أطاح وباء كورونا بالعديد من الأرواح وأوقف عجلة الحياة الطبيعية في غالبية دول العالم، وفي حين أن صعوبة التنقل ومواصلة الأعمال عن قرب ازدادت بالنسبة للبالغين والبالغات، فإن متابعة العام الدراسي والاستمرار في النشاطات الاجتماعية والترفيهية كانت أشد صعوبة على المراهقين والمراهقات، وبالتالي كان التأقلم خلال هذه الأوقات الاستثنائية الصعبة يزداد حرجاً ودقة، بخاصة مع وجود العديد من القيود التي تحدّ من حرية التحرك والتنقل.
مرحلة صعبة
تعتبر المراهقة بحدّ ذاتها مرحلة صعبة وقد جعلها وباء كورونا أصعب بكثير. فمع إغلاق المدارس والتحول إلى التعليم الإلكتروني وإلغاء النشاطات الاجتماعية المختلفة، يفتقد العديد من المراهقين/ات جزءاً من الأنشطة التي تتمثل في لقاء الأصدقاء والذهاب إلى دور السينما والمسرح والمطاعم وأماكن السهر... أما اليوم فقد بات عالم هؤلاء مقتصراً على المكوث في المنزل وتمضية ساعات وراء الشاشة، سواء كان ذلك بهدف التعلّم عن بعد أو التواصل مع الأصدقاء.
تعتبر المراهقة بحدّ ذاتها مرحلة صعبة وقد جعلها وباء كورونا أصعب بكثير
في حديثها مع موقع رصيف22، أوضحت الأخصائية في علم النفس العيادي، ستيفاني سرور، أنه في العادة لا نتحدث كثيراً عن شؤون وأحوال المراهقين والمراهقات، لأن الأهل غالباً ما يركزون اهتمامهم على الأطفال والأولاد الأصغر سناً، على اعتبار أنهم بحاجة لعناية ورعاية أكثر، الأمر الذي يجعل الفرد المراهق غير معتاد على التحدث بشفافية وبصورة مباشرة عن حاجياته الشخصية.
وأشارت سرور إلى أن الفرد المراهق يطمح للاستقلالية عن أهله وتكوين هويته الخاصة: "خلال هذا العمر يصبح هناك separation (انفصال) عن العائلة ويميل المراهقون إلى تمضية معظم الوقت مع الأصدقاء، فيندمجون في مجموعات معيّنة لكي يشعروا بالاستقلالية، وهو أمر طبيعي أن يحدث في مثل هذه المرحلة العمرية".
وبالنسبة لتأثير كورونا على الصحة النفسية للمراهقين/ات، أوضحت ستيفاني أنه بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي، لم يشعر المراهق/ة بالاستقلالية التي يطمح إليها: "الكورونا ما عم بتخلّي هالحاجة للانفصال لدى المراهقين/ات تصير بشكل طبيعي، ما فيهن يضهروا وأهلن موجودين بالبيت أكثرية الأوقات، ما عم بيروحوا على المدرسة وكل شي عم بكون أونلاين"، موضحة أن مثل هذه الأمور تحول دون تمكين المراهق/ة من تحقيق الاستقلالية التي هو/هي بحاجة إليها، ما يسبب لديه/ها القلق والاكتئاب، بالإضافة إلى بروز المشاكل العائلية والضغوطات مع الأهل.
"الكورونا ما عم بتخلّي هالحاجة للانفصال لدى المراهقين/ات تصير بشكل طبيعي، ما فيهن يضهروا وأهلن موجودين بالبيت أكثرية الأوقات، ما عم بيروحوا على المدرسة وكل شي عم بكون أونلاين"
وفي السياق نفسه، تحدثت ستيفاني عن تأثير الحجر المنزلي على المهارات الاجتماعية لدى المراهقين/ات: "المكوث في المنزل لفترة طويلة قد يجعل هؤلاء المراهقين يفقدون الsocial skills (المهارات الاجتماعية) التي يكتسبونها في العادة في مثل هذا العمر، بالأخص لناحية المواعدة، الأمر الذي يطرح تساؤلات عديدة بشأن المرحلة المقبلة التي تنتظرنا: هل سيعاني المراهقون/ات في المستقبل من مشاكل في المهارات الاجتماعية؟ كيف يمكن مساعدة هؤلاء في موضوع التنشئة الاجتماعية ومصادقة الآخرين؟
وبهدف التقليل من حدّة الضغوطات التي تزيد في هذه الفترة بين الأهل والمراهقين/ات، أوصت سرور الأهل بمنح الأولاد الوقت الكافي لكي يكونوا بمفردهم: "ما لازم نجبرن يقعدوا معنا كل الوقت، لازم نتذكر أنو هني بهيدا العمر بحاجة للاستقلالية، هيدي حاجة طبيعية، وبالتالي من المهم نعطيهن المساحة والوقت، يعني ما نعمل association (صلة) بين سلوك الولد مع الـ emotions (العواطف) مش يعني إذا ما قعد معنا نقلوا أنت ما بتحبنا...".
وشددت ستيفاني على ضرورة أن يبقى الأهل بجانب أولادهم خلال هذه المرحلة الصعبة، وأن يتحدثوا معهم بكل شفافية: "في حال شعرنا أنهم متوترين وغاضبين يجب أن نتحدث معهم ونفهم منهم طبيعة هذا الشعور والطريقة الأنسب لمساعدتهم"، وتابعت بالقول: "يمكن الأهل من دون ما ينتبهوا بيدقوا كل نصف ساعة على باب الغرفة. هيدا الشي رح يكون intrusive(تطفل) بالنسبة للمراهق/ة".
هذا وختمت ستيفاني سرور حديثها بالقول إن الأهل ينظرون اليوم بحذر إلى استخدام المراهقين/ات لشبكة الإنترنت، إلا أنهم يجب أن يتذكروا أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تمكن أولادهم من التواصل مع الآخرين.
إرشادات لتجاوز هذه المرحلة الصعبة
لا شك أن فيروس كورونا أثر على صحتنا النفسية بشكل كبير، غير أن البيانات الجديدة عن الصحة النفسية للمراهقين/ات تثير بعض المخاوف.
ففي دراسة أجريت على حوالي 1500 مراهق/ة تبيّن أن أكثر من 50% يعانون من القلق، 43% يعانون من الاكتئاب و45% كشفوا أنهم شعروا بضغط نفسي أكثر من المعتاد.
على الرغم من أن هذه البيانات قاتمة، غير أنه ليس من المستغرب أن يعاني المراهقون/ات من بعض المشاكل النفسية، فالحقيقة أن هذه الجائحة "اقتلعت" حياة المراهقين/ات من جذورها: بين عشية وضحاها، انتقل هؤلاء من الفصل الدراسي إلى التعلم عبر الإنترنت، وقد تم إلغاء المناسبات والأحداث الخاصة التي يتطلعون إليها في العادة، مثل حفلات التخرج.
وكما ذكرنا في السابق، يلعب الأهل دوراً كبيراً في مساعدة أولادهم المراهقين على تخطي هذه المرحلة الصعبة، ولكن هناك بعض الإرشادات التي يمكن للمراهقين/ات اتباعها أيضاً لضمان حماية صحتهم/نّ النفسية في زمن كورونا.
الاستفادة من القوى العاطفية: يميل المراهقون إلى اختبار المشاعر بشكل أقوى من البالغين، الأمر الذي قد يؤدي إلى تضخم الشعور بعدم الراحة النفسية بسبب الوضع الحالي.
واللافت أنه بوسع المراهقين/ات الاستمتاع بملذات الحياة البسيطة أكثر من غيرهم، أي إيجاد السعادة بسهولة في أشياء بسيطة، مثل لعب ألعاب الفيديو، تناول الأطعمة المفضلة لديهم، احتضان الحيوانات الأليفة أو التواجد في الطبيعة.
وعليه، يجب أن يستفيد المراهقون والمراهقات إلى أقصى حد من لحظاتهم/نّ السعيدة وقوتهم/نّ العاطفية "الخارقة".
الاعتراف بالمشاعر: أن الخطوة الأولى في التغلب على الحزن العاطفي تكمن في الاعتراف بالمشاعر. لذلك، عندما يشعر المراهقون/ات بالحزن والغضب والتوتر والإحباط من الوضع الحالي، فهذه المشاعر كلها طبيعية، بعكس ما تحاول المجتمعات أن تخبرنا به، لجهة أن الشعور بالحزن يشير إلى صحة نفسية هشة.
بمعنى آخر، فإن عيش الحزن هو أمر صحي للغاية، بخاصة مع ما يحدث للعالم أجمع الآن، من هنا يجب على الأشخاص في هذه الفترة العمرية الحرجة أن يحتضنوا مثل هذه المشاعر، الأمر الذي سيساعد على التأقلم مع الظروف الحياتية الصعبة.
للمراهقين من الجنسين الذين يواجهون تغييراً جذرياً في حياتهم نتيجة تفشي فيروس كورونا، ويشعرون أيضاً بالقلق والعزلة وخيبة الأمل، نقول لهم: أنتم لستم لوحدكم
الاعتماد على الدفاعات النفسية: كل شخص لديه دفاعاته النفسية التي تكون إما غير سارة في بعض الأحيان أو على العكس مفيدة في أحيان أخرى، لأنها تحمي من الحمل العاطفي الزائد وتساعد على التكيف مع صعوبة الموقف.
على سبيل المثال، يستخدم المراهقون والمراهقات الفكاهة للتخلص من الإحباط الناتج عن الجلوس لساعات أمام الشاشة، والنقطة المهمة في هذا الموضوع هي أن العقل مرتبط بطريقة تمكن الشخص من تجاوز المواقف الصعبة، من خلال إدارة الأفكار العقلانية والعاطفية لحماية رفاهيته.
"صيانة" الصحة النفسية: النوم الكافي والنشاط البدني هما من الأمور التي من شأنها تحسين المزاج وخفض مستوى التوتر، كما يجب على المراهقين/ات أن يستمتعوا/ن برفقة الأشخاص الذين بوسعهم تهدئة المشاعر وامتصاص الغضب والانفعالات.
وفي الختام، من المهم أن يتذكر، الأهل والمراهقون/ات على حدّ سواء، أن الشعور بالحزن والإحباط والاستياء من تحديات وباء كورونا هو أمر متوقع وطبيعي، لكن من المهم توزيع الطاقة الذهنية بعناية تجاه الأشياء التي يمكن التحكم فيها، أي بتوجيه هذه الطاقة السلبية إلى أشياء تمنع التسبب بالمزيد من القلق في المستقبل، والتركيز على القوة التي بداخلهم وبداخل أولادهم لأنها ستجعلهم يشعرون بتحسن.
أما للمراهقين من الجنسين الذين يواجهون تغييراً جذرياً في حياتهم نتيجة تفشي فيروس كورونا، ويشعرون أيضاً بالقلق والعزلة وخيبة الأمل، نقول لهم: أنتم لستم لوحدكم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...