ما لا يقل عن 60 سوريّاً، بينهم أكراد وعرب، جرى اعتقالهم تعسفياً في الأراضي التي تحتلها تركيا ونقلهم بشكل غير قانوني إلى أنقرة تمهيداً لمحاكمات مشكوك في نزاهة إجراءاتها، وفق ما وثقته منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية.
في تقرير لها، نُشر في 3 شباط/ فبراير، اتهمت المنظمة تركيا و"الجيش الوطني السوري"، الموالي لها، باعتقال 63 سوريّاً على الأقل ونقلهم من شمال شرقي سوريا إلى تركيا لمحاكمتهم على خلفية تهم خطيرة قد تؤدي إلى الزج بهم في السجن مؤبداً.
نبّه التقرير إلى وجود أدلة وتقارير حقوقية سابقة ترجح أن العدد الفعلي للسوريين الذين نُقلوا بصورة غير قانونية إلى تركيا قد يكون 200، مدللةً بالتقارير في مصادر إخبارية تركية موالية للحكومة عن اعتقال مواطنين سوريين أخيراً ونقلهم إلى تركيا، على أن "هذه الممارسة مستمرّة".
وبيّنت المنظمة أن هذا الإجراء من قبل تركيا ينتهك "اتفاقية جنيف الرابعة" التي وقعت عليها والتي تحدد التزاماتها كسلطة احتلال في شمال شرقي سوريا.
أوضح مايكل بَيْج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة أنه "يُفترض بالسلطات التركية باعتبارها سلطة احتلال أن تحترم حقوق الشعب (السوري) في شمال شرقي سوريا بموجب قانون الاحتلال، بما في ذلك حظر الاحتجاز التعسفي ونقل الناس إلى أراضيها"، معبراً عن تخوفه من أن المعتقلين يقتادون إلى أنقرة لمواجهة "تهم مشكوك فيها وفي غاية الغموض متعلقة بنشاطهم المزعوم في سوريا".
تحتل تركيا أجزاءً من شمال شرقي سوريا كانت قد غزتها في تشرين الأول/ أكتوبر 2019. وتنصّ المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة على "حظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي والترحيل للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال... أيّا كانت دواعيه"، وهو ما ينطبق حتى على المحاربين.
"هذه الممارسة مستمرة"... هيومن رايتس ووتش توثق بعض انتهاكات قوات الاحتلال التركي والجماعات الموالية لها في سوريا، بما في ذلك اعتقال عشرات المواطنين الأكراد والعرب تعسفياً ونقلهم لمحاكمة مشبوهة في أنقرة
المعتقلون أكراد وعرب
بين تشرين الأول/ أكتوبر وكانون الأول/ ديسمبر عام 2019، بعد إحكام تركيا سيطرتها الفعلية على مدينة رأس العين (سرى كانييه)، في شمال شرقي سوريا، اعتقلت قوات محسوبة على تركيا مجموعة من الأكراد والعرب، واقتادتهم إلى مرافق الاحتجاز في تركيا، وشرعت في محاكمتهم بموجب قانون العقوبات التركي، على الرغم من أن جرائمهم المزعومة ارتُكبت في سوريا. تكررت هذه العملية عدة مرات.
أكدت "هيومن رايتس" ذلك استناداً إلى نحو 4.700 صفحة من وثائق حصلت عليها من ملفات قضية تركية تخص 63 سوريّاً، بينها سجلات نقل السوريين واستجوابهم ولوائح الاتهام ومحاضر الشرطة. حصلت المنظمة على هذه الوثائق بمساعدة محامين وجماعة "راصد – اللجنة الكردية لحقوق الإنسان" المعنية بدعم المعتقلين.
لم تكتف المنظمة بالوثائق، فأجرت مقابلات مع بعض محاميي المحتجزين وستة أقرباء مباشرين لثمانية من المحتجزين، وثائق خمسة منهم كانت من بين الملفات التي حصلت عليها.
من التهم الموجهة للمواطنين السوريين: تقويض وحدة الدولة وسلامتها الإقليمية، والانتساب إلى منظمة إرهابية، والقتل، وجميعها تستند إلى "ادعاءات غير مثبتة" - وفق توصيف هيومن رايتس - حول وجود علاقة بين المحتجزين و"وحدات حماية الشعب"، الجناح المسلّح لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني" الذي تعتبره تركيا كياناً واحداً مرتبطاً بـ"حزب العمال الكردستاني" الذي تخوض معه صراعاً مريراً. حظرت تركيا المنظمتين الكرديتين وتعتبرهما جماعتَيْن إرهابيتَين.
وتتهم السلطات التركية المعتقلين السوريين أيضاً بالانخراط في "أعمال من أجل إخضاع أراضي الدولة كلياً أو جزئياً لهيمنة دولة أجنبية أو لتقويض استقلال الدولة أو وحدتها أو سلامة أراضيها"، و"العضوية في منظمة إرهابية" و"القتل العمد".
وقد خلصت مراجعة هيومن رايتس للوثائق إلى أنّ السلطات التركية لم تبرز إثباتات بشأن ارتكاب المعتقلين أي جرائم أو نشاط مشبوه كمحاربين ضمن القوات الكردية. قال بعض الأقرباء إن ذويهم شغلوا مناصب إدارية فقط داخل الحزب الكردي.
في غضون ذلك، قال ذوو المعتقلين الذين شهدوا اعتقال أقربائهم إن مجموعة مسلّحة تابعة للجيش الوطني السوري دهمت منازل 15 رجلاً في 14 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019، واعتقلتهم، واقتادتهم إلى بلدة مبروكة السورية، لافتين إلى أنهم لم يعلموا باحتجاز ذويهم في سجن في محافظة أورفة بتركيا إلّا بعد شهر ونصف الشهر على الأقلّ.
عقب "ادعاءات غير مثبتة" على الصلة مع وحدات حماية الشعب الكردية، أصدرت محكمة تركية أحكام إدانة "فائقة القسوة" بالسجن المؤبد من دون إفراج مشروط على سوريين، بعضهم تعرّض للتعذيب عقب الاعتقال التعسفي
على الرغم من أن لوائح الاتهام الشكلية التركية تزعم أن موقع الجريمة في محافظة شانلي أورفة، فإن التقارير التفصيلية تُشير إلى وقوع الجرائم المزعومة في سوريا. كما تؤكد السجلات، وأقوال العديد من المحتجزين، أنّهم اعتُقلوا في سوريا ثمّ نُقلوا إلى تركيا.
أحكام مشددة وقاسية
تضم الوثائق التي حصلت عليها هيومن رايتس بعض صور المحتجزين، ويظهر فيها وجود "كدمات، وشفاه مشقّقة، وغيرها من العلامات الدالّة على سوء معاملة". أخبر شقيق أحد المحتجزين المنظمة بأن شقيقه أبلغه هاتفياً بتعرضه للضرب لدى اعتقاله على أيدي عناصر الجيش الوطني السوري، ثم على أيدي القوى الأمنية التركية.
تكشف صور أخرى عن سوء معاملة شديد تمثّل في كدمات على الوجه، وتورم في العينين، وكسر في الأنف.
وكانت محكمة تركية قد دانت، في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2020، خمسة من أصل 63 سوريّاً، وحكمت عليهم بالسجن المؤبد. ذكر والد أحد المحكومين أن نجله حُكِم بالسجن "36 عاماً"، لافتاً إلى أنه رغم إرسال الحكم إلى محكمة استئناف محلية، تم تأكيده.
تزعم الوثائق تورط شخصين فقط في القتال الفعلي مع وحدات حماية الشعب، لكنها لم تقدم معلومات محددة يمكن أن تشكل دليلاً على نشاط إجرامي من جانب أي متهم.
وفيما لا تزال بعض الأحكام قيد الاستئناف، أعلن بَيْج: "لم يُنقل هؤلاء السوريون فقط بشكل غير قانوني إلى تركيا للخضوع لمقاضاة تعسفية، إنّما أيضاً فرضت عليهم المحاكم أعلى عقوبة ممكنة في تركيا، وهي السجن المؤبد من دون إفراج مشروط، في خطوة فائقة القسوة".
"لم يُنقل هؤلاء السوريون فقط بشكل غير قانوني إلى تركيا للخضوع لمقاضاة تعسفية، إنّما أيضاً فرضت عليهم المحاكم أعلى عقوبة ممكنة، وهي السجن المؤبد من دون إفراج مشروط، في خطوة فائقة القسوة" عن "تهم مشكوك فيها وفي غاية الغموض"
من الأدلة التي تثير الشكوك حول صدقية الاتهامات، قال الأقرباء الذين تواصلت معهم المنظمة، إن الجيش الوطني السوري تواصل معهم هاتفياً وطلب منهم دفع أموال للإفراج عن المحتجزين. تفاوضت عائلة على 10 آلاف دولار أمريكي للإفراج عن أحد أبنائها ودفعت المبلغ وأفرج عنه قبل نقله إلى تركيا. قال آخرون إنهم لم يتمكنوا من الدفع وظل ذووهم محتجزين.
في نهاية تقريرها، حثت هيومن رايتس السلطات التركية على وقف نقل المواطنين السوريين من المنطقة المحتلة واحتجازهم ومحاكمتهم في تركيا، مع السماح فوراً لجميع المحتجزين لديها بالاتصال بأسرهم، سواء في تركيا أو خارجها، وإطلاع العائلات على أوضاع ذويهم المعتقلين.
كما طالبت بضرورة إعادة جميع المحتجزين السوريين الذين نقلوا إلى تركيا إلى الأراضي المحتلة في سوريا على الفور، علاوةً على "استبعاد أي دليل انتُزِع بالإكراه" لدى المضي قدماً في المحاكمات. وذكّرت الحكومة التركية كسلطة احتلال بالمسؤولية عن أي انتهاكات للقوات الموالية لها في الأراضي السورية المحتلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...