ارتدت لندن زينة الأعياد في الموعد المعتاد في كل عام، غير مبالية بقلق المارة بشأن مخاطر الاحتفال والاجتماع بعائلاتهم بينما الفيل لا يزال في الغرفة (تعبير يستخدمه الإنجليز كثيراً هذه الآونة للإشارة إلى أزمة فيروس كورونا).
كذلك لا تعير مدينة الضباب انتباهاً لضيوفها من المهاجرين العرب، البعيدين عن عائلاتهم، ويتحينون إجازات مثل الكريسماس وعيد الميلاد للعودة، والاجتماع بأحبائهم، لكنهم لا يستطيعون إلى ذلك سبيلاً.
تماماً مثل لندن، شدّدت عدد من الدول الأوروبية إجراءات الإغلاق قبيل فترة إجازات عيد نهاية العام، وألغت الاحتفالات المعتادة في الأماكن العامة، في إطار كبح تفشي فيروس كورونا، الذي يواصل انتشاره في القارة العجوز.
الإجازة والحجر الصحي
اعتادت مريم (27 عاماً)، التي تعد درجة الدكتوراه في جامعة برمنغهام البريطانية، قضاء إجازة الكريسماس مع عائلتها في رام الله وسط الضفة الغربية، لكنها اضطرت هذا العام للتخلي عن مخططات العودة بسبب بروتوكولات الحجر الصحي المتوقعة في رحلة ذهابها وإيابها.
تتذكر مريم بكثير من الأسى والحنين الاحتفالات السنوية في رام الله، حيث تقوم مع عائلتها بزيارة بيت لحم أو "مهد المسيح"، تقول: "كل سنة بارجع رام الله للاحتفال مع عائلتي، وأحياناً نزور مهد المسيح، ونتناول العشاء سوياً، ونستمتع بالإجازة، لكن هذا العام إذا رجعت "إلى رام الله" محتاجة استأجر بيت لأسبوعين لقضاء فترة الحجر بعيداً عن عائلتي، وحين عودتي إلى إنجلترا سأحتاج أسبوعين آخرين، سأضيّع الإجازة في الحجر الصحي، لذلك قررت البقاء في لندن".
على رغم إحساسها للتو بافتقاد طقوسها الخاصة وسط عائلتها، فقد قررت الاكتفاء بالاحتفال مع أصدقائها في السكن، وتبادل الهدايا، آملة أن تكون مع عائلتها في العام المقبل.
العودة المستحيلة
من جهة أخرى، لا ينبغي أن نلقي اللوم كاملاً على فيروس كورونا في تعطيل خطط مهاجرين/ات عرب في الدول الغربية للعودة إلى بلادهم/ن لقضاء إجازة عيد الميلاد، فالكثير منهم/نّ لا يملك هذا الخيار ولو مؤقتاً، فقد فروا من بلادهم لأسباب سياسية وأمنية، مثل إيهاب قدري (31 عاماً).
يرغب إيهاب في العودة إلى سوريا التي تأكلها الحرب الأهلية منذ ما يقارب تسع سنوات، فهو لا يستطيع أن يطأ الشام منذ أن غادرها قبل نحو خمس سنوات إلى ألمانيا، فاراً من ملاحقة النظام على خلفية مشاركته في الاحتجاجات السلمية، التي انطلقت شرارتها في آذار/مارس 2011.
"اشتقت للشام، ولكن بلادنا تغيرت ملامحها بسبب الحرب، ولا أستطيع زيارتها لأننا بمجرد أخذ اللجوء في ألمانيا، يخبرونا إنه ممنوع الرجوع لسوريا"
تنقَّل إيهاب بين عدة بلدان عربية مروراً بتركيا قبل أن يستقر في ألمانيا، يقول لرصيف22: "ما باقدر أنزل على سوريا لا بأعياد ولا غيرها، لأنه نحنا بس نأخذ لجوء (في ألمانيا)، بيخبرونا بالمحكمة إنه ممنوع الرجوع إلى سوريا".
ولكن هل يرغب إيهاب حقاً بالعودة إلى سوريا؟ يجيب أنه لا يرغب في ظل استمرار تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
لقد أمست سوريا (حسب قول إيهاب) مكان "خطف وقتل، صارت روح الإنسان بسعر الرصاصة".
تنتاب إيهاب في هذا الوقت من العام مشاعر متناقضة، ومشوشة عن بلده، ومسقط رأسه، وذكرياته هناك، يتنهد قائلاً: "اشتقت للشام، لكن حتى الشام قد تبدّلت ملامحها تحت وطأة الحرب الأهلية، بحيث يصعب معها أن أدرك أي شام غادرت قبل سنوات".
ويشاطره في المشاعر أسامة الذي يقيم في تركيا منذ ما يربو عن ست سنوات، ويشعر أن قلبه محاصر بالقلق والمخاوف عندما يفكر في العودة إلى بلده.
فرّ مما آلت إليه الأحوال الأمنية والسياسية في مصر بعد الانقلاب العسكري.
وهو فر مما آلت إليه الأحوال الأمنية والسياسية في مصر بعد الانقلاب العسكري صيف 2013، وتعرضه للاعتقال السياسي.
منذ رحيل أسامة عن مصر في عام 2014، أصبح التفكير في العودة إلى "أم الدنيا" في الإجازات وغيرها بعيد المنال، إذ يواجه "محاكمة سياسية" هناك، كما يقول لرصيف22.
ويضيف أسامة، الذي يقيم في تركيا: "أغلب المحيطين بي يخشون العودة إلى هناك، حتى الأصدقاء من دول أخرى لا يستطيعون العودة إلى بلادهم أيضاً".
يتمنى أسامة قضاء إجازات آخر السنة في مصر، ولكن الأمر كما يرى غير قابل للتحقق في المستقبل القريب.
تتبع تركيا النمط الأوروبي في احتفالات الكريسماس، ونهاية العام، يقول أسامة، ولكن هذا العام يختلف عما سبقه، إذ يضيف حظر التجوال المفروض لمحاصرة فيروس كورونا عبئاً إضافياً على المغتربين العرب هناك.
"في الأوقات الطبيعية نحتفل مع الأصدقاء في مكان ما، لكن مع الحظر ما في مجال للترفيه، وحنقضي الإجازة في البيت"، يقول أسامة.
"بس لو عنا مطار"
تلوّح مها عمران (28 عاماً) المقيمة في باريس لأصدقائها المسافرين واحداً تلو الآخر، وهم يجرّون حقائبهم خلفهم عائدين لقضاء إجازة الكريسماس مع عائلاتهم، فيما هي لا تستطيع إلى ذلك سبيلاً.
يعود أغلب الطلاب في الدول الأجنبية لقضاء إجازة العيد مع عائلاتهم وأصدقائهم في الوطن، ويخلو سكن الطلاب إلا من هؤلاء الذين لا يملكون ترف العودة إلى بلادهم لأسباب سياسية، مثل عمران (وهي طالبة فلسطينية من قطاع غزة).
"لما باشوف كل الطلاب راجعين يقضوا الإجازة مع الأهل والحبايب، ما عدا الفلسطينية أحس بالحزن، وأردد مع نفسي (ذهب الذين أحبهم، وبقيت مثل السيف فرداً)"
تقول عمران (تتابع الدراسة لنيل درجة الماجستير في جامعة السوربون في باريس) لرصيف22: "لما باشوف كل الطلاب راجعين يقضوا الإجازة مع الأهل والحبايب، ما عدا الفلسطينية أحس بالحزن، مش قادرة أرجع أزور أهلي، فقط أودع جيراني في السكن بدموع بتحرق القلب".
تتأمل عمران السكن وهو فارغ إلا منها، فتردد بينها وبين نفسها بيت شعر يقول: "ذهب الذين أحبهم وبقيت مثل السيف فرداً" .
وتضيف أنها لا تنفك تفكر في العودة إلى أهلها في قطاع غزة، وقضاء الإجازات معهم، وتقول: "تمنيت لو كنا دولة شبه أي دولة طبيعية عندها مطار خاص لتفادي الذل في مطارات الدول المجاورة، في كل مكالمة مع أهلي أكثر جملة بكررها هي (بس لو عنا مطار)". ولأنها لا تستطيع العودة إلى قطاع غزة بسبب المعابر، تعتزم القيام بجولة سياحية في أوروبا، وقد أفشل هذه الخطة أيضاً فيروس كورونا الذي يتفشى في الأرجاء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون