شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
اخترن الأمومة وخسرن مجتمعاتهن… أيزيديات ضحايا استعباد

اخترن الأمومة وخسرن مجتمعاتهن… أيزيديات ضحايا استعباد "داعش" يواجهن وأطفالهن التشرّد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 13 مارس 202112:00 ص

"أنا سعيدة جداً لأنني مع ابنتي. في البداية لم تتعرف عليّ، لكن علاقتنا تتحسن يوماً بعد يوم. عندما عدت بعد الانفصال عن داعش، وأدركت أن المجتمع (الأيزيدي) لا يقبلنا، قررت أن أهب حياتي لابنتي. الأطفال أبرياء. لم يرتكبوا أي أخطاء".

 

جرت هذه الكلمات على لسان واحدة من تسع أمهات أيزيديات، جُمع شملهن أخيراً بأطفالهن الذين ولدوا أثناء تعرضهن للأسر والاغتصاب على يد مقاتلي تنظيم داعش.

 

عام 2014، إبان سيطرة داعش على مساحات واسعة من العراق وسوريا، شن التنظيم هجوماً وحشياً ونفذ إبادةً جماعية بحق الأقلية الأيزيدية بالعراق في منطقة سنجار. اختطفت وقتذاك نساء أيزيديات من مختلف الأعمار- بينهن أطفال- وجرى بيعهن واستعبادهن جنسياً كسبايا لمقاتلي التنظيم.

 

عقب انهيار التنظيم مطلع عام 2019، تم إنقاذ الأيزيديات المختطفات من مخيم الهول الضخم، في شرق سوريا، وسمح لهن بالعودة إلى العراق، وانضممن لأسرهن ومجتمعهن الأيزيدي الذي أقر قادته بأنهن لم يكن لهن يد في ما تعرضن له.

 

لكن بقي الأطفال الناتجون عن الاستعباد الجنسي من مقاتلي التنظيم أزمةً حقيقية مختلف عليها. رغبت الأمهات في احتضان أطفالهن الذين رأين أنهم لم يرتكبوا جرماً أيضاً، ورفض المجتمع الأيزيدي استيعاب أبناء الميليشيا الذين قتلوا أحباءهم وشردوا مجتمعهم، لا سيّما أنهم - الأطفال- مسلمون.

 بحاجة ملحة إلى إعادة التوطين خارج الشرق الأوسط كلّه… تسع أمهات أيزيديات يستعدن أطفالهن الذين ولدوا أثناء استعبادهن جنسياً لدى مقاتلي داعش

وحرصاً على استمرار وحدتها الاجتماعية، تمنع التعاليم الدينية الأيزيدية تماماً الزواج من خارج المجتمع الأيزيدي، ولا تعترف بالأطفال المولودين من مثل تلك الزيجات، وإن كانت الأم أو الأب أيزيديين. قدّرت وكالة الأنباء الألمانية أن عدد الأطفال الذين وُلدوا أثناء الاختطاف ربما يصل إلى 200.

 

جهود حثيثة لجمع الشمل

في عملية كانت شبه مستحيلة، الخميس 11 آذار/ مارس، التأم شمل تسع أمهات أيزيديات وقعن في أسر داعش مع أبنائهن الـ12، للمرة الأولى منذ انهيار التنظيم، وذلك بعد عامين من التحضير والضغط والتدخلات الدبلوماسية التي كللتها جهود إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.

 

في مشاهد غير عادية، عند معبر "سيمالكا" الحدودي بين العراق وسوريا، احتضنت الأمهات الأيزيديات أطفالهن الذين لم يعرفوهن في البداية، بعد عامين قضاهما الأطفال في إحدى دور الأيتام القريبة من الحدود. البطل في هذا الموقف الإنساني كان تصميم الأمهات الشابات، اللواتي ترواحت أعمارهن بين 19 و26 عاماً، على استعادة أطفالهن بغض النظر عن الثمن الذي قد يدفعنه.

 

لاحت بارقة الأمل الأسبوع الماضي حين تواصل بيتر غالبريث، الدبلوماسي الأمريكي المخضرم والوثيق الصلة بالأكراد في سوريا، مع نيمام غفوري، رئيسة منظمة المساعدات المشتركة الخيرية في كردستان، وهي منظمة سويدية كردية تدعم الأيزيديات النازحات.

 قال لها غالبريث إن الأكراد السوريين على استعداد لعقد صفقة بشأن أطفال الأيزيديات، وإنه بصدد السفر إلى أربيل لتذليل العقبات أمام ذلك.

 

وأوضح غالبريث، الصديق لبايدن منذ عام 1980: "طلبت من نيجيرفان بارزاني (رئيس إقليم كردستان العراق) التحدث إلى مظلوم عبدي (القائد الكردي السوري لقوات سوريا الديمقراطية التي هزمت داعش بدعم أمريكي) ووافق". كان البيت الأبيض حاضراً في المناقشات المشحونة لتأمين نقل الأطفال إلى الحدود، حيث كانت غفوري والأمهات في الانتظار.

 

لكن المسؤولين في كردستان العراق اشترطوا معرفة أصل الأبناء قبل السماح للأمهات باستعادتهم. نظراً لبيع الأسيرات الأيزيديات وتنقلهن كسبايا بين المقاتلين الداعشيين لم تعرف بعض الأمهات من هم الآباء الحقيقيون لأطفالهم.

 

قالت غفوري إن بعض الأشخاص يصعب عليهم إدراك سبب حرص هؤلاء الأمهات على ضم أطفالهن الذين ولدوا جراء الاستعباد الجنسي، ووجود روابط قوية في ما بينهم رغم عامين من الفراق القسري. وشرحت رداً على ذلك: "عندما حملن، كان ذلك يعني نهاية البيع والاغتصاب من قبل رجال جدد. وضع الطفل المنتظر حداً لجزء من معاناتهن. بمجرد الحمل والولادة، كانت نهاية الأمر. تبقى الأم مع الرجل حتى يقتل".

 

بحلول منتصف ليل الخميس، كانت الأمهات التسع في طريقهن إلى منزل آمن تم الترتيب له مسبقاً.

 "النساء مطرودات الآن"... غضب واسع لدى القيادة والمجتمع الأيزيديين من الأمهات اللواتي أصررن على استعادة أطفالهن من مقاتلي داعش. وأوروبا وأستراليا تخشيان توطينهن مع أطفالهن… فأين يذهبن؟

غضب أيزيدي وطرد للأمهات

رغم الدفء الذي لفّ مشهد اجتماع الأمهات وأطفالهن، أشعلت أنباء لم الشمل غضباً شديداً في المجتمع الأيزيدي، خاصةً لدى قادته.

 

قال الأمير هيرمان، ممثل الزعيم الأيزيدي الكبير الأمير حازم: "نحن لا نقبل هذا. يجب أن يكون هذا قراراً للأمة الأيزيدية. الأمهات دائماً موضع ترحيب للعودة إلى المنزل، لكن لن يتم قبول الأطفال. يمكنهم [الداعشيون] إعطاء أطفالهم لمن يريدون. لكنهم لا يستطيعون العيش معنا".

 

لم يقتصر الغضب على الأمهات، بل شمل كل من شارك في العملية. أضاف هيرمان: "هؤلاء الأشخاص الذين أعادوا الأطفال دون أن يسألوا الأيزيديين، أو القادة الأيزيديين، سيدفعون ثمن ما فعلوه. لا فرق بين المنظمات غير الحكومية التبشيرية وداعش، لأنهم يلعبون (يخدعون) على فتياتنا ويأخذونهن منّا".

 

أما الشيخ علي إلياس، الزعيم الروحي للأيزيديين، فقال إن "النساء (الأمهات الأيزيديات) الآن منفيات (مطرودات)"، متابعاً "لن أقبل أنا والمجتمع الأيزيدي هؤلاء الأطفال. إنهن حرائر في الذهاب إلى أي مكان يردن، باستثناء مجتمعنا. لم يعدن مشكلتنا، ولهن الحرية في اتخاذ قراراتهن بأنفسهن".

 

في المكان الذي يؤويهن مع أطفالهن، تواصلت صحيفة "الغارديان" البريطانية مع عدد من الأمهات الأيزيديات. علماً أن ثمانيَ منهن مع أطفالهن بقين في المنزل ذي الطابقين، وعادت واحدة وأطفالها إلى أسرتها في مخيم للاجئين. تأمل الأمهات الثماني في الانتقال إلى أوروبا أو أستراليا ليبدأن حياةً جديدة في ظل رفض مجتمعاتهن لهن.

 

قالت إحداهن: "لم أكن متأكدة مما سأفعله حتى رأيت ابنتي مرة أخرى. أحب أمي كثيراً وأعرف ما يعنيه هذا بالنسبة لي. لكني أحب ابنتي أيضاً وأريد بداية جديدة".

 

وأوضحت أخرى أنها عانت ارتباكاً خلال الأسبوع الماضي بينما تدرك الآن أنها بحاجة إلى قطع العلاقات مع مجتمعها الأيزيدي. قالت: "لدي عائلة تعيش في الخارج، وحتى أفرادها لن يقبلوني. يجب أن يتغير هذا، وسنعمل على تحقيق ذلك. عندما أخبرت والديّ، قالا: ‘لم تعودي فرداً من عائلتنا‘".

 

وشددت على أنها سعيدة بلم الشمل مع طفلتها برغم أنها لم تشعر باستيعاب المجتمع الأيزيدي لها عقب عودتها، لافتةً إلى أن الأطفال لا ذنب لهم.

 

"لا مكان آمن لديهم"

منذ إنقاذهن من أسر داعش، سمح للأيزيديات بإعادة التوطين في أوروبا وأماكن أخرى من العالم. لكن قضية الأطفال المولودين لداعش لا تزال مثيرة للقلق بالنسبة للحكومات الأجنبية.

 

قالت غفوري: "ليس لديهن مكان آمن ليس فقط في العراق ولكن في الشرق الأوسط بأكمله"، مضيفةً: "الشيء الوحيد الذي يردنه هو إعادة توطينهن (مع أطفالهن) كمجموعة في بلد ثالث. لقد كان هذا جرحاً ملوثاً للمجتمع الأيزيدي. الشفاء الوحيد هو لم شمل هؤلاء الأمهات اللواتي يرغبن في أطفالهن وإعادة توطينهم".

 

وختمت: "نحن بحاجة إلى إيجاد حلول الآن. لا ألوم بالضرورة المجتمعات الأيزيدية أو المجتمعات الكردية في العراق أو سوريا، لكني ألوم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. إنهن يقعن ضحايا مرة أخرى من قبل أولئك الأشخاص الذين يقولون إنهم يدعمونهن، لكنهم لا يفعلون أي شيء".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image