شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
العقوبات الأمريكية على تركيا... ما تأثيرها على نفوذ أنقرة وعلى صناعاتها الدفاعية؟

العقوبات الأمريكية على تركيا... ما تأثيرها على نفوذ أنقرة وعلى صناعاتها الدفاعية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 17 ديسمبر 202008:12 م

من المُرجّح أن تؤدي العقوبات الأمريكية الجديدة ضد تركيا، إثر شرائها أنظمة دفاع جوي روسية، إلى وقوع أضرار جسيمة في صناعة الدفاع التركية المزدهرة، ما لم تتحرك أنقرة للتفاوض مع واشنطن للحد من مدة العقوبات وتأثيرها.

وفاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي تعرّض لانتقادات طويلة بسبب تعامله الناعم مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان أنقرة بإعطاء الضوء الأخضر لوزارة الخارجية، لمعاقبة تركيا على شرائها أنظمة صواريخ أس 400.

وجعل القرار تركيا أول حليف في الناتو يتعرض لعقوبات بموجب قانون مكافحة الدول المعادية لأمريكا، والدولة الثانية بعد الصين التي تُعاقَب على شراء منظومة أس 400، ما يُرسِل إشارة قوية إلى البلدان الأخرى التي أبدت اهتماماً بهذه المنظومة مثل الهند وقطر.

تأثير العقوبات

تشمل العقوبات فرض حظر على تراخيص تصدير أمريكية لرئاسة الصناعات الدفاعية التركية، وهي وكالة حكومية مسؤولة عن المشتريات والصادرات العسكرية وتطوير صناعة الدفاع المحلية، بالإضافة إلى تجميد أصولها وتقييد تأشيرة رئيسها وثلاثة آخرين من كبار المسؤولين الأتراك.

بحسب تقرير نشره موقع "المونيتور" الأمريكي للكاتب والمحلل العسكري التركي ميتين جوركان، ظهرت وجهتا نظر متباينتان في أنقرة حول كيفية تأثير العقوبات على صناعة الدفاع في البلاد.

الأولى، تسود في الأوساط الموالية للحكومة والجناح القومي، والتي تُظهر وجه التحدي لواشنطن. وبحسب وجهة النظر هذه، فإن الأمة ليس لديها ما يدعو للقلق، لأن صناعة الدفاع في تركيا أقوى من أي وقت مضى، والجيش مُجهّز جيداً بفضل التخطيط طويل المدى.

وتعمل وسائل الإعلام الموالية للحكومة بنشاط على نشر هذه الحجج، على الرغم من أن الواقع مختلف قليلاً، حسب جوركان.

وتشير وجهة النظر الأخرى إلى أن العقوبات ستُضر بشدة صناعة الدفاع التركية على المدى المتوسط، ​​لعامين أو ثلاثة أعوام، على الرغم من أن تأثيرها قصير المدى خلال العام المقبل قد يكون محدوداً.

ولا تزال صناعة الدفاع التركية تعتمد على الواردات من الولايات المتحدة، وهو ما يظهر في تقرير صادر عن "رابطة مصنعي صناعة الدفاع والفضاء" عام 2019.

وبلغت مشتريات الصناعة العسكرية التركية من الولايات المتحدة 1.4 مليار دولار، معظمها من المواد الخام والمنتجات شبه المصنعة، وهي تمثل 45٪ من إجمالي وارداتها، والتي بلغت قيمتها 3.1 مليار دولار العام الماضي.

ظهرت وجهتا نظر في أنقرة حول تأثير العقوبات على صناعة الأسلحة في البلاد... الأولى تسود في الأوساط الموالية للحكومة والجناح القومي وتقول إن الأمة ليس لديها ما يدعو للقلق، والثانية تشير إلى أن العقوبات ستُضر بشدة بهذه الصناعة على المدى المتوسط

تُظهر تفاصيل التقرير أن 648 مليون دولار من الواردات كانت موجهة إلى القوات الجوية التركية، و564 مليون دولار للطيران المدني، و107 ملايين دولار للأنظمة الأرضية.

ولا تستهدف العقوبات بشكل مباشر الشركات العسكرية المملوكة للدولة والقطاع الخاص، إذ قال مصدر أمريكي مطلع على القرار لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية إن نطاق العقوبات كان محدوداً لتجنب الإضرار بالعلاقات الواسعة بين الجيشين الأمريكي والتركي.

وقال مصدر دفاعي تركي، من جهته، لموقع "المونيتور" إن العقوبات ستؤثر على ما يقرب من 40٪ من واردات صناعة الدفاع التركية من الولايات المتحدة، ويمكن أن يكون لها تأثيرٌ مدمر إذا استمرت لمدة عامين أو ثلاثة أعوام.

وستكون القوات الجوية والأنظمة الأرضية أكثر المجالات عرضة للخطر، حيث ستؤثر العقوبات على تحديث وصيانة طائراتها المقاتلة من طراز F-16، ومشروع الطائرة المقاتلة التركية الصنع TF-X، كذلك محركات الطائرات المروحية.

وفي ما يتعلق بالأنظمة الأرضية، تُهدّد العقوبات بتقويض الكفاءة التشغيلية للرادارات وأنظمة التحكم في القيادة والعربات المدرعة وغيرها. وكانت القوات الجوية قد تلقت بالفعل ضربة قاسية بعد طرد تركيا من برنامج المقاتلة F-35 العام الماضي، وذلك رداً على شراء منظومة أس 400.

تدير رئاسة الصناعات الدفاعية التركية حوالي 700 مشروع تصل قيمتها إلى 70 مليار ليرة تركية (9 مليارات دولار)، بما في ذلك العديد من المشاريع التي تتضمن تراخيص تصدير.

وتعتمد كثير من هذه المشاريع على مئات الأنظمة الأمريكية الصنع، لذلك فإن العقوبات تُهدّد بخنق صناعة الدفاع التركية على المدى الطويل.

وينقل جوركان عن المصدر التركي أن العقوبات قد تثني دولاً أخرى عن التعاون مع رئاسة الصناعات الدفاعية التركية.

وأشار إلى أن العقوبات ستؤثر على احتياجات تركيا من محركات الدبابات والطائرات التركية بالإضافة إلى سلسلة من المشاريع الوطنية، منها مشروع صناعة مروحية محلية للأغراض العامة T70 والطائرة المقاتلة TF-X وطائرة التدريب HurJet والسفينة القتالية MILGEM، والمروحية الهجومية T129.

وفشلت تركيا مؤخراً في الالتزام بتسليم باكستان طائرات هليكوبتر من طراز T129، بسبب إحجام واشنطن عن إصدار تراخيص تسمح لأنقرة باستخدام مكونات أمريكية في المروحية، وتحديداً المحركات.

حلول مقترحة للالتفاف على العقوبات

يطرح البعض في أنقرة حلولاً للالتفاف على العقوبات من خلال عمل تعديل قانوني لنقل بعض المشاريع مرة أخرى إلى إدارة المشتريات الخارجية في وزارة الدفاع، والتي كانت مسؤولة عنها بالفعل قبل نقلها إلى رئاسة الدفاعات العسكرية مؤخراً.

برأي جوركان، قد تؤدي هذه الخطوة إلى اتخاذ إجراءات أمريكية إضافية، تمس وزارة الدفاع التركية مباشرة.

ومع ذلك، يرى جوركان أن العقوبات الأمريكية قد تُحوّل هذه الأزمة إلى فرصة، فيمكن لتركيا تطوير استراتيجية صناعة باقي المكونات محلياً على المدى الطويل.

ويُحذّر أن أسوأ السيناريوهات سيكون استمرار العقوبات في ظل إدارة جو بايدن القادمة ما يؤدي لتشويه سمعة صناعة الدفاع التركية إلى حد كبير في غضون عامين، في ظل معاناة كبيرة للحفاظ على نموها ولأن تكون قادرة على المنافسة عالمياً.

"بايدن سيكون أكثر حزماً مع تركيا من الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، والعقوبات ستكون البداية"... لحل أزمة العقوبات، قد تتراجع تركيا وتستجيب لدعوات الولايات المتحدة بإزالة أنظمة أس 400، وتأجيرها إلى دولة أخرى مثل أذربيجان أو قطر أو أوكرانيا

ويرى منتقدو حكومة أردوغان أن هناك فرصة ضئيلة لاستراتيجية سليمة لتقليل تداعيات العقوبات، مقتنعين بأن التفكير العقلاني قد انتهى منذ فترة طويلة في أنقرة.

علاوة على ذلك، لا يمكن استبعاد المزيد من العقوبات في ظل إدارة بايدن ويمكن للاتحاد الأوروبي أن يحذو حذوها.

وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الأسبوع الماضي، إن الاتحاد الأوروبي يريد مناقشة صادرات الأسلحة إلى تركيا مع حلفاء الناتو وتنسيق إجراءاته مع إدارة بايدن بسبب الخلاف التركي مع اليونان وقبرص، لكنهم أرجأوا أي إجراءات أكثر صرامة حتى آذار/مارس المقبل.

تخطي الأزمة

لحل الأزمة، قد تتراجع تركيا وتستجيب لدعوات الولايات المتحدة بإزالة أنظمة أس 400، وتأجيرها إلى دولة أخرى مثل أذربيجان أو قطر أو أوكرانيا.

ومع ذلك، يستبعد جوركان هذا الخيار في الوقت الحاضر، مشيراً إلى أن تركيا والولايات المتحدة قد تتفقان على وسيلة تقنية وسطية مثل تعهد تركيا بعدم استخدام الأنظمة، مدعومة بالمراقبة المباشرة أو عبر الأقمار الصناعية.

وضغطت أنقرة بشدة من أجل هذه الصيغة خلال العام الماضي، لكن لا الولايات المتحدة ولا الناتو أذعنا لها.

وهناك خيار ثالث يتمثل بأن تشتري الولايات المتحدة صواريخ أس 400، لكن عقد تركيا مع روسيا يحظر بيع الأنظمة لأطراف ثالثة.

والخيار الرابع قد يكون بتعهد تركيا بعدم تفعيل المنظومة، مع موافقة واشنطن على أن تستخدم تركيا هذه الأسلحة فقط في حالات طوارئ محدودة للغاية.

ويرى الكاتب الإسرائيلي تسفي برئيل أن جو بايدن سيكون أكثر حزماً مع تركيا من الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، مشيراً إلى أن هذه العقوبات ستكون البداية.

رد تركيا

في رد فعلها الأولي على العقوبات، قالت أنقرة إنها "مستعدة لحل هذه القضية من خلال الحوار والدبلوماسية"، لكنها هدّدت بـ"الانتقام بالطريقة والتوقيت الذي تراه مناسباً".

يمكن أن يتراوح رد أنقرة على العقوبات الحالية وأي عقوبات أخرى بين إجراءات رمزية أو معتدلة والتي قد تشمل تحركات تصعيدية مثل تفعيل المنظومة، وإغلاق القاعدة العسكرية الأمريكية في جنوب تركيا إنجرليك أو تعطيل محطة رادار الإنذار المبكر التابعة لحلف الناتو في شرق البلاد.

في تحليل للأزمة، قال الكاتب الأمريكي نيك دانفورث، في تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إنه حان الوقت كي يتم السماح لتركيا بأن تغادر، مشيراً إلى أن حل الأزمة سيكون برحيل أردوغان من الحكم.

وقال الكاتب الأمريكي إن التحدي الذي يواجه بايدن هو تقليل الضرر الذي يمكن أن تلحقه تركيا بالمصالح الأمريكية دون إثارة صراعات جديدة أو منع إمكانية التعاون في المستقبل.

ولفت إلى أن واشنطن يجب أن تكون واضحة بشأن دور تركيا في السياسة الخارجية الأمريكية، وكذلك بشأن دورها في السياسة الداخلية التركية.

وفي محاولة لفهم جذور الأزمة، قال دانفورث إن هناك عدة تفسيرات حول سبب اتخاذ تركيا نهجاً أكثر عداءاً تجاه الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الآخرين في السنوات الأخيرة، منها أن أردوغان يجني فوائد سياسية محلية من موقفه العدواني والمعادي للغرب، لا سيما الآن بعد أن دخل في تحالف انتخابي مع حزب الحركة القومية المتطرف.

ويشير آخرون إلى دور أيديولوجية أردوغان الإسلامية وتطلعاته إلى قيادة العالم الإسلامي، كذلك دعم واشنطن للمقاتلين الأكراد السوريين ورفضها تسليم الداعية التركي فتح الله غولن إلى تركيا.

بحسب دانفورث، يواجه صانعو السياسة في الولايات المتحدة تحدياً طويل المدى في دحض الافتراضات التي تقود السياسة التركية، مشيراً إلى أن واشنطن عليها الاستمرار في الضغط الدائم حتى تدرك أنقرة أن استعداء حلفائها السابقين له عواقب.

ونوّه الكاتب الأمريكي إلى أن البعض في واشنطن خلص إلى أن التعاون الحقيقي مع تركيا لن يكون ممكناً إلا بمجرد مغادرة أردوغان منصبه، وذلك على أمل أن تكون المعارضة الممثلة في حزب الشعب الجمهوري بديلاً له.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image