للأسبوع التاسع على التوالي، تشهد مدينة أم الفحم (شمال فلسطين)، في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، الجمعة 12 آذار/ مارس، تظاهرة حاشدة احتجاجاً على العنف والجريمة المتفشيين في المجتمع العربي وسط اتهامات للشرطة والحكومة الإسرائيليتين بالتواطؤ مع عصابات الإجرام وعدم لجمها للظاهرة الآخذة في التفاقم حتى أصبح معها كل مواطن عربي مهدداً بفقدان حياته لدى وجوده في أحد الأماكن العامة.
بالتزامن، تنظم قرية جلجولية (قرية عربية بالمثلث الجنوبي) تظاهرة ضخمة، بعد صلاة الجمعة، احتجاجاً على مقتل الطفل محمد عدس (15 عاماً) مساء 9 آذار/ مارس، وإصابة صديقه مصطفى أسامة (12 عاماً) في حادث إطلاق نار على بعد 50 متراً من مركز الشرطة. بينما فشلت جهود إسعاف عدس، تم نقل أسامة إلى العناية المركزة حيث يرقد في حالة خطيرة.
تظاهرة حاشدة بعد ظهر اليوم الجمعة في قرية جلجولية في الأراضي المحتلة عام 48 والواقعة جنوب طولكرم، احتجاجا على تفشي العنف والجريمة وتواطؤ الشرطة الإسرائيلية في أعقاب مقتل الفتى العربي محمد عدس. pic.twitter.com/uRazcTWHOg
— Ramy Abdu| رامي عبده (@RamAbdu) March 12, 2021
ومنذ بداية العام 2021، قُتل 17 مواطناً فلسطينياً في المدن والبلدات العربية المحتلة عام 1948.
وقمعت الشرطة الإسرائيلية تظاهرة أم الفحم يوم الجمعة الماضي وحاولت تفريق المتظاهرين باستخدام المياه والقنابل الصوتية وقنابل الغاز المسيل للدموع، واعتدت عليهم بالضرب بالهراوات والأسلحة المعدنية، فأسقطت 40 مصاباً تطلب بعضهم تطبيباً في المستشفى.
فطن الفلسطينيون المتظاهرون إلى تواطؤ الشرطة الإسرائيلية من البداية فحملوا لافتات تردد: "الشرطة أصل الورطة".
"أمهات من أجل الحياة"
ولا تقتصر محاربة الجريمة على التظاهرات أو "الحراك الفحماوي الموحد" - كما اصطلح على تسمية تظاهرات أم الفحم- إذ انطلقت العديد من المساعي والمبادرات الفردية والجماعية الهادفة للغرض نفسه: منع إراقة مزيد من الدماء العربية في نطاق سيطرة الحكومة الإسرائيلية. التوعية هي لاعب مهم في هذه العملية.
مطلع هذا الشهر، تأسس منتدى "أمهات من أجل الحياة" من مجموعة من الأمهات الثكالى اللواتي فقدنا أحباء، وقررن أن ينشطن اجتماعياً في مواجهة العنف المستفحل في أوساط المجتمع العربي في أراضي 48. يوجه المنتدى دعواته ومنشوراته بالعربية والعبرية معاً أملاً في إثارة وعي وحشد قوة أكبر من العرب واليهود ضد الظاهرة.
"الحراك الفحماوي الموحد" و"أمهات من أجل الحياة"... المواطنون الفلسطينيون في المدن والبلدات العربية المحتلة عام 1948 يكافحون لوقف العنف والجريمة وسط تجاهل الحكومة الإسرائيلية لوجعهم وتواطؤها ضدهم: 17 ضحية منذ بداية العام وزيادة سنوية مخيفة
في رسالة عبر الحراك النسوي، قالت كفاح إغبارية، التي فقدت أربعة من أفراد عائلتها، وهي إحدى المؤسِّسات: "لا يوجد مواطن عربي لم يفقد صديقاً، فرداً من العائلة، ابناً أو والداً. هذا الأمر لم يكن اعتيادياً في السابق، عندما كنت طفلة استطعت أن أتجول في بلدي بأمان، نحن نحارب فقط لأجل حياة طبيعية وعليكم الانضمام إلينا"، مشددةً "معاً نستطيع أن نمنع الجريمة القادمة".
وتحت شعار "من أم الفحم إلى تل أبيب، كلنا مع الأمهات الثكالى في صرخة مدوية في تل أبيب"، ومسمى "شراكة من أجل الحياة"، تنظم المبادرة "تظاهرة قطرية" في تل أبيب الخميس 18 آذار/ مارس.
إعلام إسرائيلي مهتم
رغم قمع الحكومة الإسرائيلية للتظاهرات ضد العنف والجريمة في المجتمع العربي، ومُضيها قدماً في تجاهل الوجع العربي، بدا لافتاً اهتمام بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية بصرخة المجتمع العربي. أجرت هيئة البث الإسرائيلية مقابلات عديدة مع متخصصين وناشطين/ ات من العرب حول القضية.
وللمرة الأولى، جاء غلاف صحيفة "يديعوت أحرونوت" المقربة من حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الجمعة 12 آذار/ مارس، باللغتين العربية والعبرية، تحت عنوان "فقط سوا". وافتتحت الأكاديمية نهاية داوود والصحافية حين آرتسي سرور، العدد بمقال تناول أربعة من حوادث القتل راح ضحيتها أطفال وشباب عرب هذا العام.
واستنتجت الكاتبتان: "الإهمال المقصود والمستمر ينفجر الآن في وجوهنا. وفقط الاستثمار الممنهج يستطيع خلق مجتمع آمن ومنع الجريمة القادمة"، مضيفتين أن "سيرورة العلاج من العنف تستوجب بناء الثقة والتي تستند إلى الشركة والتضامن" بعيداً عن "الوعود الكثيرة الفارغة من المضمون".
وكان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، أمير أوحانا، قد تعهد عقب جريمة جلجولية تسديد "ضربات قاسية للغاية" للعنف المستشري في المجتمع العربي خلال الفترة المقبلة، واعداً في مقابلة مع الإذاعة العسكرية بـ"أن يُلاحَظ تغيير جوهري في غضون نصف عام".
ومع اقتراب الانتخابات التشريعية في إسرائيل، المقررة في 23 آذار/ مارس الجاري، وحرصه على أصوات العرب، توالت وعود نتنياهو بالتصدي للعنف في المجتمع العربي، معلناً تعيين منسق حكومي خاص لمكافحة الجريمة بالمجتمع العربي.
للمرة الأولى، جاء غلاف صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية باللغتين العربية والعبرية، تحت عنوان "فقط سوا"، ومع تأكيد: "سيرورة العلاج من العنف تستوجب بناء الثقة التي تستند إلى الشركة والتضامن" بعيداً عن "الوعود الكثيرة الفارغة من المضمون"
ومطلع الشهر الماضي، كشف نتنياهو عن خطته المزمعة لمكافحة العنف في المجتمع العربي، والتي تضمنت استثمار نحو 100 مليون شيكل (30 مليون دولار أمريكي) في عملية ضخمة لجمع الأسلحة من المواطنين وإنشاء مؤسسات مكافحة الحرائق ومراكز شرطة خاصة لمكافحة الجريمة في المجتمع العربي.
لكن ناشطين وسياسيين فلسطينيين وصفوا الخطة بأنها "هزيلة" و"لا تحل المشكلة جذرياً" بل اعتبرها بعضهم مجرد "خدعة انتخابية".
ويتهم الفلسطينيون أجهزة الأمن والحكومة الإسرائيلية بالتواطؤ حيال الدماء العربية المُراقة. عقب مقتل الطفل عدس، قال رئيس مجلس جلجولية، درويش رابي، لموقع "عرب 48": "الوضع غير طبيعيّ، الجريمة ارتُكِبت على بُعد 50 متراً من مركز الشرطة. والحكومة الإسرائيلية لم تتخذ قراراً لمقاومة العنف في المجتمع العربي".
وحظرت السلطات الإسرائيلية نشر كل ما يتصل بالقضية. وليس واضحاً إلى أين وصلت التحقيقات، غير أن موقع هيئة البث الإسرائيلية "مكان" زعم أن هوية القتلة باتت "معلومة" للسلطات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...