شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
“أمك طنغو“... اللجوء لـ“الإلهة الأنثى” في تونس حتى ينزل المطر

“أمك طنغو“... اللجوء لـ“الإلهة الأنثى” في تونس حتى ينزل المطر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 25 نوفمبر 202003:29 م

في أحد أحياء مدينة مكثر التابعة لمحافظة سليانة، شمال غربي تونس، يقف الأطفال في طابور ينتظرون حضور عروس المطر أو "أمك طنغو" للطواف بها في الأحياء وأرجاء الحقول الشاسعة لطلب المطر من الله.

داخل المنازل ينهمك النسوة في تحضير "أمك طنغو"، وتزيينها بملابس ملونة، تبعث على البهجة والفرح، إذ يقمن بربط مجموعة من العصيّ على شكل صليب، ثم يُلبسونها، ويضعون غطاءً على رأسها، كأنها عروس في يوم زفافها.

بعد ذلك، يحمل الأطفال "عروس المطر" ليجوبوا بها الأحياء، وهم يردّدون مجموعة من الأغاني، مثل: "أمك طنغو شهلولة، إن شاء الله تروحي مبلولة، قايمة يا قايمة إن شاء الله تروح عايمة"، وكلما مروا بمنزل، خرج أحد أفراده ليصب القليل من الماء، وذلك للتقرب من الله، وطلب رحمته.

يسير الأطفال في موكب الاستسقاء بسعادة وفخر، وهم يحملون "أمك طنغو"، ويرددون الطقوس والكلمات التي لقنهم إياها الكبار لنزول الأمطار، ويقع الاختيار عليهم لتنفيذ هذا الطقس، باعتبار أن الأطفال هم أحباء الله، والأكثر طهراً وبراءة لمخاطبته، وطلب الغيث النافع منه.

ترتبط "أمك طنغو" أو "أمك تانغو" في المخيال الشعبي المغاربي بأنها أنثى المطر، وترمز تاريخياً إلى الإلهة القرطاجية "تانيت"، التي حكمت إلى جانب بعل آمون كبير الآلهة، وهي حامية مدينة قرطاج، وترمز إلى الخصوبة، والرخاء، والأمومة وازدهار الحياة، بحسب الباحث التاريخي عبد الستار عمامو.

ويتألف رمز "تانيت" المكتشف في عدة مناطق أثرية، خصوصاً في دول المغرب العربي، من 3 أجزاء: مثلث يرمز إلى الجسم، تعلوه دائرة ترمز إلى الرأس، ويفصلهما خط أفقي، ويعطي هذا الرمز شكل امرأة بطريقة بسيطة وواضحة.

 "كثيرون يعتقدون أن "أمك طنغو" مجرد خرافة تنبع من الجهل والشرك بالله، لكننا نرى أنها تنقذنا في كل مرة من الجفاف القاتل، هي عادة ورثناها، ونؤمن بها، ونسعى للحفاظ عليها مستقبلاً"

وبحسب عمامو، فإن هذه الإلهة كانت تحمل الأمطار النافعة، فبقيت حاضرة حتى اليوم في طقوس طلب المطر مع تغيير الاسم من "تانيت" إلى "طنغو"، ولا تزال هذه العادة في عدة محافظات تونسية، خصوصاً المناطق الزراعية التي تحتاج إلى وفرة المياه، في حين تختلف كلمات الأغاني المرددة خلال هذه الطقوس من مدينة إلى أخرى.

في محافظات الجنوب ينشد الأطفال أثناء الطواف بعروس المطر "أمك طنغو ياللا ... صبي الغيث إن شاء الله"، وفي مدن الساحل: "أمك طغنو بسخايبها...طلب ربي لا يخيبها"، وتسمى في الجزائر بالدمية، في حين يطلق عليها باللغة الأمازيغية اسم "تاسليت أونزار".

عروس المطر وطبخ الكسكس

تقول الخالة زَهرة (51 عاماً) لرصيف22: "أمك طنغو هي عروس المطر المباركة التي تنقذنا عند مواسم الجفاف وانحباس الأمطار، فهي وسيلتنا للتقرب من الله وطلب المطر والاستسقاء ولإنقاذ محاصيلنا الزراعية من التلف والعطش".

تتذكر زهرة، وهي تسكن في محافظة سليانة، فترات جفاف طويلة أثناء طفولتها، فتنشد أغنية "أمك طنغو" فيما والدتها تتعاون مع نسوة الحي على تحضير العروس، وذلك من خلال تناول عصا طويلة، ولفها بالملابس، لتصبح جاهزة للطواف.

تقول زهرة: "اليوم نحاول ترسيخ هذه العادة لدى أطفالنا".

تشرح زهرة أكثر هذا الطقس الاحتفالي، قائلة: "يجتمع الأطفال في وسط القرية، يستلمون هيكل "أمك طنغو"، ثم يبدؤون الطواف بها بين المنازل، يقفون بين المنزل والآخر لجمع الخضروات، واللحوم، والغلال، وتنتهي رحلة طوافهم عند آخر منزل في القرية، وهناك يقع طبخ الكسكس، وتوزيعه على الأطفال، كأنها وديعة للتقرب من الله لقبول طواف الصغار".

تقاطعها أختها الخالة لطيفة (54 عاماً) مشددة على بركة هذا الطقس، قائلة: "كلما خرجنا للطواف بـ"أمك طنغو" بين المنازل والحقول لا ينتهي ذلك اليوم إلا وقد نزلت الأمطار، وارتوت الأرض، والمحاصيل الزراعية".

"أمك طنغو هي التي تنقذنا في كل مرة".

وتتابع لطيفة: "كثيرون يعتقدون أن هذه العادة مجرد خرافة تنبع من الجهل والشرك بالله، لكننا نرى أن "أمك طنغو" هي التي تنقذنا في كل مرة من الجفاف القاتل. إنها عادة توارثناها عبر الأجيال، نؤمن بها، ونسعى للحفاظ عليها مستقبلاً".

وتضيف: "على مدى الأيام الفارطة كلفنا الأطفال بالطواف بـ"أمك طنغو" من أجل طلب المطر من الله لنشهد بعد ذلك نزول كميات من الغيث النافع فترتوي الأرض والأشجار والطيور، لقد استجاب الله لدعاء الأطفال".

وتستدرك لطيفة: "نحن نقدس الماء فهو رمز الحياة، وبدونه لا نستطيع العيش، ولا نستطيع سقي مواشينا ومحصولنا الزراعي، لذلك نحرص دائماً على الطواف بأمك طنغو كلما جفت السماء، وارتفعت حرارة الطقس". وتقول: "هناك عادات أخرى للتقرب من الله وطلب الاستسقاء، مثل ذبح الخراف، والبقر، وتوزيع اللحم على أهل القرية، صحيح أن هذه العادة بدأت تختفي مع وفاة كبار القرية لكنها أيضاً كانت نافعة لنزول الأمطار".

وتكمل: "في حالة عدم نزول المطر، نحرق الدمية، لكن عندما يتزل الأمطار نبدأ بالاحتفال وترديد الأغاني مثل، "يامطيرة خالتي صبّ على قطايتي"".

آلهة الخصوبة

يعلق عمامو في حديث لرصيف22: "إن أمك طنغو ليست مجرد دمية مصنوعة من العصي، وترتدي بعض الملابس القديمة، بل هي امتداد لآلهة الجمال والخصوبة القرطاجنية تانيت، وهما متشابهتان بشكل واضح".

ويتابع عمامو: "بقيت الآلهة تانيت في الذاكرة الشعبية، وتغيرت مع مرور الزمن من آلهة إلى عروس للمطر، يعتمد عليها الأهالي، في تونس والجزائر لطلب الغيث النافع وقت الجفاف".

"كلما خرجنا للطواف بـ"أمك طنغو" بين المنازل والحقول لا ينتهي ذلك اليوم إلا وقد نزلت الأمطار وارتوت الأرض والمحاصيل الزراعية"

ويضيف المؤرخ التونسي، متحدثاً عن طقوس طلب المطر: "أصبحت أمك طنغو عروساً يرفعها الأطفال في الأزقة والشوارع وهم يتغنون بها، وتختلف الأغاني التي ترافق موكب عروس المطر من محافظة إلى أخرى".

"أمك طنغو موجودة اليوم بصفتها ظاهرة اجتماعية وليست بصيغة الآلهة المعبودة"، يقول عمامو.

جدير بالذكر أن التونسيين يطلبون المطر بطقوس أخرى، ففي المحافظات الداخلية التي تعتمد على الزراعة وتربية الماشية، عندما تجف السماء يجتمع كبار القرية، ويقررون شراء عجل أو بقرة أو خروف ثم يقومون بذبحه وتوزيع لحمه على الأهالي، مع تمضية اليوم في الصلاة والدعاء للتقرب من الله وطلب رحمته.

ويعتقد أهالي تلك المناطق، وخاصة الكبار في السن، أن هذه الطريقة هي السبب في نزول كميات كبيرة من الأمطار، وهذا ما يجعل الأهالي يحافظون عليها، ويلجأون إليها عند مواسم الجفاف أو عندما تتأخر الأمطار عن الهطول.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image