أصبح لعبارة الأكل البيتي "مفعول السحر" في مصر، خاصة بعد انتشار فيروس كورونا، ويقصد به الأكل المعد في المنزل. ولاقت مطاعم تعد الطعام بطريقة تشبه المعد في البيت رواجاً، في سياق محاولات للحد من المخاطر الصحية للوجبات السريعة.
وقد اقتصر ترويج الأكل البيتي في الماضي بين أوساط المغتربين/ات أو العزاب، كما كان يروّج لهذا الطعام في أحياء تكثر فيها الطلبة، والعمال المهاجرون، الذين لديهم حنين للاستقرار، وبيت العائلة.
حنين وذكريات
يروي مصطفى النشار، طالب مغترب في القاهرة، ينحدر من قرية بجوار مدينة المحلة الكبرى في محافظة الغربية، لرصيف22 أنه يقضي مدة دراسته بعيداً عن محافظته، برفقة مجموعة من زملائه، ولم يكن لدى أي منهم فكرة عن كيفية طهو الطعام، لذا كانوا يعتمدون على الوجبات السريعة بنسبة 90٪. وظل الحنين للأكل البيتي يراودهم من آن لآخر، خاصة أنهم يحصلون على إجازة كل شهرين على الأقل، فراحوا يحاولون إعداد بعض الوجبات المنزلية الخفيفة كالكبدة، والمعكرونة، والبيض.
ورغم ذلك الحنين، لم يكن باستطاعته حمل وجبات طعام منزلية لأخذها معه من قريته إلى القاهرة، نظراً لثقل حقيبته، التي كانت تحتوي على الملابس والكتب.
ويتذكر النشار جيداً ذكرى وقعت في صغره لمجموعة من العمال من صعيد مصر، كانوا يقطنون في المنزل المقابل لمنزله، في إحدى قرى محافظة الغربية، لأن طبيعة عملهم في تهيئة البنية التحتية اضطرتهم إلى ذلك، وكانوا يترددون على منزلهم بين الحين والآخر لأخذ بعض الأغراض، كالثوم والبصل وعصير الطماطم لإعداد الأكل بأنفسهم، ولم يكن وضعهم المادي يسمح بإحضار الوجبات الجاهزة، وعندما علم والده بأمرهم، أسرع إلى زوجته وطلب منها إعداد وجبات "فتة ولحم"، تعويضاً لهم عن جزء من الحنين للأكل البيتي.
"طعمه مش حلو"
"الأكل البيتي طعمه مش حلو"، مقولة ترددت كثيراً على ألسنة الشباب بعد الاكتساح الذي أحدثته مطاعم الوجبات السريعة في مصر وغيرها من دول العالم، خاصة في أواخر القرن العشرين، إذ نفر معظم المصريين من الأكل البيتي، واتجهوا إلى الوجبات السريعة، ذات المذاق الرائع، نظراً لتشبعها بالدهون والتوابل، غير مبالين بمدى الضرر الواقع عليهم من تلك الوجبات على المدى البعيد، رغم التحذيرات، وحملات التوعية التي تشنها وزارة الصحة باستمرار للتنديد بمخاطر تلك الأطعمة.
انتشار "جرثومة المعدة"، وفيروس كورونا دفع العديد من المصريين تدريجياً للاعتماد على الأكل البيتي، حتى بات البعض يفضل مذاقه على الوجبات السريعة
وبعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، ونزوح الكثيرين إلى مصر، انتشرت مطاعم عكست الذوق السوري، وأقبل الكثير من المصريين على هذا اللون من الطعام، ممَّا دفع المصريين إلى الابتعاد أكثر عن الأكل البيتي.
من ناحية أخرى، برزت في القاهرة مطاعم تهتم بتقديم الأكل البيتي، بشكل جديد، وجذّاب، في محاولة لدفع الشباب إلى تفضيل الأكل البيتي مرة أخرى، وأكثر هذه المطاعم شهرة، مطعم "الست أمينة"، و"دسوق"، و"فسحة سمية"، وأهم ما يميزها، هو عدم اعتمادها على قائمة طعام موحدة، فالأصناف تتغيّر يومياً، وما عليك سوى الاتصال، ومعرفة الأصناف المعدة اليوم.
لا تفضل الإعلامية هدير مصطفى، تسكن في القاهرة، الطعام إلا المعد منزلياً، وبالرغم من عملها لساعات طويلة خارج المنزل، لا تتخلى عن "مبادئها"، فهي دائماً ما تتردد على مطاعم الأكل البيتي، لأنها تضمن نظافته، وجودة اللحوم، والخضر المستخدمة في إعداده، ومن المطاعم التي تفضل تناول الطعام فيها "البرنس"، و"صبحي كابر".
مصدر دخل
أصبح الكثير من ربات المنازل اليوم يتخذن من إعداد الطعام البيتي مصدراً للدخل نظراً لصعوبة الظروف المادية، إذ يقمن بإعداد الوجبات، والترويج لها على صفحات التواصل الاجتماعي، وقد نالت تلك الفكرة الاستحسان، خاصة السيدات العاملات لضيق أوقاتهن، ولم يعد الأمر يقتصر على إعداد الوجبات الجاهزة فحسب بل اتسع ليشمل المعجنات والحلويات، لكن تكمن عيوب هذا المشروع في غياب الرقابة، فلا أحد يعلم جودة السلع المستخدمة أو مدى نظافة القائم على العمل، خاصة مع وجود جائحة كورونا.
تحكي إيمان ريحان، من قرية بطينة محافظة الغربية، أنها كانت قبل انتشار كورونا تحضّر الخضروات، واللحوم، وتغسلها ،وتقطّعها، وتجعلها جاهزة للطبخ ، وكانت النساء العاملات يعتمدن عليها في إعداد الطعام، لكن بعد ظهور الكورونا أصبح العمل أقل، نظراً لتقاعد السيدات من أعمالهن إذ أصبحن يجهزن الطعام بأنفسهن.
أحلى أوردار ? لأحلى عميله ألف هنا وشفا ?السمك المشوي و أرز سمك و الطحينه واحلى طاجن جمبري من الاكل البيتي الأصيل??
Posted by الاكل البيتي الاصيل on Wednesday, 6 January 2021
"حبيت البيتي بعد كورونا"
اعتاد إسلام محمود سابقاً تناول الوجبات السريعة، لأن عمله كان يقتضي أن يظل بالخارج طوال اليوم، ولأنه لم يكن يفضل مذاق الأكل الذي يُعدّ في المنزل، لكن بعد تفشي فيروس كورونا، اضطر إلى تناول الطعام البيتي مرة أخرى، لأنه "يضمن نظافته".
وبعد انحسار الفيروس مؤقتاً، أصبح يأخذ معه الطعام البيتي إلى العمل يومياً، ولم يعد يفكر في العودة لتناول الوجبات السريعة، فالأكل المعد منزلياً بمثابة دواء يساعد في زيادة مناعة الجسم لاحتوائه على معظم العناصر الغذائية الهامة، ولكن هل غيرت تلك العادات من تفضيلاته الخاصة بالأكل؟
"الأكل المعد منزلياً بمثابة دواء".
يعلق الشيف عمرو عبد الناصر (35 عاماً)، في محاولة لرصد مراحل علاقة الذوق المصري بالأكل البيتي، لرصيف22: "الأكل البيتي كان له تأثير كبير علي المجتمع المصري في الماضي، فقد كان يشغل المقام الأول في كل البيوت، وكان تناول الأكل الخارجي يقتصر على طلبة الجامعات والشباب والمغتربين، وكان للأسر بمثابة ترفيه موسمي فقط".
كان الأكل البيتي، بحسب عبد الناصر، يتميز ببساطة الأصناف، وقلتها، كما لم يعتمد كثيراً على البهارات والتوابل، ولكنه كان محبباً عند كل الناس، وإذا عاد الزمن قليلاً للوراء، لعرفنا أن عدد المطاعم كان قليلاً جداً مقارنة بالحاضر، خاصة بعد وصول أذواق أجنبية إلى مصر أحدثت تأثيراً على مذاق الطعم البيتي، إذ باتت الأصناف أكثر تنوعاً، وتعقيداً.
يرجع عبد الناصر السمعة السيئة للأكل البيتي، خاصة بين الأجانب، إلى أن معظم المغتربين والعزاب يعدون الطعام لزملائهم الأجانب في السكن، مما يعطي انطباعاً أن "الطعام المصري سيئ"
ونفى عبد الناصر حدوث تغير في مذاق الطعام البيتي بسبب كورونا، يقول: "التغيير الذي أحدثه الفيروس هو عودة الأسر لتناول الطعام بعضهم مع بعض حول سفرة واحدة في البيت، وعادت الرغبة لتناول الأكل البيتي مرة أخرى، بسبب الخوف من شراء الأطعمة من المطاعم".
Posted by الأكل البيتي on Thursday, 29 November 2018
يرجع عبد الناصر السمعة السيئة للأكل البيتي، خاصة بين الأجانب، إلى أن معظم المغتربين والعزاب يعدون الطعام لزملائهم الأجانب في السكن، مما يعطي انطباعاً أن "الطعام المصري سيئ"، وهو ما دفع عدداً كبيراً من المصريين إلى تجنب تناول الطعام المحلي في ثقافات أخرى، لتعرضهم لتجارب مشابهة في الخارج.
وأشارت الدكتورة هناء بشار في حديث لرصيف22 إلى دور "جرثومة المعدة" التي اعتبرتها من أبرز الأمراض انتشاراً بين المصريين في ابتعاد الناس عن الوجبات الجاهزة، وعودة الاهتمام بالأكل البيتي المعدّ منزلياً.
ويلفت عبد الناصر إلى أن كورونا "قلبت الموازين" في تفضيلات الذوق المصري، إذ عاد الإقبال على تناول الأكل البيتي، حتى من قبل الشباب الجامعي والعمال، الذين كانوا يعتمدون على الوجبات السريعة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع