شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"زوجي فاكر إنه معمول له عمل"... كيف تعبر مصريات عن حياتهن الجنسية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 25 يونيو 202004:48 م

حكت صديقة لي، أنها في إحدى بروفات مسرحية "شتاء"، أقيمت في قصر ثقافة الجيزة، التي تذهب إليها بوصفها مصممة استعراضات، كان لإحدى الممثلات التي تبلغ من العمر 40 سنة، وغير متزوجة، مشهد داخل العرض، تحدّث فيه أختها الصغرى، وتقول لها: "ششش.. فأنا مازالت عذراء"، عندما قرأت الممثلة الجملة، رفضتها، وتوجهت إلى مخرجة العرض، قائلة: "لا لا مينفعش أقول الجملة دي.. عيب"، إلى أن أقنعتها مخرجة العرض أنها جملة عادية، ولن يحدث شيء إذا تفوهت بها في إطار عرض مسرحي.

تخيلت كيف أن المرأة في بلادنا تخشى الحديث عن كونها عذراء أو لا، فما بالك إذا أرادت التعبير عن رغباتها الجنسية كما للرجل الحق في ذلك، بل وأحياناً تُبرر أفعاله المشينة تجاه المرأة، مثل التحرش والاغتصاب الزوجي، بأنه رجل وله احتياجات يجب إشباعها.

"اتهمني بالبرود"

عانت سارة، اسم مستعار (28 سنة)، في زيجتها الأولى، وكانت حينها تبلغ من العمر 23 سنة، وهي مدرّسة من محافظة أسيوط، تزوجت زواجاً تقليدياً، ومنذ إقامة العلاقة الجنسية الأولى مع زوجها أدركت أن لديه مشكلة ما، قالت سارة: "كنت أشعر أن هناك مشكلة، خاصة في الأيام الأولى من الزواج، حيث كانت العلاقة بيننا تنتهي بسرعة جداً، لكنني وقتها لم أكن أعي ما هي طبيعة المشكلة".

"كأني دخلت الحمام وخرجت، ماكناش بنكمل دقيقتين، وماباحسش بمتعة"

أضافت سارة: "مع الوقت كان هناك تطور، فأصبحت العلاقة تستمر وقتاً أطول مقارنة بسابقتها، ويرجع ذلك للحبوب التي يتعاطاها، وعندما قمت بسؤاله عنها أجاب أنها أدوية للمعدة، لكن استمرت الأزمة الثانية قائمة، وهي أنني مازلت لا أشعر بأي شيء أثناء العلاقة".

شبهت سارة علاقتها مع زوجها قائلة: "كأني دخلت الحمام وخرجت، مكناش بنكمل دقيقتين، ومبحسش بمتعة".

من الصعب أن تعبر فتاة في بلادنا عن شكواها "الجنسية" من زوجها، في حين أن المشكلة لو كانت لدى الزوجة لتركها زوجها دون أن يلومه أحد، وما زاد من صعوبة الأمر هنا، حدوث حمل نتيجة لهذه العلاقات البائسة، وكان سبيل سارة الوحيد للتنفيس عما بداخلها، إخبار والدتها عن الأدوية التي يتعاطاها زوجها، لكن جاء الرد الصادم من والدتها فقالت لها: "منقدرش نقول حاجة، الناس هتقول ما هو كويس أمال حملت إزاى!".

قالت سارة إنه في إحدى المرات اعترف لها زوجها أن لديه مشكلة "سرعة قذف"، في الوقت نفسه كان يعتقد أن السبب وراء ذلك ليس علمياً بالمرة: "كان فاكر أن معموله عمل"، على حد قولها.

عاشت سارة مع زوجها عاماً تتحمل فيه عناء قمع التعبير عن احتياجاتها الجنسية، وليت الأمر انتهى عند هذا الحد فقط، بل الأسوأ قد حدث، فقد تحول إلى شخص شكاك نتيجة إحساسه بالنقص، يُغلق أبواب الحياة أمام زوجته، خوفاً أن تدرك المأساة التي تعيشها معه، ومع ذلك فما حدث كان المنفذ الذي هربت من خلاله الزوجة.

"كان يشك فيّ، ويدّعي ما لا يحدث، أثر ذلك ذهبت إلى بيت أهلي، في هذا الوقت جرت المفاوضات حتى أعود إليه لكن كثرة أقاويله عني، وتشويهه لسمعتي، والأكثر، اتهامه لي أنني لدي برود جنسي بعد تحملي له، جعلني أصرّ على الانفصال، وبالفعل حصلت على الطلاق منه"، تقول سارة لرصيف22.

انتصرت سارة في النهاية لطبيعتها الأنثوية التي كادت أن تفنى بفضل مجريات الأمور التي كانت في صالحها، لكن في حياة صابرين (اسم مستعار) اختلفت الأحداث التي ساهمت في استمرار معاناتها.

"جواية طاقة"

تختلف تفاصيل حياة صابرين عن سارة كثيراً، ولكن ما يجمعهما هو فقدان القدرة على التعبير عن احتياجاتهما الجنسية، صابرين فتاة من محافظة المنيا، 31 سنة، تعمل موظفة استقبال في مستشفى حكومي، ومازالت عزباء.

"بدأت ممارسة العادة السرية في سن صغيرة، وعندما أصبح عمري 22 عاماً، بدأت بمشاهدة الأفلام الإباحية"، كانت هذه الجملة بداية حديث صابرين لرصيف22، وهي إحدى أعضاء جروب "مش لوحدك - للمشاركة والدعم النفسي" على فيسبوك، والتي تُشارك أعضاءه من خلال حساب شخصي مجهول الهوية، محاولاتها إيقاف ممارسة العادة ومشاهدة الأفلام، والتي إذا كانت تمارسها الآن فنتيجة لشعورها بالكبت الجنسي.

"العادة السرية ملجئي الذي أهرب إليه من أي طاقة سلبية".

قالت صابرين: "أنا شخصية انطوائية، ليس لدي أصدقاء، في البداية كنت ألجأ للعادة السرية نتيجة الضغط العصبي الذي يسببه العمل أو ظروف الحياة عامة، ثم بات احتياجي للزواج عاملاً أساسياً يدفعني إلى ممارسة العادة، خاصة أنه ممنوع منعاً باتاً تبعاً لعاداتنا، أن أعبر عن احتياجي للزواج بأي شكل أو لأي شخص، فكانت العادة ملجئي الذي أهرب إليه من أي طاقة سلبية تصيب جهازي العصبي".

تنتمي صابرين لأسرة منياوية محافظة، لا يخرج حديث أفراد الأسرة عن أحوالهم المادية هذه الفترة، وعن طعام وشراب اليوم، حسبما قالت.

وعند سؤالها هل بإمكانها إقامة علاقة مع رجل في غير إطار الزواج؟ أجابت بالنفي، وأوضحت: "خوفاً من فقد العذرية، لأنه أمر تمنعه العادات والتقاليد".

استكملت الحديث بسؤالها: لو كنتي تعيشين في مكان آخر يتقبل العلاقات المفتوحة بين الرجل والمرأة، هل ستفعلين؟

قالت صابرين: "لا أعلم، أوقات أشعر أن الذي يمنعني تشبثي بتعاليم الدين، وأحياناً أخرى أشعر أن العادات والتقاليد فقط هي التي تمنعني، لكن الأكيد أنه لولا العادات كان سيوجد حل أمامي، حتى لو تزوجت في السر، كنت سأجد حلاً يوفر لي المتعة، وفي الوقت نفسه لا يمنعه الدين".

واستكملت صابرين: "لذا أسعى الآن للسفر إلى الخارج، حتى أتحرر من العادات ومن سلطة أهلي، دون أن أفقد أحداً منهم"، في إشارة إلى أن من المهم بالنسبة لكثير من الأهالي نظرة المجتمع أكثر من القيام بالفعل نفسه.

ذكرتني حكاية صابرين، بصديقتي مصممة الاستعراضات، وهو موقف يتقاطع مع الحكايتين السابقتين، ويشير إلى تربية المجتمع لفتياته على الخجل من حرية التعبير الجنسي، ولو في أضيق الحدود، أتذكر كلماتها التي تقول: "حينما كنت في سن 15 عاماً ذهبت وأمي لزيارة ابنة خالي المتزوجة حديثاً لنبارك بالزيجة، وحين جعلتنا نتجول في أرجاء الشقة لرؤيتها، علقت أمي على الحمام مازحة: الحمام حلو ما شاء الله، عشان يستحمى فيه العرسان سوا.. حينها أصاب ابنة خالي الذعر قائلة: لا لا يا عمته طبعاً، نستحمى إزاي سوى!، رغم أني وقتها كنت في فترة مراهقتي، لكنني تعجبت من رد فعلها مما قالته أمي، وسألت نفسي ما الذي جعلها تخجل لهذه الدرجة؟ أليس زوجها؟! وهذا من المفترض أمر عادي".

"هزمت الخوف"

في كل مكان نذهب إليه، نرى أو نسمع مواقف تعبر عن هذا الوضع المأساوي وغير العادل للنساء والفتيات في مصر، ففي حين توجد فتاة تخجل من التعبير عن حقها حتى الذي "أحله الدين"، توجد فتاة أخرى تصنع عرضاً مسرحياً أمام الجميع، لتقول من خلاله إنها إنسان من حقه التعبير عن احتياجاته الجنسية، دون اكتسابها نتيجة ذلك "صفة الانحلال". هذا ما فعلته نور إسماعيل، ابنة الثلاثة والعشرين عاماً، وهي مخرجة مسرحية في بداية طريقها المهني.

"أوقات أشعر أن الذي يمنعني عن ممارسة الجنس تشبثي بتعاليم الدين، وأحياناً أخرى أشعر أن العادات والتقاليد فقط هي التي تمنعني، لكن الأكيد أنه لولا العادات كان سيوجد حل أمامي، حتى لو تزوجت في السر"

تقول نور لرصيف22: "كنت في حاجة إلى التعبير عن نفسي دون وضعي في قالب معين، فأنا أرى أن هناك سببين يجعلان الفتاة تخشى الحديث والتعبير عن هذه الاحتياجات، الأول وضعها في زاوية تجعل من حق أي رجل مثلاً أن يطلب منها إقامة علاقة جنسية معه دون سابق معرفة، وأنها بالتأكيد سوف تقبل هذا طالما قامت بالتعبير عن احتياجاتها، والثاني أن في مجتمعنا من حق الرجل التفاخر بعلاقاته الجنسية، أما البنت فلو فعلت فلابد وأن تخفي ذلك، فهي منحلة أما هو فرجل!".

أكدت أميرة شبانة (23 عاماً)، كاتبة مسرحية "شتاء"، على مخاوف الفتيات التي عبرت عنها نور خلال حديثها، تقول: "لم أكن أعرف وقتها إذا كنت خائفة أو لا من التعبير عما بداخلي في هذا النص، لكن صوتاً في داخلي غلب صوت الخوف، واستطعت التعبير عن نفسي وعن وجهة نظر نور، ولا أنكر أنه قد جعلني أدخل في "نوبات اكتئاب" بسبب مخاوف الشخصيات التي يكمن بعضها بداخلي".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image