عُرفت الكويت تاريخياً أنها دولة كالإناء لا تميل شرقاً أو غرباً حتى لا تسقط، ولا تتحالف مع طرف دون الآخر كي تحافظ على أمنها، ومع ذلك طُرحت تساؤلات عدة تزامناً مع تولي الأمير الجديد نواف الأحمد الجابر الصباح مقاليد الحكم، وما إذا كان سيتعرّض لضغوط خارجية يتبع على أساسها سياسات دول أخرى في المنطقة.
وأشارت تقارير أمريكية إلى أن الأمير الجديد قد يتعرض لضغوط خارجية تدفعه باتجاه تغيير نهج الكويت للتطبيع مع إسرائيل واتخاذ طرف في الأزمة الخليجية ومعاداة قطر، وفي الوقت ذاته يقولون إن هذا التعديل يحتاج إلى غلق المجال العام أولاً وإلا ستكون محاولة انتحار من الشيخ نواف.
ومن المعروف أن الكويت نظام ملكي دستوري، فيه السلطة مُقسّمة بين الأمير ورئيس الوزراء المُعيّن من قبل الأمير والبرلمان المنتخب، وأكثر دول الخليج ديمقراطية وتنوعاً يتضمّن تمثيلاً للإخوان المسلمين والشيعة والسلفيين والليبراليين.
التغيير الداخلي
يُرجّح مراقبون أن تكون من أولويات الأمير الجديد إجراء انتخابات برلمانية نهاية العام الحالي، فضلاً عن تعزيز مكافحة الفساد وتنشيط الاقتصاد الذي أثقلت كاهله الديون المتزايدة وانخفاض أسعار النفط ووباء كورونا.
في أول خطاب له بعد أدائه اليمين الدستورية، لم يُشر نواف إلى هذه القضايا، ولم يكشف عن أي تغيير محتمل في سياسته، بل أكد على تمسكه بالخطوط العريضة لنظام الحكم في الكويت، وهو احترام الدستور والقانون والنهج الديمقراطي.
لكن ركز متابعون على دعوته الكويتيين إلى الوحدة، بالقول: "أمتنا تواجه ظروفاً صعبة وتحديات حرجة لا يمكن التغلب عليها إلا من خلال توحيد الصفوف والعمل الجاد معاً".
ثمة ما يُشبه الإجماع على أن أول تحدٍّ أمام الأمير نواف هو دفع البرلمان لتمرير قانون يسمح للكويت بالاستفادة من أسواق الديون الدولية، حتى تتمكن من تخفيف نقص السيولة بعدما استنفدت الحكومة الاحتياطيات النقدية المتاحة بشكل سريع.
وكانت وكالة "موديز" للتصنيف العالمي قد أشارت إلى أن "الجمود بشأن الوضع التمويلي يهدد بشكل مباشر قدرة الحكومة على العمل ودفع الرواتب"، وذلك في ظل ارتفاع العجز إلى 46 مليار دولار هذا العام، بينما ثبتت أسعار النفط عند حوالي 40 دولاراً للبرميل وهو أقل مما هو مطلوب لتحقيق توازن في ميزانية الكويت، حيث شكلت رواتب وإعانات القطاع العام 71% من الإنفاق للسنة المالية 2020-2021.
يشير محللون إلى أولويات داخلية أمام أمير الكويت الجديد منها توحيد الصف وحل الأزمة الاقتصادية ومواجهة ظاهرة العمالة الأجنبية وأزمة البدون، في مقابل التحديات الإقليمية التي تتمثل بضغوط لأخذ موقف أكثر حدة في الأزمات الإقليمية وفي مسألة التطبيع
ومن المنتظر أن يُصدر الأمير الجديد مرسوماً أميرياً يسمح للحكومة بالاقتراض لسد العجز، بعدما أوقفت المعارضة تمرير القانون في البرلمان والذي من المنتظر حله وإجراء انتخابات جديدة قبل نهاية العام.
في تحليل نشره محرر شؤون الدفاع والأمن في صحيفة "الإندبندنت" البريطانية كيم سينغوبتا، لفت إلى أن الأمير الجديد يبلغ من العمر 83 عاماً وهو ما يعني عدم وجود تغيير جيلي رفيع المستوى في الكويت، كما حدث في السعودية بتولي محمد بن سلمان منصب ولي العهد.
لكن من المقرر أن يبدأ الأمير الجديد قريباً مداولات مع أعضاء بارزين آخرين في الأسرة الحاكمة لاختيار كبار المسؤولين، بما في ذلك ولي العهد الجديد وهي عملية قد تستغرق أسابيع أو ربما أشهر.
ويبلغ الأمير الجديد من العمر 83 عاماً وهو في حالة صحية غير جيدة نسبياً، ومن بين المرشحين البارزين الابن الأكبر للأمير الراحل الشيخ ناصر الصباح، وابن أخيه رئيس الوزراء الأسبق الشيخ ناصر المحمد، البالغ 79 عاماً والذي ثار عليه الكويتيون عام 2011.
صحيح أن ناصر الصباح البالغ من العمر 72 عاماً يظل الأقرب لتولي منصب ولي العهد، لكن لا يمكن وصفه بأنه يمثل جيلاً جديداً، ومع ذلك يعرفه كويتيون كمدافع قوي عن الإصلاح ومؤيد للمشاريع التجارية الكبيرة مثل مشروع مدينة الحرير الضخم، شمالي البلاد.
في الكويت، يشير محللون إلى أولويات داخلية منها توحيد الصف الكويتيون وحل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ومواجهة ظاهرة العمالة الأجنبية التي باتت تفوق عدد السكان وأزمة البدون الذين بقوا دون جنسية.
وقال الصحافي والكاتب الكويتي فؤاد الهاشم إن "تغييراً سياسياً قادماً في البلاد، يتضمن دفع جيل جديد من الشباب من داخل الأسرة الحاكمة وسيكون هناك تغيير واسع في الحكومة والانتخابات المقبلة".
وأشار الهاشم، في حديثه لرصيف22، إلى أن "هذا التوقيت يشهد ميلاد كويت جديد ستكون الكويت الثالثة بأسلوب جديد ونَفَس جديد يعتمد على تغيير جذري في الجهاز الإداري للدولة وبصورة أسرع لتحقيق الرغبات الشعبية"، مضيفاً "هناك أولويات الآن فالكويت غارقة بالفساد والفاسدين والنسيج الاجتماعي ممزق والطائفية والقبلية نخرتا المجتمع".
وذكّر الهاشم بأن النائب السابق عبدالله النفيسي الذي ينتمي إلى الإخوان المسلمين كان قد قدم وثيقة إلى ولي العهد، الشهر الماضي، للاطمئنان الى استمراريتهم في صنع القرار السياسي الكويتي.
"لا يوجد سبب يجعل الكويت تقوم بتغييرات كبيرة في السياسة الخارجية في عهد الأمير الجديد، فالكويت دولة نصف ديمقراطية، تضع الرأي العام في اعتباراتها في قراراتها في السياسة الخارجية، والسياسة التي سار عليها الأمير الراحل ارتبطت بالرأي العام الداخلي"
وفي 24 أيلول/ سبتمبر الماضي، سلّم النفيسي مع النائب السابق عبيد الوسمي وثيقة سياسية لنواف الأحمد الصباح، أطلقا عليها اسم "وثيقة الكويت"، ونشر كويتيون صوراً عن الوثيقة التي تضمنت الدعوة إلى مصالحة وطنية وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وتغيير قانون الانتخاب من أجل تمثيل عادل وحقيقي، فضلاً عن إصلاحات في أجهزة الدولة الكويتية بشكل عام ومنها الجهاز القضائي.
السياسة الخارجية
في العقود الماضية، رسمت الكويت مساراً محايداً ضمن الانقسامات الحادة في المنطقة، لكن بعد وفاة الأمير طُرح التساؤل حول السياسة التي سيعتمدها الأمير الجديد وولي العهد المنتظر تسميته.
وفقًا لبرقية من "ويكيليكس" تعود لعام 2008، عهد الأمير الراحل لابنه ناصر المرشح لتولي ولاية العهد، وكان حينها رئيساً للديوان الملكي، بـ"التواصل سراً مع ممثل إسرائيلي مزدوج الجنسية كان يعيش في دولة أخرى في الخليج".
في الشهر الماضي، التقى ناصر نفسه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي كشف أن نجل الأمير أعرب عن استعداد بلاده لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في وقت قريب.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” قد قالت إن “الرئيس ترامب عقب لقائه بنجل أمير الكويت، الشيخ ناصر صباح الأحمد الجابر الصباح، قال إن الكويت قد تصبح قريباً البلد التالي ليطبع علاقاته مع إسرائيل”، في وقت تمثَّل رد فعل الكويت على التطبيع الإماراتي- الإسرائيلي بانتقادات حادة خرجت من الأوساط الكويتية معتبرة إياه “اتفاقاً ينافي الثوابت”.
وكشفت الصحيفة الأمريكية، في تقرير آخر لها، أن السعودية والإمارات قد يضغطان على الأمير الجديد كي يسير وفقاً لسياستهم، منها مسألة التطبيع.
"لسنا دولة تتغير بين عشية وضحاها، الأمر لا يسير على هذا النحو، والرأي العام يعارض التطبيع، لذلك لن يطلق أي حاكم جديد النار على قدمه بفعله هذا".
ومع ذلك قال أستاذ التاريخ المساعد في جامعة الكويت بدر السيف للصحيفة الأمريكية: "لسنا دولة تتغير بين عشية وضحاها، الأمر لا يسير على هذا النحو، والرأي العام يعارض التطبيع، لذلك لن يطلق أي حاكم جديد النار على قدمه بفعله هذا".
وقال مصدر كبير في العائلة المالكة إن مثل هذه الخطوة تتطلب إغلاق المجال العام تماماً، وعليه هذا غير ممكن.
بموازاة ذلك، توقع المصدر قيام السعودية والإمارات بمحاولة الضغط على الكويت لتحذو حذوها أكثر، خاصة في ما يتعلق بالقضايا الإقليمية، حيث سعى الشيخ صباح أن يكون وسيطاً. لكنه قال إن الأمير الجديد كان منخرطاً بشدة في قرارات سلفه ولا يدعو إلى التطبيع أحادي الجانب مع إسرائيل.
وقال الرئيس السابق لمكتب الخليج في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يوئيل جوزانكسي إن السعودية جعلت الكويت أقل أولوية بالنسبة للدولة اليهودية، معلقاً: "لا أتوقع حدوث ذلك (التطبيع مع الكويت)، سيكون انتحاراً داخلياً".
بحسب الصحيفة الأمريكية فإن الخطر في أن يصبح نواف أكثر مرونة لمطالب السعودية والإمارات، مشيرة إلى أن شركة الاستشارات البحثية "كابيتال إيكونوميكس" التي تتخذ من لندن مقراً لها، حذرت أن هذا التغيير قد يزيد من تصعيد التوترات مع إيران.
وكان الأمير الراحل يحظى بالاحترام من قبل قادة العالم والإقليم الآخرين، بما في ذلك أولئك الذين على طرفي نقيض في نزاعات الشرق الأوسط، فقد أشادت كل من الإمارات وقطر بسياسته بعد وفاته، وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف: "لقد رسم صورة اعتدال وتوازن".
في تصريحات لرصيف22، قال مدير معهد "دراسات دول الخليج في واشنطن" جورجيو كافييرو: "لا يوجد سبب يجعل الكويت تقوم بتغييرات كبيرة في السياسة الخارجية في عهد الأمير الجديد، فالكويت دولة نصف ديمقراطية، تضع الرأي العام في اعتباراتها في قراراتها في السياسة الخارجية، ونعلم أن السياسة التي سار عليها الأمير الراحل كانت مرتبطة بالرأي العام الداخلي، لذلك لا نتوقع تغييرات كبيرة وأساسية".
وتابع الباحث الأمريكي: "من الممكن القول إن السعودية والإمارات سوف تمارسان ضغوطاً أكبر على الأمير الجديد كي يتبع سياسات الرياض وأبو ظبي لكن يظل الكلام حول ما ستؤول إليه الأمور مبكراً".
على عكس معظم جيرانها، تحرص الكويت على موازنة الضغط من الولايات المتحدة، الضامن الأمني الأعلى لها، مقابل علاقات سلمية تحتفظ بها مع إيران المجاورة لها حدودياً، ويحظى الرأي العام المؤيد للفلسطينيين بأهمية من قبل وسائل الإعلام المحلية وفي البرلمان الذي يضم عدداً من الإسلاميين.
في الأزمة القطرية، حاول الأمير الراحل لسنوات التوسط لحل خلافات الدوحة مع باقي دول الخليج، ومع ذلك لفت الهاشم إلى أن الوساطة الكويتية قد ولدت ميتة متوقعاً حدوث تعديل في هذا النهج، مضيفاً "التغيير في السياسة الخارجية لن يكون قريباً، نتوقع خلال عامين أو ثلاثة لأن الأزمات الداخلية لها الأولوية الآن، ويمكني القول إن الكويت ستكون مع عمقها العربي السعودية والإمارات في مواجهة قطر وغيرها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين