شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"الحياة ما بعد كورونا"... كيف نخرج من منطقة الراحة أو الــ Comfort Zone؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 2 مارس 202105:58 م

بعد مرور أشهر طويلة على التباعد الاجتماعي، لا شك أن التفاعل والاندماج من جديد مع أفراد المجتمع ليس بالأمر السهل على الإطلاق، فعندما نكون على ما يرام، يمكن أن يصبح عالمنا صغيراً بشكل متزايد، بحيث قد تتقلص منطقة الراحة التي تُعرف بـ comfort zone، إلى حدود منزلنا، أو حتى غرفة نومنا فقط، في حين يصبح العالم الخارجي مصدراً للضوضاء والقلق.

في الحقيقة، مع توقف الحياة الاجتماعية بشكل شبه تام أثناء تفشي فيروس كورونا، وقرارات الإقفال التام التي فرضتها مختلف الدول، يمكن القول إن "عضلاتنا الاجتماعية" قد أصابها الضمور، بحيث أننا نشعر بالقلق من أن نغادر منزلنا، وننسى أبسط قواعد المحادثة وكيفية التصرف مع الآخرين، وبالتالي، فإننا قد نضطر في وقت قريب إلى إعادة تدريب أنفسنا على أن نكون اجتماعيين مرة أخرى، ولكن كيف السبيل إلى ذلك، في حال كانت مشاعر القلق والخوف وحتى الرعب تجتاحنا، بمجرد أن نفكر في إمكانية الالتقاء بشخص والتواجد معه في غرفة مغلقة من دون قناع؟

الرعب من التفاعل الاجتماعي

في إحدى حلقات البودكاست Dear Prudence، وردّاً على طالب دراسات عليا كان قلقاً بشأن التواصل الاجتماعي أثناء كوفيد-19، قال الكاتب والمؤلف دانيال م. لافيري: "من الصعب حقاً التفكير في التواجد حول الناس مرة أخرى. أحد الأشياء التي تصدمني حين أفكر في إمكانية أن أكون يوماً ما في غرفة مزدحمة مع أشخاص آخرين بدون قناع. لقد قضيت وقتاً طويلاً جداً وأنا أتوق بشدة لمثل هذا اليوم، وأحياناً أجد نفسي مع هذه الاستجابة المذعورة... لا أريد أن أخاف من ذلك، هذا هو الشيء الذي أريده. ومع ذلك، كما تعلمون أن هناك جزءاً منّي يتفاعل الآن بطريقة لم أكن معتاداً عليها، وهو الرعب".

عندما نكون على ما يرام، يمكن أن يصبح عالمنا صغيراً بشكل متزايد، بحيث قد تتقلص منطقة الراحة التي تُعرف بـ comfort zone، إلى حدود منزلنا، أو حتى غرفة نومنا فقط، في حين يصبح العالم الخارجي مصدراً للضوضاء والقلق

والواقع، إن الكثير من الأشخاص يشاطرون مخاوف لافيري، فلقد فرضت علينا جائحة كورونا ألا نكون اجتماعيين، على الأقل من الناحية الجسدية، وذلك طيلة عام كامل حتى الآن.

ونتيجة ذلك، يجد الكثيرون أن أي تفاعل اجتماعي بات يشكل أمراً محرجاً، بمعنى آخر، يبدو أنه يتعيّن علينا إعادة تعليم أنفسنا كيفية الجلوس في غرفة واحدة مع شخص آخر، بخاصة وأن كل شيء من حولنا قد تغيّر بشكل جذري، وحتى أحلامنا قد تغيّرت بدورها بطرق غير مسبوقة، وذلك مع ازدياد الكوابيس التي تدور حول التباعد الاجتماعي.

عندما يفك هذا "الحصار" الذي فرضته علينا كورونا، هل سيكون هناك منحى تعليمي للشعور بعودة الحياة إلى طبيعتها؟ هل ضمرت عضلاتنا الاجتماعية بفعل الحجر المنزلي؟ هذه التساؤلات وغيرها طرحتها الكاتبة كريستين رو، في مقالها الذي ورد في موقع بي بي سي، مشيرةً إلى أنه، ولحسن الحظ، فإن عضلاتنا تتمتع بالمرونة إلى حدّ ما، وبالتالي لا يستغرق الأمر وقتاً طويلاً للعودة إلى الوضع الاجتماعي العادي.

ومع ذلك، من المتوقع حدوث بعض المطبّات على طول الطريق، لذلك من المفيد أن يكون المرء مستعداً لها، بخاصة وأن الدماغ البشري نال نصيبه من هذه العزلة الاجتماعية.

الدماغ في العزلة

ليس من المستغرب أن يشعر الكثير منا "بالصدأ اجتماعياً". لقد عانينا جميعاً، بدرجات متفاوتة، من الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية أثناء تفشي الوباء، وهما شيئان يمكن ربطهما بالتدهور المعرفي بطرق محددة.

على سبيل المثال، يميل الأشخاص الذين لديهم شبكات اجتماعية أصغر حجماً وأقل تعقيداً إلى امتلاك لوزة دماغية أصغر، وهي المنطقة التي تعمل على معالجة المشاعر في الدماغ. يمكن أن تؤثر الوحدة المزمنة على مستويات الهرمونات المرتبطة بالتوتر والروابط الاجتماعية، قد يكون أحد الآثار هو ميل أكبر للاكتئاب. بشكل عام، يميل الأشخاص الوحيدون إلى الشعور بجنون العظمة والسلبية.

بالإضافة إلى ذلك، تؤثر العزلة الطويلة على وظائف الدماغ وعلى الذاكرة، فالكائنات الحية، بما في ذلك البشر، بحاجة إلى الكثير من التحفيز التفاعلي للحفاظ على بقاء أدمغتها في حالة جيّدة، وبالتالي، في ظل الحجر المنزلي، وعندما يحين وقت الدردشة مع شخص آخر، فإن المرء يشعر وكأن الأمر يتطلب إعادة إحياء لغة كانت مألوفة في السابق، وبالتالي عندما سيسمح للأفراد بقضاء الوقت معاً مرة أخرى، فعلى الأرجح أن يجد هؤلاء صعوبة في العثور على الكلمات الصحيحة.

لا شك أن الانتقال مرة أخرى إلى الحياة الاجتماعية بعد الجائحة يختلف من شخص إلى آخر، فقد يجد مثلاً الشخص العاطل عن العمل والذي قضى طوال الفترة في العيش بمفرده، المرحلة التالية أكثر تشويشاً من الشخص الآمن مالياً، الذي يعيش ويعمل في منزل كبير بصحبة أفراد عائلته.

لكن دانييلا ريفيرا، وهي عالمة الأحياء في جامعة يونيفرسيداد مايور في سانتياغو، أكدت لبي بي سي أن "التغيرات الجسدية في الدماغ، مثل تلك المرتبطة بالذاكرة، لن تتزحزح بسهولة"، مشيرة إلى أنه ومع الانكماش في بعض أجزاء الدماغ، فإن وظيفة الذاكرة يمكن أن تتعطل لسنوات بعد فترات العزلة الاجتماعية، وتتعطل معها قدرتنا على التواصل بسهولة مع الآخرين.

ضغوطات نفسية

في الحقيقة، إن العزلة الاجتماعية لا تؤثر فقط على أدمغتنا، بل تطال أيضاً الشق النفسي، بالأخص لناحية التخوف من العودة إلى الحياة الاجتماعية في المستقبل.

بشكل عام، يرى علماء النفس أن المزيد من البالغين يبلغون عن ضغوطات نفسية تدول حول التفاعلات الاجتماعية، بدءاً من عدم معرفة كيفية التفاعل مع الآخرين دون مصافحة أو عناق، وصولاً إلى نفاد الأشياء التي يمكن التحدث عنها.

هذا الوضع يؤثر بشكل أقوى على الأفراد الذين يعانون في الأصل من اضطراب القلق الاجتماعي، في ظلّ الخشية من العودة إلى الأنماط القديمة.

من هنا أعربت ريفيرا عن خشيتها من أن تؤدي العزلة الطويلة إلى إصابة البعض بالرهاب الاجتماعي.

عندما يحين وقت الدردشة مع شخص آخر، فإن المرء يشعر وكأن الأمر يتطلب إعادة إحياء لغة كانت مألوفة في السابق

بدورها أوضحت الأخصائية في علم النفس، لانا قصقص، في حديثها مع موقع رصيف22، أن بعض الأفراد يعانوا في الأصل من اضطراب القلق الاجتماعي (الرهاب الاجتماعي) وذلك بمعزل عن جائحة كورونا، غير أن الاجراءات المتبعة خلال هذه الفترة، بالأخص لناحية العزل المنزلي، عززت لديهم منطقة الراحة Comfort Zone، بحيث باتوا غير مضطرين للخروج والتفاعل مع الآخرين.

من هنا أكدت قصقص أنه، وبعد الانتهاء من فترة الإغلاق، يتعيّن على هؤلاء الأفراد، بخاصة أولئك الذين لم يعد بوسعهم القيام بمهامهم اليومية على أكمل وجه، أن يهتموا بصحتهم النفسية، من خلال طلب المساعدة واللجوء إلى معالج/ة نفسي/ة لمساعدتهم على الخروج من العزلة وتعزيز التواصل الاجتماعي.

أما بالنسبة للأفراد الذين لا يعانون من الرهاب الاجتماعي، ولكنهم فقدوا الحسّ بالتواصل نتيجة فترة الحجر الطويلة، فإن حالتهم النفسية ستتحسن مع مرور الوقت، وسيتمكنون من إنعاش حياتهم الاجتماعية بشكل طبيعي، بحسب ما أكدته قصقص: "كحال جميع العضلات في الجسم، فإن الدماغ البشري لديه ذاكرة معيّنة وأول ما يحدث الاحتكاك الاجتماعي، فإن دماغ المرء سيتذكر جميع المهارات والإمكانيات، ويكون قادراً على التأقلم مع الآخرين بشكل جيّد".

وفي هذا الصدد، نوّهت لانا بأن مسألة التأقلم تختلف من شخص إلى آخر: "بعض الأفراد ليهم قدرة أكبر على استيعاب المواقف الاجتماعية والتأقلم معها مقارنة بالآخرين".

هذا وشددت لانا قصقص على أهمية أن يقوم كل شخص بتمرين عضلات عقله وتعزيز الشبكة الاجتماعية من خلال تفعيل التواصل مع المقربين منه، بالإضافة إلى التحلي بالتفكير المنطقي بعيداً عن التشاؤم: "يجب أن نفكر دوماً أن هذه المرحلة مؤقتة، وسرعان ما ستنتهي وستعود الحياة الاجتماعية إلى طبيعتها".

أما بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أنهم قد يواجهون صعوبة في إعادة الاندماج في المجتمع، في فترة ما بعد كورونا، فيمكن أن يوفر علاج اضطراب القلق الاجتماعي بعض الحلول، لكونه يتضمن، في الكثير من الأحيان، التعرض التدريجي للمواقف غير المريحة من أجل بناء المزيد من التسامح معها.

الحياة ما بعد كورونا

كما ذكرت لانا قصقص في حديثها، تتمثل إحدى الطرق لتقليل التوتر بشأن التكيف الاجتماعي في تقييد الدائرة الاجتماعية.

في الواقع، ذكر عدد من الأشخاص أنهم باتوا أكثر انتقائية بشأن من يختارون التواصل معه خلال هذه الفترة، وذلك من أجل ضمان الراحة الجسدية والنفسية.

مع توقف الحياة الاجتماعية بشكل شبه تام أثناء تفشي فيروس كورونا، يمكن القول إن "عضلاتنا الاجتماعية" قد أصابها الضمور، بحيث أننا نشعر بالقلق من أن نغادر منزلنا، وننسى أبسط قواعد المحادثة وكيفية التصرف مع الآخرين، وبالتالي، فإننا قد نضطر إلى إعادة تدريب أنفسنا على أن نكون اجتماعيين مرة أخرى

في هذا الصدد، يشير البحث الذي أجراه ريتشارد سلاتشر، عالم النفس في جامعة جورجيا، إلى أنه تم تعويض الخسارة الهائلة للتواصل الاجتماعي العرضي جزئياً، من خلال زيادة قوة الروابط العائلية المباشرة والصداقات الوثيقة، والتي يقدرها الناس بشكل عام أكثر.

بمعنى آخر، قد يكون جزء من إعادة التكيف الاجتماعي يتعلق بتعلم كيفية إعادة تخصيص الوقت والطاقة والعودة إلى الأصدقاء والزملاء والمعارف، دون فقدان القرب الذي تم تكوينه مع الأحباء.

والأهم من كل ذلك التحلي بالصبر واللطف مع أنفسنا، وتعليقاً على هذه النقطة، قال سلاتشر إن أحد الجوانب المضيئة القليلة في العملية المطولة لطرح اللقاح هو أن "هذا البطء في هذه العملية سيساعد في إعادة التكيف"، منوِّهاً بالمرونة التي نتمتع بها كبشر، والتي ستساعدنا على تخطي المواقف الصعبة: "بعض الضغوط القادمة، مثل الترفيه عن الضيوف في المنزل مرة أخرى، ستكون بمثابة إجهاد ممتع".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image