شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"صرنا في مرحلة المحاسبة على التفكير والنيّة"... التضييق على العمل الصحافي في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 7 أكتوبر 202007:11 م

تتوالى الضربات الأمنية التي توجّهها الجهات الأمنية ضد الصحافة المصرية، وتصاعدت وتيرة القبض على الصحافيين خلال الفترة الأخيرة. جرى اعتقال خمسة صحافيين مصريين خلال شهر واحد، دون أسباب واضحة سوى عملهم في مجال الصحافة، حسبما أعلن عضو مجلس نقابة الصحافيين محمود كامل.

آخر تلك الاعتقالات ما حدث مع الصحافية بسمة مصطفى التي قضت ما يقرب من 48 ساعة محتجزة، قبل أن يصدر قرار من النائب العام بإلغاء أمر حبسها وإخلاء سبيلها مساء السادس من تشرين الأول/ أكتوبر.

وكان قد ألقي القبض على مصطفى يوم في الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر، فور وصولها لتغطية تداعيات مقتل مواطن على يد ضابط شرطة في مدينة الأقصر جنوب مصر. وبعد اختفائها لمدة 24 ساعة، وفقاً لما ذكره المحامي كريم عبد الراضي، ظهرت مصطفى في نيابة أمن الدولة التي أمرت بحبسها 15 يوماً في القضية 959 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، ووُجّهت لها تهم الانضمام إلى جماعة إرهابية وإذاعة أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

خمسة اعتقالات في فترة قصيرة

لم تكن مصطفى الأولى التي تعرضت للاعتقال أثناء تأدية عمل صحافي. قبلها بأسابيع قليلة، وتحديداً في التاسع من أيلول/ سبتمبر الماضي، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على إسلام محمد عزت الشهير بإسلام الكلحي، الصحافي في موقع درب، وذلك أثناء تغطيته حادث وفاة شاب المنيب، المواطن "إسلام الأسترالي".

وقال موقع درب في بيان نشره أن إسلام انتقل لتغطية تداعيات الواقعة بتكليف من إدارة الموقع، فقام أفراد من الشرطة بالقبض عليه أثناء ممارسته لعمله، وظل محتجزاً في مكان غير معلوم منذ عصر الأربعاء، في التاسع من أيلول/ سبتمبر وحتى صباح اليوم التالي، ومن ثم أحيل إلى نيابة أمن الدولة العليا دون إخطار الموقع أو نقابة الصحافيين. ويواجه الكلحي الذي حبس على ذمة القضية رقم 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر وإذاعة أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

وقالت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، والتي حضر محاميها جلسة التحقيق مع الكلحي، إن الأخير طلب إخلاء سبيل الموقوف بناء على أن الدستور المصري حظر حبس الصحافيين بسبب تأدية عملهم وبالأخص أنه لا يوجد دليل إدانة ضده.

الحديث حول وقائع القبض على صحافيين قد يطول شرحها، فقد تباينت واختلفت أحداثها لكن جميعها تشابهت في السبب الرئيسي لاستهدافهم وهو أنهم صحافيون، يمارسون المهنة التي صار الخطر والتهديد يحوم حولها طول الوقت، وخصوصاً خلال السنوات الأخيرة.

وسطر مشهد اقتحام قوات الأمن لمبنى نقابة الصحافيين في أيار/ مايو من عام 2016، والقبض على صحافيين اعتصما داخله لأيام، اعتراضاً على اتفاقية ترسيم الحدود والتنازل عن تيران وصنافير لصالح السعودية، ملامح ومستقبل الصحافة المصرية وما ينتظرها.

مصير صحافيي اليوم السابع

ويشير الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين محمود كامل، في حديثه لرصيف22، إلى أن قوات الأمن ألقت القبض في وقت سابق على ثلاثة صحافيين من موقع اليوم السابع (المحسوب على الدولة) وهم هاني جريشة مدير تحرير الموقع، وعصام عابدين، والسيد شحتة، ليصبح عدد الصحافيين الذين ألقي القبض عليهم خلال الفترة القصيرة الماضية خمسة.

في اتصال هاتفي بالمستشار القانوني لموقع اليوم السابع المحامي أنور الرفاعي لمعرفة أسباب القبض على الصحافيين الثلاثة، نفى خبر القبض على أي صحافي داخل المؤسسة، وقال: "لو كان في حاجة حصلت أو اتقبض على حد أكيد كنت عرفت، لكن لا صحة لتلك الأنباء".

لكن من ناحية أخرى، أكّد عضو مجلس نقابة الصحافيين المصريين محمود كامل القبض على الصحافيين الثلاثة، مشيراً إلى أن محامي النقابة لا يزال يتابع سير القضايا معهم، لافاً إلى أنه ألقي القبض عليهم من منازلهم بشكل متتالٍ في أواخر شهر آب/ أغسطس الماضي، وحتى الآن لم يتم التحقيق سوى مع واحد منهم، هو الصحافي هاني جريشة الذي عُرض على نيابة أمن الدولة العليا وأمرت بحبسه على ذمة القضية رقم 846 لسنة 2020.

رغم تأكيدات أقربائهم وأعضاء في نقابة الصحافة، المستشار القانوني لموقع اليوم السابع ينفي القبض على ثلاثة صحافيين من الموقع ويقول: "لو كان في حاجة حصلت أو اتقبض على حد أكيد كنت عرفت، لكن لا صحة لتلك الأنباء"

ويضيف عضو مجلس النقابة: حتى الآن لا نعرف الأسباب الحقيقة وراء القبض عليهم وخصوصاً أنهم كان مشهوداً لهم بالانضباط خلال سنوات عملهم، ولم يتخطوا السياسية التحريرية لموقع اليوم السابع، ولم يقوموا بنشر أية أشياء مخالفة.

من جانبه، أوضح هشام جريشة، الأستاذ في كلية الهندسة وشقيق الصحافي هاني جريشة، لرصيف22، أنه تقدّم بطلب إلى نقيب الصحافيين ضياء رشوان، أشار فيه إلى أن قوات الأمن ألقت القبض على شقيقه يوم الأربعاء، في 26 آب/ أغسطس، دون أسباب واضحة، وأن أسرة الصحافي طالبت النقابة بالتضامن معه، وتكليف محام من الشؤون القانونية بحضور التحقيقات معه.

بدورها، قالت الدكتورة لمياء محمد، زوجة الصحافي السيد شحته، لرصيف22: "يوم 30 آب/ أغسطس الماضي، اقتحمت قوات الأمن منزلنا في محافظة الشرقية، وقبضت على زوجي الذي يعمل في مؤسسة اليوم السابع منذ ما يقرب من تسع سنوات، دون معرفة أسباب القبض عليه، وعندما سألناهم عن سبب القبض عليه كانوا يقولون لنا ‘اسكتوا’".

وأوضحت: "زوجي يعاني من إعياء شديد بسبب إصابته بفيروس كورونا المستجد، وعلمت بنقله إلى مستشفى بلبيس العام لتلقى العلاج بسبب تدهور حالته الصحية والنفسية بعد إلقاء القبض عليه وهو مصاب".

وأشارت إلى أنه حتى الآن لم يتواصل معها محامي المؤسسة ولا تعلم مصير زوجها، ولا أسباب القبض عليه ولا التهم الموجهه له.

تجريم العمل الصحافي؟

مع تكرار وقائع القبض على الصحافيين خلال الفترة الأخيرة، عبّر عدد من الصحافيين عن غضبهم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ورأوا أن هناك توجّه من السلطة المصرية لمحاصرة كل ما يخص الصحافيين، كما رأوا أنه من الأفضل أن تعلن السلطة نيّتها تجريم العمل الصحافي من الأساس بدلاً من تكرار القبض على العاملين في المهنة.

يرى الصحافي محمد العريان أن هناك تهماً محددة تلاحق الصحافيين، ووصفها بـ"اسطمبات"، وهي "الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة"، والهدف منها هو اللجوء للحبس الاحتياطي الذي أصبح يُستخدم في مصر كوسيلة للعقاب والانتقام، وخصوصاً أن أغلب القضايا التي تتضمن تلك التهم لا تصل إلى المحاكم، ويظل الحبس الاحتياطي فيها هو سيد الموقف، ومن الممكن أن يتم تدوير الصحافي على نفس التهم في قضية جديدة بعد انتهاء مدة الحبس الاحتياطي في القضية الأولى، مثلما حدث مع الصحافي معتز ودنان.

ويضيف لرصيف22 أن تحريات الأمن الوطني هي أصل القضية، لا النشر من عدمه، لأنه بدون تلك التحريات لا يوجد تهمة من الأساس، "فلا ينص القانون أو الدستور على معاقبة الصحافيين الذين يقومون بأداء عملهم، وإنما تحريات الأمن الوطني تخلق لهم الاتهامات حتى وإنْ كانت وهمية".

"هناك توجه من الدولة لمحاسبة الصحافيين على التفكير والنيّة. فقد تخطينا مرحلة المحاسبة على الأخبار وأصبحنا في مرحلة المحاسبة على النية. وهناك توجه من السلطة لتجريم العمل الصحافي من الأساس"

من جانبه، يقول خالد البلشي، رئيس تحرير موقع درب، لرصيف22 أن "الاتهامات التي تلاحق الصحافيين مكررة مع اختلاف القضايا". ويعلّق على ما حدث مع إسلام الكلحي الذي يعمل في الموقع وألقي القبض عليه أثناء تأدية عمله، بقوله: "إسلام لم ينشر شيئاً عن قضية شاب المنيب. هو كان في مرحلة جمع المعلومات وألقي القبض عليه أثناء هذه المرحلة، ورغم ذلك أسندت له تهمة نشر أخبار كاذبة".

وأوضح أن الغريب في الأمر أن إسلام لم يكتب على صفحته على فيسبوك أي شيء منذ سنوات عن أوضاع البلاد أو عمله الصحافي، ولم ينشر أي تقرير صحافي على مدار سنوات عمله يحمل أخطاء معلوماتية، ورغم ذلك اتُّهم بنشر أخبار كاذبة.

وأكد رئيس تحرير موقع درب أنه في حالة نشر أخبار كاذبة فعلاً، فإن أكبر عقوبة حقيقة للصحافي هي تكذيبه لما نشره، فإقرار الصحافي بالكذب أمام قرائه هي العقوبة الفعلية وليس الحبس، و"كل هذا في حالة نشر خبر تبيّن أنه كاذب".

ويرى البلشي أن هناك توجهاً من الدولة لـ"محاسبة الصحافيين على التفكير والنيّة"، فقد "تخطينا مرحلة المحاسبة على الأخبار وأصبحنا في مرحلة المحاسبة على النية"، موضحاً أن هناك توجهاً من السلطة لتجريم العمل الصحافي من الأساس.

أما الصحافية نورا يونس، رئيسة تحرير موقع المنصة، فعلّقت على وقائع القبض على الصحافيين بقولها لرصيف22: "صارت هناك صعوبة شديدة في العمل الميداني للصحافيين"، لافتةً إلى وجود توجه لإبقاء الصحافيين داخل غرف الأخبار وممارسة "صحافة التليفون والبيانات الرسمية".

هذا الأمر يؤكده عضو مجلس نقابة الصحافيين محمد سعد عبد الحفيظ. يقول لرصيف22 إن "تزايد وقائع القبض على الصحافيين واستهداف مَن يتوجه للعمل الميداني يدلّ على أن السلطة مستمرة في فرض حالة الحصار على مهنة الصحافة التي فرضتها منذ ما يقرب أربع سنوات وهي مستمرة حتى الآن وتتصاعد وتيرتها".

ويضيف أن السلطة لا ترغب في إطلاع الرأي العام على ما يحدث في كواليس الحكم، و"تريد يجهيل الشعب ومنع أي معلومة عنه، ولذلك هي تعادي الصحافة بشكل واضح وصريح، فهي مرعوبة من فكرة أن يعلم الشعب ويطّلع على بواطن الأمور"، مشيراً إلى أن "الشعب عموماً فقد الثقة في الصحافة والإعلام وبدأ في التوجه إلى مواقع التواصل الاجتماعي" التي يثق بأخبارها أكثر مما يثق بـ"صحافة التليفون الموجودة في مصر".

أين النقابة؟

خلال الأيام القليلة الماضية، تعالت أصوات الصحافيين الرافضة لأداء نقابة الصحافيين، وهي الجهة التي يُفترض أن تدافع عن المهنة وأصحابها، ورأوا أنها تراجعت بشكل كبير وصارت لا تقدّم الدعم اللازم للدفاع عن المهنة حتى أصبح الحصار الأمني هو سيد الموقف.

وتعليقاً على ذلك، يقول عضو مجلس النقابة محمود كامل لرصيف22: "النقابة مع الأسف الشديد لم تقم بأكمل دورها ليس فقط على مستوى الصحافيين المعتقليين وإنما في جميع الملفات"، لافتاً إلى أنه غير راضٍ عمّا يتعرض له الصحافيون وما تقوم به النقابة.

لكن كامل يوضح أيضاً أن أعضاء النقابة الفاعلين ليسوا بمعزل عن الفئة التي يسيطر عليها اليأس والإحباط، ويقول إن "تكرار وقائع القبض هو ما يجعل بعض الأعضاء الفاعلين محبطين إقراراً منهم بالأمر الواقع المحيط بهم".

وحلّت مصر في المركز 166 من أصل 180 بلداً، بحسب المؤشر العالمي لحرية الصحافة لعام 2020.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image