مبادرة فنّية للرسم على الجدران، انطلقت يوم الأحد 26 يناير تحمل اسم "صنع في اليمن"، تدعو إلى قيم السلام والتعايش، أطلقها فنانون يمنيون أبرزهم ذو يزن العلوي، وخولة المخلافي، في تحدي لأجواء الحرب المخيمة على العاصمة.
وقد انطلقت حملات مماثلة منذ عام 2012 للرسم على الجدران في شوارع مدن يمنية، منها "لون جدار شارعك" التي أطلقها الفنان مراد سبيع، تلتها عدة حملات منها "كاريكاتير الشارع" في ديسمبر 2012، وحملة "الجدران تتذكر وجوههم "، و"12ساعة "، و"حطام"، وغيرها.
ولم تقتصر حملات فنون الشارع تلك على الغرافيتي، ولكن امتدت لأشكال أخرى مثل رقص الهيب هوب، وعزف الموسيقى.
"فن يثير الوعي والمشاكل"
"فن الشارع هو المعرض المفتوح بدون حدود أو رقابة، وهو الذي يحاكي مخاوف الشعب ويتحدث عن معاناته، ويناقش الأفكار التي من الصعب أن تطرح على أرض الواقع"، تقول الفنانة والمحامية اليمنية، خولة المخلافي.
ويهدف الرسم على جدران الشوارع، حسب حديث المخلافي لرصيف22، لجذب الانتباه نحو قضية معينة، وإثارة مشكلة مجتمعية، ثقافية أو سياسية، نشر أفكار جمالية وفنية، أو التوعية بالمخاطر التي يواجهها السكان جرّاء الحرب.
بالنسبة للمخلافي، الرسم على الجدران في الشارع شأن آخر ومختلف، حيث تتحرر من القواعد الصارمة في المعارض، ومن الضغط النفسي الذي يثقل كاهل الفنان، تقول خولة: "رغبة الفنان بالالتحام المباشر مع الجمهور، وإيصال الفكرة بطريقة جديدة بدون قواعد صارمة معينة، هو من أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور فن الشارع، وأيضاً بسبب الضغط الكبير الذي يلاقيه الفنان، ناهيك أن هناك الكثير من القضايا المجتمعية التي تجبر الفنان على إظهارها بشكل أوسع"، تضيف المخلافي.
وقد شاركت المخلافي في حملتي رسم على الجدران في العاصمة صنعاء، "ضحايا صامتون" و"تروس الفن"، تحكي عن تجربتها: "في فترة بسيطة لامست قلوب السكان، حيث أن الفن للجميع وأن الشارع يجمع كل الأطياف، سواء السياسية أو الطبقة العامة".
"المجتمع اليمني متقبل للفكرة لأنه مجتمع محب للجمال والألوان، ويندهش من فكرة أن الخطوط تصل الى أعماق روحه، وتعبر عما يدور بخاطره".
"أحب اليمنيون الغرافيتي واللوحات في الشوارع، واندهشوا من وصول الخطوط المرسومة إلى أعماق روحه، وتعبيرها عما يجول بخاطره، الشارع على عكس قاعات العرض المغلقة، يجمع كل أطياف المجتمع"
غذَّت تجربة المخلافي في الرسم على جدران الشوارع طموحها في السفر، والرسم على جدران شوارع المدن العالمية بنكهة يمنية، بطريقتها الخاصة، ولكن ما تحلم به هذه الأيام، هو القيام بحملات أخرى، أو النزول والرسم في الشوارع بمفردها، وأحياناً تجد صعوبة في إخراج تصاريح لعمل لوحات جدارية بسبب الأوضاع التي تعاني منها البلاد.
"وسيلتنا الوحيدة للاحتجاج"
بالنسبة لراوية محمد العتواني، من محافظة تعز، خريجة كلية اللغات، فإن الشارع هو "المكان المناسب لإظهار احتجاجك، خاصة في بلادنا اليمن، ونحن كفنانين وسيلتنا الوحيدة للتعبير عن أي احتجاج هي الرسم".
على عكس المخلافي، لم تشارك العتواني كفنانة في لوحات بالشارع، ولكنها شاركت في العديد من المعارض الفنية المغلقة، والحملات مثل "ظل وضوء"، في مؤسسة "البيسمنت"، ومعرض "قافلة الفن التشكيلي الأول"، و"حرف ولون"، كما شاركت في معارض فنية خارج البلاد، مع سفراء الفن التشكيلي في الكويت والقاهرة والرياض.
وتناقش لوحات العتواني قضايا اجتماعية وسياسية، مثل العنف ضد المرأة، الحرب وآثارها، التطوع والعديد من القضايا الأخرى.
وعن مدى تقبل المجتمع للرسومات الجدارية، ترى راوية في حديث لرصيف22 "أنَّ المجتمع بدأ يتفاعل مع الجداريات، ويسعد بوجودها، وذلك لما تضفيه من بهجة على الشوارع والطرقات".
"المجتمع اليمني يسعد بوجود الجداريات لإضفاءها البهجة على الشوارع".
تشكوا راوية، مثل الكثير من الفنانين التشكيليين في اليمن، من انعدام الأماكن المُخصَّصة للفن التشكيلي، ومن شحّ الفعاليات والحملات الفنية، ناهيك عن عدم وجود مجمّع للفنانين اليمنيين بشكل دوري في مكان مخصص لهم.
ومن الصعوبات التي تواجهها راوية، الوضع المعيشي الصعب الذي تعاني منه اليمن، أيضاً ندرة أدوات الرسم في الأسواق اليمنية، وارتفاع أسعارها.
تطمح رواية لرسم الكثير من اللوحات والجداريات، خاصة عن مشاكل الناس وهمومهم ومشاعرهم.
ولكن ذو يزن العلوي، أحد رواد الفن التشكيلي في اليمن، ومن أوائل الرسامين الذين اتجهوا نحو الشارع، يرى أن الحرب التي تمر بها البلاد عائق كبير.
"نافذة معرفة للناس"
بالنسبة إلى العلوي: "الرسم على الجدران وفي الفضاءات الواسعة هو الشيء الذي لا يمكنه الحياة بدونه، فمن خلاله يتمكن من محاورة المجتمع في قضاياه الشائكة، وفتح النقاش حول ما يدور في الحياة".
ويعتبر العلوي أن الرسم على جدران الشارع: "هو التفاعل، التأثير والتأثر الذي ينتج من خلال تنفيذ أعمال فنية على جدران المدن، ويعمل على بث الحياة في الأماكن العامة التي تتسم بالجمود، في رصيفها وجدرانها، وجعلها نوافذ للعامة لمعرفة مخاطر ما نعيشه".
"جداريات الشوارع، والغرافيتي ليس فقط وسيلة للتعبير وممارسة الفن، بل وسيلة للاحتجاج على ما نرفضه، وأيضاً مقاومة الحرب في بلدنا من خلال الفن" يقول العلوي.
وقد بدأ ذو يزن العلوي الرسم على جدران الشوارع منذ عام 2012، من خلال حملة "لوّن جدار شارعك"، التي تعد أول حملة فنية في الشارع، وأطلقها الفنان اليمني مراد سبيع، وشارك العلوي بعدها في العديد من الحملات الفنية الأخرى.
"الشوارع معرض لأمراء الحرب"
من خلال رسوماته الفنية، يعمل الفنان ذو يزن العلوي على توثيق وتسجيل آثار الحرب التي تشهدها البلاد.
يقول العلوي لرصيف22: "في وقت الحرب يصبح كل شيء تحت الرقابة والحظر، حتى فن الشارع يتعرض لمختلف أنواع الكبت والقمع، فالأماكن العامة بمثابة معرض لأمراء الحرب".
وأوضح العلوي: "خلال السنوات الأخيرة تتعرض كل الأصوات والكلمات للقمع في كافة المجالات، لجعل الصوت السائد هو صوت الحرب".
"الغرافيتي والجداريات في الشوارع ليس فقط وسيلة للتعبير وممارسة الفن، بل أداة احتجاج على ما نرفضه، ومقاومة للحرب في بلدنا" الفنان اليمني ذو اليزن العلوي
"الشارع هو معرضي الوحيد الذي يمكنني فيه عرض أعمالي الفنية بكل حرية واستقلال، وهو معرض دائم للعامة، وجمهوره من كل فئات المجتمع بغير تمييز، وأيضاً متاح للجميع ومجاني، كما يعتبر فن الشارع الوسيلة الفنية الأبرز ضد تسليع الفن والرقابة عليه وتوجيهه" يضيف العلوي.
ويأمل العلوي في صنع الحب والأمل والسلام من خلال رسوماته الجدارية، يقول: "الفن لغة عالمية تختزل كل الاختلافات والتنوع بين البشر، ويعمل على تقريب ضمائر العالم لسيادة القيم الإنسانية".
وعن مستقبل الغرافيتي في اليمن، تقول راوية: "إذا استمرت الحرب فمستقبل فن الشارع في بلادنا سوف يختفي، لأن الحرب تقيد حرية الرأي، لكن أتمنى أن يحدث العكس، وأن ينتعش هذا الفن في السلم وفي الحرب".
وتوافقها في الرأي خولة المخلافي، التي ترى أن "فن الشارع في اليمن في خطر بسبب محاولات لحصر الشارع ليكون خاصاً بفئة معينة، تظهر فيه رأيها دون الآخرين".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...