوق المرأة.

كيف يرين المستقبل؟

تتفق المتحدثات في التقرير على تحسن أوضاع المرأة مقارنة بالعقود الثلاثة العجاف من حكم البشير، ولكنهن يرين أن ما تمّ غير كافٍ بالمرة.

تقول ويني عمر إن ثورة النساء مستمرة، لإسماع أصواتهن، وضمان إدماجهن في العملية السياسية، ولتأسيس "المفوضية الخاصة بالمرأة والعدالة النوعية".

وترى ناهد الحافظ أن الوقت حان لكي تصطف النساء تحت مظلة الكيانات التي تدعم حقوقهن، "إذ لا يعقل أن تخلو ترشيحات الأحزاب للمناصب من النساء جملةً وتفصيلاً".

بدورها، تقول أميرة عثمان إن الصفوف بدأت في التمايز حالياً بشأن الموقف من القضايا النسوية، مشيرة إلى أن مجموعة ناشطات بصدد اتخاذ مواقف نسوية صارمة ضد كل مَن يقف أمام مسيرة المرأة.

"المناصب السياسية، على أهميتها، ليست أقصى طموحات المرأة السودانية"، تقول ماهيتاب محجوب، مضيفة: "الأهم هو المشاركة الحقيقية في صنع القرار، مشاركة ترفع هموم وقضايا النساء لأجندة السياسات الوطنية وتجعل معاناة النساء الاقتصادية والاجتماعية مركزية في عمليات صنع السياسات والاستراتيجيات الوطنية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard