"الدعوة لمقاطعة المنتجات الفرنسية أمر غير مفهوم وصادم وغير عادل"... بهذه الكلمات عبّر عدد من المفكرين المسلمين في فرنسا عن تضامنهم مع الرئيس إيمانويل ماكرون ضد الحملات التي تنادي بمقاطعة فرنسا.
جاءت هذه الكلمات في مقال نشره مسلمون في فرنسا في صحيفة "لوموند" الفرنسية، أكدوا عبره على أن "فرنسا لا تسيئ معاملة مواطنيها المسلمين، ولا أحد يقول ذلك، باستثناء أولئك الذين يسعون إلى زرع بذور الخلاف داخل المجتمع".
وقالت "لوموند" إن الموقعين على المقال مجموعة من المثقفين والكتاب من بينهم المؤلف والممثل فريد عبد الكريم، والعالم الإسلامي محمد باجرافيل، ورئيس "جمعية الإسلام في القرن الحادي والعشرين" صادق بلوصيف، وعميد الجامع الكبير في باريس شمس الدين حافظ، ومؤسس جمعية "مسلمي فرنسا" حكيم القروي، وأستاذ الفلسفة خلدون النبواني، وإمام مسجد بوردو الكبير طارق أوبرو، والكاتب هاشم صالح، والمفكر يوسف الصديق والفرنسية إيفا جنادين التي أسلمت وبدأت في إمامة المسلمين في الصلاة.
متضامنون مع ماكرون
في المقال الذي نشرته "لوموند" في 3 تشرين الثاني/نوفمبر، قال الموقعون: "الآن أكثر من أي وقت مضى، يجب أن يسود الوفاق والوحدة داخل المجتمع الوطني الفرنسي الذي يشهد حالياً سلسلة من الهجمات التي لا توصف والتي تحزننا جميعاً. نحن مسلمو فرنسا ودول البحر الأبيض المتوسط الأخرى ننادي بالهدوء والعقلانية".
يشير الموقعون على المقال إلى وجود نوعين من القضايا أثارتها الأزمة الأخيرة، وهما الغضب من الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد وتصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون في خطاب ألقاه مؤخراً حول النزعة الانفصالية.
ويشرح هؤلاء أن من ينادون بالمقاطعة يصفون الرسومات التي نشرتها "شارلي هيبدو" عن النبي محمد بـ"الكفر"، لكن "التجديف في فرنسا ليس جريمة، وبالتالي قد يتم انتقادها، لكنها ليست ضد القانون".
ويضع القانون الفرنسي حدوداً واضحة لا تسمح بالإهانة أو التحريض على الكراهية مثل العنصرية، ولكل مواطن الحرية في الذهاب إلى المحكمة إذا كان يعتقد أن هذه الحدود قد تم تجاوزها، ولا يكون ذلك بسبب التجديف لكن باسم احترام كرامة الإنسان، بغض النظر عن الدين المعني، مسيحي أو يهودي أو مسلم.
"لا يوجد أي مبرر في كل الأحوال يسمح باللجوء إلى العنف، لا في القانون الفرنسي ولا في الإسلام"... نشر مثقفون مسلمون في "لوموند" مقالاً تضامنوا فيه مع ماكرون، في وقت قال محللون إن هؤلاء لا يمثلون الجالية المسلمة، بسبب "اختلافات عميقة"
وعليه، يقول الموقعون على المقال: "لا يوجد أي مبرر في كل الأحوال يسمح باللجوء إلى العنف، لا في القانون الفرنسي ولا في الإسلام"، مضيفين "نحن نفهم أن بعض المسلمين يشعرون بالإهانة والصدمة من هذه الرسوم ، لكننا نؤكد أن الإسلام يرفض عبادة الأصنام أو تقديس الإنسان. وبالفعل أكد النبي محمد نفسه أنه ليس سوى رسولاً وقد تعرض في عدة مناسبات للسخرية والاستهزاء بأنه مجنون أو مغتصب وغيرها من الإساءات من قبل خصومه".
وتابعوا: "لم يدع الله في أي وقت إلى قتل مرتكبي هذه الاستفزازات، بل شجّع على تبني السلوك الحكيم والصبور عند مواجهة الشدائد بقوله ′ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين′".
من جهة ثانية، يرى هؤلاء أن خطاب ماكرون لم ينتقد الإسلام على عكس ما قيل، بل انتقد الإسلاموية التي هي تشويه للإسلام لكن لم يتم تمييز الفرق أو لم يُفهم جيداً في الترجمة العربية، لافتين إلى أن خطاب ماكرون لم يشر في أي وقت إلى إصلاح أو تعديل الإسلام فهو "يحترم كل الأديان وهو تقليد فرنسي أرساه قانون عام 1905".
ويُعرف قانون عام 1905 بأنه ينص على فصل الكنيسة عن الدولة بمعنى ألا تتدخل الدولة الفرنسية في عمل الكنائس، وبمعنى آخر عدم تدخلها في الممارسات الدينية، وهو ما ينطبق على الدين الإسلامي أيضاً.
وتنص المادة الأولى من دستور عام 1958 على أن "فرنسا جمهورية غير قابلة للتجزئة وعلمانية وديمقراطية واجتماعية. وتضمن المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون، دون تمييز بسبب أصلهم أو عرقهم أو دينهم.
في 2 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، شدد ماكرون، وبشكل خاص، على ضرورة بناء إسلام في فرنسا يكون متحرراً من التأثيرات الخارجية، ومنظماً وشفافاً في تمويله، مع دمج كامل للشق الحضاري للإسلام دون المساس بالإسلام نفسه.
وفي رسالتهم إلى ماكرون، قال الموقعون: "نحن المثقفون، اخترنا دعم مثل هذه الأفكار… ونحيي هذا النهج الذي يسعى إلى الوحدة بدلاً من التقسيم والنبذ والإقصاء. نحن، مثقفون من خلفيات مختلفة، نشهد لصالح هذه الاستقامة الفرنسية وشرعيتها. هذه ليست كلمات جوفاء. كأشخاص ذوي خبرة دولية، يمكننا بسهولة إعادة صياغة واعتماد شعار ′أنا سعيد كمسلم في فرنسا′".
في نهاية المقال، اعتبر الموقعون أن "مقاطعة المنتجات الفرنسية تعني مقاطعة فرنسا، وهذا يعني تجاهل حقيقة مُثُلها، وتجاهل احترامها للأديان"، وعليه "يجب أن تتوقف مقاطعة فرنسا ويجب العودة إلى الحوار والاحترام المتبادل".
هل يمثل المقال مسلمي فرنسا؟
يستبعد العديد من المحللين أن يكون كاتبو المقال ممثلين للجالية المسلمة في فرنسا، على اعتبار أن هناك اختلافات عميقة بين أتباع الديانة الإسلامية في أوروبا بأكملها.
في حديث لرصيف22، رأى الباحث والمحلل السياسي الجزائري توفيق قويدر شيشي أن كاتبي مقال "لوموند" لا رصيد كبير لهم بين المسلمين في فرنسا، وهذا يرجع إلى حالة الانقسام بينهم، إذ يوجد الأتراك القوميون الذي يحرضون في باريس ضد السلطات والإخوان والسلفيون وغيرهم، وكل طرف له منهج مختلف في هذه الأزمة.
نشرت "الغارديان" البريطانية تقريراً كشفت فيه اعتزام فرنسا تعيين مبعوث خاص إلى الدول الإسلامية لشرح أفكار ماكرون حول العلمانية وحرية التعبير... بحسب مسؤولين فرنسيين، فإن تعيين المبعوث يأتي كمحاولة فرنسية "لقمع رد الفعل المناهض لفرنسا في بعض الدول الإسلامية"
وأشار المحلل الجزائري المقيم في فرنسا إلى أن هؤلاء المفكرين يتمتعون برصيد أكبر لدى السلطات الفرنسية، وخطابهم قد يكون له صدى لدى الحكومة، ويظهر ماكرون بأنه يتمتع بدعم من المسلمين، لافتاً إلى أن بعض المشاركين في هذا المقال أعضاء في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، ويعملون في الوقت الحالي مع ماكرون لإصدار قانون يحارب ما يعرف الانفصالية الإسلامية.
وكان ماكرون قد عيّن، في عام 2018، الخبير المصرفي من أصل تونسي حكيم القروي، وهو أحد الموقعين على هذا المقال، مستشاراً لشؤون المسلمين. وبسبب دعم القروي لأفكار ماكرون ومعارضته للمظاهر الدينية مثل الحجاب، أثار اختياره آنذاك انتقادات عارمة لا سيما أنه ليس رجل دين.
وفي ما يتعلق بالمقاطعة، قال قويدر إن المسلمين في فرنسا لا يشاركون فيها على نطاق واسع، بل هي خطوة رمزية على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان الأتراك أبرز الداعين لها، لكن الاستجابة لها كانت محدودة للغاية، لافتاً في المقابل إلى أن الدعوة لمقاطعة البضائع الفرنسية تسببت في قلق وارتباك للرئيس الفرنسي في السياسة الخارجية، لذلك سارع للظهور في وسائل الإعلام العربية في محاولة لتجنب أي خسائر أو أضرار محتملة لباريس خاصة في قطاع الاستثمار.
في أيلول/سبتمبر الماضي، أعادت مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة نشر رسوم كاريكاتورية للنبي محمد، وهو ما أثار حالة من الغضب بين المسلمين في فرنسا وحول العالم.
دافع ماكرون بشدة عن الرسوم باعتبارها حرية تعبير، وصرح في أحد الخطابات أن الإسلام يمر بأزمة، لكن القضية تفاقمت حينما عرض الأستاذ صامويل باتي على طلابه الرسوم، قبل أن يقدم شاب شيشاني على قطع رأسه خارج المدرسة. وبعد مقتل المدرس، أصر ماكرون على عرض الرسوم الكاريكاتورية على مبانٍ حكومية وأعلن أن فرنسا لن تتخلى عنها، في خطوة اعتبرها المسلمون تحدياً لهم.
مبعوث فرنسي للتهدئة
بالتزامن مع مقال "لوموند"، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريراً كشفت فيه اعتزام فرنسا تعيين مبعوث خاص إلى الدول الإسلامية لشرح أفكار ماكرون حول العلمانية وحرية التعبير.
بحسب مسؤولين فرنسيين، فإن تعيين المبعوث يأتي كمحاولة فرنسية "لقمع رد الفعل المناهض لفرنسا في بعض الدول الإسلامية".
وقالت "الغارديان" عن هذه الخطوة: "تنامي المشاعر المعادية لفرنسا من شأنه أن يعمق الصراع الراسخ بالفعل بين ماكرون وتركيا بشأن ليبيا والتنقيب عن النفط في شرق البحر المتوسط".
وكان العديد من القادة العرب قد دانوا مقتل باتي، كما دانوا عمليات القتل اللاحقة في نيس، وجرائم القتل الأخيرة في فيينا، لكن مسؤولين فرنسيين يرون أن حديث القادة العرب تضمن درجة من النقد الصريح والضمني لموقف ماكرون من حرية التعبير، وهو ما أثار دهشتهم، بحسب الصحيفة البريطانية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع