في أحدث اتهام لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بمحاولة اغتيال و/ أو إسكات منتقديه في الغرب، أشارت تقارير إلى تعرض اثنين من الأصوات المعارضة للسياسات السعودية في أوروبا لتهديدات بالقتل في فترات متزامنة عام 2018؛ الفارسة السعودية والناشطة المقيمة في لندن علياء الحويطي، والصحافي والناشط الحقوقي الفلسطيني الأصل المقيم في النرويج إياد البغدادي.
يضاف هذا إلى اتهام العديد من أجهزة الاستخبارات الغربية لـMBS بإعطاء أمر قتل الصحافي المعارض جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول مطلع تشرين الأول/ أكتوبر عام 2018. تقاضي خطيبة خاشقجي التركي خديجة جنكيز بن سلمان حالياً على خلفية هذه الجريمة في أمريكا.
وذلك علاوةً على إرسال "فرقة موت" من 15 شخصاً -تحمل اسم "فرقة النمر"- في 15 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2018، إلى كندا بتأشيرات سياحية لاغتيال المسؤول البارز السابق في الاستخبارات السعودية سعد الجبري (61 عاماً)، وفق دعوى مقدمة إلى محكمة أمريكية من الجبري.
في 15 كانون الأول/ ديسمبر، كشفت صحيفة داغبلادت (Dagbladet)، سادسة كبرى الصحف النرويجية انتشاراً، نقلاً عن مصادر أمنية ودبلوماسية عديدة في البلاد، أن النرويج تلقت طلباً "غير معتاد" من الحكومة السعودية مطلع صيف عام 2018، أثار مخاوفها على سلامة البغدادي.
تعلق الطلب بسعي السفارة السعودية في النرويج إلى نشر فريق أمني من 10 رجال في مهمة رسمية إلى البلد الأوروبي، على أن يتم تسجيلهم كـ"دبلوماسيين". وهو ما كان من شأنه أن يمنحهم مجالاً واسعاً للمناورة في النرويج تحت غطاء الحصانة الدبلوماسية.
عام 2018، سعت السعودية إلى إرسال فريق أمني من 10 رجال إلى سفارتها في النرويج مع منحهم صفة "دبلوماسيين" ليكونوا بمأمن من العقاب لدى ارتكاب أي جريمة… الآن اتضح الهدف: إياد البغدادي الذي فضح دور بن سلمان في اختراق هاتف جيف بيزوس
ما الذي أثار الشكوك؟
شكّت وزارة الخارجية النرويجية في الطلب السعودي، وأبلغت جهاز الشرطة النرويجي (PST) الذي أبلغ بدوره البغدادي (43 عاماً) بالحادثة. يقيم البغدادي في النرويج حيث حصل على اللجوء السياسي عام 2015 عقب اعتقاله في الإمارات حيث كان يعيش وتهديده: إما السجن أو الترحيل الفوري.
شرحت مصادر "داغبلادت " الشكوك التي أثارها الطلب السعودي وأبرزها أن منح حراس الأمن الحصانة الدبلوماسية عبر تسجيلهم في قائمة الدبلوماسيين الرسمية لم يكن معتاداً. تخول الصفة الدبلوماسية للأشخاص في النرويج الحصول على ما يسمى بـ "تأشيرة D" أي الحصانة الدبلوماسية التي من فوائدها العديدة أن الدولة المضيفة لا يمكنها القبض على الشخص أو محاكمته إذا ارتكب جريمة.
الأمر المثير الآخر هو أن العدد المطلوب اعتماده كان يمثل زيادة كبيرة بشكل غير متناسب مع عدد الدبلوماسيين العاملين في السفارة السعودية آنذاك، 18 شخصاً فقط، أي محاولة لمضاعفة العدد من فئة "حراس الأمن" فقط. كان يمكن أن تمر هذه الزيادة لولا أن الزيادة الكبيرة في عدد موظفي الأمن لا تعكس ما يتعلق بمستوى النشاط في السفارة، وهو ما ردت به السلطات النرويجية على الطلب السعودي.
في وقت لاحق، وعقب اغتيال خاشقجي الذي كان على اتصال بالبغدادي وكانا قد بدآ التخطيط للعمل معاً، ربط مسؤولو الأمن النرويجي الحادثة التي نفذت داخل قنصلية سعودية بالطلب السعودي.
أكد جوري سولبرغ، المتحدث باسم وزارة الخارجية في النرويج، للصحيفة بشأن الطلب السعودي، مبرزاً أن الرجال الذين وصلوا البلاد في تموز/ يوليو عام 2018، جرى تسجيل تسعة منهم كـ"إداريين وتقنيين"، فيما الأخير حصل على صفة دبلوماسي بناءً على دوره ومسؤولياته. يعمل هذا الأخير حالياً رئيساً للأمن في السفارة السعودية، وفقاً لمصادر الصحيفة النرويجية. وهو مُدرج رسمياً في القائمة الدبلوماسية لوزارة الخارجية كـ"ملحق".
"نيوم هو طفل بن سلمان الذي لا يريد أن ينتقده أحد"... السعودية علياء الحويطي تكشف تعرضها لوقائع تهديد وضغط مماثلة لما تعرضت له غادة عويس للتوقف عن انتقاد الحكومة السعودية، علاوةً على استخدام الوليد بن طلال لإغرائها بالعودة
سبب الاستهداف: بيزوس وخاشقجي
وكانت "الغارديان" قد كشفت للمرة الأولى عن إبلاغ الاستخبارات النرويجية للبغدادي بشأن "خطر محتمل مصدره طرف غير محدد في المملكة" في أيار/ مايو من العام الماضي. آنذاك أوضح هو: "ما فهمته هو أني في مرمى الهدف السعودي".
حالياً، يعيش البغدادي في شقة صغيرة مع محتويات محدودة ليسهل عليه التنقل بشكل مستمر مع القليل من أدوات المائدة وبعض الملابس وأجهزة الكمبيوتر ذات التشفير الشديد. وتشرف شرطة منطقة أوسلو على أمنه.
وتلفت الصحيفة إلى أن الناشط العربي الذي برز صوتاً مؤثراً إبان ثورات الربيع العربي عام 2011، كان قد التقى صديقه خاشقجي في أوسلو ورتبا للعمل معاً في وقت متزامن مع الطلب السعودي باعتماد حراس أمن كدبلوماسيين. غير أن التكهنات تشير إلى أن الاستهداف السعودي للبغدادي قد يكون مرتبطاً أيضاً بالدور الذي لعبه في فضح دور بن سلمان المزعوم في اختراق هاتف جيف بيزوس، مالك أمازون وواشنطن بوست.
مع ذلك، فهو يشير: "في ذلك الوقت، كانت السعودية مهووسة بجمال خاشقجي تماماً. أنا متأكد أن الناس كانوا يراقبونه، وكنت معه طوال الوقت. إذا أرسلوا فريقاً، فسأفترض أنه كان لمعرفة ما يجري بيني وبين خاشقجي. تحدثنا عن الاجتماع مرة أخرى والقيام بمشاريع معاً".
أخبر البغدادي "داغبلادت" أن PST قال له إن السلطات النرويجية أبلغت الحكومة السعودية بأن تبقى بعيدةً عنه. لكنه أكد أنه لا يزال يخشى على سلامته، خاصةً مع اختراق هاتفه في أيار/ مايو وحزيران/ يونيو عام 2019.
الأسلوب نفسه استخدم في كل مرة: اختراق هواتف ونشر صور خاصة وتهديدات بالقتل وإغراءات للعودة وإرسال فرق اغتيال بالخارج… تايم لاين للجرائم والانتهاكات المزعومة لبن سلمان عام 2018 فقط
علياء الحويطي: أرسلوا لي صور منشار
وفيما يعتقد أن خاشقجي قد جرى تقطيع جثته بواسطة منشار قبل حرقها لطمس معالم الجريمة، كشفت علياء الحويطي، في تقرير نشرته الصحيفة النرويجية أيضاً، في 16 كانون الأول/ ديسمبر، أن من التهديدات العديدة التي تلقتها "صورة منشار".
تمتعت علياء بشهرة في بلدها منذ عام 1996 لبراعتها في مجال الفروسية. في إطار محاولة البلد المحافظ استغلالها لتبييض صورته في الغرب، بدأت العمل لدى السفارة السعودية في لندن منذ عام 2011. لكنها تعرضت للتهديد والتخويف عقب رفضها الإشادة بالحرب التي تقودها السعودية في اليمن بالإضافة إلى انتقادها سياسات أخرى.
في تموز/ يوليو عام 2018، تعرضت علياء للاحتجاز داخل السفارة نحو ساعتين من قبل ستة رجال بمن فيهم السفير لحذف تغريدات لها عبر تويتر. لم يُخلَ سبيلها إلا عقب التظاهر بالاستسلام والتعهد بحذف التغريدات المنتقدة والتوقف عن انتقاد النظام.
عقب خروجها، لم تلتزم علياء ما وعدت به وتصاعد الصراع مع السفارة التي غيرت وظائفها مراراً إلى وظائف أصغر مع رواتب أقل، بموازاة سعي إلى إغرائها بالعودة إلى المملكة من أشخاص ذوي نفوذ في البلاد، أبرزهم الأمير الوليد بن طلال، أحد أغنى رجال المملكة، الذي رعاها وهي فارسة. لم يكن الوليد يهدد بل كانت نبرته ودودة وكان يطلب من علياء العودة للعمل في إسطبلاته وتدريب خيوله داخل البلاد، واعداً بأن "كل شيء جاهز 100%". قال الجبري إن ولي العهد اتبع معه نفس أسلوب الإغراء لإعادته طوعاً إلى البلاد قبل إرسال فريق لاغتياله.
فيما لم تنجح محاولات إغرائها، كانت علياء تتلقى بانتظام رسائل تهديد عبر واتساب وتويتر بـ"إلقاء الأسيد على وجهي" و"القتل في حادث سيارة" و"الاختطاف" و"إطلاق النار عليّا" و"أرسلوا لي صور منشار". في حادثة منفصلة، تلقت علياء اتصالاً من المملكة مع رسالة تحذير بأن رجلين غادرا البلاد على متن طائرة متجهة إلى لندن مع عبوة سم بهدف قتلها دون أن تظهر شبهة جنائية للوفاة.
عقب تلقيها الرسالة، غردت علياء عن الأمر، وعلمت لاحقاً أن السعوديين يسعون إلى معرفة المصدر الذي أبلغها المعلومة السرية. تمثل علياء صوت قبيلة الحويطات التي تنتمي إليها وهي لا تكف بالمطالبة عن حقها المشروع في البقاء على أرضها التي يخطط الأمير محمد إلى إنشاء مشروعه الضخم "نيوم" عليها عقب طرد أهلها.
عن سبب استهداف السلطات السعودية لها، قالت علياء لـ"داغبلادت": "وجهت حملة ضد مشروع نيوم - بما في ذلك على تويتر. بهدف خلق الوعي بالجريمة التي يتم ارتكابها لكي يصبح المشروع حقيقة واقعة. لقد قمت بنشر مقطع فيديو لشخص قتل وأجرت بي بي سي وبلومبرغ مقابلات معي لتسليط الضوء على الأمر. نيوم هي طفل بن سلمان الذي لا يريد أن ينتقده أحد".
عبر تويتر، قال البغدادي الذي تجمعه علاقة صداقة بعلياء، إنها لا تزال تتلقى التهديدات بالقتل بانتظام بعد مرور عامين. ونبّه إلى تعرض علياء لاختراق هاتفها وقرصنة حساباتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتداول صور خاصة لها عبر حسابات "التضليل السعودية المأجورة"، مشبهاً ذلك بما تعرضت له الصحافية في قناة الجزيرة غادة عويس التي تقاضي بن سلمان أمام محكمة أمريكية حالياً للادعاءات نفسها.
وفي محاولة لرسم "تايم لاين" للجرائم والانتهاكات المتصلة بنشاط الحكومة السعودية ضد منتقديها في الخارج عام 2018، أوضح البغدادي:
-في أيار/ مايو 2018: زار خاشقجي النرويج وبدأنا شراكة عمل. بالإضافة إلى اعتقال لجين الهذلول وناشطات حقوق المرأة في السعودية.
ناشط آخر كان على صلة بخاشقجي تلقى في وقت سابق من هذا العام تحذيرات أمنية بوجود محاولة جادة لاستهدافه في كندا حيث يعيش، وهو عمر عبدالعزيز (29 عاماً).
-حزيران/ يونيو 2018: تعرض عدد من الناشطين/ ات لقرصنة هواتفهم/ ن. ومحاولة إغراء علياء للعودة إلى المملكة.
-تموز/ يوليو 2018: طلب السعودية إرسال فريق أمني إلى النرويج مع غطاء دبلوماسي. وتهديد علياء داخل السفارة السعودية بلندن.
-تشرين الأول/ أكتوبر 2018: اغتيال خاشقجي.
رداً على طلب "داغبلادت" التعليق على المزاعم، أعادت السفارة السعودية في النرويج إرسال البيان الصحافي الذي ردت به على المزاعم باستهداف البغدادي في العام الماضي، منتقدةً الاتهامات "الملفقة والكاذبة" التي رأت أن هدفها إهانة السعودية. ولم تعلق السفارة في لندن على الادعاءات بشأن علياء.
تجدر الإشارة إلى ناشط آخر كان على صلة بخاشقجي تلقى في وقت سابق من هذا العام تحذيرات أمنية بوجود محاولة جادة لاستهدافه في كندا حيث يعيش، وهو عمر عبدالعزيز (29 عاماً). وقبل أيام، أعلن عمر اعتزامه رفع دعوى مماثلة للجبري ضد بن سلمان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...