إذا كنتم تعيشون في الأساس مع شريك لفترة طويلة وتسير الأمور بينكما على خير ما يرام، فإن الحجر الصحي من فيروس كورونا لا يقتصر في هذه الأوقات على التعامل مع احتياجاتكم الخاصة وقلقكم، بل بالعثور على طريقة للتعايش مع شخص آخر والتعامل مع جميع احتياجاته ومخاوفه، في مكان مغلق ولفترة زمنية غير محددة.
وفي حال كنتم تعتقدون أن الأمر سيكون بهذه السهولة، فأنتم مخطئون، لأن هناك الكثير من الخلافات التي قد تنشب بينكم وبين الطرف الآخر، بدءاً من اختيار برنامج تلفزيوني لمشاهدته (مع العلم أن معظم البرامج التي تُعرض اليوم تتمحور حول فيروس كورونا وسبل الوقاية منه)، وصولاً إلى اختلاف الآراء حول المواقف السياسية، دون أن ننسى كيفية تدبير شؤون المنزل، وغيرها من الهموم التي يرزح كل واحد تحت ثقلها، في ظل هذه الأزمة الصحية التي تجتاح العالم بأسره.
الخلافات الزوجية تطفو على السطح
أعاد انتشار فيروس كورونا فيلمContagion إلى الواجهة من جديد، بسبب أوجه التشابه بين سيناريو الفيلم المكتوب قبل عشر سنوات والأحداث الحقيقية لتفشي فيروس كورونا حالياً.
يتناول فيلم كونتيجن مسألة تفشي مرض سريع العدوى، مع ما يتبعه ذلك من أحداث مرعبة ومحاولات حثيثة للسيطرة عليه، وسط هلع الناس وسعيهم للنجاة، والجهود الكبيرة التي يبذلها الأطباء بغية إيجاد علاج في مدينة معزولة، بعد أن قتل الفيروس الغامض عشرات الملايين من البشر حول العالم.
واللافت أن الفيلم الذي يجمع في بطولته مات ديمون وغوينيث بالترو، يسلّط الضوء على الوباء العالمي والصراع الزوجي في الوقت نفسه: فقد لاقت البطلة حتفها وماتت بسبب الفيروس الخطير، بعد أن أقدمت على خيانة زوجها المحبّ.
الحجر الصحي من فيروس كورونا لا يقتصر في هذه الأوقات على التعامل مع احتياجاتكم الخاصة وقلقكم، بل بالعثور على طريقة للتعايش مع شخص آخر والتعامل مع جميع احتياجاته ومخاوفه، في مكان مغلق ولفترة زمنية غير محددة
وفي يومنا هذا، بدأ الملايين من الناس في العالم بتطبيق الحجر الصحي الذاتي، من أجل الحدّ من انتشار فيروس كورونا، وقد كشفت بيانات حديثة في الصين، أن هذا الفيروس المستجدّ لم يؤثر على الوضع الصحي فحسب، بل كانت له تبعات اجتماعية، نظراً لارتفاع حالات الطلاق في البلاد في الآونة الأخيرة.
فبحسب ما نقلته صحيفة دايلي ميل البريطانية، عن لو شنجون، وهو مسؤول في مكتب للزواج في مدينة دازهو، جنوب شرقي الصين، فإن 300 من الأزواج تقدموا بطلبات للطلاق منذ 24 فبراير الماضي، ويرجح مسؤولو مكاتب الزواج، أن يكون هذا الارتفاع في حالات الطلاق ناجماً عن اضطرار الأزواج لقضاء وقت أطول مع بعضهم البعض، جراء الامتثال للحجر الصحي المفروض من قبل السلطات.
والحقيقة أن الجميع اليوم على حافة الهاوية مع تفشي فيروس كورونا بسرعة فائقة، واضطرار الأفراد كافة لملازمة منازلهم طوال الوقت، من دون أن يكون لديهم فسحة للاختلاط مع الآخرين، والجانب الغريب في العلاقات هو أن الأشخاص في العادة عندما يشعرون بالضيق والقلق والاكتئاب من أمر ما، فإنهم يصبون غضبهم على الأفراد الأقرب إليهم، وتحديداً على الشريك/ة، فيتشاجرون معه حول عدة مسائل جانبية، من بينها تربية الأطفال، الأطباق المتسخة، الشخير والفوضى، عوضاً عن الإفصاح عن حقيقة المشاعر وإجراء محادثات صادقة وشفافة حول الأمر الذي يقلقهم بالفعل، الأمر الذي يزيد الأمور تعقيداً، ويجعل الحجر الصحي "قصاصاً" لكلا الطرفين.
نيبال (اسم مستعارة) متزوجة منذ حوالي 4 سنوات، ولديها طفل يبلغ من العمر 3 سنوات، حدثتنا عن الخلافات الزوجية مع شريكها بسبب اضطرارهما للمكوث في المنزل طوال الوقت: "كتير عم نتخانق من وراء النق والزهق والأخبار البشعة يلي عم نسمعها عن عدد الإصابات بالكورونا ونسبة الوفيات المرتفعة في العالم"، وتضيف الشابة البالغة من العمر 30 عاماً، لرصيف22: "عالزهق بيصير الواحد يناكد التاني، ومن أقل شغلة بيولع مشكل، لأنو الواحد ما بيكون طايق حالو والوقت بيصير بطيء، بالأخص إذا كان الطقس حلو ومزروبين بالبيت".
وتكشف نيبال أن التوتر بينها وبين زوجها يسود مؤخراً على جوّ المنزل، وذلك بسبب طريقتهما المختلفة لمعالجة الأمور المنزلية: "إذا كنت عم نظف وهو قاعد على الكنباية قدامي بعصب، وإذا قرر يفوت على المطبخ ويحط أيدو تيساعدني، بطلعلي ضغطي للمليون، هيدا غير إنو بيصير بدو يتدخل بكل شاردة وواردة بكيف عم ربي ابننا"، هذا وتضيف ممازحة: "والله لو ما في هالصبي تيسلينا شوي ويغيّرلنا جو البيت، كنّا طلقنا".
التجربة المرهقة
لا شك أن الحجر المنزلي تجربة مرهقة ومؤلمة، ومن الممكن أن تخلف وراءها أعباء ثقيلة على الصحة النفسية.
تظهر الأبحاث أن المرء الذي يخضع للحجر الذاتي سيشعر بالملل، الإحباط، الوحدة، الغضب والتوتر، فالناس، بشكل عام، لا يحبون الخروج عن روتينهم، بخاصة عندما يشعرون أن هذه التغييرات تحاصرهم.
وتعليقاً على هذه النقطة، قالت سامنتا بروكس، التي درست التأثير النفسي للحجر الصحي في كلية الملك في لندن، إن الأفراد في الحجر الذاتي يصبحون خائفين للغاية من الإصابة بالمرض، ويحوّلون أي عارض صحي بسيط إلى كارثة: "إذا كنت مع شخص آخر وسمعته يسعل، فستبدأ بالذعر بشأن صحته وصحتك أيضاً"، مشيرة إلى أن الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو وجود بعض الأدلة على أن الأشخاص في الحجر الصحي هم أكثر عرضة للإبلاغ عن أعراض الاكتئاب والقلق واضطرابات الإجهاد اللاحقة للصدمة".
وبدوره قال لورنس بالينكاس، الذي يبحث في التكيف النفسي الاجتماعي مع البيئات القاسية، في جامعة جنوب كاليفورنيا: "إذا كنتم معزولين لفترة كافية- أشهر متتالية- فإن الحجر يمكن أن يؤدي إلى تغيير موجات دماغكم"، شارحاً أنه في مثل ظروف العزل هذه، فإن الدماغ وسلوك المرء يبدآن بإظهار شيء مشابه للسبات الشتوي Hibernation لدى بعض الحيوانات.
وأضاف لورنس أنه عند التعرض لضوء مقيد ومحفزات بيئية محدودة، يتباطأ الدماغ للحفاظ على الطاقة، وهو شيء، وفق قوله، يحدث للباحثين في القطب الجنوبي خلال الشتاء القارس: "قد تلاحظون أن الأشخاص يتوقفون بشكل أساسي عن الحديث. لا تريدون أن يحدث هذا لشريككم، شريككم لا يريد أن يحدث هذا لكم. لحسن الحظ، يمكنكما العمل معاً لتحسين وضعكمال ودرء الإحباط".
كيف تحافظون على علاقتكم العاطفية أثناء الحجر المنزلي؟
شبّه موقع Wired الأميركي الحجر الصحي الذاتي للحدّ من انتشار فيروس كورونا، بالذهاب إلى محطة أبحاث في القطب الجنوبي، أو الذهاب في مهمة مع محطة الفضاء الدولية، لناحية العيش في عزلة لفترة زمنية غير محددة.
فإذا كنتم ترغبون في الخروج من هذه التجربة والحفاظ على علاقاتكم العاطفية وعلى صحتكم النفسية، فقد حان الوقت لبدء الاستعداد لمهمتكم، وذلك عن طريق اتباع بعض الإرشادات، من بينها:
انظروا إلى داخلكم: تعتبر إلين ياربورو، الاستشارية في مسائل حلّ النزاعات الشخصية في 30 دولة مختلفة على مدار 40 عاماً، أن الانسجام المثالي ليس الهدف، إذ إن الأمر يتعلق بالوعي الذاتي: "أول ما عليكم فعله هو أن تنظروا إلى داخلكم".
واوضحت إلين أنه عندما يحدث خلاف بينكم وبين شريكم، فكّروا ملياً في حقيقة ما تريدونه وتشعرون به، ثم عبروا عنه، بدلاً من التعليقات اللاذعة التي تطرأ على دماغكم، هذا وشددت على ضرورة التمييز بين الأمور السطحية والجادة: "على سبيل المثال، قد يثير غضبكم أن شريككم لم يخرج القمامة، في حين أن المشكلة الحقيقية هنا تكمن في شعوركم بالتجاهل وبانعدام أهميتكم، عندها عبّروا له عن ذلك".
بعبارة أخرى، هذا هو الوقت المناسب للإسراع والبدء بالتصرف كشخص بالغ سوي.
احصلوا على مساحتكم الخاصة: "افعلوا ما بوسعكم لطلب الحصول على مساحتكم الخاصة عندما تحتاجون ذلك"، هذا ما قاله بيتر كولمان، عالم النفس الاجتماعي والباحث في حل النزاعات في جامعة كولومبيا.
وأوضح كولمان أنه على الرغم من أن المرء قد يكون معتاداً على مشاركة المساحة مع الشريك، إلا أنه "لا يمكن التعامل مع الحجر الصحي وكأنه يوم سبت تقضيه في حالة كسل".
من هنا اقترح بيتر التفاوض على تقسيم الوقت والمساحة بينكما، وكيف تتفقدان بعضكما البعض والوقت المحدد لذلك، والإقرار بأن ما تمران به أمراً كبيراً وصعباً، مشيراً إلى أن عدم الحصول على وقت منظم يسمح للناس بألا يشعروا بأن الآخرين يراقبونهم باستمرار أو يتواجدون دوماً.
هذا وأشار كولمان إلى أنه يمكن للطرفين الاجتماع معاً في أوقات الترفيه، عبر مشاهدة الأفلام القديمة، فهذا يمنح الأفراد فرصة للتفاعل الاجتماعي لفترة منظمة من الوقت، ومن ثم يمنحهم فترة للتراجع.
الترفيه ليس رفاهية بل ضرورة: لا يعد الترفيه البسيط رفاهية في مثل هذه الظروف بل ضرورة، فإذا وجدتم أنكم تنزلقون إلى نمط صراع مع الشريك، فحاولوا أن تحدثوا تغييراً.
وفي هذا الصدد، تقول إلين ياربورو إنه في بعض الأحيان يحتاج الأمر فقط إلى تشتيت الانتباه: "غادروا الغرفة مثلاً، وقوموا بصبغ شعركم".
واللافت أن الحجر الصحي الذاتي يمكن أن يكون مناسبة للاعتناء بلياقتكم البدنية، تعلم مهارات جديدة أو لغة معيّنة، أو قراءة كتاب لطالما أردتم قراءته، وبالرغم من أن هذه التحديات الجديدة قد تكون مفيدة، إلا أنه يجب أيضاً أن تسير وفق توقعات معقولة، حتى لا تشعرون بالذنب بشأن إضاعة الوقت، فتذكروا دائماً أن العزل أمر صعب بحد ذاته.
يمكن اعتبار الحجر المنزلي وقتاً لتقييم ما تريدونه من العلاقة وما يمكن لشريككم توفيره
والحجر الصحي مثله مثل العلاج النفسي، سيتطلب عملاً مهماً من كلا الطرفين، ولكون المواجهات السلبية لها أثر أعمق بكثير ويتم تذكرها لفترة أطول، افعلوا ما في وسعكم لملء مخزون الإيجابية بينكم وبين الشريك، مع العلم بأن الحجر الذاتي سيضاعف من قوة كل شعور وتفاعل بينكما، حتى ولو كان ذلك يعني البحث عن قصد عن الإيجابيات.
وبالتالي يمكن اعتبار الحجر المنزلي وقتاً لتقييم ما تريدونه من العلاقة وما يمكن لشريككم توفيره، ومع ذلك لا تحاولوا أن تكونوا كل شيء للآخر، بحيث يمكن أن يكون مفتاح الصحة العاطفية أثناء تفشي فيروس كورونا وفترات الحجر الصحي الطويلة، اتصالات افتراضية مع العالم الخارجي، بحسب إلين ياربورو: "من المهم أن يتذكر الناس أنه أمر طبيعي أن يرغبوا بالاتصال"، معتبرة أن وسائل التواصل الاجتماعي رائعة للغاية: "الأمر أشبه بالسجناء الذين يجدون لغة للقول: أنا هنا، هل أنت بخير؟ مع خروج زملائكم من الزنزانة، يكون شريككم هو أفضل سيناريو، طالما أنكما على استعداد للعمل سوياً عليه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...