بلمسات بسيطة على غرفة نومك، ووضع مكتبك في اتجاه بعينه، والاعتناء بنظافة حذائك، والخلاص من "كراكيبك" المنزلية، وحتى صورة حسابك على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكنك تحقيق حلمك في زيادة راتبك الشهري، والتخلص من كوابيسك الليلية، وخلافاتك الزوجية.
هو "علم" يُسمَّى بـ "الفنغ شوي" أو "علم ترتيب المنزل"، أصبح يشغل بال الكثير من النساء والرجال على حد سواء، يتعامل البعض مع طقوسه باعتبارها نصائح تشبه ما كانت تقوله الجدات، عن أمور تزيد من طاقة المكان الإيجابية، مثل الاهتمام بنظافة المنزل بشكل خاص، والتخلص من القمامة، وضرورة غلق باب الحمامات، وعدم ترك الملابس داخلها لفترة طويلة، بحثاً عن الهدوء والراحة النفسية، أو ما يقال باللهجة العامية أن يكون "المكان ريحه حلو".
الكثيرون من مدربي وخبراء الطاقة أو "الفنغ شوي" يتواصلون مع متابعيهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة "فيسبوك" حتى أن بعضهم يقوم بزيارات مدفوعة إلى بعض العملاء، لترتيب منازلهم، واختيار الألوان والأماكن المناسبة لقطع الموبيليا في المنزل، بغرض جذب الطاقة الإيجابية، والتخلص من المشكلات والكوابيس أثناء النوم.
"فن الراحة"
"علم الفنغ شوي، هو فن التخلص من الطاقات السلبية، وإيجاد التناغم مع الفراغ المحيط، للوصول إلى التوازن الداخلي، والعيش في سكينة، وراحة، وهدوء نفسي"، تقول رندا محيي، خبيرة مصرية في مجال "ضبط طاقة المكان".
وتحاول رندا نشر هذا العلم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال تطبيقه في الواقع، خاصة أنها مهندسة ديكور، إذ تم الاستعانة بها في تنظيم طاقة الكثير من المنازل، والمدارس، والمستشفيات.
"يتضمن ذلك أيضاً اختيار الملابس والإكسسوارات، ولون الغرف، وتصميم المنزل، والمكتب، ولون السيارة، ولون صبغة الشعر"، بحسب حديث رندا لرصيف22.
بلمسات بسيطة على غرفة نومك، ووضع مكتبك في اتجاه بعينه، والاعتناء بنظافة حذائك، والخلاص من "كراكيبك" المنزلية، وحتى صورة حسابك على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكنك تحقيق حلمك في زيادة راتبك الشهري، والتخلص من كوابيسك الليلية، وخلافاتك الزوجية، بحسب روايات وخبراء الـ"فنغ شوي"
تشرح رندا: "ضبط طاقة المكان يعمل على إحداث التوازن المفقود في العلاقات الزوجية، خاصة في حالة عدم توافق الزوجين، ويمكن تحقيق ذلك بتبسيط الأمور، من خلال طلب إضافة لون جديد مثلاً، أو مفرش أو خدادة أو تغيير لون حائط أو سجادة، أو إضافة أباجورة ملح، بإضاءة بلون معين، أو وضع تابلو بشكل هندسي، إضافة إلى جلب نباتات طبيعية، وتغيير مكان الموبيليا، وهي كلها حلول".
وتحذر رندا من "الهوس بتطبيق هذا العلم، الذي قد يلتبس على البعض"، واصفة إياه بـ"الهروب من مواجهة الواقع، وإلقاء مسؤولية فشلنا على الآخرين".
فلسفة صينية
بالنسبة إلى سوزي الملواني (مدربة طاقة المكان وقانون الجذب) فإن "الفنغ شوي" هو "فلسفة صينية قديمة، تعود لأكثر من أربعة آلاف سنة، وسر اهتمام النساء به بشكل خاص، هو ارتباطه بتنظيم المنزل".
"معرفة مسارات الطاقة تتطلب تحديد اتجاهات المنزل الـ 9، ثم معرفة عنصر الكون المناسب، والداعم لكل ركن، وهذه العناصر عددها أربعة، هي الماء، الخشب، النار، المعدن"، تقول الملواني لرصيف22.
"كل ركن في المنزل مسؤول عن جزء في حياة الانسان"، تستطرد الملواني، محذرة عملاءها ومتابعيها من استخدام صور حزينة، تبعث على الكآبة على البروفايلات الشخصية في مواقع التواصل، لأنها "تهدد مستقبل أصحابها".
وحول تعرضها لمضايقات ممن يرفضون هذا "العلم"، ويعتبرونه خروجاً على الدين، تقول سوزي: "الناس أعداء ما يجهلون"، مشيرة إلى أنها تتعرض على صفحتها على فيسبوك لنقد ووصف ما تقوله بالخزعبلات والخرافات.
واعتبر الشيخ كارم أنور عفيفي، أستاذ أصول الحديث وعلوم الدين، بجامعة الأزهر، أن "الفنغ شوي" "أوهام وظنون"، مشدداً على تناقضها مع "عقائد" الإسلام السني، بحسب قوله لرصيف22.
ويعود الشيخ كارم إلى عصر ما قبل الإسلام أو "الجاهلية، إذ كانوا يعتمدون على الطير، فإذا خرج أحدهم لأمر ما، ورأى الطير طار يميناً تيمن به، واستمر، وإن طار شمالاً، تشاءم به ورجع، فجاء الشرع لينهي عن التطيّر بأي شيء مرئي أو مسموع".
وتدافع سوزي عن موقفها، أمام ذوي النزعات الدينية، قائلة: "علم طاقة المكان أحد علوم الله التي وفقنا للتعرف عليها، وأن تطبيقه يتزامن مع ممارسة الطقوس الدينية وحسن الظن بالله، بالإضافة لكونه يعتمد على مخلوقات الله، سواءً العناصر الطبيعة أو الاتجاهات الجغرافية".
"ندعو إلى نظافة المكان وترتيبه وتهويته، والتخلص من القمامة والكراكيب، وإخراجها من المنزل، والاعتناء بالنباتات الطبيعية، وتشغيل الموسيقى أو القرآن الكريم أو الترتيل، وكلها أمور محببة لأنفسنا، ولا تتعارض مع قيمنا أو ديننا"، تقول سوزي.
"الكثير من المتابعين رجال"
تحرص مديحة الحموي، وهي متخصصة بعلم طاقة المكان في سوريا، بشكل دائم على إقامة دورات وندوات عن علم طاقة المكان بأسعار رمزية، حتى "لا يكون التعليم حكراً على طبقات بعينها"، حسب تعبيرها.
وتابعت مديحة في حديث لرصيف22: "في بعض الأوقات يكون المتدربون معنا متخصصين في هذا المجال، وفي هذه الحالة ترفع تكاليف الدورات".
وحول مدى الإقبال، تضيف: "هناك تزايد في نسبة المهتمين بهذا العلم، ورغم الاهتمام الملحوظ به من قبل السيدات، هناك الكثير من المتابعين رجال، ممن لديهم تساؤلات حول طاقة مكان العمل، سواء كانوا أصحاب محلات أو شركات أو يرغبون في تنفيذ تصميمات، تعتمد على مبادئ (الفنغ شوي) لتحقيق الأرباح والنجاح".
وتتابع: "جاءني رجل يشكو قلة الرزق والعمل، وبنظرة واحدة إلى حذائه القديم المتسخ عرفت السبب، فالحذاء في علم الفنغ شوي هو رمز لسلوك طرق جديدة".
"طلبت منه تغيير حذائه".
"طلبت منه تغيير حذائه وهندامه، والتخلص من الكراكيب الموجودة خلف أبواب غرف البيت، وتجديد مفاصل الأبواب القديمة، وبالفعل بعد فترة قصيرة تحسنت أمور الرجل المادية".
وروت مديحة قصة أخرى لمدربة تعاني مشاكل متكررة مع زوجها، وأنه لا يحب الجلوس في المنزل، فتبين أنها تضع في الركن الجنوبي الغربي بغرفة المعيشة نافورة مياه صغيرة، وفي "علم المكان" موقع الجنوب الغربي من البيت هو ركن الحب والزواج، وعنصره الداعم هو النار، وهذا الركن في بيتها فيه عنصر ماء، وهو عنصر غير مناسب لعنصر النار، ويضعفه.
وأشارت مديحة إلى أن أحوال المدربة تحسنت بعد أن أرشدتها إلى إزالة النافورة، ووضع لوحة بألوان أرجوانية وحمراء زاهية، بالإضافة لتمثال عصفورين ليعيد التوازن لهذا الركن.
وتنصح الخبيرة السورية المقبلين/ات على الزواج بضرورة معرفة عناصرهم/هن، وأيضاً عنصر الشريك/ة، لتحقيق الانسجام، فعنصر الشجرة يكون مع النار، وعنصر النار مع التراب، والتراب مع المعدن، والمعدن مع الماء.
"تشبه نصائح جدتي"
لميا جمال، ربة منزل، وواحدة من متابعات خبراء علم الطاقة وترتيب المنزل في مصر، تقول لرصيف22: "تعلمت من جدتي الكثير من هذه الأمور، وهي لم تكن تعرف شيئاً عن هذا العلم، ولكنها كانت تنصحني دائماً بتنظيف البيت والمسح بالماء والملح، وتعطيره بالبخور، وإغلاق باب الحمام، وقاعدة التواليت باستمرار، وعدم ترك الملابس في الحمام، والمداومة على إخراج القمامة من البيت، وعدم إطالة النظر للمرآة، وعدم فتح وغلق المقص، لأن ذلك يسبب المشاجرات بين أفراد العائلة".
وعن تأثير تلك التغيرات في منزل لميا على حياتها، تقول: "هذه العادات بالفعل تجلب الطاقة الإيجابية، والراحة لأهل البيت، وتجنبهم الشرور والحسد، فالنظافة والاهتمام بالمنزل يمنحان إحساساً بالراحة".
وتقول ميرفت ناصف، ربة منزل: "أتابع صفحة متخصصة في علم ترتيب المنزل وطاقة المكان، على فيسبوك، وأحاول تطبيق نصائحها".
"كان سريري في وضع خاطئ، وكنت أعاني من النوم المتقطع والتوتر، وعندما غيرت مكانه شعرت براحة كبيرة، واكتمل إحساسي بالطمأنينة عندما قمت بتغيير مرآة مشروخة في غرفتي، شعرت بعدها بتغيير إيجابي في طاقة المكان"، توضح ميرفت.
"كل ركن في المنزل مسؤول عن جزء في حياة الانسان"، تقول إحدى خبيرات ما يسمى بـ"الفنغ شوي" أو "علم طاقة المكان"، البعض يقول بصحة تلك التأثيرات على حياته، والبعض يعتبرها مزاعم كاذبة، وآخرون في حيرة
ولايزال فارس محمد، موظف جزائري في شركة بالقطاع الخاص، في حيرة من أمر "الفينغ شوي"، يقول: "ما زلت أسعى لفهم هذا العلم، واختبار ما يقوله الخبراء، وكانت البداية عندما وضعت مكتبي في الاتجاه المناسب، والداعم للثروة، وبالفعل زاد راتبي، بعد ستة شهور، وحتى الآن لا أعلم هل كان الأمر صدفة أم لا".
على العكس من فارس، حسمت خلود محمد، سكرتيرة بإحدى العيادات، أمرها في "الفينغ شوي"، تقول عن تجربتها لرصيف22: "اتبعت العديد من الخطوات، كانت كلها بلا جدوى، وقمت بتغيير صورة البروفايل الشخصي على فيسبوك أكثر من مرة، وضعت صورة لأساور ذهب، وأخرى لسيارة فاخرة، وأحياناً لصور عملات أجنبية، ولدي العديد من الأصدقاء يفعلون الأشياء نفسها"، تكمل ضاحكة: "جميعنا لا يزال يعاني، لم نصبح مليونيرات، ولم نحقق ثروة".
أما علياء (اسم مستعار) مدرسة مصرية بإحدى حضانات الأطفال، فقد أصابها هذا "العلم" بـ "الهوس والقلق"، تقول لرصيف22: "كنت أسال الكثير من المتخصصين، كانت تأتيني ردود متناقضة، ونصائح يصعب تنفيذها، وفى النهاية قررت مقاطعتهم".
في سياق متصل ترى نهال إمام، الباحثة في التراث الشعبي، أن "الفنغ شوي يتقاطع مع أمور كثيرة قامت بها الجدات المصريات قديماً"، مستشهدة بعادة لبعض الأسر المصرية العتيقة، "كانت تضع إبرة في مقشة التنظيف، وتخبئها وراء أحد الأبواب، معتقدة أن ذلك يعجل برحيل الضيف غير المرغوب فيه".
وتختم نهال حديثها لرصيف22: "جميع شعوب العالم لديها هذا الشغف بالعوالم المجهولة، بنسب متفاوتة، مثل استعانة أحد الرؤساء الأمريكيين بمتخصصين لترتيب المكاتب بشكل معين داخل البيت الأبيض، العالم رغم تطوره لا يستطيع مقاومة الرغبة في العودة إلى الفطرة الأولى، والحرص على توارث هذه المعتقدات".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...