شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
احتفالات الثورة الليبية… مزيج من السخرية والدم

احتفالات الثورة الليبية… مزيج من السخرية والدم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 17 فبراير 202105:55 م

تأتي الذكرى العاشرة للثورة الليبية حاملة معها جدلاً بين الليبيين حول قرار السلطات بإعطاء العاملين في الدولة يومين إجازة بمناسبة ثورة السابع عشر من شباط/ فبراير التي تصادف الأربعاء. لهذا سيكون الخميس إجازة رسمية أيضاً، حسب القانون الليبي الذي ينص على أن يوم العمل الواقع بين يومي إجازة يعد إجازة أيضاً.

الخلاف في ظاهره كما يرى البعض قائم حول جدوى إعطاء إجازات إضافية في ظل الوضع الاقتصادي السيىء الذي تمر به البلاد، خاصة في ما يتعلق بالدراسة المتأخرة أصلاً بسبب انتشار الوباء والتدابير الوقائية المتخذة للحد من الانتشار، فضلاً عن تدني وتأخر العديد من الخدمات الأساسية التي قد تتعرقل أكثر بسبب تلك الإجازة. لكن في عمقه هو خلاف حول الثورة ذاتها وما ترتب عليها من أوضاع يراها الكثيرون مزرية.

لكن الخلاف على يوم الإجازة لم يعد أكبر هم لليبيين، ففي الوقت الذي انقسم  المغردون على شبكات التواصل الاجتماعي حول جدوى الإجازة من عدمها، سقطت قذيفة هاون على مسيرة للمحتفلين في مدينة سبها جنوب البلاد.
يقول مدير مركز سبها الطبي عبد الرحمن عريش لرصيف22 إن التفجير أسفر عن مقتل طفل وإصابة قرابة الثلاثين شخصاً، حالة بعضهم حرجة استوجبت نقلهم إلى مدينة طرابلس لتلقي العلاج.
وأجرى رصيف22 اتصالاً مع عبد الله اوحيدة أحد شهود العيان، ووصف ما حدث قائلاً: "كنا في مسيرة احتفالية بذكرى الثورة، بعضنا كان راجلاً والبعض الآخر في سيارته، الجميع كانوا يرفعون الأعلام ويرددون الأغاني الوطنية، وفجأة سمعت دوي انفجار هز أرجاء المكان، وشاهدت عدداً من المارة يتساقطون، لم يستطع أحدنا مساعدة الجرحى بسبب قوة الانفجار وعدم تأكدنا من أنه الأخير".
يخشى سكان سبها أن تتسبب الأحداث  في اندلاع حرب محلية بين المتطرفين من مؤيدي فبراير وأنصار النظام السابق، وهذا يعزز الانقسام الذي يواجهه الليبيون دوماً في ما يخص الاحتفاء بالثورة التي لم يتفقوا عليها حتى بعد عشر سنوات من اندلاعها

تفجير أمس أثار مخاوف الليبيين من تكرار سيناريو احتفالات الثورة الليبية عام 2015 حين سقطت قذيفة على مسيرة للمحتفلين بالثورة في سبها، وأعقبت ذلك حرب شلت المدينة لأيام، وقعت خلالها أعمال نهب وسلب وإحراق لمنازل من مؤيدي الطرفين، قبل أن ينجح أعيان المدينة في تهدئة الوضع وفرض هدنة هشة لم تصمد عاماً واحداً، إذ لحقتها حرب تشرين الأول/ نوفمبر 2016، التي استمرت شهراً سقط خلاله أكثر من عشرين قتيلاً.

يخشى سكان سبها أن تتسبب الأحداث التي وقعت اليوم في اندلاع حرب محلية بين المتطرفين من مؤيدي فبراير وأنصار النظام السابق، وهذا على كل حال يعزز الانقسام الذي يواجهه الليبيون دوماً في ما يخص الاحتفاء بالثورة التي لم يتفقوا عليها حتى بعد عشر سنوات من اندلاعها.

النوايا الطيبة وحدها لا تكفي

حينما خرج المتظاهرون في شباط/ فبراير 2011 كانوا يطالبون فقط بالإصلاحات والعدالة الاجتماعية، ثم تصاعدت الاحتجاجات التي واجهها نظام القذافي آنذاك بالقوة لتتحول للمطالبة بإسقاط نظامه وخروجه من الحكم بعد 42 عاماً قضاها على رأس السلطة في البلاد.
لكن سرعان ما تطورت الأمور بتدخل العديد من الدول التي استصدرت قراراً بفرض الحظر الجوي على ليبيا وبدأ حلف الناتو سلسلة من الضربات الجوية التي استهدفت قوات تابعة للقذافي وفقاً لتصريحات المتحدث الرسمي باسم قوات الحلف، التي شنت أكثر من ستة آلاف غارة على ليبيا.

بعد سقوط القذافي، أعلن المجلس الانتقالي تحرير البلاد وتوقف جميع الأعمال الحربية، لكن ذلك ظل حبراً على ورق، وبقيت الاشتباكات قائمة بين الكتائب والفصائل المسلحة المختلفة، وباتت ليبيا مسرحاً لبسط النفوذ بين معسكرين إقليميين أحدهما في أبوظبي بالتحالف مع القاهرة وهدفه الأساسي هو للقضاء على أي احتمال لقيام نموذج لحكم إسلامي في المنطقة، والآخر في الدوحة أو "كعبة المضيوم" كما يحب أنصار التيارات الإسلامية المدعومة من قبلها أن يسمّوها.   
وفي خلفية المشهد تقاطعت المطامع الفرنسية والروسية والتركية في ثروات ليبيا، ووقع الليبيون فريسة صراعات لا قبل لهم بها، فتقسمت البلاد، وفتح أهلها النار بعضهم على بعض.
وظلت ذكرى فبراير تتجدد كل عام ويتجدد معها نفس الجدل حول الثورة التي جاءت لتحقيق العدالة والمساواة ورفع المستوى المعيشي للمواطن، في بلاد تسبح على بحار من النفط الخام، ولكنها أخفقت في تحقيق مطالبها.

بين رافض ومؤيد

الشاب معمر خليفة، مهندس بترول وأحد كارهي الثورة يقول لرصيف22: "كنا صغاراً عندما قامت أحداث فبراير. رغم معارضتنا لها خلقت لدينا حالة من الترقب والانتظار بأن يكون القادم أفضل، ولكن الأمور كانت تسوء، وسوؤها صار يمسنا أكثر من ذي قبل. على الصعيد الأمني لا نستطيع أن نمارس حياتنا بشكل سليم، نحن لا نخرج في أوقات معيّنة في الليل ولا نستطيع المرور من كل المناطق ونضطر أحياناً لحمل السلاح لحماية أنفسنا، وعلى الصعيد الاقتصادي لا نتمكن من سحب مدخراتنا أو التصرف بها، وهذا مصاحب لارتفاع أسعار السلع الذي لم يكن من أهداف الثورة التي كنت معارضاً لها".
 مظاهر الاحتفال الرسمية المنفق عليها من قبل الحكومة أثارت حنق فئات واسعة من الليبيين، حتى المؤيدين لفبراير، لأنها لا تتلاءم في نظرهم مع ما تمر به البلاد من مشاكل ومعضلات اقتصادية انعكست بشكل كبير على الطبقتين الوسطى والفقيرة

في الجانب الآخر، ما زال الطبيب الشاب علي السعيدي (29 سنة) مؤمناً بالثورة ويسعد بالاحتفال بذكراها. "ما وقع من مآسٍ وحروب وتردٍّ للأوضاع عامة بعد الثورة لم يكن بسببها"، يستهل حديثه لرصيف22 ثم يضيف: "الانقسامات وفشل الحكومات في تعزيز العدالة الانتقالية واستشراء منظومة الفساد الإداري أوجدت هذا الواقع". يؤمن السعيدي بأن البلاد ستشهد انتعاشاً أفضل في العشرية الثانية من الثورة، خاصة بعد بدء مشاورات تشكيل الحكومة الموحدة والتي يتفق عليها الساسة من الطرفين.

إنفاق يستفز الجميع

رغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها ليبيا، وما يصاحبها من نقص في المواد التموينية الأساسية، إلا أن مظاهر الاحتفال الرسمية المنفق عليها من قبل الحكومة، بدءاً من الأعلام والزينة التي عُلقت على المباني العامة، مروراً بتجهيز الساحات التي ستشهد الاحتفالات، انتهاء بالاحتفالات ذاتها، أثارت حنق فئات واسعة من الليبيين، حتى المؤيدين لفبراير، لأنها لا تتلاءم في نظرهم مع ما تمر به البلاد من مشاكل ومعضلات اقتصادية انعكست بشكل كبير على الطبقتين الوسطى والفقيرة، كما أن الغموض الذي يلف هذه الميزانيات المخصصة للاحتفالات وطريقة صرفها يفتح الباب أمام تكهنات بوجود شبهة فساد حولها.


ولكن تظل الإجازة الطويلة التي ترافق عيد هذا العام حديث الليبيين الذين لم تمر بهم إجازات مشابهة وبهذا الطول منذ زمن، وبدأ الموضوع يأخذ صفة تهكمية أكثر من ذي قبل، فقد يئس الليبيون عامة من ساستهم وحكوماتهم وصاروا لا يكترثون لقراراتها التي تثير سخرية شريحة واسعة منهم.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard