تشهد البلدان العربية التي تنشط فيها إيران، مباشرةً أو عبر وكلائها، سوريا ولبنان والعراق واليمن، انهياراً مروعاً في أسعار العملات الوطنية، وهو ما يمكن اعتباره نتاجاً واضحاً لما يمكن أن يطلق عليه "البصمات السود" للجمهورية الإسلامية التي أفقدت العقوبات الأمريكية اقتصادها القدرة على المقاومة.
العراق
خفّض العراق قيمة عملته المحلية بمقدار الخمس لمواجهة أزمة مالية عميقة نجمت عن انهيار أسعار النفط العالمية وتضخم غير مسبوق في بلد يعتمد على مبيعات النفط لتمويل 90% من ميزانيته.
أعلن البنك المركزي العراقي، في 19 كانون الأول/ ديسمبر، إلغاء سعر الصرف الرسمي، 1،182 دينار عراقي للدولار، وأعاد تحديد السعر الذي سيدفعه البنك المركزي لوزارة المال مقابل الدولار الواحد بـ1،450 دينار عراقي، في عملية تخفيض لقيمة العملة المحلية أكثر من 20%. في غضون ذلك، سيبيع البنك المركزي العراقي الدولار للبنوك المحلية بـ1،460 دينار عراقي.
في حين أن البنك المركزي العراقي مستقل، إلا أن الحكومة هي التي ضغطت لاتخاذ هذا القرار، الذي يعد الأكبر في العراق منذ عام 2003، لمساعدتها في دفع رواتب نحو ثلاثة ملايين موظف حكومي بالعملة الوطنية. علماً أنه يرجح أن يؤدي إضعاف الدينار إلى حدوث المزيد من التضخم.
من الأسباب التي لا يمكن إغفالها في أزمة الدينار العراقي واحتمال تعمقها أكثر فأكثر هو أن العراق يعتمد بشكل أساسي على الواردات لا سيما من تركيا وإيران- أكبر شريكين تجاريين له- وكلتاهما تعانيان تدهوراً في عملتيهما.
انهيار عملات لبنان وسوريا واليمن والعراق مرتبط بأشكال متفاوتة بأجندة إيران التوسعية، فهي تموّل الاحتلال من جيوب المُحتَلين أنفسهم من دون حاجة لضخّ أي مال إيراني
لبنان
في 20 كانون الأول/ ديسمبر، قال محمد الحوت، رئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط، شركة الطيران الوطنية في لبنان، إن الشركة ستتوقف عن قبول مدفوعات بالدولار الأمريكي من ودائع في البنوك المحلية، على أن تتعامل فقط بـ"Fresh Dollar"، أي الدولارات الجديدة المحولة من الخارج والخالية من القيود المصرفية بعدما حجزت المصارف كلّها أموال المودعين. زاد هذا القرار التساؤلات حول القيمة الحقيقية للودائع البالغة 87 مليار دولار والمحتجزة في القطاع المصرفي اللبناني المنكوب: هل تبخّرت تماماً؟
يجعل القرار الذي أعلنه الحوت السفر أمراً باهظ التكلفة بالنسبة للبنانيين الذين يفتقرون إلى الدخل الأجنبي، كما يعد ضربة لبلد يفتخر بصورته التجارية الدولية، ويواجه حالياً مستويات فقر تتجاوز 50% بسبب أزمته الاقتصادية غير المسبوقة.
اعتاد اللبنانيون الإنفاق بالدولار والليرة اللبنانية، و80% من ودائع القطاع الخاص بالدولار الأمريكي وتقدر بنحو 87 مليار دولار، وفق بيانات مصرفية. وتسمح البنوك اللبنانية حالياً بمنح الدولار داخل لبنان عبر شيكات أو لأجل التحويلات الأجنبية الأكثر إلحاحاً فقط، فيما يسمح للعملاء بسحب دولاراتهم نقداً بالليرة اللبنانية، بسعر 3900 ليرة لبنانية على الرغم من أن الدولار الواحد يوازي أكثر من 8000 ليرة لبنانية في السوق السوداء منذ أن فقدت الليرة نحو 80% من قيمتها.
سوريا
تزامناً مع قرينتها اللبنانية، انهارت الليرة السورية، التي وصلت إلى 2.820 مقابل الدولار في تداولات اليوم بعدما كانت مستقرة على سعر 46 ليرة لسنوات طويلة. أسباب كثيرة وراء تدهور العملة السورية، منها ضعف إيران التي لم تعد قادرة على مساعدة النظام السوري، علاوةً على انهيار القطاع المصرفي اللبناني الذي كان له أثر عميق في سوريا كونها تعتمد على القطاع اللبناني بشكل كبير، لا سيما ثقة المدّخر السوري في قطاع المصرفي في لبنان تفوق ثقته بالقطاع السوري.
إضافة إلى جائحة كورونا، سوريا ولبنان واليمن والعراق تواجه كارثة اقتصادية ومالية مرتبطة مباشرة بالسياسة الإيرانية في المنطقة، ولا بادرة أمل لهذه البلاد ما دامت إيران تتحكّم بها
ساهم أيضاً ارتفاع وتيرة الخلاف بين النظام ورامي مخلوف الذي كان يسيطر بشكل كبير على الاقتصاد السوري في زعزعة الثقة بقدرة المؤسسات الدفاع عن العملة المحلية. منذ مطلع العام، صعد سعر الصرف للدولار حوالى 200% بعدما كان في مستهل العام 915 ليرة للدولار.
اليمن
في ظل الانهيار التام للمؤسسات في اليمن، لا سيما القطاع المصرفي، وفقدان الريال اليمني 250% من قيمته منذ بداية الحرب الأهلية نهاية العام 2014 وبداية العام 2015 ليصل إلى 890 ريال لكل دولار، أصبح اليمنيون غير قادرين على توفير ثمن الطعام، هم الذين يعتمدون على الراتب الشهري لشراء حاجاتهم الأساسية فيما البنك المركزي عاجز عن التدخّل.
الخلاف على السلطة بين الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة الحوثي المدعومة من إيران والمسيطرة على الحياة في مناطق عدة من أهم أسباب هذا الانهيار، لا سيما منع هؤلاء الحوثيين من استعمال العملة الجديدة التي طبعتها عدن بهدف تمويل نشاطهم الموالي لإيران.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين