شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"أبي خسر عمله فشعر بأزمة خطيبي"... هل تغير شرط المهر في الزواج؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 5 ديسمبر 202004:37 م

"مصائب قوم عند قوم فوائد" تنطبق هذه المقولة فعلياً على ما أحدثته هجمات كورونا من تغيير في أنماط البشر الحياتية، والتي لم تقتصر فحسب على القيود المشددة، وإجراءات الوقاية والسلامة الصحية، بل يبدو أن لها جانباً مشرقاً عند البعض، لا سيما أنها أحدثت تغيراً طوعياً على جزء من العادات المجتمعية وأهمها المهر أو الصداق.

فلسطين: "أبي وافق بلا مهر"

من المعروف أن المهر بالنسبة للمجتمع العربي جزء لا يتجزأ من موروثه، يتفاخر به الأهالي والعرسان، وإن بنسب متفاوتة، لكن في ظل الواقع الاقتصادي الصعب، الذي أفرزته كورونا، لم يعد وسيلة للمغالاة والتباهي كما في السابق، ولم يعد غريباً أن نسمع عن زيجات تمت بلا مهور معتادة، إذ أضحت غالبيتها رمزية.

من دون مدعوين وتكاليف باهظة ومهر، اكتفى العروسان بوضع "المِحبَسين" ببنصريهما وسط مباركة أسرتيهما. هكذا عقد ماجد الشيخ ونسرين نصرالله قرانهما في ظل جائحة كورونا، بعد أربع سنوات من محاولات عدة فشلت، "الفضل يعود لكورونا"، كما قال ماجد.

"الفضل يعود لكورونا".

يروي ماجد: "تعرفت على نسرين قبل أربعة أعوام في العمل، حيث بدأت قصة الحب، وبعد عام تقدمت لخطبتها، كان والدها يرفض بحجة أني لست مكتملاً من الناحية المادية، ويلزمني الكثير من الوقت لأكوّن نفسي كشاب يريد الزواج. وفق العادات والتقاليد الفلسطينية يجب دفع مهر وتجهيز شقة، واستعدادات الفرح، والخطبة، لكن حتى وإن ادخرت من راتبي لسنوات عديدة فلن أستطيع توفير ذلك كله".

يعمل ماجد ونسرين في مدينة جنين الفلسطينية بمجال الترجمة، ولا يتجاوز راتبهما الـ400 دولار أمريكي شهرياً، ورغم أن ماجد تقدم لخطبتها أكثر من مرة سابقًا، لم يُحبط، وظل كل منهما متمسكاً بقراره، وفي كل مرة كان الحِمل الأكبر على نسرين في إقناع والدها الذي لم يوافق.

اتفق ماجد ونسرين على أن يستغلا ظرف كورونا لأن الجميع بدون استثناء يخوض ظروفاً اقتصادية ومعيشية قاسية، حتى والد نسرين فقد عمله (كان يدير مطعماً)، مما جعله يشعر بحجم سوء الأوضاع، فقرر أن يتراجع عن قراره، ويؤيد فكرة زواج ابنته حتى من دون مهر، بعدما كان يصرّ سابقًا على نفقات لا تقل عن 6000 دينار أردني (ما يتجاوز 8.400 دولار أمريكي)، رغم امتعاض نسرين التي لم تكن تعترض انصياعاً لقوة العادات.

تقول نسرين لرصيف22: "قررنا أن نحارب الطقوس المجتمعية، فانتصرت لنا كورونا. بدل المهر استعضنا بالأموال في تجهيز المنزل، وبعض الحاجات الأخرى، لسنا مضطرين للاستدانة والعيش بضائقة مالية".

مصر: "مهري 500 جنيه"

في ليلة عقد قرانها، أرسلت إحدى صديقات وفاء رسالة لتهنئتها عبر فيسبوك، لكن كالعادة لم تخل الرسالة من السؤال: "كم المهر؟"

ردت وفاء: "500 جنيه"، فاندهشت صديقتها، "إزاي كده يا بنتي؟".

تقول وفاء بكر (33 عاماً)، تعمل محاسبة في إحدى الشركات: "لم أتعجب من سؤال صديقتي، الكثيرون يستهجنون ذلك، على اعتبار أن كلما ارتفع المهر ارتفعت معه قيمة الفتاة، وهذا يعود للأفكار المجتمعية المتوارثة، والتي كونت هذا الفهم المغلوط".

 "ربما شعورنا أننا جميعاً سنظل مهجورين عن العالم، ومعزولين، شجّع العديد من الشباب والفتيات على الزواج، وصرف النظر عن أي تكاليف أفرزها المجتمع وفق تقاليده"

تزوجت وفاء من ابن خالتها، فلم يكن يجرؤ للتقدم لخطبتها بسبب حالته المادية، لكن ظروف كورونا فعلت فعلها، بينما كانت تعيش مصر حالة إغلاق شامل قبل ثلاثة أشهر، تقدم ابن خالتها لخطبتها من والدتها، فوالدها متوفى.

ومن باب التيسير عليهما، اتفقت الشقيقتان على تجهيز العروس دون مهر، فالعادة في مصر تجري بأن تقوم والدة الفتاة بتجهيز شقة العروس، وهذا ما فعلته والدتها، وجهزتها خالتها بملابس وقطعتين من الذهب.

تروي وفاء: "ربما شعورنا أننا جميعاً سنظل مهجورين عن العالم، ومعزولين، شجّع العديد من الشباب والفتيات على الزواج، وصرف النظر عن أي تكاليف مادية أفرزها المجتمع وفق عاداته وتقاليده".

"تداعيات كورونا لم تغير سلوكنا، كغسل اليدين وارتداء الكمامة والوقاية بل غيرت أفكارنا كلياً، والكثير من عاداتنا"، تقول وفاء.

يعلق حسام أبو ستة، وهو دكتور في علم اجتماع بجامعة القدس المفتوحة في غزة لرصيف22: "تعمل المجتمعات عادة على التكيف مع الظروف الطارئة وقت الأزمات، وتختلف هذه الاستجابة من مجتمع لآخر بحسب طبيعة الأزمة ومدتها، وكذلك بحسب ثقافة المجتمع ومقدراته وأوضاعه الاجتماعية والاقتصادية، ولأن الأوبئة كظاهرة صحية تؤثر في مختلف مناحي الحياة، فإن انتشار فيروس كوفيد19 أثر بشكل كبير على المواطن العربي، ولا سيّما المواطن الفلسطيني".

"تداعيات كورونا لم تغير سلوكنا، كغسل اليدين وارتداء الكمامة والوقاية بل غيرت أفكارنا، والكثير من عاداتنا"، تقول وفاء بعد زواجها بمهر رمزي، وبلا تكاليف 

ويوضح: "لم يقتصر الأمر على سلوكيات المجتمع اليومية، بل أثرت على هوية الموروث المجتمعي، نظراً لطبيعة الحالة التي فرضها الوباء، وما أفرزه من نقص في فرص العمل وزيادة نسبة البطالة".

ويتابع: "لو نظرنا لمراسم الزواج منذ إعلان وجود إصابات داخل المجتمع بفيروس كورونا، للاحظنا اختلافاً في عادات الزواج بشكل يلائم التدابير والإجراءات الوقائية".

ونبّه أبوستة على أنّ تأثير "الكورونا" لم يقف عند حد المراسم الشكلية للاحتفال بالزواج، بل طال عمق تلك الظاهرة، ليفرض تغييراً على المهور، التي لطالما اعتبرها الشباب واحداً من التحديات التي تعيق الزواج لارتفاعها أحياناً لدى بعض الأسر، فبسبب تلك الجائحة بدأ الكثيرون يخفضون من تكاليف الزواج، وفي مقدمتها المهور، تسهيلاً للزواج، وهذا ما قد يفسر إسراع الكثير من الشبان لإتمام الزواج في ظل تلك الظروف".

المغرب: "الشاب ليس كنزاً"

قرَّرت سارة بني زيد (23 عاماً)، تسكن في مدينة مراكش المغربية، أن تعقد قرانها من دون مهر، فقد اكتفت من خطيبها بهدية رمزية (ثلاث قطع من الذهب)، وبعض الملابس، والسجاجيد، وتفهمت العائلتان الظروف الطارئة التي عمّت البلاد.

تخرجت سارة من الجامعة، وعقد قرانها على زميلها في الفترة التي كانت تعيش بلادها حالة طوارئ بسبب كورونا، تقول: "ليس مضطراً الشاب الذي تقدّم لي أن يكون بمثابة كنز مفتوح أو يستدين ليرضيني، وبعد الزواج نعيش ضائقة مالية لتسديد الدَيْن، ما يهمني أولًا أن يكون ذا خلق، وتربطنا محبة دائمة، فكل أمر مرتبط بالمادة زائل".

"بعد الزواج نعيش ضائقة مالية لتسديد الدَيْن".

كانت سارة ترفض جلسات المساومة على المهر، والتي تغلب على الزواج التقليدي المراكشي، فلا يمكن تصوّر فكرة تقدم العريس لخطبة العروس من دون مهر، لكن يبدو أن الأمر تغير بعد جائحة كورونا.

وتراوح قيمة متوسط المهور، بحسب سارة، بين 4000 و 9000 درهم (يبلغ قيمة الدرهم المغربي الواحد 0.11 دولار أمريكي)، وأحياناً قد يصل المبلغ إلى مليون درهم.

تقول سارة لرصيف22: "من الشائع في مراكش أن الفتيات الفقيرات كنّ سابقاً يقبلن بمهر قليل، لكن الفتيات الغنيّات يتزوجن بمهر عالٍ، وبعد كورونا لم يعد هذا الأمر دارجاً بشكل ملموس، فالجميع باتوا سواسية أمام الجائحة. من الجيد إذاً أن نستفيد من الأزمات، ونغيّر نمط تفكيرنا والعادات السائدة ولا سيّما المجتمعية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image