في مقال له في موقع رصيف22، تساءل الصديق عزيز مرفق: "هل تصنع الحرب توجهاً جديداً للفن في اليمن؟". وكانت الإجابة: نعم ولا.
يقول عزيز: "برغم تدهور المشهد على الأرض نتيجة لصعوبة الحياة وعدم توفر أساسياتها، فإن الفنان يكتسب نمط حياة جديداً، يزيد من نضجه ويغير نظرته القديمة إلى محيطه".
وبعد عامين ونصف العام من الصراع في اليمن، أتساءل ما هو تأثير حرب اليمن على فن الرسم بالتحديد؟ هاجمني السؤال بعد أن حرق الرسام اليمني أيمن عثمان لوحاته الفنية أمام مبنى وزارة الثقافة في صنعاء، الواقعة تحت سلطة جماعة الحوثيين، عقب إلغاء تصريح افتتاح معرضه.
وزاد تساؤلي أيضاً عندما علمت بأن هناك فناناً يمنياً اعتزل الرسم ليتوجه إلى الطبخ بسبب الحرب.
قد يبدو غريباً أن نتساءل عن الفن في بلد محاصر وتحت حرب ضروس، يتفنن الموت فيها في فتك روح الإنسان. فاليوم في أماكن عديدة في اليمن، إذا لم تقتلك الرصاصة أو الصاروخ، فستقتلك المجاعة والأمراض، كالكوليرا الذي ينتشر بشكل مخيف، صائداً أرواح ما يقارب من الألف شخص حتى الآن.
الجزء الأصعب في حفلة الموت هذه، إبقاء روح المقاومة بين الأحياء. ولكن، في الوضع الحالي هل الرسم احتياج أو له أي اهتمام لدى جمهوره؟
[caption id="attachment_110657" align="alignnone" width="700"] مظهر نزار[/caption]
في حديث مع الفنان اليمني من أصل هندي، مظهر نزار، المعروف بغزارة أعماله الفنية، يشير إلى أن الرسم احتياج بالنسبة إليه، لأنه وسيلته لنشر الأمل في هذه الفترة العصيبة. من دون أي مبالغة، مظهر من أهم الرسامين اليمنيين الذين صوروا ألم الصراع، من خلال أعمال فنية، لا تعكس فقط الوجع، إنما الأمل أيضاً.
يشرح مظهر: "منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب، قررتُ أن أرسم عن المشاعر المرتبطة بالدمار والمعاناة، كانكسار كرامة الإنسان، أو الألم الذي تشعر به الأمهات اليمنيات على أبنائهن أو الزوجات على أزواجهن، ولكن رسالتي الأساسية هي الأمل".
في الوقت نفسه يعترف مظهر أنه في الوضع الحالي، من المستحيل أن تكون لوحاته مصدر دخل له أو لأي فنان آخر في اليمن. ويضيف: "الوضع الاقتصادي في البلاد في انهيار مستمر، من ذا الذي سيشتري لوحة فنية والمجاعة تقرع الأبواب؟".
[caption id="attachment_110658" align="alignnone" width="700"] مظهر نزار[/caption]
[caption id="attachment_110659" align="alignnone" width="350"] مظهر نزار[/caption]
قد لا تستأثر لوحات نزار باهتمام شرائي، ولكن بطبيعة الرسالة النبيلة في أعماله، تلقى رسوماته الكثير من الترحيب، ولم تعترضه المخاطر أو التصادم مع مقص الرقيب.
ذلك الأمر الذي عانى منه الفنان الشاب أيمن عثمان. في ربيع العام الفائت في صنعاء قبل ساعات من افتتاح معرض فني لأعماله، تفاجأ بقرار صادر من وزارة الثقافة، الواقعة تحت سلطة جماعة الحوثيين، يفيد بأن الترخيص لإقامة المعرض تم إلغاؤه. في لحظة استنكار وغضب قام أيمن بإحراق لوحاته أمام مبنى الوزارة.
يصعب تخيل ذلك المشهد المهيب، لكنه يلخص تدهور الوضع. حاولت أن أتواصل مع أيمن، للاستماع لشهادته، لكن الوصول إليه كان متعذراً. بعد كل المحاولات للتواصل معه على رقم هاتفه وصفحته على الفيسبوك التي باءت بالفشل، أخبرني أصدقاء مقربون منه أنه على ما يبدو ترك البلاد من دون إعلام أحد. لربما بالنسبة لأيمن بلغ السيل الزبى.
[caption id="attachment_110653" align="alignnone" width="700"] عدنان جمن[/caption]
أتوقع أن أوائل الرواد في فن الرسم اليمني، الراحل علي هاشم قد يستشيط غضباً لدى معرفة حادثة أيمن عثمان. وقد يستشيط غضباً أكثر إذا علم بحال الرسام الموهوب عدنان جمن، الذي دفعته الظروف لاعتزال الفن والتوجه إلى الطبخ. لماذا؟
يشرح عدنان: "كنت أعمل كرسام توعوي لدى منظمات دولية كثيرة قبل قيام الحرب، وكنت أبيع لوحاتي للأجانب والأشياء معدن كما يقول إخوتنا المصريون، وقد انقلب الحال بعد نشوب الحرب وفرّ الأجانب وتقلص حجم العمل مع المنظمات الدولية حتى اختفى تماماً!".
[caption id="attachment_110651" align="alignnone" width="700"] عدنان جمن[/caption]
تراكمت الديون على عدنان، الذي كان يقترضها لإطعام أسرته، لذا بحث عن حل، فأنشأ مشروع إعداد طعام في المنزل بمساعدة زوجته على شاكلة delivery إلى المنازل. يلاقي المشروع نجاحاً، لكن عدنان يقول: "اتضح لي في هذه المحنة، أن إشباع البطون أمسى أهم بكثير من إشباع الروح بالفن!".
على الرغم من ذلك، وعلى الرغم من ظروف الحرب القاسية، لا يزال عدنان يقيم ورشات عمل لتعليم الرسم لطلاب مبتدئين بين فترة وأخرى.
[caption id="attachment_110654" align="alignnone" width="700"] عدنان جمن[/caption]
الحرب القاسية وصور الدمار والتفجيرات كانت بالنسبة للرسامة سبأ جلاس بمثابة فرصة لأن تبعث رسالة سلام وأمل لكل من عرف تلك الصور المتضمنة عنفاً وخراباً. وبالرغم من أن سبأ تعرف عن نفسها بأنها رسامة هاوية، تقول إن ما فعلته لصور الدمار هو "خربشات أمل".
[caption id="attachment_110661" align="alignnone" width="700"] سبأ جلاس[/caption]
وتقول أيضاً: "الفكرة جاءت عندما كنت أبحث عن أي شيء يساعدني على الخروج من المشاعر السلبية التي سيطرت علي مع بدايات الحرب، خصوصاً أنني كنت بعيدة عن أهلي. وحين رأيت أعمال الفنانين الفلسطينيين على صور دخان قصف بلادهم التي حولوها إلى صور تعبر عن الصمود والمقاومة، أعجبتني الفكرة، وبدأت بالرسم، لكنني اخترت فكرة مختلفة، اخترت الأمل والابتسامات والمحبة".
سبأ وعدنان ومظهر هما لمحة بسيطة لحراك فن الرسم المعاصر في اليمن. من بين الأسماء اللامعة العديدة الأخرى، نذكر الفنانين التشكيليين محمد اليمني وناصر الأسودي وحكيم العاقل وعلي المعبري، ورسامي فن الغرافيتي مراد سبيع وذي يزن العلوي.
[caption id="attachment_110662" align="alignnone" width="700"] سبأ جلاس[/caption]
تأثير حرب اليمن أتى على الأخضر واليابس، فكيف سيكون فن الرسم في معزل عن ذلك؟
بالطبع ليس الرسامون بمعزل عن ذلك، بل إن الفنان اليمني يعيش المأساة بطريقة مزدوجة. فهو يعاني لأنه مواطن وفنان أيضاً. التشكيك بأهمية الفن في الوقت العصيب الذي تمر به اليمن فيه إجحاف للجانب الفني لهذا البلد العريق، الذي كان يُعرف باليمن السعيد، وبفنه المعماري الفريد، وفنونه الشعبية المميزة.
فلو لم يكن كل ذلك بالأهمية نفسها، فلماذا تقصف المناطق الأثرية في أرجاء اليمن على الرغم من أنها مناطق غير عسكرية؟ أو لماذا نرى مثلاً فن الزامل في انتعاش وسط أصوات المدافع في اليمن؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون