شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
بالحياء تارة وبالتهديد والوصف بالجنون تارة أخرى... عراقيات حُرمن من الإرث يروين قصصهن

بالحياء تارة وبالتهديد والوصف بالجنون تارة أخرى... عراقيات حُرمن من الإرث يروين قصصهن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 13 أكتوبر 202011:11 ص

في بلد تحكمه الأعراف أكثر من الدولة، تعيش نساء ظلماً كبيراً يتمثل بحرمانهن من حقهن بالإرث، إما بالابتزاز العاطفي، وإما من خلال إشعارهن بالخجل من المطالبة بحصتهن، وإما بالتهديد. نساء عراقيات تنازلهن عن حصتهن من الإرث لإخوتهن الذكور في وقت كنّ بأمس الحاجة لما يعيلهن، يروين هنا قصصهن التي تعكس كيف عززت المنظومة العشائرية من تلك الممارسات رغم رفض القانون والشرع للأخيرة.

"هددوني بحرماني من رؤية أمي"

تروي "أم غفران" (55 عاماً) التي تسكن في مدينة الشامية في محافظة الديوانية (جنوبي العراق) قصة سلب حقها في الإرث. تقول لرصيف22: "تزوجتُ حين كنت في الرابعة عشرة من عمري، ولديّ شقيقين اثنين وشقيقة. عندما تزوجت كان أبي على قيد الحياة، أنجبت الأولاد بينما كنت أسكن في المنزل مع زوجي وعائلته بسبب ضيق الحال. أنجبت ستة أطفال ونحن نسكن في غرفة أستخدمها للطبخ والنوم".

تضيف أم غفران "قَسَت عليّ الحياة كثيراً، لا أملك حتى ثمن الدواء أو شراء الملابس لأطفالي وزوجي مريض. حينما طفح الكيل، ذهبت إلى إخوتي كي أطلب حقي الشرعي أمام الله والقانون، لكن أخي الأكبر أخبرني أنه يجب علي التنازل عن حصتي في الإرث له، لأن أختي التي تصغرني تنازلت عن حقها لأخي الثاني، وبهذا يكون الاثنان قد تعادلا في تقسيم الإرث، رغم علمهما أني لا أملك حتى القوت".

تتابع أم غفران الحديث عن معاناتها مع شقيقها فتقول: "بدأ يصرخ بوجهي بأن علي غداً الذهاب إلى المحكمة والتنازل عن حقي له، حاولت الذهاب إلى عمي عسى أن يكون له كلمة على شقيقي، فيعطيني نسبة ولو قليلة من حقي، لكن ذلك بقي دون جدوى، إذ عاد أخي وهددني أنه في حال لم أتنازل سيمنعني من زيارة أمي الكفيفة وسيمنع شقيقتي وشقيقي من رؤيتي. وهكذا بين الحياء والغصب، سُلب حقي مني".

"خذلني إخوتي بعد كل هذا الجهد"

تعيش "أحلام" في محافظة الأنبار (غربي العراق) وهي تبلغ من العمر 45 عاماً. وسط حالة من الحزن الشديد، تحكي تفاصيل حياتها التي قضتها في تربية إخوتها الصغار بعد وفاة والديها، لكنهم سلبوا حقها عندما كبروا.

تروي أحلام قصتها لرصيف22 قائلة: "لم أتزوج، كرست عمري لتربية إخوتي الأصغر مني سناً، وذلك بعد وفاة أبي وأمي في حادث سير. عندما مات أهلي كنت في الخامسة عشر من عمري، وكنا ستة أولاد، أربعة صبيان وبنت غيري"، مردفة "بعد وفاة أهلي، انتقلنا للسكن في بيت عمي، أما منزلنا فقام عمي بتأجيره والاستفادة من ثمنه، وأنا قررت أن أترك الدراسة وأمتَهِن مهنة والدتي التي كانت تعمل في الخياطة والتطريز".

وعن سبب تركها للدراسة، تقول أحلام إنها قامت بذلك كي تتيح لإخوتها الاستمرار في مشوارهم الدراسي حتى الجامعة، بينما رفضت لاحقاً العديد من عروض الزواج كي تتمكن من الاستمرار في إعالة إخوتها.

"بدأ يصرخ بوجهي بأن علي غداً الذهاب إلى المحكمة والتنازل عن حقي له، حاولت الذهاب إلى عمي عسى أن يكون له كلمة على شقيقي، لكن ذلك بقي دون جدوى، إذ عاد أخي وهددني أنه في حال لم أتنازل سيمنعني من زيارة أمي الكفيفة وسيمنع شقيقتي وشقيقي من رؤيتي"

"حققت جميع أحلامهم وطموحاتهم، وكلهم تزوجوا، لكن ما قاموا به في المقابل أن رموني على باب منزل أختي متهمين إياي بالجنون"، تشكو أحلام مضيفة "جميعهم تخرجوا من الجامعة، وبعد زواجهم قرروا تقسيم الإرث في ما بينهم، وطلبوا مني ومن شقيقتي التنازل لهم. قمت بذلك بكل سرور إذ كنت أنظر إليهم باعتبارهم أبنائي الأعزاء الذين كرست عمري لأجلهم، وحرمت نفسي حتى أن أعيش قصة حب ولو لمرة واحدة في عمري من أجلهم".

وتتابع بالقول: "لم أتوقع أن يخيب ظني بهم يوماً ما، بعد التنازل بأيام قليلة، بدأوا ينادونني المجنونة وقرر أخي الأصغر أن يأخذني إلى بيت شقيقتي كي أسكن معها".

وتختم أحلام قصتها بالقول: "مجنونة نعم، أصبحت كذلك عندما هدرت شبابي لأجلهم لكنهم ردوا لي الجميل بسلب حقوقي".

"أجبروا أبي على التنازل"

تسكن "رغد" (49 عاماً) في محافظة المثنى وهي ثاني أكبر محافظة في جمهورية العراق من حيث المساحة لكنها الأقل من حيث عدد السكان، وكانت تابعة للواء الديوانية سابقاً.

"نحن ثمانية إخوة من أب واحد، كان متزوجاً من امرأة أخرى غير أمي، ويملك إرثاً يتكون من منزل وعمارة سكنية"، تقول رغد، موضحة عند رواية قصتها لرصيف22: "قبل وفاته، عانى أبي من مرض السرطان الذي أقعده في الفراش، ووقتها قرّر إخوتي في ما بينهم إجبار أبي على التنازل لهم، مهددين إياه بأن حصوله على العلاج المناسب مرتبط بهذه العملية، وهذا ما نقلته لي زوجة أبي وأمي. بعد وفاة أبي، قررنا نحن النساء الثلاث في العائلة مطالبة إخوتي بالإرث، فأتانا الجواب بأنه ليس لنا حقوق وبأن أبي تنازل لهم وهو على قيد الحياة، والقانون لن يقبل شهادة امرأتين كبيرتين في السن (يقصدون أمي وزوجة أبي)".

القانون العراقي وإرث النساء

"لا حقوق لها، وهي دائماً ما تدفع الثمن غالياً، هكذا هو مصير المرأة العراقية"، بهذه الكلمات يعلق المحامي علي جاسم على المسألة في حديثه لرصيف22.

ويقول: "للبنت صورتين من الإرث عندما تكون مع أخوة ذكور، ففي الأولى تأخذ نصف حصة الأخ الذكر وهو المتفق عليه عند كل المذاهب الإسلامية وقانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 وحسب القسام الشرعي إذا كانت التركة طابو صرف هو نص الآية الكريمة ′أوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ[38]′، وفي الصورة الثانية إذا كانت الوريثات أكثر من واحدة فيختلف الأمر عند المذاهب الإسلامية بين أن يرثن كل التركة وبين بعضها، لكن المشرع العراقي حسم الأمر بأن جعل التركة توزع بينهن بالتساوي وفق نص الفقرة (2) من المادة (91) من قانون الأحوال الشخصية".

هيمنة المنظومة العشائرية

تتحدث الباحثة الاجتماعية خلود الشمري لرصيف22 عن المسألة قائلة: "لا يزال حرمان النساء من الإرث قضية شائعة إلى حد الآن بسبب القبلية، حيث تتعرض المرأة لضغوط كبيرة لتتنازل عن حقها"، مضيفة "على منظمات المجتمع المدني أن تقف بجانب المرأة في هذه القضية، كما على وسائل الإعلام التركيز على هذا النوع من المواضيع، لأن المرأة تتعرض للانتهاك وأحياناً للتعذيب من أجل التنازل، ما يخلق لها أزمات اقتصادية وصحية ونفسية عديدة".

"ظاهرة إجبار النساء على التنازل عن الإرث انتشرت بقوة بعد عام 2003، إذ حرمت ذكورية المجتمع المرأة من حقوقها التي أقرها الشرع والقانون، فأصبحت تعاني لا سيما إذا كانت أرملة أو مطلقة".

وتشرح الشمري أن المشكلة الرئيسية تكمن في هيمنة المنظومة العشائرية وضعف تطبيق القانون في المجتمع العراقي، وبالخصوص في مناطق الجنوب ووسط العراق وفي الأرياف التي تسود فيها التقاليد والأعراف العشائرية والتي تحرم المرأة من الإرث وأموال العائلة بعد الزواج والخروج من البيت أو رحيل رب الأسرة".

وتردف: "في حال وجود أبناء يقسم الإرث بينهم، فيما يحق للعم أو كبير العائلة التصرف بأملاك عائلة الأخ في حال غياب الأبناء، أي أن الزوجة والبنات لا يحق لهن التصرف بأملاك الزوج أو الأب"، موضحة أن "الفتاة لا تُعطى نصيبها في الأراضي أو الأملاك، حتى وإن تزوجت من رجل ينتمي للعشيرة ذاتها إذ لا يجوز أن تعطى من الإرث كي لا تذهب أراضيهم واملاكهم للغريب، حسب رأيهم".

تشير الباحثة الاجتماعية إلى أن "ظاهرة إجبار النساء على التنازل عن الإرث انتشرت بقوة بعد عام 2003، إذ حرمت ذكورية المجتمع المرأة من حقوقها التي أقرها الشرع والقانون، فأصبحت تعاني لا سيما إذا كانت أرملة أو مطلقة، وهو ما عزّز الحقد بين أفراد الأسرة، حتى أن نساء أقدمن على الانتحار بسبب حرمانهن من حقوقهن وتعرضهن للعنف الأسري". 

وتدعو الشمري المشرع العراقي لأن يعدل الكثير من المواد القانونية المجحفة بحق المرأة العراقية وتشريع القوانين التي تضمن حقوقها وتحميها من سلطة المجتمع الذكوري، مثل تشريع قانون مناهضة العنف الأسري. 

وهذا القانون يقبع منذ سنوات طويلة في أدراج البرلمان بسبب وجهات النظر المختلفة بين أعضاء مجلس النواب، واللامبالاة السائدة بشأن ما تتعرض له المرأة من ظلم وعنف أسري ومجتمعي، والذي أودى ببعضهن إلى الشوارع للتسول والبحث في القمامة.

"المأخوذ بالحياء لا يجوز شرعاً"

"للذكر مثلُ حظ الأنثيين… نسمي هذا العلم بعلم الفروض، أما إذا كان مأخوذاً بالحياء فلا يجوز شرعاً، والذي يؤخذ من نصيب الأخت فهو مال حرام إلا إذا تنازلت عن حقها عن طيب نفس لأحد إخوتها أو أخواتها أو للجميع"، حسب ما يوضح الشيخ عامر البياتي من دار الإفتاء السني مسألة حق المرأة بالإرث في الدين الإسلامي.

"بعد التنازل بأيام قليلة، بدأوا ينادونني المجنونة وقرر أخي الأصغر أن يأخذني إلى بيت أختي كي أسكن معها"... هيمنة المنظومة العشائرية تحرم عراقيات كثيرات من حقهن بالإرث رغم ضمان القانون والشرع لهذا الحق، واعتبار أن "المأخوذ بالحياء لا يجوز شرعاً"

وفي حديثه لرصيف22، يقول البياتي إن "الإرث يجب أن يقسم قسمة عادلة على ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية، لكن هناك من يظلم أخته في الإرث ويأخذ حقها تحت ذريعة ′أني أنطي للنايمين للضحى′ ويقصد زوج الأخت، لكنه بالمقابل يحرض زوجته على أخذ حقها من إرث أبيها بالكامل غير منقوص. وهذا هو الكيل بمكيالين".

من جهته، يعلق ممثل السيد السيستاني للطائفة الشيعية محمد السنجري بالقول إن القرآن أشار للمسألة بـ"يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين، والسبب في ذلك أن التكاليف المعيشية كلها على الرجل بينما تنفق المرأة من طوع إرادتها وليس بالجبر أو الإكراه بل فقط من باب الإعانة لا غير".

ويتابع في حديثه لرصيف22 أن "المرأة إذا ورثت تركة من أبيها وأمها، فلا يجوز لأحد من إخوتها الهيمنة عليها في العرف، وإجبارها على التنازل عن إرثها لا يجوز وهو محرم على الغاصب، وعلى المرأة أن تأخذ حصتها كاملة، وكل من أخذ حق المرأة جبراً فمحاسب أمام الله والقانون والشرع".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image