في كارثة حملت رسائل سياسية ملونة بدماء العراقيين الأبرياء، وقع تفجيران هائلان في العاصمة بغداد، أسفرا عن مقتل وإصابة العشرات من المدنيين في مشهد سجلته الكاميرات.
وقالت الحكومة إن منفذي التفجيرين انتحاريين من تنظيم "داعش"، لكن محللين ومعهم الرأي العام العراقي يشككون في الرواية، مؤكدين أن بغداد باتت ساحة لعمليات المجموعات المدعومة من إيران.
في الجانب الآخر، يشير محللون إيرانيون إلى وجود رسائل من التفجيرات للرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، مفادها أنه لا يجب أن يحيد عن المسار الذي حدده سلفه، مشيرين أيضاً إلى تزامن الحادث مع المصالحة الخليجية.
تفاصيل الهجوم
قال مسؤولون عراقيون إن تفجيرين انتحاريين هزا سوقاً مزدحماً في العاصمة العراقية بغداد، صباح اليوم في 21 كانون الثاني/ يناير الحالي، ما أسفر عن مقتل 31 شخصاً على الأقل وإصابة العشرات، في حصيلة مرشحة للارتفاع على مدار الساعة.
وضرب التفجير الانتحاري النادر ساحة الطيران، وتحديداً منطقة الباب الشرقي التجارية، وسط بغداد، بينما تتصاعد التوترات السياسية حول الانتخابات المبكرة ويشكو العراقيون من أزمة اقتصادية حادة.
وتُظهر الصور أن الدماء لطخت أرضيات السوق المزدحم، منها دماء أحد بائعي مشروب الشاي الذي كان يتجول لتوصيل الطلبات لزبائنه وآخرين كانوا يتسوقون وبعض المارة.
ولم تعلن أية جهة على الفور مسؤوليتها عن الهجوم، لكن مسؤولين عسكريين عراقيين قالوا إنه من عمل تنظيم داعش، بينما دانت دول عدة الحادث وفي مقدمتها إيران والسعودية والولايات المتحدة وتركيا.
وأعلن الجنرال تحسين الخفاجي، المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة التي تضم مجموعة متنوعة من القوات العراقية، إن الانتحاري الأول صرخ بصوت عالٍ أنه مريض وسط السوق الصاخب، ما دفع حشداً من الناس للتجمع حوله، وبعدها فجر نفسه بحزامه الناسف، ثم فجّر الثاني حزامه بعد فترة وجيزة.
وقال الخفاجي: "هذا عمل إرهابي ارتكبته خلية نائمة تابعة للدولة الإسلامية"، مؤكداً أن داعش "أراد إثبات وجوده" بعد تعرضه للعديد من الضربات في العمليات العسكرية لاجتثاث مسلحيه.
داعش أم الميليشيات؟
يأتي التفجيران الانتحاريان بعد ثلاث سنوات على آخر تفجير استهدف المنطقة التجارية المزدحمة في بغداد. وكان هجوم انتحاري قد وقع في نفس المنطقة عام 2018، بعد وقت قصير من إعلان رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي الانتصار على تنظيم داعش.
"أسلوب هذا الهجوم مشابه لذلك الذي اعتمده داعش في الماضي، لكن التنظيم نادراً ما كان قادراً على اختراق العاصمة"... يأتي التفجيران الانتحاريان بعد ثلاث سنوات على آخر تفجير استهدف المنطقة التجارية المزدحمة في بغداد
وخلال الأشهر الماضية، شهد العراق اعتداءات نفذها كل من تنظيم داعش والميليشيات، بينما استهدفت الأخيرة بشكل روتيني الوجود الأمريكي في العراق بهجمات صاروخية وقذائف هاون، خاصة السفارة في المنطقة الخضراء، لكن وتيرة تلك الهجمات تراجعت منذ إعلان الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي عن هدنة.
بحسب تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فإن أسلوب هذا الهجوم مشابه لذلك الذي اعتمده داعش في الماضي، لكن التنظيم نادراً ما كان قادراً على اختراق العاصمة منذ تم طرده من قبل القوات العراقية والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، عام 2017.
من جهته، استبعد المحلل السياسي والأمني العراقي رعد هاشم أن يكون داعش هو المسؤول، لأنه يرى أن ملف هذا التنظيم انتهى، وتم النصر عليه بإعلان الحكومة نفسها، ولا يستطيع الوصول إلى بغداد بهذه الأريحية.
وقال هاشم لرصيف22: "هم لا يصلون إلى المدن في المنطقة التي ينشطون بها، والأجهزة الأمنية تتابعهم سواء على الحدود مع سوريا أو في كركوك أو صلاح الدين، فما بالك بالوصول إلى بغداد".
وتابع هاشم: "لا نبرئ داعش فهذا التنظيم له ساحاته، لكن الميليشيات المدعومة من إيران لها ساحتها أيضاً، وهي بغداد".
في رأي هاشم، فإن "هذا الحادث لم يتزامن عفوياً مع تنصيب بايدن، بل يجب فهم أبعاده، وأولها أن إيران بدأت تحريك ملف جديد هو ملف التفجيرات لخلخلة التوازنات، وهي رسالة إيرانية إلى بايدن بأن مفاتيح الحل في المنطقة بيد طهران، وعليه، على واشنطن أن تفهم هذه اللعبة وأن تكون منسجمة مع توجهها أو أن تسعى لحلول متقاربة".
وغرّد أستاذ العلوم السياسية في جامعة جيهان في أربيل مهند الجنابي: "واحد من أهداف تفجيرات اليوم هي تخفيف الأصوات والجهود المطالبة بحصر السلاح بيد الدولة وإنهاء الفصائل المسلحة الخارجة عن القانون، تحت حجة أن التهديد الارهابي عاد من جديد".
في الجانب الآخر، تساءل المحلل الإيراني محمد الغراوي في تغريدة له: "ما علاقة ظاهرة الانتحاريين بقدوم بايدن؟ أم أن المصالحة الخليجية بدأت تُترجم على الأرض؟".
وقال المحلل السياسي الإيراني محمد صالح صدقيان: "تفجير ساحة الطيران في بغداد رسالة تحذير واضحة لحكومة الكاظمي من تغيير المسار بعد تسلم الرئيس جو بايدن للرئاسة الأمريكية".
وأضاف في تغريدة له: "تقول (التفجيرات) لا زلنا الأقوى ولا نقبل بتدوير الزوايا رغم خسارة أصدقائنا في واشنطن، الرسالة ذكية في توقيتها، وإدارة بايدن غير بعيدة عن هدف هذه الرسالة".
الانتخابات المبكرة
جاء التفجيران المزدوجان بعد أيام من موافقة الحكومة العراقية بالإجماع على إجراء انتخابات مبكرة في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
في هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية فراس إلياس إن التفجيرات التي شهدتها ساحة الطيران في بغداد تعكس حالة الخرق الأمني الذي تعيشه العاصمة، إلا أنها لم تخلُ من دلالاته السياسية.
قالت الحكومة إن منفذي التفجيرين الانتحاريين في بغداد من "داعش"، لكن محللين شككوا في الرواية باعتبار أن بغداد باتت ساحة لعمليات المجموعات المدعومة من إيران، ورَبَطهما البعض بتنصيب بايدن والانتخابات المبكرة
ولفت، في حديثه لرصيف22، إلى أن التفجيرات جاءت بعد يوم واحد من تنصيب بايدن رئيساً للولايات المتحدة، كما حصلت في ظل استعدادات الكتل والأحزاب السياسية لخوض الانتخابات المبكرة التي تم تحديد موعدها في 10 تشرين الأول/ أكتوبر من هذا العام.
وأضاف إلياس: "رغم البصمات المثيرة التي حملها التفجير، والتي تشبه إلى حد كبير تكتيكات داعش، إلا أنها تشكل من جهة أخرى فرصة للكتل السياسية لإعادة التخندق سياسياً وانتخابياً وطائفياً، ما يعطي بدوره أكثر من بُعد لهذا التفجير".
وغرّد الإعلامي العراقي حسام الطائي: "مع قرب الانتخابات تبدأ التفجيرات، لماذا برأيكم؟ هل هناك جانب سياسي؟".
وقال الناشط العراقي علي فاضل: "فجأة تجد نفسك في مرحلة ما قبل الصفر! نعم، فجأة تعود الأحزمة الناسفة والانتحاريين والانفجارات، وفجأة يمكن أن تعود الحرب الاهلية وممكن أن يعود داعش مسيطراً على بعض المحافظات".
وتابع فاضل في تغريدة على حسابه عبر تويتر: "عودة مسلسل الانفجارات ما هو إلا بداية اللعب على الوتر الطائفي لتحشيد الجماهير على انتخاب قوائم معينة".
وغرّد الكاتب العراقي عمر حبيب قائلاً: "ابحث عن المستفيد من تفجيرات بغداد وساحة الطيران، منطقياً من المستفيد من التفجير اليوم، الإجابة ببساطة من سيستخدم دم الفقراء لأغراض سياسية وتأجيج طائفي مريض بأسطوانة مجروحة وقديمة... لإيصال رسالة واضحة مفادها ‘نحن أو الطوفان‘". وكتب تغريدته تحت هاشتاغ "إرهاب سياسي".
وفي العامين الماضيين، خرج المتظاهرون إلى الشوارع بعشرات الآلاف للمطالبة بالتغيير السياسي، ووضع حد للفساد المستشري وسوء الخدمات. وقُتل أكثر من 500 شخص في التظاهرات الحاشدة، بعدما استخدمت قوات الأمن والمليشيات الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود.
ويعاني العراق في المرحلة الحالية من أزمة اقتصادية حادة ناجمة عن انخفاض أسعار النفط التي دفعت الحكومة إلى الاقتراض داخلياً والمخاطرة باستنزاف احتياطياتها من العملات الأجنبية، بعدما خفض البنك المركزي العراقي قيمة الدينار العراقي بنحو 20 في المئة العام الماضي للوفاء بالتزامات الإنفاق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...