توفي الكاتب والصحافي الأردني تيسير النجار، في الساعات الأولى من فجر 19 شباط/ فبراير، عن 45 عاماً، إثر وعكة صحية ناجمة عن الأمراض التي أصيب بها خلال فترة اعتقاله في الإمارات.
وكانت السلطات الإماراتية قد منعت النجار من السفر للأردن في 3 كانون الأول/ ديسمبر عام 2015، وأخفته قسرياً نحو شهرين قبل الاعتراف باعتقاله. ولم يصدر بحقه حكماً قبل عام 2017 حين أدانته بـ"إهانة رموز الدولة" على خلفية منشوريْن عبر فيسبوك كتبهما بين العامين 2012 و2014، انتقد فيهما دور الإمارات تجاه غزة لا سيما بعد حرب عام 2014.
وفي حكم وصفته منظمات حقوق الإنسان بالجائر والقاسي، قضت محكمة إماراتية بسجن النجار ثلاث سنوات مع غرامة ضخمة تزيد عن 135 ألف دولار. وأفرج عنه عقب انتهاء محكوميته بنحو ثلاثة أشهر، في شباط/ فبراير عام 2019.
منذ الإفراج عنه، كتب النجار مراراً عن معاناته في سجون الإمارات لكن على استحياء ودون تفاصيل، وهو ما أرجعه مقربون منه إلى تهديدات من المسؤولين الإماراتيين بقتله أو محاولات لتحجيمه من قبل السلطات الأردنية التي تخشى إغضاب حكومة أبو ظبي.
ومما كتبه على حسابه الشخصي في فيسبوك:
"السجن الأمني الذي عشت فيه بأبو ظبي، إذا أردت أن أمدحه، أطلق عليه لقب سجن... هو في حقيقة الأمر معتقل... هذا السجن ما يزال يرافقني، فليس من السهل الخلاص من قسوة وألم وظلم وقهر ثلاث سنوات وشهرين، خلال مدة 12 يوماً... أليس كذلك؟".
"لم أصدق بعد، أنني خرجت من السجن".
"لا أنسى ملامح الوجوه حتى أحاسبها أمام الله".
"البرابرة الجدد… أولئك الذين ينكرون الإنسانية على الآخرين... فحين تكون سجيناً فهذا لا يعني أنك لم تعد إنساناً... نعم أنا إنسان اسمي تيسير النجار وأؤمن ولدي صلات بيني وبين ذاتي وبيني وبين سائر البشر".
"الظلم كلمة من اللغة وواقع حياة عشته بكل ألم وبصبر ورضى من الله... أفعال وأقوال الظلم التي وقعت عليّ احتسبها عند الله".
وقبل وفاته بساعات، كتب النجار:
" يا لطيف... الطف بحالي. مريض جداً… مؤسف أن يكون بقلبي كل هذا الوجع، محبتي. اللهم منك الشفاء والعافية. آمين".
"الألم الذي تذوّقته في السجن أكبر من فكرتنا عن الألم، وفهمنا له"... وفاة الكاتب والصحافي الأردني #تيسير_النجار عن 45 عاماً متأثراً بالأمراض التي أصيب بها خلال سجنه في #الإمارات
"قتله الظلم والقهر"
عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أعرب ناشطون وصحافيون عن حزنهم الشديد لرحيله، ونعوا "فقيد الكلمة الحق" و"ضحية الظلم والقهر". لام هؤلاء بوجه خاص "التعذيب والتنكيل وسوء المعاملة والإهمال الطبي والأطعمة غير الصالحة للاستهلاك الآدمي في سجون دولة التسامح (التي) جعلت الأمراض رفيقة درب #تيسير_النجار بعد الإفراج عنه".
وفاة الصحفي #تيسير_النجار في الأردن، بعد أن اعتقله النظام في #الإمارات في 2015 وتأخر الإفراج عنه حتى 2019 بسبب عجزه دفع غرامة نصف مليون درهم، لماذا اعتقل؟ بسبب منشور على فيسبوك ينتقد فيه موقف #الإمارات من العدوان الإسرائيلي على غزة في 2015 pic.twitter.com/pd3DROQQ5C
— Alaa آلاء (@alaa_q) February 19, 2021
واستذكر بعض المعلقين منشوراته وكلماته عن ظروف سجنه ومنها: "لو تعامل الإنسان مع حيوانات لتعامل أرحم مما تعاملت معي مخابرات الإمارات"، قائلين إن هناك مسؤولية لإبقاء قصته حيّةً ونقل كلماته عمّا عاناه في سجون "دولة التسامح".
ولفت الناشط الإماراتي المعارض للنظام والمناهض للتطبيع حمد الشامسي: "دخل الإمارات وهو سليم ومعافى، وخرج منها وهو يعاني من أمراض تلاحقه حتى آخر يومٍ في حياته، والسبب: دفاعه عن أهله وعشيرته وأبناء شعبه المحاصر في غزة".
وغرّد مراسل الجزيرة في الأردن، تامر الصمادي: "أذكر يوم زرته لإقناعه بالظهور معي على الجزيرة... قال معتذراً: ‘هناك الكثير الذي لن أستطيع البوح به. لقد هددوني بالقتل إذا ما ظهرت على قناتكم‘".
وقال رامي عبده، مؤسس ورئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن النجار "رحل وكان أكثر ما يؤلمه القيود التي وضعتها سلطات #الأردن على حديثه عن الفظاعات التي تعرض لها في السجن الإماراتي".
سرّب مقربون من #تيسير_النجار أنه مُنع من البوح بالفظاعات التي تعرض لها في سجون الإمارات عقب الإفراج عنه وتهديد النظام الإماراتي له بالقتل أو المساس بعائلته، وتقييد السلطات الأردنية له خشية إغضاب حكومة أبو ظبي
رسالة في الحرية
في مقاله الأول، الذي كتبه عقب شهر ونصف من مغادرته سجنه الإماراتي، ونشر في آذار/ مارس عام 2019 في صحيفة "العربي الجديد"، تحدث النجار عن "القهر، والطغيان، والاستبداد، والظلم"، وشرح كيف أن "أول ما فعلته حين خرجت نوبات البكاء الحارقة، ونوبة التشنج، وتوالت النوبات، والآن تعيش نوبةً متواصلة من الصمت".
تحدث أيضاً عن قناعته التي توصل إليها أخيراً بأن "العالم يضيق على الشرفاء. يضيق على مفردة الحرية. يضيق عليّ"، مستفيضاً في وصف أثر التعذيب والقمع على جسده بقوله: "دماغي لم يعد نشطاً. عقلي مهزوم... الكل يريد مني أن أكون قوياً، لأن الكل ‘هذا‘ لم يذق خلاصة الألم البشري، ولأن الكل ‘هذا‘ لم يعرف ما معنى حركة الجسد، وكيف يتفنّن السجان بالتحكّم بها".
واسترسل في شرح ما عانه خلال اعتقاله. قال: "في سجني الانفرادي، طالما تمنّيت أن أرى الشمس، وطالما تمنيت أن أذهب إلى الحمام من دون قيود، وطالما تمنيت أن أرى أي وجه".
وأضاف: "الألم الذي تذوّقته في السجن أكبر من فكرتنا عن الألم، وفهمنا له. كنت أحلم بحباتٍ من الزيتون، والقليل من اللبنة، وبأكلة بامية، أو بيتزا، أو ملوخية إن تماديت بالأحلام. كيف يمكن أن تشرح لإنسانٍ لم يعرف السجن الأمني في الإمارات أن يعرف الأهمية العظمى لرؤية شجرة، أو شارع، أو أطفال، أو أنثى، أو رؤية ملابس نظيفة؟ كيف يمكن أن أشرح لمن حولي أهمية المقولة التي تردّدها بينك وبين نفسك: ‘الحمد الله، لم يُسلخ جلدي على الأقل‘".
أما سجّانوه فوصفهم بـ"البرابرة الجدد" وقال إنهم عبارة عن "قلوب مشبعة بالآلاف المؤلفة من ‘فرعون‘، قلوبهم يملأها الكبر والتجبّر، تذكّرك بالحجارة، بل إنها أشد قسوةً، وأكثر بشاعة".
وشدد في المقال الذي عنونه "رسالة في الحرية… الألم الآن": "حتى الآن لم أشعر أنني خرجت من السجن، لأن من يسجن في الإمارات يرافقه السجن في كل لحظة من حياته".
يشار إلى أن النجار عمل صحافياً في صحيفة الدستور الأردنية ووكالة الأنباء الأردنية (بترا) ومحرراً في موقع العربي الجديد ومواقع عربية. وكان ناقداً وشاعراً وعضواً في نقابة الصحافيين ورابطة الكتاب الأردنيتين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين