89621
على تطبيق إنستغرام الأكثر استخداماً من بين وسائل التواصل الاجتماعي في إيران، ينشر تجار بيع الأطفال في إيران صور لـ"بضاعتهم البشرية"، تحت وسم "تبنّي". هي صور دعائية تستقطب مشاهدين وتزيد عدد متابعي الحسابات مجهولة الهوية، والحذرة في تحركاتها خوفاً من عين الرقابة.
رضيعٌ ملفوف بأقمشة بسيطة، لا إضاءة حوله ولا زينة. الصورة ليست للذكرى ولا للاستعراض بل هي لـ"التسويق" الفوري. تفاصيل الصورة جارحة تزيد اقترابك من حقيقة مرة تقبع خلفها. لا أهل ولا إخوة يرحّبون بالطفل ببالونات ملوّنة. كل ما في الأمر وجه جنين خرج للتو من رحم أمه ليُرمى أمام عدسة كاميرا منخفضة الدقة. صورة مع فلاش وتحميل على "ستوري" حساب مجهول مع وسم عاجل إلى جانب عبارة تنضح باللاإنسانية: "للبيع، حديث الولادة، صبي، العمر أسبوع".
أشبه بـ"التبني" لكن بمعاملة أقصر
لتحاشي تهمة "بيع الأطفال حديثي الولادة"، يلجأ التجار إلى استخدام مصطلح "التبنّي" لتسهيل معاملاتهم. يقول أحد التجار في حديث سرّبته صحيفة خراسان: "صحيح أن عملنا غير قانوني لكنه شبيه بعمل مؤسسات رعاية الأطفال المشردين. نختصر كل المعاملات الروتينية وتصبح أنت والد الطفل بمجرد أن تدفع المال، كما نوفّر لك محامياً يساعدك في تسجيل الطفل على اسمك ليصبح كل شيء قانونياً".
تبدو القوانين الصارمة بطبيعها لتبنّي الاطفال في إيران أبرز الأسباب للحاجة إلى دلال أو وسيط في معاملة البيع. فالفئات التي يحق لها التبنّي في إيران محدودة، ووفقاً للقانون الإيراني يُسمح بالتبنّي فقط للزوجين اللذين مضى على زواجها خمس سنوات وليس لديها أطفال، بشرط أن يكون أحدهما قد تجاوز سن الثلاثين، ثم السيدات العازبات اللواتي تجاون سن الخامسة والثلاثين بشرط أن يكون الطفل المتبنى أنثى، ثم الزوجين اللذين لديهما طفل واحد.
ويمنح القانون الإيراني الأب والأم الحقيقين حق استرداد طفلهم من العائلة التي تبنّته في أي وقت، ما يجعل الراغبين في التبنّي مرددين في خيار ربما ينتهي بغير إرادتهم.
يوضح بائع الأطفال للصحافي الإيراني الذي ادّعى أنه زبون أن العائلة الأصلية للطفل لن تتسبب بإزعاجات لعائلته الجديدة أبداً، والسبب أن الطفل ينتقل بين عدد من الدلالين لمدة قبل أن يصل إلى العائلة الزبونة، وكل هؤلاء الدلالين حريصون جداً على التخلص من أرقام هواتفهم وعناوينهم بعد كل معاملة، وبالتالي من الصعب حتى في اليوم الثاني للمعاملة أن يتمكن أحد من الوصول إلى العائلة الجديدة للطفل، إضافة إلى أن الطفل سيأخذ صفة الابن رسمياً وفق معاملة قانونية.
يقف القدر السيئ أمام أمهات عاجزات لأسباب عديدة عن تربية أطفالهن، فيلجأن إلى بيعهم اعتقاداً منهنّ بأن هذا القرار صائب وسينقذ الطفل من حياة مليئة بالفقر والمذلة.
تبرر إحدى دلالات بيع الأطفال، وهي شابة من مدينة مهاباد، بيعها لطفل أقربائها الذي لم يولد بعد، بأنهم لن يتمكنوا من تأمين حياة كريمة له، ولذلك الأفضل له أن يحظى بعائلة مقتدرة.
وتضيف الشابة في حديث عبر الهاتف مع وكالة كرد برس أن عائلة الجنين الذي بيع قبل أن يصل إلى الحياة لديها طفلان آخران وترغب في بيع هذا الجنين لأنه جاء عبر حمل غير مرغوب فيه وبذلك توفّر حياة أفضل له ولإخوته.
أطفال غير شرعيين للاستثمار
تقول سايه، 33 سنة، وهي موظفة في شركة تجارية، أن فكرة بيع الأطفال راودتها منذ أشهر عندما كانت تبحث عن تجارب وسوابق للإجهاض على مواقع التوصل الاجتماعي. مرّ أمامها منشور يحمل سؤالاً خاصاً: "هل تريدين الإجهاض؟ تمهلي، هناك حل". في البداية لم ترغب سايه بقراءة مواعظ تحول بينها وبين قرار الإجهاض لكنها تفاجأت بأن الأمر مختلف بالمطلق والعبء الذي تريد التخلص منه هي وزجها ربما يتحوّل إلى معونة مالية.
وجه جنين خرج للتو من رحم أمه ليُرمى أمام عدسة كاميرا منخفضة الدقة. صورة مع فلاش وتحميل على حساب مجهول على إنستغرام، مع وسم عاجل إلى جانب عبارة تنضح باللاإنسانية: "للبيع، حديث الولادة، صبي، العمر أسبوع"
تقول سايه لرصيف22: "كنت مترددة في موضوع الإجهاض، فأنا وزوجي لا نرغب بالأطفال حالياً، ولكن الطبيب حاول إقناعنا بعدم التخلي عن الجنين الذي تجاوز أسابيعه الستة عشر وحذّرنا من أضرار الإجهاض"، وتضيف: "فكرة بيع الأطفال التي رادواتنا للحظات بسبب الدعاية على الإنستغرام مرفوضة، ومن المستحيل تحمّلها".
سايه وزوجها رفضا الفكرة المستهجنة لكن الكثيرات يجدن في هذا النوع من الإنجاب فرصة للاستثمار، ولا سيما عند بعض السيدات اللواتي يتمهنّ الدعارة كمصدر رزق لهنّ، ولا يرغبن في تربية أطفال.
إضافة إلى هذه الفئة من السيدات، هناك أخريات متزوجات وأيضاً لا يرغبن في تربية الأطفال، وهو أمر شائع في إيران، إذ سجلت السنة الماضية أكثر 600 ألف حالة إجهاض متعمد، وفق تصريح مسؤول في وزارة الصحة.
البنت أغلى من الصبي
في السوق السوداء لبيع الأطفال يرتفع سعر الأطفال حديثي الولادة بالمقارنة مع الأطفال الأكبر سناً، فيما تُعتبر المولودة الأنثى أغلى من الذكر.
حسب تقرير لصحيفة شهروند الإيرانية، يُقدّر سعر الطفل الذكر بحوالي 50 مليون تومان (1500 دولار)، فيما يُقدّر سعر الطفلة الأنثى بحوالي 80 مليون تومان (2400 دولار)، وتكمن خلف هذا الاختلاف أسباب ثقافية ودينية مختلفة تقلل نسبة مبيع الفتيات مقارنة بالصبيان فيرتفع سعرهنّ.
يُقدّر سعر الطفل الذكر بحوالي 1500 دولار، فيما يُقدّر سعر الطفلة الأنثى بحوالي 2400 دولار. وتكمن خلف هذا الاختلاف أسباب ثقافية ودينية مختلفة تقلل نسبة مبيع الفتيات مقارنة بالصبيان فيرتفع سعرهنّ
على الرغم من أن السلطات المحلية تمكنت من إلقاء القبض على عدة عصابات لبيع الأطفال على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا الأمر يحتاج إلى قانون صارم أكثر.
فوفقاً للمادة الثالثة من قانون حماية حديثي الولادة والأطفال في إيران، تُعتبر كل عملية بيع وشراء واستغلال للأطفال جريمة ويحاسَب مرتكبها بالسجن من ستة أشهر إلى سنتين إضافة إلى غرامة مالية لا تتجاوز 20 مليون تومان (600 دولار). لكن القانون لم يأخذ بعين الاعتبار هؤلاء المحتالين الذين يستخدمون تعابير التبنّي والتبرع لتغطية معاملة بيع الأطفال اللاإنسانية.
الضغوط الاقتصادية وانعدام عمل المؤسسات المدنية في غياب القانون وسلطاته جعل أرق الموجودات وهم الأطفال عرضة للاستغلال وضحية ستعود على المجتمع بأزمات أخرى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...