بالرغم من مرور 1300 عام، تمكن العلماء أخيراً من فك رموز برديةٍ مصريةٍ قديمة، اتّضح أنها عبارة عن تعويذة سحرية هدفها الإيقاع في الحب. يظهر في هذه التعويذة السحرية صورة مخلوقين شبيهين بالطيور، يربطهما رابط يشبه السلسلة، الأمر الذي يكشف عن سحر الحب، كما تحيط بهما مقاطع كتبت باللغة القبطية، تشير إلى شخصياتٍ وأحداثٍ مذكورةٍ في الإنجيل. فما هي هذه التعويذة؟ وكيف مارست الحضارات القديمة هذا النوع من السحر لكسب الحبيب وحماية العاشقة؟
طقوس لجمع العشاق
كتب "كورشي دوسو"، المحاضر في جامعة ستراسبورغ في فرنسا والذي نشر البردية في مجلة الدراسات القبطية: "إن السمة الأكثر إثارةً للانتباه في البردية هي صورتها"، مرجحاً أنها تعود إلى حوالي 1300 سنة، أي الوقت الذي كانت تمارس فيه المسيحية على نطاقٍ واسعٍ في مصر.

فماذا تجسده هذه التعويذة؟
في الصورة، يبدو المخلوق المجنح على اليسار وكأنه ينفث منقاره إلى المنقار المفتوح لنظيره على اليمين، والذي يبدو أنه يحتوي على مسمارٍ في رأسه، كما تظهر ذراعان ممدودتان لشخص تحيطان بالمخلوقين.بعض التعويذات كانت تشمل صنع الدمى التي تجسد هدف الرغبة، فتكون في العادة إمرأة غير منتبهة للحبيب أو صامدة بوجهه، وعليه يتم تحديد تعليمات صنع هذه الدمية الجنسية، الكلمات التي يجب أن تقال فوقها وأين يجب أن يتم إيداعها
النصوص الأدبية المسيحية من مصر التي تحمل تعويذة الحب غالباً ما تشير إلى أن المشكلة ليست أن المرأة لا تحب الرجل في ذاته، ولكن ليس لدى هذا الأخير إمكانية الوصول إليها، كونها متزوجة من شخصٍ آخر.وبحسب "دوسو"، فإن ما يربط المخلوقين أحدهما بالآخر قد يكون عبارةً عن سلاسل أو حبال أو قضيب ذكري، كما أن الاختلافات الصغيرة بين المخلوقين قد تكون محاولة لإظهار التمايز بين الجنسين، مرجحاً أن يكون المخلوق على اليمين أنثى والمخلوق على اليسار ذكراً. من ناحيةٍ أخرى، تحيط بالصورة كلمات سحرية مكتوبة باللغة القبطية، وهي لغة مصرية قديمة كانت تستخدم الأبجدية اليونانية. واللافت أنه على مرّ السنوات، بقيت هناك أجزاء فقط من النص مع جزء من القراءة المطلقة، "أدعوك ... من هو المسيح إله إسرائيل ..."، أما الجزء التالي من النص فيتضمن عبارة "ستحل" ويذكر "كل طفل من آدم ..." ويشير النص المجزأ أيضاً إلى أهيتوفيل، وهو الرجل الذي خان الملك داوود، وفقاً للكتاب المقدس العبري.
تعويذة لامرأة صعبة المنال
يبدو أن ورقة البردي كانت عبارة عن صفحةٍ واحدةٍ من نص أكبر، ربما كتيب تم استخدامه من قبل ساحر. وتعليقاً على هذا الموضوع، قال المؤرخ "دوسو" لموقع "لايف ساينس": "ربما أعجب عملاء الساحر المفترض بالصورة على ورقة البردي، فمن وجهة نظري كمراقب، يمكن أن أقول أن الصورة قد عززت الجانب الأدائي للتهجئة إذ قد يجد العميل الرسومات الغريبة إضافة مثيرة للإعجاب إلى الجو العام والانطباع الذي خلقته الطقوس".كانت الشعوذات أحيانا عنيفة ودون أي شعور بالحذر أو الندم، فعوضاً عن البحث عن الحب كان القصد من وراء السحر هو السيطرة والهيمنةوبالرغم من أن النص المجزّأ يجعل من الصعب تحديد ماهية التعويذة بالضبط، فإن "دوسو" يعتقد أنه قد يكون مرتبطًا بالحب، ربما في الحالات التي كان الحب فيها يواجه وضعًا معقدًا مثل مثلث الحب، أو حين كان الرجل يقع في حب إمرأةٍ لا يمكنه الزواج بها. ويشرح المؤرخ هذه النقطة بالقول:"النصوص الأدبية المسيحية من مصر التي تحمل تعويذة الحب غالباً ما تشير إلى أن المشكلة ليست أن المرأة لا تحب الرجل في ذاته، ولكن ليس لدى هذا الأخير إمكانية الوصول إليها، إما لكون الفتاة غير متزوجة ومحمية من قبل عائلتها، أو لكونها متزوجة من شخصٍ آخر". تجدر الإشارة إلى أن ورقة البردي هذه موجودة في جامعة ماكواري في سيدني في أستراليا، إلا أن مسألة وصولها إلى هناك لا تزال غامضة، خاصة أن الجامعة لا تملك أي سجلاتٍ تشير إلى من باع أو تبرع بهذه البردية أو كيف تم الاستحواذ عليها.
السحر الإيروتيكي
في الماضي كان من الشائع أن يلجأ البعض إلى السحرة والمشعوذين بهدف استمالة الطرف الآخر وإصابة قلبه بسهام الحب. من التعاويذ والجرع السحرية وصولاً إلى الدمى الجنسية، كيف لعب السحر دوراً فاعلاً في منطقة البحر الأبيض المتوسط القديمة؟ حاول المؤخرون في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين التكتم عن مسألة انتشار ممارسة السحر على نطاقٍ واسعٍ في البحر الأبيض المتوسط القديم، خاصة أن هذه الممارسة لا تدعم وجهة نظرهم المثالية لليونانيين والرومان، وفق ما أشار إليه موقع The conversation. وفي حين أنه في العصور القديمة كان يتم معاقبة المشعوذين، فإن المعادلة قد تغيّرت اليوم لأن موضوع السحر بات يثير اهتمام العلماء بشكلٍ كبيرٍ ويشكل مادةً دسمة للأبحاث العلمية، لكونه يوفر نظرة ثاقبة إلى المعتقدات القديمة والممارسات الثقافية والاجتماعية التي كانت تجري في السابق.

الرغبة بين النساء
ضمن التعويذات السحرية اليونانية العديدة التي تم العثور عليها، اثنتان منهما تناولتا الرغبة الجنسية بين النساء. ففي واحدة منهما، تحاول امرأة اسمها هيرايس أن تسحر امرأة أخرى تحمل اسم سيرابيس. وفي هذه التعويذة التي تعود إلى القرن الثاني الميلادي، يتم استدعاء الإلهيْن أنوبيس وهيرميس لتقريب سيرابيس من هيرايس وإيقاع سيرابيس في حبها.
كيف تعمل هذه التعويذات؟
"إذا كنتم تبحثون عن مساعدة من الأرواح الحقيقية، فإنكم قد وصلتم إلى العنوان المناسب"، هذا ما قالته "آيشا" التي تمارس السحر والشعوذة منذ قرابة 40 عاماً. تشير الساحرة إلى أن ما يجعل تعويذاتها ناجحة هو أنها تعدها خصيصاً لكل فرد، وذلك من خلال احتوائها على صورٍ خاصة، وتواريخ الميلاد، بالإضافة إلى موادٍ بيولوجية ( خصل شعر، أظافر، قطرات دمع...) مؤكدةً أهمية هذا الموضوع بالقول:"عندما يكون جسمك جزءًا من التعويذة، لن تكون خارج العملية بل منخرطاً في الطقوس من ناحية الجسم والعقل والروح. وتؤكد "آيشا" أن هذه التعويذات المستقاة من الحضارة المصرية القديمة من شأنها أن تعيد الحبيب/ة السابق/ة، بالإضافة إلى تحقيق الرغبات الدفينة في القلب، خاصة أن مفعولها ثبت على مر السنين، كلجوء كليوبترا إلى السحر لجعل بعض الرجال، أمثال القائد الروماني مارك أنتوني، يجثون تحت قدميها.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ يومl
Frances Putter -
منذ يومyou insist on portraying Nasrallah as a shia leader for a shia community. He is well beyond this....
Batoul Zalzale -
منذ 3 أيامأسلوب الكتابة جميل جدا ❤️ تابعي!
أحمد ناظر -
منذ 3 أيامتماما هذا ما نريده من متحف لفيروز .. نريد متحفا يخبرنا عن لبنان من منظور ٱخر .. مقال جميل ❤️?
الواثق طه -
منذ 3 أيامغالبية ما ذكرت لا يستحق تسميته اصطلاحا بالحوار. هي محردة من هذه الصفة، وأقرب إلى التلقين الحزبي،...
ماجد حسن -
منذ أسبوعيقول إيريك فروم: الحبُّ فعلٌ من أفعال الإيمان، فمن كان قليلَ الإيمان، كان أيضًا قليل الحب..