"التعامل على أساس أننا في مرحلة هدنة من ضغوط حياتنا القديمة واستعداد لمرحلة ما بعد الكورونا من خلال وضع خطط مستقبلية والتأهب لها، يساعدنا كثيراً في تخطي هذه الظروف الصعبة"، تقول لرصيف22 الباحثة النفسية المصرية بسمة محمود. وتشدد على أن "الحياة ستستمر رغم كل شيء، وأن التفكير من هذا المنطلق يمنح الأمل ويشغل الوقت ويطمئن النفس".
ويرى خبراء نفسيون أن الحفاظ على الصحة العقلية، لا سيما بالنسبة إلى جيل الألفية، في ظل "استمرار ارتفاع الإصابات والوفيات بفيروس كوفيد-19 المستجد، وتذبذب سوق الأسهم وما يكتنف ذلك من ذعر وخطر على الوظائف، وفراغ أرفف المتاجر وغيرها" ينبغي أن يصبح "أولوية قصوى".
ويحذرون من أن "طول فترة الحجر المنزلي والتشتيت الاجتماعي قد يؤديان إلى مشاكل صحية عقلية لدى هذا الجيل الشاب" حتى بعد انتهاء الأزمة.
مخاوف على الصحة العقلية
وفق دراسة حديثة، أشارت مجلة "The Lancet" الطبية إلى أن التأثير النفسي للحجر الصحي قد يكون كبيراً، ومسبباً عدة مخاوف على الصحة العقلية من بينها "القلق والغضب وصولاً إلى اضطرابات النوم والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة"، مؤكدةً أن ذلك يهدد من يعانون مشاكل صحية نفسية أو من هم بصحة جيدة.
وأبرزت في الوقت نفسه أن مخاوف الصحة العقلية قد تزيد بسبب "الضغوط المرتبطة بالحجر الصحي، مثل مخاوف التعرض للعدوى، والإحباط ، والملل، وعدم كفاية الإمدادات، ونقص المعلومات، والخسارة المالية والوصمة المرتبطة بالإصابة بالمرض".
في هذا الإطار، أوضح خبير الصحة العقلية في جامعة سيدني، إيان هيكي، لـ"CNBC Make It" أن "البشر حيوانات اجتماعية وسيزيد الحجر الصحي المطول أو العزلة الاجتماعية (في حال عدم توفر طرق أو بدائل تعويضية) مشاعر القلق والاكتئاب والشعور بالعجز".
في حين رأى خبراء نفسيون متفائلون أن ظروف الحجر الصحي قد تحسن قدرتنا على بناء العلاقات عن بعد إذا ما أُحسن استغلالها.
الحفاظ على الصحة العقلية والنفسية بات "ضرورة قصوى" مع استمرار الأنباء السيئة عن أعداد إصابات فيروس كورونا ووفياته وأثر ذلك على الاقتصاد والحياة الاجتماعية… لكن السؤال المهم: كيف؟
لنتخلص من الهلع والفراغ والملل
عليه، تنصح محمود بعدة خطوات لحماية الصحة العقلية والنفسية لا سيما لأولئك الذين يعيشون في مساحات ضيقة أو بعيداً عن ذويهم، وهذا ما يجعلهم أكثر عرضةً للآثار السلبية لطول الحجر المنزلي.
أبرز هذه الخطوات: الحد من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، واكتشاف الذات عبر البحث عن المهارات والمواهب المدفونة أو استعادة وممارسة الهوايات المفضلة، ودعم العلاقات الاجتماعية وتوطيدها عبر الهاتف مثلاً أو وسائل اتصال آمنة كـ"الفيديو كول"، والقراءة بغرض الترفيه أو التعلم في مجال علمي أو مهني جديد أو لغة جديدة، ومشاركة أفراد الأسرة الموجودين في مكان الحجر أجواء مرحة بالرقص أو الرسم أو الطبخ لإخراج الطاقات السلبية من ناحية والتعرف عليهم عن قرب وتوطيد العلاقة معهم من ناحية أخرى.
وتلفت محمود إلى ضرورة "البحث عن المواد المسلية والمضحكة عبر الشاشات للخروج من مزاج الأزمة، وممارسة الرياضة لأهميتها للصحة البدنية والنفسية" من أجل التغلب على مشاعر الملل والفراغ والهلع النفسي.
وتحذر محمود من خطورة مشاعر الهلع والخوف والقلق على جهاز المناعة وعلى طاقة تحمل كل فرد برغم اعترافها بأن هذه المشاعر طبيعية في ظل وباء سريع الانتشار.
لكنها في الوقت نفسه تحث على الحد من هذه المشاعر السلبية بالابتعاد عن الشائعات والأخبار المفزعة الخاصة بمدى تفشي فيروس كورونا عالمياً ومحلياً.
ودعت إلى تقصي الأخبار المهمة عبر المصادر الموثوق بها فقط، مثل منظمة الصحة العالمية.
باحثة نفسية لرصيف22: "لماذا لا نتعامل مع فترة الحجر المنزلي على أننا في هدنة من ضغوط حياتنا الماضية، وفي مرحلة استعداد للمستقبل؟"
الروتين ثم الروتين
وفي 12 آذار/مارس، قدمت منظمة الصحة العالمية عدة توصيات للحفاظ على الصحة العقلية والنفسية خلال أزمة تفشي فيروس كورونا، أبرزها:
-عدم إلصاق الفيروس بعرق أو جنسية معينة لأنه أصاب وسيصيب العديد من بلدان العالم من مختلف الأعراق.
-عدم الإشارة إلى المصابين بالفيروس على أنهم ضحايا أو حالات كورونا وإنما الأشخاص الذين يعالجون من فيروس كوفيد-19 المستجد.
-تقليل متابعة الأخبار الخاصة بالأزمة للجم التوتر والضغط.
-حماية النفس بإتباع التعليمات الوقائية، مع دعم الآخرين.
-الاستعداد لاحتمال الإصابة ومعرفة الطريقة المثلى التي ينبغي التصرف بها إذا حدث ذلك وأي الجهات الواجب التواصل معها.
-الحفاظ على روتين يومي قدر الإمكان.
أما عن الروتين اليومي، فقد لفت العديد من خبراء الصحة العقلية إلى أهميته خلال هذه الفترة، حتى أنهم طرحوا مقترحاً لروتين يومي مثالي يتمثل في:
-تغيير ملابس النوم فور الاستيقاظ، والاغتسال ووضع أولويات ينبغي فعلها هذا اليوم لخلق شعور بالحياة الطبيعية والإنتاجية.
-تقسيم المهمات ووضع مدى زمني مناسب لكل منها، مع أفضلية تغيير بيئة ومكان عمل كل مهمة حتى في نطاق المنزل.
-منح العناية بالصحة البدنية الأولوية من خلال تناول طعام صحي ونيل قسط وافر من النوم وممارسة الرياضة. ويفضل ممارسة "التأمل" بعض الوقت يومياً.
-مساعدة الآخرين ومحاولة تقديم الدعم للمحتاجين إذا لم تكن خاضعاً لقواعد عزل صارمة.
تخصيص وقت يومي للتواصل مع أفراد الأسرة والعائلة عبر التكنولوجيا المتاحة.
-تخصيص وقت لمحاربة الملل عبر متابعة المسلسلات التلفزيونية، أو القراءة واستكشاف المشاريع المؤجلة.
-تجنب الإرهاق البدني والذهني بوضع حد صارم لوقت العمل مع تخصيص بعض الوقت للاسترخاء.
ومن أبرز النصائح التي أوصى بها الخبراء أيضاً التفكير في الأمور الإيجابية والنعم التي لدينا مثل أنك بخير حتى الآن وأسرتك كذلك وأن لديك مساحة يمكنك الانعزال فيها...رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...