شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"ما أضيق العيش لولا فسحة الحرف"... الأدب الليبي بين الثورة والحرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 17 فبراير 202109:55 ص

"ما حدث من تحوّلات بعد الثورة ساهم في تنقية المناخ من الكتابة المؤدلَجة، وأصبح الكُتّاب في ليبيا يستطيعون أن يكتبوا ما يريدون، وهذا مكسب... صار بإمكان أي شخص أن ينشر ما يشاء لو امتلك مصاريف الطباعة أو ينشر إلكترونياً".

هذا ما يقوله الناقد الليبي عبد الحكيم المالكي لرصيف22 في حديثه عن الأدب الليبي بعد ثورة 2011، أي "أدب الثورة" و"أدب الحرب" الذي شاع في كل دول الربيع العربي واكتست بعض أعماله بطابع توثيقي للأحداث، فيما اتخذت أعمال أخرى من الثورة خلفية زمانية ومكانية.

في إحدى أهم روايات ثورة فبراير الليبية، تتبّع الروائي الليبي إبراهيم الكوني، في "فرسان الأحلام القتيلة"، الأيام الأخيرة لنظام جثم على صدور الليبيين لنحو أربعين عاماً. هذه واحدة من عشرات الروايات التي شكّلت أدب الثورة في ليبيا.

سطوة الحدث

"الثورة باعتبارها حدثاً ضخماً تحتاج عند الكتابة عنها أن يمتلك الكاتب القدرة على الخروج من سطوة الحدث للعناية بجمال السرد"، يقول المالكي، مشيراً إلى أن الروايات التي تناولت أحداث الثورة تناولتها بشكل متباين، "فبعضها نجح في توظيف الهامش لإبراز المتن، وبعضها دخل في الموضوع مباشرة، ما جعل النص ضعيفاً".

يثني على رواية "أم الزين" لغالية الذرعاني التي صورت أحداث الثورة في بنغازي، ورواية "كيف تُقْتَل امرأة" لعبد الله الغزال التي كانت أحداث الثورة هامشاً فيها. ويذكر أن بعض الروايات ركّزت على وضع الليبيين بعد الثورة، فقد صوّرت عائشة الأصفر في "علاقات حرجة" أزمة وعي شاب في سرت عند دعم الناتو لثوار فبراير ضد القذافي، بينما ركّزت روايات أخرى على قضايا أخرى، مثل تركيز محمد المقطوف في "قمر أسود" على الهجرة غير الشرعية وأثر انهيار نظام القذافي على مالي والنيجر.

يتحدث المالكي عن ظلال ألقت بها الحرب والثورة على الأدب الليبي، ويقول: "سأعرّج على ظاهرة إبراهيم الكوني الذي كتب عشرات الروايات والكتب مخلصاً للطوارق، أحد المكونات الليبية، ما ساهم في ظاهرة العودة إلى المكان والانطلاق منه، وعودة الكتّاب للنهل من مناطقهم".

ويشير في هذا السياق إلى اتجاه إبراهيم الإمام في أعماله للكتابة عن مدينته غدامس، وكتابة شكري الميدي عن التبو بليبيا، وعائشة إبراهيم عن بني وليد، وعائشة الأصفر عن سبها، ومحمد الزروق عن السلماني وبنغازي، و"أغلب تلك الأعمال كانت متوازنة".

ويوضح المالكي أن الفترة بعد عام 2015 شهدت خصوبة في الأدب الليبي الذي عانى كتّابه من عدم معرفتهم عربياً، مضيفاً: "دخلت رواية نجوى شتوان ‘زرايب العبيد’ في قائمة البوكر القصيرة، وفازت غالية الذرعاني بجائزة الطيب صالح عن روايتها ‘قوارير خاوية’، وفاز عبد الله الغزال عن روايته ‘أضحية الماء والطين’ بجائزة راشد بن حمد الشرقي، ووصلت عزة رجب بروايتها ‘ذاكرة بلا صور’ إلى القائمة القصيرة لنفس الجائزة، وفازت كوثر الجهمي بجائزة دار الساقي عن روايتها ‘عايدون'... وغيرهم".

ويلفت المالكي إلى أن الكاتب الليبي يعاني كغيره من الكتاب من أزمة النشر و"تظل بعض الأعمال الأدبية حبيسة الأدراج أو الأجهزة لسنوات، إذ لا يوجد دعم حقيقي للنشر"، كما يتحدث عن محدودية مشاركات الكتاب الليبيين في المؤتمرات الدولية بسبب الحروب وتوقف الطيران.

المشي على الشوك

"تأثرت نفسياً كثيراً بكل ما يحدث في ليبيا من قتل ودمار وهدم وسوء حياة معيشية. هذه الأشياء لا تتركك تشعر بالسعادة أو تتذوق أي نجاح فردي"، يقول الروائي الليبي محمد الأصفر.

نشر الأصفر عام 2011 يوميات "ثوار ليبيا الصبورون"، ثم توقف عن الكتابة الإبداعية "لأراقب ما تؤول إليه الأمور"، حسب تعبيره، قبل أن يستأنفها عام 2016 ويصدر عدة روايات هي "تمر وقعمول" و"علبة السعادة" و"بوق" و"جامايكا"، كما له تحت الطبع "بياض وعافية" و"مذاق الريشة" و"البطل يموت من أول لقطة" و"ركلة جزاء"، وهي أعمال يقول عنها: "لا يمكنني نشرها لدى دور نشر ليبية حتى لا أسبب لها مشاكل مع المتصارعين"، إذ يتناول بعضها حقبة القذافي والصراع مع الميليشيات والإرهاب الديني.

برأي الأصفر، "الكتاب الليبيون يمشون على الشوك، لا يمكنهم قول كل ما يرغبون في قوله، يتعرضون للخطف والاغتيال، فأي كلمة أو سطر أو تغريدة يمكنها أن تنقلك إلى العالم الآخر، ما جعل الكثيرين يغادرون إلى المنافي ويكتبون أعمالاً تنتقد ما يحدث في البلاد دون التطرق إلى شخصيات بالاسم".

ويشير إلى أن الثورة والحرب جعلتا الكتابات الأدبية يكسوها البؤس واليأس والمعاناة، مضيفاً: "ليس هناك إنتاج غزير للكتب، معظم الكتاب يفرغون شحناتهم الإبداعية على مواقع التواصل، وأعتقد أن فترة العشر سنوات هذه سيكتبون عنها لاحقاً بعد أن يتوفر الأمان وتتضح الصورة".

في ظل هذا المشهد القاتم، هناك أضواء هنا وهنالك. يذكر الأصفر الجوائز الثقافية في ليبيا والتي تنظمها مؤسسات أهلية تشجع الكتاب والصحافيين وتقدر جهودهم مثل جائزة الشهيد مفتاح بوزيد لحرية الصحافة، وجائزة الروائي أحمد إبراهيم الفقية للرواية، كما يشير إلى بذل دور نشر ليبية جهوداً كبيرة لنشر الكتاب الورقي مثل دار الفرجاني ودار البيان ودار مكتبة الشعب ودار برنيتشي ودار الحسام ودار الرواد، و"كان لهم حضور مميز في معرض القاهرة للكتاب 2020".

وينوّه بفعاليات ثقافية تُنظّم بـ"مجهود ذاتي" في معظم المدن الليبية، أما الفعاليات التي تنظمها وزارة الثقافة فـ"أغلبها فارغة من المحتوى ومراقَبة من أوغاد الظلام، ويمكن توجيه مدفع رشاش لها لتتوقف، فالفن والثقافة في ليبيا محظوران دون إعلان رسمي، والفعاليات الإبداعية ومعارض الفنون التشكيلية تتعرض للتضييق".

"الكتاب الليبيون يمشون على الشوك، لا يمكنهم قول كل ما يرغبون في قوله، يتعرضون للخطف والاغتيال، فأي كلمة أو سطر أو تغريدة يمكنها أن تنقلك إلى العالم الآخر، ما جعل الكثيرين يغادرون إلى المنافي"

في حديثه عن التضييق، يذكر الأصفر حادثة الهجوم الذي تعرّض له كتاب "شمس على نوافذ مغلقة"، إذ "أقاموا عليه الدنيا وجعلوا محررته وبعض كتابه يغادرون إلى المنفى"، كما يذكر تعرّض "تجمع تاناروت للإبداع الليبي" لتهديدات خطيرة، ما أرغمه على وقف نشاطاته.

وعن "الكتّاب الجدد"، يقول الأصفر: "أسلوبهم مختلف، ويكتبون بلغة العصر، يتأثرون بمواقع الاتصال ويكتبون عن حياتهم اليومية، وقلما تطرق أحدهم إلى الماضي أو التاريخ الليبي، ما يجعل كتابتهم طازجة وصادقة". في المقابل، فإن "الكتّاب المكرَّسون يكتبون عن الماضي، والحياة في بنغازي أو طرابلس، والمنفيين الليبيين والميثولوجيا والأساطير الليبية والسجون والإعدامات في حقبة القذافي، وإنْ كتبوا عن الحاضر فسترى في كل حرف حنيناً إلى ماضيهم وموتهم القادم لاحقاً".

صدمة الواقع

يتحدّث الأديب والشاعر الليبي رامز النويصري عن تأثره بما مرّ بليبيا بعد فبراير 2011 على مستويين: الأول، كمواطن يعاني من تعثر الكثير من شؤون الحياة وضعف الوضع الاقتصادي وغياب الأمن والمواجهات العسكرية؛ والثاني، كمبدع كان يرى في الثورة والتغيير مساحة أكبر للإبداع والانطلاق في عوالم الإبداع، فصدمه الواقع، وأحدث شرخاً واضحاً فيه، بداية من غياب دور المؤسسات إلى محاربة النافذين لمَن يخالفهم الفكر.

استلهم النويصري بعض أفكار أشعاره من الثورة الليبية والواقع السياسي والأمني. "كتبت الكثير من النصوص الشعرية والقصصية التي تأثرت بشكل مباشر بالواقع الليبي"، يقول، عارضاً جزءاً من نص كتبه خلال ما يعرف بـ"حرب المطار" في طرابلس عام 2014"، "حين كانت أصوات المعارك تصلنا واضحة، وحتى طالنا بعض من قذائفها":

في انتظارِ الحرب؛

سأحدثُ ابنيّ عن جمالِ البلاد

وأسطورةِ الشعبِ الطيّب

خدعةُ أن ليبيا تقرأ من الجهتين.

*

في انتظارِ الرصاص؛

سأطلبُ منهم أن يبقوا النوافذَ على اتِساعِها

مشرعةً وبلا ستائِر، ليمرَق دونَ خجل.

*

في انتظارِ القذائِف؛

سأطلبُ من السقفِ أن يكونَ رحِيماً

ليتركَ لنا فرصةً أخيرةً، للحُلم.

يعتبر النويصري أن الحرب والثورة انعكسا على الأدب الليبي، بشكل واضح في مختلف الأجناس، ويقول: "الشعر نال النصيب الأوفر منها، ربما لكون القصيدة، والحديثة منها بشكل خاص، تعتمد على التفاعل المباشر مع الحدث والتقاطه، وإنتاجه في شكل ومضة، أو ومضات، تستكشف مواطن الغرابة في الحدث لإدهاش القارئ.  والقصة القصيرة، نالت نصيبها، ورصدت كثيراً من الأحداث المهمة، وساعدت وسائل التواصل الاجتماعي على الكتابة والتفاعل، حيث ينشط عليها الأدباء والكتاب".

"الحرب مقيتة، إنها الوجه البشع للموت، والدمار، والفوضى... وأبشع الحروب تلك التي يخوضها الإرهابيون المتطرفون ضدك، من أجل أن تكون روحك صكاً يدخلهم الجنة"

برأيه، "أهم ما كسبه الأدب الليبي هو الأقلام الأدبية الشابة التي أظهرت ما فيه من تنوّع وغِنى على جميع المستويات، وما يملكه من طاقات إبداعية مميزة استطاعت الخروج بالأدب الليبي خارج حدوده الجغرافية".

الوجه البشع للموت

"الحرب مقيتة، إنها الوجه البشع للموت، والدمار، والفوضى، وأنا تأثرت بها على المستويين الشعوري والحياتي، وأبشع الحروب تلك التي يخوضها الإرهابيون المتطرفون ضدك، من أجل أن تكون روحك صكاً يدخلهم الجنة"، يقول لرصيف22 الأديب الليبي محمد المسلاتي.

ويضيف: "معاناتنا مع الحرب صعبة لأن الكتاب والأدباء والفنانين والإعلاميين ضمن قوائم الاغتيالات"، ويتابع: "تأثرتُ بالثورة لأنها لم تكن واعية، أو لها قيادات، أو نخب، ولكن بدلاً من تحقيق أهداف الديمقراطية والحرية والعدالة أصبح طموح المواطن رغيف الخبز، والتيارات الدينية المتطرفة حاولت فرض دكتاتوريتها على الفن والأدب والثقافة، ما يحدّ من تنامي الحركة الإبداعية".

برأي القاص الليبي، "الكاتب جزء لا يتجزأ من مجتمعه، ولا بد للفوضى والإرهاب ومعاناة الإنسان من أن تكون ضمن عناصر قصصه أو رواياته. صحيح أن الأدب ليس هو نقل الواقع أو توثيقه، لكنه إعادة صياغة الواقع برؤية فنية، فلا بد من اختراق واقعنا بكل مرارته، واقتناص اللحظات القصصية لتحويلها إلى حالات قصصية تتكئ عليه"، موضحاً: "جاءت أغلب النصوص القصصية التي كتبتها منذ 2011 تعبيراً عن هذه المرحلة، وهي ضمن مخطوط قيد الطبع بعنوان ‘هذيان الوجع’".

يتحدث المسلاتي عن أن معاناة الأدباء والمثقفين والإعلاميين الليبيين كانت قاسية جداً، لا سيما بعد مضي عامين على الثورة، "ففي البداية انطلقَت الأقلام تكتب بحماسة، وأقيمت الندوات وازداد الحراك الثقافي، وصدرت أكثر من مئة صحيفة في بنغازي وحدها، وانطلقت عشرات القنوات، لكن سرعان ما تراجع هذا المدّ الثقافي بعد ظهور التيارات المتطرفة، وبدأت الاغتيالات وعمليات الاختطاف".

ويرى أن "الشعر كان أكثر استجابة للتعبير عن بدايات الثورة، أما القصّة القصيرة، فقد لحقت بالشعر بعد ذلك ورصدت الكثير من الأحداث كالإرهاب والاغتيالات والحرب والتأثيرات النفسية والاجتماعية والاقتصادية، بينما تحتاج الرواية إلى متسع من الوقت لاستيعاب ما يجري، فلم تترسخ كتابات روائية باستثناء القلة".

"ككاتب، عايشتها وعاصرتها ونحتت فيَّ جراحها وعلّقت على صدري آمالها وطاردتُ أحلامها. كانت الثورة زوادة رحلة ثُقبت في منتصف الطريق وتحوّلت إلى سراب لنجد أنفسنا أمام جنين أجهض"

رغم كل ما يجري، يشير المسلاتي إلى نقاط مضيئة مثل النشاط النقدي لمختبر النقد في مصراتة بجهود الناقد عبد الحكيم المالكي، ومساهمة رحاب شنيب، بإصداراتها وأشعارها، والأنشطة الثقافية في تجمع تاناروت الثقافي، وتفعيل بعض الجمعيات الثقافية أنشطتها كأصدقاء الكتاب، وجمعية اللغة العربية، وجمعية أساطين.

وينوّه بجهود أدباء كثيرين ممّن "يعملون جاهدين على تفعيل المشهد الأدبي الليبي"، يذكر منهم في الشعر: عائشة بزامة، وعمر عبد الدائم، ومفتاح العلواني، وسالم العوكلي، وسالم العالم، وفي القصة: معتز بن حميد وسالم العبار وأحمد يوسف عقيلة وعوض الشاعري وعزة المقهور.

الأماني الخائبة

خسر المشهد الأدبي والثقافي كثيراً في ظل الحرب، برأي الروائي والقاص الليبي عبد الله الغزال. يقول: "السنوات العجاف كانت ثقيلة وخلخلت كل شيء... انخفض الإنتاج إلى حد مخيف، وانشغلت غالبية الأوساط بما يجري في الساحة السياسية وتتبع أخبار الحروب، عدد المجلات والصحف انخفض، وما تنتجه دور النشر العربية قلّ".

برأي الغزال، "لا بد للإنتاج الأدبي وخاصة الرواية من أن تحتضن تاريخنا المعاصر، لأن عالم كتابة الرواية مذهل ورحب، ووحده الجدير بأن يكون أرشيفاً عظيماً للتاريخ، وخاصة في هذا الزمن الشرس".

يشير إلى أن "سماء ليبيا تمتلئ بأسماء روائيين كبار، كما أن هناك فصيلاً من الشباب والشابات رائعون حقاً، ولكن تهشمت رؤيتهم واختلت نتيجة هذا الواقع المؤلم الذي سيطر لسنوات، ومن خلال كتاباتهم التي ينشرونها عادة على وسائل التواصل الاجتماعي، أرى أنهم يعيشون في عالم غير حقيقي ومحاط بالأشباح والأماني الخائبة، ويمضون أيامهم ضحية فراغ داخلي يجتر عقم عذابات وإحباطات، وفيما يتركز الألم شيئاً فشيئاً، يكتشف هؤلاء الشباب بحسرة نبع الحياة المفقود، لكن الأمور تتحسن وهناك إشارات عظيمة تدعو للتفاؤل".

ويضيف: "لا شك أن للحرب تأثيرها على الكاتب والشاعر والفنان، ولكن هذا لا يعني أن الحياة تتوقف، وبرأيي إن مرحلة النضج الكامل في الفعل الكتابي هي التي يقترب فيها الكاتب من التخوم البعيدة التي تمكّنه من الغَرف من المعين الإنساني ليصوغها من جديد وفق ما أوتي من قدرات ويقدّمها فناً مكتوباً لا قصد من ورائه سوى محاولة الإجابة عن بعض الأسئلة الفطرية العظيمة التي تملأ ذات الإنسان".

جنين أجهض

"ككاتب، عايشتها وعاصرتها ونحتت فيَّ جراحها وعلّقت على صدري آمالها وطاردتُ أحلامها. كانت الثورة زوادة رحلة ثُقبت في منتصف الطريق وتحوّلت إلى سراب لنجد أنفسنا أمام جنين أجهض".

هذا ما يقوله الشاعر الليبي أكرم اليسير عن أثر الثورة والحرب عليه، مضيفاً: "الحرب رسمت لقلمي صوراً ستبقى شاهدة على فظاعتها وقلة آدميتها وعدم عدالتها وخيانتها وخيباتها ويتاماها وأراملها ولاجئيها".

برأيه، "الإنسان ابن بيئته والشاعر مواطن في بلده يستلهم نصوصه مما يحصل حوله من أحداث ومواقف وأزمات"، ولذلك "كانت نصوصي تأريخاً للسنوات العشر الماضية نطارد فيها أملاً فيصيبنا ألم وهكذا دواليك".

"الحرب والثورة كانتا حاضرتين بقوة كتعبير عن معاناة الأدباء كمواطنين كادحين يصطلون بنارها وويلاتها، وكانت عائقاً للكثيرين فأشغلتهم عن دورهم في صناعة الأدب للفرار إلى مواكبة ركب الحياة المرير"، يقول.

مع ذلك، يعتبر أن "فسحة الحرف صارت أكبر وصار مجال البوح متّسِعاً أكثر وخفّت وطأة قلم الرقيب والأجهزة الأمنية التي كانت تحكم قبضتها على الأقلام، كما أن سيطرة الوجوه القديمة في عالم الكتابة على منابع النشر خفّت فظهرت الكثير من الأقلام الجديدة والواعدة ونُشرت الكثير من الأعمال واتجه الكتاب للنشر على حسابهم الخاص".

ويختم: "ما زلنا نقاوم لنعيش ونكتب لنتنفس... فما أضيق العيش لولا فسحة الحرف".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image