شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"الطهو من الأسباب المهمة للترويح عن النفس"... كيف غيّر كورونا أنماطنا الغذائية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

العالم العربي وكورونا

الثلاثاء 22 ديسمبر 202001:10 م

كان المطبخ مُستقراً للكثيرين خلال الأشهر الماضية. جنّةٌ للأكل وعجّانٌ للوقت وحصنٌ يحمي من عدوى كورونا، خاصة عندما يكون المنال طبقاً من سلطة الخضار المكللة بالحبوب والمسكرات.

وصفاتٌ جديدة وأخرى وقائية، عصائر وأعشاب وخلطات، نصائح وإرشادات، جميعها ملأت الفضاء الالكتروني لتثبت أن مفهوم الأكل وأسلوب تقديمه قد تغيرا مع طوفان التغيير الذي دهمَ العالم العربي كما العالم بسبب الجائحة.

تغير مفهوم الأكل وأسلوب تقديمه مع طوفان التغيير الذي دهمَ العالم العربي كما العالم بسبب الجائحة.

فقد وجدت الأبحاث أن عوامل الخطر الأساسية لدخول المستشفى بسبب كوفيد-19 تشمل حالات متعلقة بالنظام الغذائي، مثل السمنة وارتفاع ضغط الدم ومرض السكري، وأن من الضروري اتباع نظام غذائي صحي عبر سياسة تقدم المتعة والقيمة الغذائية معاً.

جلنا في بعض المطابخ العربية لنلمس دوافع الزحف نحو الطهو وتفاصيل الخرائط الغذائية التي فرضتها ظروف كورونا، بعد إغلاق المطاعم والقلق عند طلب الطعام من الخارج.


الوجه الإيجابي لكورونا

الضغط النفسي وفراغ الوقت دفعا علياء أبو شهبة إلى دخول المطبخ كما تقول: "اعتدتُ خلال الأشهر الماضية أن أملأ الوقت إلى جانب العمل، بالرياضة والتلوين والتعرض للشمس، والجزء الأكبر بالطهو الذي أعطاني فرصة لإعادة اكتشاف مهاراتي وعزز ثقتي بنفسي. ابتعدت عن وصفات الشيفات المبتكرة واتجهت إلى قنوات سيدات البيوت اللاتي يصورن بعدسات الموبايل، ويضعن كل تفاصيل الوصفة، في وقت قصير ومكثف".


علياء أبو شهبة داخل مطبخها


الخبز بأنواعه المصرية والإيطالية، المعجنات التركية، الفطير المصري على أصوله، وأكثر من ذلك، أبدعته الصحافية المصرية في مطبخها، وعزز ذلك توقفها عن تناول الطعام من الخارج حرصاً على صحتها وصحة والديها، وتشير إلى أنها تحاول اتخاذ الاحتياطات اللازمة فيما يتعلق بالتعقيم وارتداء القفازات والحفاظ على بيئة نظيفة، ولم تغفل طبق الخضار الذي حضر في جميع الوجبات لتزويد الجسم بالمواد اللازمة لرفع مناعته.

فيروس كورونا أفقد علياء أفراداً من أقاربها، وهذا ما أصاب العائلة بالحزن والقلق، فكان الطهو من الأسباب الهامة للترويح عن النفس ورسم البهجة خاصة عندما قررت الاحتفال بالمناسبات العائلية بوجبات مميزة وقوالب كعك تعدّها بكل حب، بعدما اعتادت لسنوات شراءها من المخبز، وحسب قولها: "بعد انتهاء كورونا لن ينتهي وقتي في المطبخ، سأستمر بإعداد الأطباق. هذا هو الوجه الإيجابي لكورونا".


خضار وحبوب ورشوف

أما بانة مشتاق فلم تنتظر كورونا كي تمضي جلّ وقتها في المطبخ، فحرصاً على ابنتيها تعد منذ سنواتٍ وجبات بيتية متوازنة وغنية. تقول: "تقاليدنا في الطهو والأكل لم تتغير بعد كورونا، لطالما كان نظامنا الغذائي صحياً، فقط ألغينا الخروج الأسبوعي إلى المطعم، وبقيت على نفس الأسلوب في الطهو، مع التركيز على المكونات التي تزيد مناعة الجسم كالفواكه والخضار. روح المشاركة برزت أيضاً في أوقات الجائحة فقد أدخلت طفلتيّ للمطبخ وتشاركنا في إعداد بعض الوصفات".

السيدة العراقية المقيمة في مصر تنصح قراء رصيف22 بتناول مخلل الكرنب "الملفوف" الشهير في العراق، فقد واظبت على إعداده خلال الأشهر الماضية، وهو مليء بالألياف وفيتامين سي والحديد، وجميعها تعزز مناعة الجسم وتقيه من الالتهابات والعدوى.

فيروس كورونا أفقد علياء أفراداً من أقاربها، وهذا ما أصاب العائلة بالحزن والقلق، فكان الطهو من الأسباب الهامة للترويح عن النفس ورسم البهجة خاصة عندما قررت الاحتفال بالمناسبات العائلية بوجبات مميزة وقوالب كعك تعدّها بكل حب، بعدما اعتادت لسنوات شراءها من المخبز

وعلى موائد الأردنيين بقي المنسف حاضراً حتى في أيام كورونا، إلى جانب الفول والحمص. ذلك ما يؤكده حمزة قاسم، مشيراً إلى انتشار ثقافة التعقيم خلال الطهو في جميع البيوت: "بعد إغلاق المطاعم والقلق من تناول الطعام من الخارج، شغلَ الطهو الكثير من الأردنيين، وعمرت موائدهم بوصفات غنية بالخضار والحبوب والفواكه، مع اتباع أساليب الطهو الصحية والبسيطة". ويتوقع أن يصبح هذا التغيير أسلوب حياة لدى الكثيرين حتى بعد انتهاء الجائحة، تحديداً بعد اكتشافهم نكهات جديدة ومفيدة وولعهم بها.

ناقد الطعام الأردني اتبع نفس النهج حسب قوله لرصيف22: "أقلعت عن المقليات والوجبات الجاهزة والدسم، لتتخلل طعامي مكونات مليئة بالفيتامينات ومضادات الالتهابات والفيروسات، كما بت أفضل سلق الطعام على أساليب الطهو الأخرى".

يحدثنا عن طبق الرشوف الشعبي، وهو وصفة شهية وصحية تفيض بالنكهات القديمة والقيمة الغذائية، ركز عليها الأردنيون خلال الأشهر الفائتة، وتتكون من الحبوب، وعلى رأسها العدس، وتُطهى مع مخيض اللبن "الشنينة" ويضاف لها بعض السمن لتؤكل ساخنة.


وصفة الرشوف الأردنية - حمزة قاسم


البروكولي أيضاً بات يتخلل الكثير من الوصفات لأهميته في حماية الجسم بحسب قاسم، الذي يشير إلى أن شوربة العدس حضرت بين أطباق الأردنيين وفي المطاعم والمحالّ أيضاً بعد انتهاء فترة الإغلاق: "خلال هذه الأيام الباردة أينما تمشي في شوارع عمان، بدل أن تطلب فنجان قهوة يمكنك طلب كأس من شوربة العدس. وجبة ستشبعك وتحصّنك من الأمراض".


حمية المتوسط

في الإطار نفسه يحدثنا الشيف ماجد الصباغ، من ضفة النظام الغذائي المتوسطي أو "ما يسمى بحمية البحر المتوسط"، المعروفة بأنها من أقوى وأفضل الأنظمة الغذائية، لغنى دول البحر المتوسط بالمواد الأولية ذات القيمة الغذائية العالية، إضافة إلى حضور الفصول الأربعة بشكل واضح يعزز تنوع الخامات الأولية الطبيعية.

يضيف أن حمية البحر المتوسط تضمن بنية جسدية مقاومة للأمراض والعدوى، فهي تعتمد على الحبوب الكاملة والخضار والفواكه والبقول والمكسرات والأعشاب مثل الصعتر وإكليل الجبل، كذلك الأسماك ومنتجات الألبان، مع التركيز على البروتين الخفيف أي اللحوم البيضاء والأسماك والتخفيف من اللحوم الحمراء قدر الإمكان.


طبق من السلطة من إعداد الشيف ماجد الصباغ


ابن الجنوب السوري ينصحنا باتباع هذه الحمية لأنها تزود الجسم بالكثير من القيم الغذائية وترفع مناعته، ويلفت إلى أنه من الضروري المواظبة على تناول الخضار الطازجة نيئة لأنها أكثر فائدة، وعلى رأسها أطباق المقبلات.

"مع ظهور كورونا بدأ الناس باتباع عادات غذائية جديدة، أولاها التزام البيت مما دفعهم إلى ملء الوقت بالطهو، وأصبح الأب أو الأم أو الأطفال يمارسون هواية الطهو لحماية العائلة في ظل الخوف من الأكل خارجاً وإقفال المطاعم"، يقول الصباغ، مشيراً إلى أن هذا الخوف تحول بعد حين إلى متعة أظهرت الكثير من الإبداعات حتى انشغل الفضاء الالكتروني بها.

ويتابع أن جائحة كورونا كانت سبباً في انتشار وعي التعقيم والنظافة. يقول: "هذا أمر مطلوب ومتبع دائماً بيننا نحن الطهاة في المنشآت والمطاعم، حيث نهتم بكيفية التعامل مع البكتيريا والنظافة والتعقيم قبل انتشار كورونا، بينما يركز الجميع اليوم على ثقافة غسيل وتعقيم اليدين والأدوات".


ماجد الصباغ


الشيف الذي يقيم ويعمل في الإمارات العربية المتحدة أطلق فيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي يحكي فيها عن طرق التعقيم والتنظيف، وقدم أطباقاً تزيد المناعة وتفيد الجسم خاصة في ظل هذه الظروف المقلقة التي نعيشها.

من هذه الوصفات هريس القمح وهو قمح مسلوق يضاف إلى أكلات كثيرة ليعزز نكهتها ويرفع قيمتها الغذائية، كذلك سلطة الكيل الغنية بمادة اليخضور والألياف، ويقترح أن يحضر خس الكيل مع اليقطين متبلاً بالعسل والصعتر البري ومخبوزاً في الفرن، إضافة لسلطة الكينوا وهي من الحبوب المفيدة وتُعدّ مع الخضار المتنوعة.

ينهي حديثه مؤكداً على ضرورة التحكم بكمية السكريات والحلويات، وهنا يقدم لنا عصائر يعدها وتتناسب مع ظروف الجائحة، أهمها عصير التمر والحليب وعصير الأناناس، ويدعم نكهتها وقيمتها ببعض الكركم أو الزنجبيل.

مع ظهور كورونا بدأ الناس باتباع عادات غذائية جديدة، أولاها التزام البيت مما دفعهم إلى ملء الوقت بالطهو، وأصبح الأب أو الأم أو الأطفال يمارسون هواية الطهو لحماية العائلة في ظل الخوف من الأكل خارجاً وإقفال المطاعم، وهو ما تحول بعد حين إلى متعة أظهرت الكثير من الإبداعات

الملء الصحيح للوقت والبطن

"فيروس كورونا غيّر أنماطنا الغذائية، لعل من أهم العادات الجديدة التي اكتسبناها قضاء وقت أطول في المطبخ وقلة الأكل في المطاعم، والبعض خفف اللحوم الحمراء وآخرون استغنوا عنها تماماً"، تقول اختصاصية التغذية المصرية ريتا محمود لرصيف22، مضيفةً أن البقاء في المنزل كان له وجهان أولهما الاهتمام بالطهو المنزلي وربما الصحي أيضاً.

على عتبة أخرى كان الفراغ وطول المكوث في البيت اللذين جعلا البعض يمضي وقتاً أكثر من اللازم في الطهو، وهذا ما أدى إلى البدانة، خاصة لدى أولئك الذين يركزون على السكريات والكربوهيدرات التي تساهم في رفع الحالة المزاجية الإيجابية وتخفيف التوتر، لكن زيادة هذه الأطعمة تسبب أمراضاً كالسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية، "لذلك يجب الاعتماد على أطعمة تعدل المزاج من دون أن تسبب الأمراض، كالموز والجوز والطماطم وبعض الشوكولا" وفق قولها.

وتتابع: "الخوف والقلق من المشاعر السلبية التي تؤدي إلى الإفراط في الطعام، وهذا ما يسمى بالأكل العاطفي، سلوك اتبعه البعض للتعويض عن الملل والكآبة خلال فترة الحجر، ولملء الوقت، فضلاً عن أن هناك فئة ممن لا يفضلون الطهو فاعتمدوا على المعلبات الغنية بالدهون والسكريات والملح، وهذا ما يؤدي إلى الخمول الذي يسبب البدانة، وهي الخطوة الأولى لقلة المناعة وضيق التنفس".

ختاماً تشدد ريتا محمود على ضرورة الابتعاد عن كل ذلك والالتزام بالأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة والتي تعزز المناعة كالخضار والفواكه، وأيضاً تلك الغنية بالأحماض الأحادية غير المشبعة كالأسماك والمكسرات وزيت الزيتون.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image