تتجه أنظار العاملين في الوسط الصحافي المصري إلى "4" شارع عبد الخالق ثروت، في وسط العاصمة المصرية القاهرة، حيث ستجري في الخامس من آذار/ مارس انتخابات التجديد النصفي في "نقابة الصحافيين".
هي انتخابات دورية تُنظّم كل عامين على مقعد النقيب وعلى نصف أعضاء مجلس النقابة. وهذه السنة، رُفعت عدة دعاوى قضائية لتأجيلها بسبب التخوف من انتشار عدوى "فيروس كورونا" بين المشاركين، ولكن محكمة القضاء الإدارى رفضت سبع دعاوى تطالب بإلغاء الدعوة إلى إجرائها.
ويضم مجلس النقابة النقيب، ويُنتخب لمدة عامين، و12 عضواً يُجدّد نصفهم كل سنتين. وهذه الدورة، ترشح لمنصب النقيب ستة أشخاص، كما تقدم 55 صحافياً بأوراق ترشحهم لعضوية المجلس.
ويحدد القانون موعد إجراء الانتخابات يوم الجمعة الأول من شهر آذار/ مارس، إلا أنّه في الغالب لا يكتمل النصاب القانوني للجمعية العمومية من أول مرة، فتتأجل الانتخابات أسبوعين، لما يعني أن تجري في الـ19 من الشهر نفسه هذا العام.
قلق على الحريات
تأتي الانتخابات في ظل حالة تردٍّ شديد للحريات الصحافية في مصر. فوفقاً لما نشرته شبكة "مراسلون بلا حدود"، عام 2020، حلّت مصر في المرتبة 166 من أصل 180 بلداً على جدول التصنيف العالمي لـ"حرية الصحافة".
ويعاني الصحافيون المصريون من أوضاع اقتصادية سيئة، في ظل تراجع مستوى الأجور، وعمليات الفصل التعسفي، وإغلاق مؤسسات صحافية بعد أزمة كورونا، وتشريد العاملين فيها، فضلاً عن حجب مئات المواقع الإلكترونية التي نشرت مواد صحافية لم توافق "هوى" السلطة.
وكالعادة، تشهد الانتخابات صراعاً بين مرشحين ينتمون إلى عدة تجمعات، وحصلت الصحف المملوكة للدولة (الحكومية) على "نصيب الأسد" في قوائم المرشحين بـ29 مرشحاً، وبجانبهم هنالك 20 مرشحاً من الصحف الخاصة، وسبعة على القوائم الحزبية، وثلاثة مرشحين بصفة "صحافي حر"، واثنان من مجلة "الإذاعة والتلفزيون".
في الغالب، يتركز رهان المرشحين المتنافسين على عدة مصادر تمثل الكتل التصويتية الأكبر، وهي أولاً المؤسسات الصحافية الكبرى التي تضم أعضاءً كثراً مثل "الأهرام"، "أخبار اليوم"، "دار التحرير للطبع والنشر"، و"وكالة أنباء الشرق الأوسط"...؛ وثانياً الكتلة المؤيدة لـ"تيار الاستقلال النقابي" الذي يضم صحافيين يساريين وليبراليين وناصريين يرون أن النقابة لا بد أنّ تكون مستقلةً بعيداً عن السلطة والأحزاب. وهنالك أيضاً كتلة ثالثة تُعَدّ عنواناً لـ"الهويات الفرعية" وهي كتلة "الصحافيين الصعايدة".
السلطة ومنصب النقيب
في مقدمة المرشحين الستّة لمنصب نقيب الصحافيين، يأتي النقيب المنتهية ولايته ضياء رشوان، وهو يساري بفكر ناصري وباحث مختص في شؤون الجماعات الإسلامية ويشغل منصب رئيس الهيئة العامة للاستعلامات التابعة مباشرة للرئاسة المصرية.
يمثّل رشوان القادم من مؤسسة "الأهرام" العريقة، والذي ترشح للمنصب سابقاً أربع مرات، وفاز مرتين، وهذه هي المرة الخامسة التي يترشح فيها، "مرشح السلطة"، فهو قريب جداً من الحكومة، ويرتبط بعلاقات مباشرة مع دوائر النفوذ.
تاريخياً، كانت علاقة السلطة المصرية مع الصحافة والصحافيين تغلب عليها الرغبة في الإخضاع والسيطرة، وعمل الرؤساء المصريون منذ جمال عبد الناصر على تحويلها "بوقاً دعائية" تابعاً لهم
وعلى الرغم من الرهان عليه، بحكم قربه من السلطة، للحصول على خدمات وميزات للصحافيين، لحمايتهم من عمليات القبض عليهم، وتوسيع مساحة الحريات، وتحسين الأجور، إلا أنّ هنالك حالة غليان ضده في الجمعية العمومية، بسبب إخفاقاته في هذه الملفات نفسها، خلال فترة ولايته الأخيرة.
ودائماً ما تحرص السلطة على أن يفوز مرشحها، ولذلك تحاول تقديم بعض المزايا له، أبرزها الزيادة في بدل التدريب والتكنولوجيا (مبلغ شهري يحصل عليه الصحافيون المصريون بقيمة 2100 جنيه)، وهي زيادة تُرضي الجمعية العمومية وتدفعها في الغالب لانتخابه.
أبرز منافسي رشوان في الانتخابات المرتقبة هو عضو مجلس إدارة مؤسسة "أخبار اليوم" رفعت رشاد، ثم المرشح اليساري البارز كارم يحيى.
يُحدد كارم يحيى، وهو يساري مستقل يصف نفسه بأنه "مناضل مهني في الصحافة" ثلاثة أسباب وراء اهتمام السلطة بانتخابات النقابة: أولها، أنه تاريخياً كانت علاقة السلطة منذ عام 1954 مع الصحافة والصحافيين تغلب عليها الرغبة في الإخضاع والسيطرة، وعلى الرغم من توالي الرؤساء المصريين منذ جمال عبد الناصر وحتى الآن، إلا أنهم يريدون تحويلها "بوقاً دعائية" تابعاً لهم.
ويتابع يحيى أن السبب الثاني هو أن نقابة الصحافيين هي نقابة رأي، دائماً ما تنظر إليها الحكومة بـ"عين الشك والريبة"، لا سيما أن عندها فرصة أكبر للانفتاح على المجتمع وهمومه، وبذلك من الممكن أن تكون عامل "إزعاج للسلطة"، ولذلك تسعى الأخيرة لـ"السيطرة عليها وإخضاعها".
ويضيف لرصيف22: أما السبب الثالث فهو أن نقابة الصحافيين يُنظر إليها في محطات مفصلية في التاريخ المصري المعاصر على أنها تمثل "نبوءة التغيير في هذا البلد"، ضارباً مثل الاحتجاجات التي شهدها سُلّم النقابة في عهد الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، والتي كانت مؤشراً على أنّ البلد سيشهد تغييراً.
يعتبر يحيى أن ضياء رشوان لم يخض الانتخابات من تلقاء نفسه، ولكن جرى اختياره من بين آخرين ليمثل "السلطة السياسية وسيطرتها على النقابة"، مشيراً إلى أن اختيار السلطة موظفاً حكومياً بدرجة "نائب وزير" لترشحه مجدداً "إهانة للصحافيين".
"الدفاع عن الحريات لا يمنع أن تكون نقابة الصحافيين نقابة خدمات للأعضاء، فالصحافة تعني أكل عيش، ولكن في الوقت نفسه، فإنّ مهنة الصحافة بدون حرية تقفل، والصحافيون يتشردون مثلما هو حادث حالياً في البلد"
برأي يحيى، النقابة لا بد أن تكون داخلها "سلطة مضادة" تراقب وتنتقد أداء المجلس ونقيب الصحافيين، متابعاً: "عندي أمل في أنني في المنافسة مع رفعت رشاد وضياء رشوان، ودخلت معركة قانونية لاستبعاد الأخير من الانتخابات".
ويلفت إلى أن ترشيحه أضاف لشريحة من الناخبين خياراً بديلاً عن عزوفهم عن التصويت، مؤكداً أنه "بديل ثالث" عن المرشحيْن رشوان ورشاد، وليس له علاقة بالسلطة، بل يطرح قضايا نقابية أهمها العمل على استقلال النقابة، ورفع سقف الحريات، وطرح الملفات المسكوت عنها مثل سجن الصحافيين.
مجلس النقابة... بين الحريات والخدمات
أما تركيبة مجلس النقابة، فدائماً ما تعكس التيارات السياسية والفكرية المختلفة الموجودة في الجمعية العمومية للنقابة، وعادةً ما يضم أعضاء من جميع التيارات السياسية، سواء الموالية الحكومة أو المعارضة لها، بشكل يضمن توازناً في الأداء النقابي بين التصعيد أحياناً والتهدئة في أحايين أخرى.
بين المرشحين لمقاعد المجلس الجديد أربعة كانوا أعضاءً في المجلس وهم محمد خراجة، وجمال عبد الرحيم، ومحمد سعد عبد الحفيظ، وعمرو بدر، وهم "رباعي" محسوب على الجبهة المعارضة.
وينتمي عبد الحفيظ وبدر إلى "تيار الاستقلال النقابي" الذي يترشّح عنه في هذه الانتخابات أيضاً وليد صلاح. ويركز مرشحو هذا التيار في برامجهم على القضايا الخاصة بـ"الحقوق والحريات الصحافية". أما المحسوبين على الجبهة الحكومية، فيقدّمون في الغالب برامج تعتمد على تقديم "خدمات مؤثرة" بسبب قربهم من السلطة.
"نقابة الصحافيين يُنظر إليها في محطات مفصلية في التاريخ المصري المعاصر على أنها تمثل نبوءة التغيير في هذا البلد، ففي عهد حسني مبارك شهد سُلّمها حركة احتجاجية كانت مؤشراً على أنّ البلد سيشهد تغييراً"
في الانتخابات المرتقبة، يترشح خالد البلشي، مقرر لجنة الحريات في النقابة سابقاً، لعضوية مجلس النقابة. ويعمل البلشي حالياً رئيساً لتحرير موقع "درب" الذي حجبته السلطات المصرية، والتابع أصلاً لـ"حزب التحالف الشعبي الاشتراكي"، وترأس أيضاً تحرير جريدة "البديل" اليسارية في الفترة التي تلت ثورة يناير.
يصف البلشي نفسه بأنه "يساري في المطلق"، ولكن برأيه، لا علاقة لتوجهه بالنقابة، لأنه يؤدي عمله كصحافي ونقابي، لافتاً إلى أنّه محسوب على "تيار الاستقلال النقابي".
يقول البلشي لرصيف22 إنّ الدفاع عن الحريات لا يمنع أن تكون النقابة نقابة خدمات للأعضاء، مشيراً إلى أنه يقول دائماً إن "الصحافة تعني أكل عيش". ولكنه يرى في الوقت نفسه أنّ مهنة الصحافة بدون حرية "تقفل"، والصحافيين يتشردون مثلما هو حادث حالياً في البلد.
يشير إلى أنّ المنتمين إلى "تيار الاستقلال النقابي" دائماً ما يُطلَق عليهم وصف "المشاغبين" لأنهم يطالبون بتوسيع مساحة الحقوق والحريات، ولكن الفكرة هي أنّ الأزمة التي يعاني منها البلد لحقت أيضاً بهذا "التيار" الذي هو في الأصل ليس تنظيماً أو حزباً، ولكن مجموعة من الأفكار تدور حول محوري الحقوق والحريات، وعباءته تتسع لكثيرين ربما لا يؤدون ما هو مطلوب منهم نقابياً.
ويقول: "الجمعية العمومية للصحافيين دائماً واعية، وتعرف أنها تحتاج إلى تخصيص مساحة للمشاغبين للتفاوض على الحريات، وكذلك تختار مرشحين ‘بتوع خدمات’، وآخرين يجيدون التنسيق مع الدولة".
وبرأيه، "تيار الاستقلال النقابي" ليس عنواناً لأي مرشح، ولكنه ممارسة، وهنالك أشخاص قد يُحسَبون على التيار، ولكنهم قد يخذلون ناخبيهم في ما يخص الرؤية النقابية التي تشمل الحقوق والحريات.
وعن أداء مجلس نقابة الصحافيين بما فيه المحسوبون على "تيار الاستقلال النقابي"، يعتبر أنه كان أداءً سيئاً، "فالصحافيون طُردوا من نقابتهم التي تعيش أزمة ربما لم تشهدها في تاريخها، وعلى الرغم من أن هذا هو جزء من الأزمة التي يعاني منها البلد كله، إلا أنّ الأداء السيئ للمجلس الحالي فاقم هذه الأوضاع داخل النقابة".
وعن المشهد الانتخابي، يشير إلى أنه رغم قلة أعداد المرشحين بسبب فيروس كورونا (61 مرشحاً للنقيب وأعضاء المجلس)، "إلا أننا أمام مشهد انتخابي حيوي وغاضب يكشف عن وجود قلق على النقابة حتى بين الفئات التي كانت تهتم أصلاً بالخدمات فقط، وهذه النقابة لديها دائماً القدرة على المناورة".
"لعبة انتخابية"
مرشح آخر لمجلس النقابة هو هاني عمارة، ويعمل في مؤسسة "الأهرام" الحكومية، وكان عضواً سابقاً في مجلس نقابة الصحافيين لدورتين (8 سنوات). يقول لرصيف22 إنّه دائماً يخوض الانتخابات مرشحاً مستقلاً لا يُحسب ولا يُراهن على مؤسسة صحافية واحدة، ولكنه يعتمد على تواجده وخدماته التي يقدّمها طوال الوقت لأعضاء الجمعية العمومية.
ويضيف: "أنا أترشح وأعرض نفسي على صحافيي كل المؤسسات الصحافية: الأهرام، أخبار اليوم، دار التحرير، وكالة أنباء الشرق الأوسط… وكذلك على الزملاء في كل الصحف الحزبية والخاصة"، متابعاً أنه لا يشارك في تحالفات ولا "تربيطات انتخابية".
أما المرشح أبو السعود محمد، السكرتير المساعد لنقابة الصحافيين المصريين الأسبق، والمنتمي إلى واحدة من أكبر وأهم الصحف الخاصة في مصر، وهي "المصري اليوم" المملوكة لرجل الأعمال صلاح دياب، فكان قد استطاع العبور إلى أحد المجالس النقابية السابقة بعد خوضه الانتخابات ثلاث مرات متتالية.
يقول محمد لرصيف22 إن انتخابات النقابة تشهد بطبيعة الحال صراعات على الكتل الانتخابية، وكذلك وجود تيارات نقابية أبرزها "تيار الاستقلال النقابي".
ويشير إلى أنه تعرّض لعدد كبير من المشاكل أثناء عمله، واستطاع تجاوزها، وأنه كان يشارك الزملاء في الصحف الأخرى، لا سيما الخاصة، في حل مشاكلهم من خلال التضامن والتواجد معهم على الأرض، ويضيف: "من هنا نبتت فكرة العمل النقابي، وصرت مهموماً طوال الوقت به، وعندما خضت الانتخابات دخلتها ‘بدراعي’ مرشحاً مستقلاً ينتمي إلى صحيفة خاصة لم يكن لها كتلة انتخابية كبيرة في ذلك الوقت داخل النقابة".
ويتابع أنه بعد ثورة 25 يناير 2011، شهد المجتمع المصري تغييرات واسعة، وبدأ صحافيون يطرحون فكرة وجود وجوه شبابية داخل مجلس نقابة، وكان هو من الأسماء التي طُرحت للعبور إلى المجلس، وتحقق ذلك بعد في ثالث ترشيح له.
وعن الآلية التي يعتمد عليها المرشحون للفوز في الانتخابات، بين "الولاء للسلطة" أو "البرامج"، أو "الكتل"، يعتبر محمد أنّ الانتخابات لا تعتمد على عنصر واحد، و"مَنْ يقول ذلك فهو كاذب"، فهنالك مَنْ يعملون بشكل فردي، وهنالك مَن ينطلقون من فكرة نسج العلاقات مع الشخصيات المؤثرة في الانتخابات، وهنالك فكرة الانتماء إلى المؤسسة الصحافية الكبرى أو ما يسمى بـ"قبَلية المؤسسات الصحافية"، وكذلك مَنْ يعتمدون على البرامج الخدمية.
يبرر محمد اهتمام السلطة دائماً بانتخابات نقابة الصحافيين بأنها نقابة رأي، ما يعني أن انتخاب مرشحين ليسوا على "هواها" سيتسبب في مشكلات لها. وبرأيه، الأفضل للجمعية العمومية أن يُنتخب مجلس متنوع "حتى لا نرى بعين واحدة".
وبشأن اهتمام "السلطة" بإسقاط المعارضين في الانتخابات، يعتبر محمد أن "مزاج" الجمعية العمومية للنقابة هو الذي يحدد الفائزين والخاسرين، وفي النهاية هي "لعبة انتخابية" فيها اتجاهات ورؤى مختلفة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...