في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تم اختطاف المعارض الأحوازي حبيب أسيود من مدينة إسطنبول التركية، في جريمة عززت الحديث عن تحول تركيا إلى مسرح للعمليات الاستخباراتية الإيرانية.
بموازاة ذلك حُكي عن أن العديد من المتورطين وعناصر الخلايا الاستخباراتية الإيرانية في تركيا فروا من العدالة على يد مسؤولين مقربين من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وتُظهر الحوادث المتتالية أن تركيا التي أصبحت مركزاً لإيواء المعارضين في المنطقة قد تكون دولة غير آمنة في مواجهة أجهزة الاستخبارات الإقليمية.
استدراج حبيب شعب
قال مسؤول تركي إن وكالة الاستخبارات التركية كشفت غموض حادث اختفاء حبيب أسيود، المعروف باسم حبيب شعب، مشيراً إلى أن الأخير تم استدراجه إلى تركيا من قبل امرأة، وتم تخديره وخطفه عندما ذهب لمقابلتها.
وأكد المسؤول التركي أن شعب تم تهريبه عبر الحدود إلى إيران، مؤكداً أن مهرب مخدرات سيء السمعة نفذ هذه العملية بأمر من الاستخبارات الإيرانية.
واعتقلت تركيا في الأيام الأخيرة عدة أشخاص قالت إنهم على صلة بخطف شعب، وذلك بحسب المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته.
وفي تصريحات لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، في 13 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، قال فؤاد الكعبي وهو صديق شعب إن تركيا أصبحت "فناءاً خلفياً" لعملاء الاستخبارات الإيرانية.
في تفاصيل اختطاف شعب، كشف التحقيق التركي أن المعارض لإيران كان قد سافر من السويد إلى إسطنبول، في 9 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لمقابلة امرأة يشار إليها باسم صابرين س وصلت إلى إسطنبول بجواز سفر إيراني مزور.
في اليوم الذي وصل فيه، توجه شعب للقاء صابرين في محطة وقود، حيث كانت تنتظره في شاحنة، بينما اشترى عدد من أعضاء فريق الخطف ربطات عنق بلاستيكية من متجر لأجهزة الكمبيوتر في إسطنبول.
وبمجرد وصوله، تم تخدير المعارض البارز وتقييد يديه وقدميه ثم نقله إلى مقاطعة فان شرقي تركيا، حيث تم تسليمه إلى مهرب بشر لنقله عبر الحدود في اليوم التالي، وهو اليوم الذي عادت فيه صابرين أيضاً إلى إيران.
وعلى خلفية الحادث، أعلن ضباط من الاستخبارات والشرطة التركية اعتقال 11 رجلاً، جميعهم من المواطنين الأتراك بتهم تشمل "استخدام أسلحة لحرمان فرد من حريته عن طريق الخداع ". أما المهرب والذي يُدعى زندشتي ما زال طليقاً ويعتقد أنه موجود في إيران.
وذكرت الصحيفة الأمريكية أن الخطة الاولية كانت تنص على خطف شعب في قطر، مشيرة إلى أن المعارض الأحوازي كان يعاني من أزمة مالية، وأقرضته صابرين 100 ألف يورو وكان يحتاج إلى قرض آخر.
قال مسؤول تركي إن وكالة الاستخبارات التركية كشفت غموض حادث اختفاء المعارض الأحوازي حبيب أسيود، المعروف باسم حبيب شعب، مشيراً إلى أن الأخير تم استدراجه إلى تركيا من قبل امرأة وتم تخديره وخطفه... حادثة سلطت الضوء مجدداً على تحرك الاستخبارات الإيرانية في تركيا
تُذكّر هذه الحادثة بجريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول قبل عامين على يد الاستخبارات السعودية، وهي أحد أشهر العمليات الاستخباراتية الأجنبية التي نُظمت في تركيا التي أصبحت مركزاً لإيواء المعارضين الإقليميين.
وتتشابه حادثة اختطاف شعب مع عملية أخرى نفذتها إيران وهي اختطاف الصحافي روح الله زام الذي كان يعيش في المنفى في فرنسا، لكنه اختفى بعد استدراجه إلى العراق العام الماضي. جرى الإعلان عن إعدام زام لاحقاً بعد إدانته بتهمة التحريض على العنف خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة عام 2017.
في عام 2017، قُتل قطب إعلامي إيراني حُكم عليه بالسجن غيابياً في إيران في إطلاق نار من سيارة مسرعة في إسطنبول، في جريمة قيل إن مساعد زندشتي نفذها.
وفي العام الماضي، قُتل مسعود مولاوي فاردانجاني، المسؤول العسكري الإيراني السابق الذي انشق عن النظام الإيراني، برصاصة في إسطنبول، في عملية قال مسؤولون أتراك إن ضباط استخبارات يعملون في القنصلية الإيرانية نفذوها.
خلايا إيران في تركيا
في 6 تموز/ يوليو عام 2013، دخل إيراني من أصل أذربيجاني اسمه حسن فراجي غوتلو الذي جندته إيران كعنصر تجسس في تركيا وأذربيجان، إلى مركز للشرطة في إسطنبول، حيث كشف معلومات عن خلايا الحرس الثوري الإيراني في تركيا.
قال غوتلو وقتها إن لديه معلومات مهمة يريد أن يشاركها مع السلطات التركية، إذ أخبر المحققين في وحدة مكافحة الإرهاب أنه شعر بالإحباط من العمل لصالح الحرس الثوري الإيراني، ويريد أن يفضح العمليات الإيرانية السرية.
وبحسب معلوماته، فإن الحرس الثوري يجند غالياً إيرانيين، لكن في بعض الأحيان يستأجر أذريين، مشيراً إلى أنه تم تجنيده عام 2010، وبدأ العمل في قسم خاص بتركيا إلى جانب إيراني آخر من أصل أذربيجاني اسمه سيافوش ساتاري.
في زيارته الأولى لتركيا، في كانون الثاني/يناير عام 2013، وصل إلى إسطنبول كرجل أعمال، وأُمر بالذهاب إلى عنوان محدد في مرسين للقاء شخص يدعى سلجوق، وهو قبرصي تركي، أعطاه طرداً مختوماً يعتقد أنه يحتوي على صور وخرائط ووثائق أخرى عن إسرائيل، وقام بعدها بإرسالها إلى إيران.
في زيارته الثانية، في 2 آذار/ مارس من العام نفسه، استخدم غوتلو الحدود البرية لدخول تركيا وتوجه إلى مدينة سامسون للقاء عملاء الحرس الثوري الذين يعملون بشكل سري، حيث حمل معلومات استخباراتية حول طرق آمنة لنقل الأسلحة من روسيا إلى سوريا عبر تركيا.
وعاد مرة أخرى إلى تركيا في 12 نيسان/أبريل لمقابلة رجل يدعى حسين محسن في مركز تجاري في إسطنبول.
كشف غوتلو أيضاً عن تفاصيل أخرى مثيرة للاهتمام حول خلية تجسس إيرانية تم الكشف عنها عام 2011، إذ تعرف على بعض أفرادها من الصور المنشورة وأكد أنهم عملوا بالفعل مع الحرس الثوري الإيراني.
وكشفت السلطات التركية أن أعضاء الخلية جمعوا معلومات حول أمن الدولة في تركيا مثل المواقع العسكرية وعدد القوات المنتشرة.
في حملة أخرى على شبكة تجسس إيرانية، أمر المدعون الأتراك باحتجاز ستة عملاء إيرانيين مع ستة من المتاجرين بالبشر في 12 آب/ أغسطس عام 2012، بتهمة استهداف عدد من العسكريين والسياسيين حيث تم ضبط العديد من الأقراص المدمجة تظهر بيروقراطيين محليين ومسؤولين مع "مومسات".
وكشف الإدعاء التركي أن العديد من هؤلاء الأشخاص تعرضوا للابتزاز لإجبارهم على تسريب معلومات سرية حيوية عن الأمن القومي مثل صور المباني العامة وخطط طرق القوافل العسكرية والإحداثيات التفصيلية للمواقع العسكرية القريبة من الحدود، وتم تصنيف بعض الوثائق التي تم الحصول عليها من المشتبه بهم على أنها سرية للغاية.
تتشابه حادثة اختطاف المعارض الأحوازي حبيب أسيود بعد استدراجه إلى تركيا مع عملية أخرى نفذتها إيران كذلك وهي اختطاف الصحافي روح الله زام بعد استدراجه إلى العراق العام الماضي... حوادث عدة جرت خلال السنوات الماضية أثارت الجدل حول ما تقوم به الاستخبارات الإيرانية في تركيا
وكشف الجاسوس الايراني المنشق أن الحرس الثوري الإيراني وظف جندياً في قاعدة إنجرليك الجوية حيث تم نشر القوات الأمريكية وقوات الناتو، وأن إيران كانت تتلقى معلومات من هذا الجاسوس.
في عام 2014، تولى المدعي العام الجديد عرفان فيدان، وهو إسلامي مقرب من إيران، التحقيق في القضايا التي تتعلق بالتجسس لصالح إيران، وأسقط كل التهم، وأغلق القضية وأبعد جميع المشتبه بهم عن القضية، وسُمح لكل الجواسيس الإيرانيين بالفرار.
واتُهم المدعون العامون ورؤساء الشرطة الذين حققوا مع خلايا فيلق القدس لسنوات، وكذلك القضاة الذين صرّحوا بأوامر مثل التنصت والمراقبة، في التحقيقات بمحاولة الإطاحة بالحكومة.
بالعودة إلى تقرير "واشنطن بوست"، فقد تحدث عن أن المهرب الذي شارك في خطف شعب كان قد سُجن في نيسان/ أبريل عام 2018، لكن أطلق سراحه بعد ستة أشهر فحسب.
وذكرت الصحيفة أن إطلاق سراحه المبكر أثار فضيحة في تركيا، بعد نشر مزاعم عن تدخل برهان كوزو، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان آنذاك، في القضية. وكان كوزو الذي توفي في وقت سابق هذا العام بعد إصابته بفيروس كورونا قد نفى هذه الاتهامات.
ينحدر زندشتي من منطقة أورومية في غرب إيران، وسُجن عندما كان شاباً بتهم تتعلق بالمخدرات، ثم هرب لاحقاً من سجن إيفين سيئ السمعة في طهران، وفر إلى الخارج عندما كان في العشرين من عمره، وفقًا لتيمور سويكان، مؤلف كتاب "معركة البارونات". ويكشف الكتاب الذي صدر مؤخراً باللغة التركية عن حرب بين زعماء عصابات المخدرات، مشيراً إلى علاقة زندشتي بالحكومة الإيرانية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...