شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
فواجع وقتلى بالعشرات في المغرب... ولا محاسبة للمسؤولين

فواجع وقتلى بالعشرات في المغرب... ولا محاسبة للمسؤولين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 11 فبراير 202112:03 م

آمال بلخير وشيماء وفاطمة الزهراء وحسنية، أربع شقيقات لقين حتفهن في ما بات يُعرف إعلامياً بـ"فاجعة مصنع الموت بطنجة". تقول والدتهن وهي تغالب دموعها: "كنت أجهّز آمال لتذهب إلى بيت زوجها لكن الموت أخذهنّ منّي جميعاً قبل أن أفرح بهن".

تصمت قليلاً ثم تضيف لرصيف22 بعد تنهيدة تختزل الكثير من الكلمات: "الرجا في الله"، وتسترسل: "بناتي كنّ يعملن في الحلال، يخرجن في ساعات الصباح الأولى ولا يعدن إلا في المساء. أعتبرهن شهيدات".

خلّف مقتل 28 شخصاً، أغلبهم من النساء، في الثامن من شباط/ فبراير، في وحدة صناعية "سرية" للنسيج مقامة في مرآب تحت فيلا سكنية، تسربت إليه مياه الأمطار، في مدينة طنجة، شمال المغرب، موجة غضب عارمة من عدم تحمّل المسؤولين المغربيين للمسؤولية بعد الفواجع التي تفتك بأرواح المواطنين كل فترة.

هذه الحادثة لم تكن الأولى بطبيعة الحال. عشرات الضحايا قضوا في فواجع سابقة، وغالباً لا تُعرف نتائج التحقيقات فيها.

ففي 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، أدى تدافع نساء للحصول على مساعدات غذائية، لا تتعدى قيمتها الإجمالية 150 درهماً (15 دولاراً)، إلى مقتل 15 سيدة وإصابة سبع أخريات، خلّفن 44 يتيماً، في قرية بولعلام في إقليم الصويرة.

وفي 18 تشرين الثاني/ أكتوبر 2018، كان المغاربة على موعد مع فاجعة جديدة، راح ضحيتها سبعة قتلى وجُرح 86 آخرون في انقلاب قطار يربط بين مدينتي الدار البيضاء والقنيطرة (غرب المغرب).

وفي 24 تموز/ يوليو 2019، لقي 15 شخصاً (11 امرأة وثلاثة رجال وطفل) مصرعهم، إثر انجراف الأتربة جراء سيول نتجت عن ارتفاع منسوب مياه بعض الشعاب والمجاري المائية، في أحد دواوير جماعة إجوكاك (في إقليم الحوز) التي تبعد 217 كيلومتراً عن مراكش.

مَن يتحمل المسؤولية؟

يرى الصحافي المغربي المقيم في ألمانيا إسماعيل عزام أن "هذه الفواجع منتظَرة عندما لا تكون هناك شفافية في التدبير العام"، ويضيف لرصيف22: "سبب الفاجعة الأول هو العمل في ظروف لا تضمن السلامة وبدون ترخيص، وهذا الأمر منتشر جداً في المغرب، بسبب انتشار الاقتصاد غير المهيكل من جهة، ومن جهة ثانية بسبب وجود تواطؤ بين موظفين عموميين وأصحاب الرأسمال للصمت عن معامل ومشاريع تبحث عن الربح دون ضمان حقوق العمال وسلامتهم".

"المسؤولية يتحملها صاحب المعمل أولاً، وثانياً السلطات التي غضت الطرف عن عمله، خصوصاً أن الأمر لا يتعلق بنشاط اقتصادي من الصعب إدراكه، بل بوحدة صناعية للنسيج تشغّل العشرات من الناس"، يقول عزّام ويتابع: "هناك تواطؤ واضح في الموضوع يتحمل مسؤوليته موظفون في وزارة الداخلية، وبشكل أكبر مسؤولون في وزارة التشغيل وفي وزارة التجارة".

أما الصحافي المغربي المقيم في الولايات المتحدة حمزة الأنفاسي، فيعتبر أن ما وقع في طنجة عبّر وبكل وضوح عن هشاشة المغرب، خاصة في ما يتعلق بالبنية التحتية والمنظومة القانونية ووسائل المراقبة والفرص الاقتصادية وقدرات الدولة في إدارة الأزمات.

"قد يستقيل مسؤول ما من منصبه، ولكن هل ستتم محاسبته فعلاً؟ هذا هو السؤال"

وحمّل الأنفاسي مسؤولية ما وقع في طنجة لأطراف عدّة، وقال لرصيف22: "المسؤولية يتقاسمها صاحب المعمل والمسؤولون الذين سمحوا بمثل هذه السلوكيات (معامل سرية) والنقابات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني".

غياب ثقافة الاستقالة

ككل مرة، ومباشرة بعد انتشار صور ومقاطع فيديو من مكان الفاجعة، تتعالى أصوات على منصات التواصل الاجتماعي ومن المنظمات الحقوقية المحلية والوطنية، مطالبةً بالقصاص من المسؤولين، ومدافعةً عن الضحايا الأبرياء.

أعضاء الحكومة المغربية الذين اختاروا الصمت في بادئ الأمر، اقتصرت ردود فعلهم على منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وكتب رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، بعد مرور ما يزيد عن 12 ساعة على الفاجعة، على صفحته الرسمية على فيسبوك: "أتقدّم بتعازيّ الحارة لأسر ضحايا ‫فاجعة طنجة... فُتح تحقيق تحت إشراف النيابة العامة المختصة وسيتم تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات اللازمة، فهناك مغاربة أزهقت أرواحهم ولا يمكن المرور على ما وقع مرور الكرام".

"لا يكترثون للمواطن". هذا ما يقوله الأنفاسي تعليقاً على عدم تحمّل المسؤولين في المغرب للمسؤولية بعد الفواجع وعدم استقالتهم، ويضيف: "في دول أخرى، يستقيل المسؤول لأنه يعرف أنه سيواجه الناخبين في الانتخابات المقبلة، وبالتالي ينسحب قبل ضغط المواطنين، لكن الأمر مختلف في المغرب لأن جلّ المسؤولين معيّنون، فمثلاً مسؤولو السلطة العمومية (العامل والقائد والمقدم والباشا والخليفة) معيّنون، لذلك يعتبرون أنفسهم بعيدين عن المسؤولية تجاه المواطنين وبالتالي لا يستقيلون، بل حتى لا يبررون".

"حتى وإنْ خلص تحقيق قضائي ما إلى نتائج، فغالباً ما تُحمّل المسؤولية لموظفين صغار، أو لظروف معيّنة، بينما لا يعاقَب المسؤولون الكبار الذين يمتلكون السلطة"

بدوره، ينتقد عزام غياب ثقافة الاستقالة في المغرب ويربط ذلك بغياب الربط بين المسؤولية والمحاسبة، و"لأن أعراف الدولة لا تشجع عليها، فمثلاً الدستور المغربي لا يتضمّن بنداً يخص استقالة الوزراء كقرار خاص بهم، بقدر ما يترك الأمر في يد الملك بطلب من رئيس الحكومة".

ويضيف: "جميعنا نتذكر أن وزيراً سابقاً كلحسن الداودي، طلب إعفاءه من منصبه، لكن ذلك لم يتم، وفُسّر ذلك بأنه رفض ملكي، بينما مثلاً قُبلت استقالات وزراء حزب الاستقلال في النسخة الأولى من الحكومة".

"يجب تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة"، يقول الصحافي المغربي سعيد كان لرصيف22. وبرأيه، الاستقالة لا تحل المشكلة: "قد يستقيل مسؤول ما من منصبه، ولكن هل ستتم محاسبته فعلاً؟ هذا هو السؤال"، مضيفاً: "من المؤلم فعلاً أن نرى أن الكثيرين من المسؤولين الحكوميين مارسوا سياسة النعامة، واختبأوا خلف ذرائع من قبيل أن الملف اليوم بيد القضاء لذلك لن يخوضوا فيه، فيما كان بالإمكان القيام بالكثير".

"دفن ملفّات التحقيق"

في تعليقه على دعوات بالاستقالة رفعها نواب في جلسة للأسئلة الشفهية في مجلس النواب، في الثامن من شباط/ فبراير، بعد ساعات على الفاجعة، اعتبر وزير الشغل والإدماج المهني محمد أمكراز أنه لا يقبل بـ"المزايدة بأرواح شهداء لقمة العيش"، مشيراً إلى أن تحقيقاً فُتح تحت إشراف النيابة العامة المختصة لتحديد المسؤوليات ويجب انتظار نتائجه.

يربط الأنفاسي نجاح التحقيقات التي تعلن السلطات المغربية عن فتحها بعد الفواجع بمدى ضغط الشعب: "نسيان الأمر من طرف المواطنين سينتج عنه بطبيعة الحال دفن الملف، كما وقع في العديد من التحقيقات السابقة".

ويوضح عزام أن "هناك تحقيقات أعلنت نتائجها كتحقيق مقتل بائع السمك محسن فكري، بينما تحقيقات أخرى لم نعرف شيئاً عن نهايتها كتعنيف المحتجين عام 2013 على العفو عن الإسباني (مغتصب الأطفال) دانييل غالفان".

ويتابع: "عموماً حتى وإنْ خلص تحقيق قضائي ما إلى نتائج، فغالباً ما تُحمّل المسؤولية لموظفين صغار، أو لظروف معيّنة، فقد رأينا أن البلاغ الرسمي لولاية طنجة-تطوان سارع إلى وصف المعمل بالسري لإبعاد التهمة عن موظفيها، بينما لا يعاقَب المسؤولون الكبار الذين يمتلكون السلطة".

يطالب عبد الرحيم، شقيق سفيان الحراق، أحد عمال "مصنع الموت"، السلطات بمحاسبة المسؤولين، ويقول: "المصنع كان بباب واحد ولا نوافذ له وكانت ساعات العمل تتجاوز 10 ساعات أحياناً، والفقر والحاجة هما ما جعلا أخي يقبل بهذه الشروط الرديئة".

ويضيف بحرقة وبلهجة أهل المنطقة: "حنّا ناس دراوش... لكن أرواحنا غالية والله كبير".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image