شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هذا الصمت لا يليق بي... ضحايا تحرّش جنسي في إيران يهزمن خوفهنّ

هذا الصمت لا يليق بي... ضحايا تحرّش جنسي في إيران يهزمن خوفهنّ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 1 سبتمبر 202001:42 م

في الشرق الأوسط بشكل عام، وتحديداً في دول مثل إيران، بسبب تحريم القضايا الجنسية في المجتمع وعدم وجود قوانين مناسبة لحماية ضحايا التحرش الجنسي، لم نشهد حركات تتحدث عن تجارب الاغتصاب والتحرش الجنسي، إلا أنه في الأيام الأخيرة، شهدت إيران حركة غير مسبوقة في هذا المجال، حيث بدأت منذ أيام في الشبكات الاجتماعية والإعلام، حركة ممثالة لحركة "Me_Too " التي شهدتها الأوساط الفنية في العالم في السنوات الأخيرة؛ فإن جلستم هذه الأيام بين مجموعة شبابية في إيران، لاسيما إن كانت تمت بصلة إلى الصحافة والفن والثقافة، ستجدون هذا الموضوع هو الرئيسي.

انطلقت حركة الكشف عن تجارب التحرش الجنسي في إيران من قبل عدد من الصحفيات الإيرانيات حيث تحدثن في فيلم أُنتج بمناسبة يوم الصحفي في إيران والذي يصادف 7 أغسطس، عن تجاربهن في التعرض إلى التحرش الجنسي من قبل شخصيات سياسية ومسؤولين بارزين خلال أعمالهن، لاسيما خلال المقابلات الصحفية، دون الإشارة إلى أسماء هذه الشخصيات.

واستمرت هذه الحركة على موقع تويتر وانستغرام، فاشتعلت هذه المواقع عندما كشفت شاباتٌ في تغريدات عن تعرضهن للتحرش والاغتصاب من قبل أساتذة في الجامعات الفنية، منها كلية الفنون الجميلة في جامعة "كيلان"، شمال البلاد، وأحد طلاب جامعة طهران الذي هو من الناشطين البارزين في مجال السياحة، كيْوان إمام وِردي.

وقد نشرت بعضهنّ صوراً لنصوص محادثاتهن مع إمام وردي على مواقع التواصل الاجتماعي، وأعلنّ عن اغتصابهن من قبل إمام وِردي، من خلال دعوتهنّ إلى منزله واغتصابهن بعد شرب النبيذ الممزوج بالحبوب المنومة، وتخديرهن. كما ذكرت بعض هؤلاء النساء أنهن وقعن في فخّ إمام وردي أثناء الرحلات العلمية أو السياحية إلى بعض المدن والجزر وتعرّضن للاغتصاب على يده.

بعد هذه الإبلاغات، وفي يوم 23 أغسطس أصدرت إدارة العلاقات العامة بجامعة طهران بياناً أشارت فيه إلى أن إمام وردي تخرّج من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة طهران في عام 2010 وليست له أي علاقة مع الجامعة من ذلك الوقت. وأعلنت في الوقت ذاته عن استعدادها لمتابعة القضية وفتح تحقيق عنها، ومساعدة الضحايا. ثمّ أعلنت شرطة طهران في 24 أغسطس عن إلقاء القبض على إمام وردي، داعية الضحايا إلى الذهاب إلى مراكز الشرطة لتقديم الشكاوي ضدّه.

الجانب الأهم في هذه الحركة هو التغلّب على الخوف لدى النساء اللواتي كشفن عن تجاربهنّ في التعرّض إلى التحرّش" والثاني هو قدرة العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي 

وشملت حركة "Me_Too " الإيرانية شخصيات بارزة منها الرسام الإيراني الشهير، آيدين آغداشلو، الذي اتهمته الصحفية، سارا أُمّتْ علي، بالتحرش بها عام 2006، عندما كانت تعمل في وكالة أنباء منظمة التراث الثقافي. ونشرت أُمّت علي،  يوم 22 أغسطس، سلسلة من التغريدات على موقع تويتر، أعلنت فيها أن التحرش بها حدث عند زيارتها لمكتب آغداشلو لإجراء مقابلة معه، رغم عدم رغبتها في الذهاب إلى هناك، حيث رأته عاريًا مرتدياً رداءً بنياً فقط، ثمّ عانقها بقوة، وحاول تقبيل شفتيها.

وصرّحت أمّتْ علي أن آغداشلو أصرّ عليها أن تذهب إلى مكتبه قبل إجراء مقابلة حول معرض في المتحف الوطني، رغم عدم رغبتها في ذلك. وقالت إنها التزمت الصمت كلّ هذه السنوات خوفًا من عدم امتلاكها دليلاً يثبت ادعاءها واتهامها بالكذب من جانب الذين يرفضون أن آغداشلو متحرش جنسي رغم شخصيته الفنية الشهيرة، واختتمت بأنها تشعر اليوم أن هذا الصمت الناشئ من الخوف والمصالح لا يليق بها. أما آغداشلو فردّ في بيان على الاتهام، قائلاً: "إنها ادعاءات كاذبة".

ثمّ أعلنت الصحفية الإيرانية فهيمة خضر حيدري التي تعمل حالياً في إذاعة "راديو فَردا" الفارسية أنها سمعت حكايات كثيرة من اغتصاب آغداشلو لطالباته، معلنةً عن تعرضها للتحرش من قبل استاذ التصوير الإيراني الشهير، بهمن جلالي، عندما كانت طالبته، وقالت إن جلالي قال لها: "هل تعلمين أن نهديك جميلان جدّاً؟"، ثمّ حاول أن يلمس جسدها. وأضافت أن الأسوأ من هذا بالنسبة لها هو صمتها بعد الحدث بسبب خوفها، والذي أدى إلى عدم حضورها في صفوف الأستاذ إلى نهاية الفصل الدراسي، محاولةً تجنب رؤيته.

استمرت حركة "Me_Too " الإيرانية خلال الأيام اللاحقة حيث أعلنت الممثلة الشابة الإيرانية، ساناز طاري، عن تعرضها لمحاولة اغتصاب من قبل مخرج ومنتج شهير، دون الكشف عن اسمه. وكشفت أخريات عن تجارب تتعلق بالتحرش الجنسي من قبل أحد رؤساء الموقع الإيراني الشهير في مجال بيع السّلع "ديجي كالا".

كما تحدّث شباب وشابات عن تعرضهم للاغتصاب من جانب أساتذة بارزين في إحدى المؤسسات التي تعمل في مجال التمهيد للقبول في امتحان دخول الجامعة في فرع الفن.

ويبدو أن هذه الأحداث، هي بداية لرفع الحظر و"التابو" الذي كان سارياً حتى اليوم في إيران في ما يتعلق بالقضايا الجنسية، والتحرش والاغتصاب الذي تتعرض النساء له في إيران، بل حتى الرجال.

هناك تحديات لا تزال موجودة أمام حرية النساء والرجال في إيران في الكشف عن التعرض للاغتصاب أو التحرش والإيذاء الجنسي، حيث بسبب الطابع الديني والتقليدي والمحافظ للمجتمع الإيراني، غالباً ما، لا تتحدث الضحايا عن تجاربهن خوفاً من الرفض من قبل الأسرة والمجتمع، ولعدة أسباب أخرى مثل الخجل والخوف من سوء السمعة، وأيضاً نظرة المجتمع إلى ضحية الاغتصاب التي تُتهم في غالبية الأحيان بأنها السبب وراء تعرضها للاغتصاب والتحرش بسبب سلوكها أو الأزياء التي ترتديها.

"من أسباب عدم إبلاغ الضحايا السلطاتِ القانونية بالقضية هو عدم وجود دعم قضائي لهن، وعدم تحديد معنى "الاغتصاب" في القانون الإيراني والتعريفات الغامضة والمعقدة لهذه الجريمة، وصعوبة إثباتها بسبب عدم امتلاك الدلائل الكافية، وأيضاً عقوبة الإعدام للمغتصب، والذي يمنع بعض الضحايا من الإفصاح عنه خوفاً من إعدام المغتصب"؛ إلى هذا أشارت نِكار باقري، الناشطة في مجال القضايا الاجتماعية وشؤون المرأة في إيران، في حديث لرصيف22، وأضافت بأنه لا توجد قضية تحت عنوان "التحرش" أو "الإيذاء الجنسي" في القانون الإيراني والقضية الجنسية الموجودة هي قضية "الاغتصاب"، ليس إلا، وعقوبتها الإعدام، وغالباً ما، تُتهم الضحية نفسها في قضية الاغتصاب.

من أسباب عدم إبلاغ الضحايا السلطاتِ القانونية بالقضية هو عدم وجود دعم قضائي لهن، وعدم تحديد معنى "الاغتصاب" في القانون الإيراني والتعريفات الغامضة له، وصعوبة إثباتها بسبب عدم امتلاك الدلائل الكافية، وأيضاً عقوبة الإعدام للمغتصب، والذي يمنع بعض الضحايا من الإفصاح عنه خوفاً من إعدام المغتصب

واختتمت هذه الناشطة الاجتماعية حديثها بأن هذه الحركة لها تأثير إيجابي وبارز في النهاية، ألا وهو كسر الصمت والإفصاح عن "المحظور" من قبل النساء في إيران.

وكذلك أكد الصحفي الإيراني، مِهْرداد خَدير، في حديثه لرصيف22، بأن "أهمية هذه الحركة تعود إلى عدة جوانب؛ أولها وأهمّها هو التغلّب على الخوف لدى النساء اللواتي كشفن عن تجاربهنّ في التعرّض إلى التحرّش" والثاني هو قدرة العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي وما أسماه بـ"ثورة الوعي" التي نشأت عبر هذه المواقع.

أما الجانب اللافت الثالث في هذه الحركة، وفق تعبير خَدير، فهو تعاطف الشرطة؛ والرابع هو أن المجتمع يلوم المغتصب والمعتدي بدل إلقاء اللوم على الضحية كما كان يفعل سابقاً في أحداث مشابهة.

أما في حديث لرصيف22، رأى الناشط الحقوقي في إيران، كامبيز نوروزي، أن: "مثل هذه الحركات ليست منظّمة ومؤطرة كما ينبغي، ويبدو أنها ضجة وتيار تويتري أكثر من كونها حركة اجتماعية، بل هي حركة مسنوخة عن الحركات والتيارات التي قد ظهرت في العالم مؤخراً، وهي لن تكون فاعلة هنا، لأن الظروف الاجتماعية في إيران تختلف عن نظيرتها في الأماكن الأخرى من العالم."

وأضاف نوروزي: "لا يمكن أن ننظر إلى هذا التيار بأنه حركة، وليس لي أمل كثير في إثماره. هذا التيار أشبه بتشويه سمعة الأشخاص من كونه حركة اجتماعية ضدّ الإيذاء الجنسي."

أما عالم الاجتماع الإيراني، أمان الله قرائي مقدّم، فتطرق إلى أهمية مواقع التواصل الاجتماعي في مثل هذه القضية ودورها الإيجابي، إذ قال في حديثه لرصيف22: "تستطيع النساء أن يفصحن ويبحن بمكنوناتهن على مواقع التواصل الاجتماعي دون الخوف من معرفتهن، وهناك كثير من النساء اللواتي يحاولن اليوم أن ينشرن الوعيَ والمعرفة بوضع المرأة بين النساء الإيرانيات من خلال هذه المواقع."

وأكد قرائي مقدّم أيضاً على عدم وجود الدعم في الدستور الإيراني في ما يتعلق بالاغتصاب والإيذاء الجنسي، وأضاف: "يحتاج هذا الدستور إلى تعديل في هذا الشأن. لماذا على المراة أن تأتي بأربعة شهود لإثبات الاغتصاب؟ هذا أمر مستحيل! يجب أن يُسنّ قانون يحمي النساء من نتائج الإفصاح عن تعرضهن للاغتصاب والإيذاء الجنسي."

وصرحت الصحفية الإيرانية زينب غبيشاوي في حديث لرصيف22 أيضاً على أن قوانين إيران لا تقدم دعماً لضحايا الاغتصاب والتحرش الجنسي، إلى جانب ذلك تفتقر إيران إلى مؤسسات أو منظمات تدعم ضحايا الاغتصاب من الجانب النفسي والاجتماعي، لكن هناك أملاً يلوح في الأفق، بأن تشهد إيران تطورات إيجابية في المستقبل في هذا المجال، نظراً إلى الوعي المتزايد لدى النساء الإيرانيات وقوة مواقع التواصل الاجتماعي في الكشف عن القضايا الاجتماعية وإيجاد حلول لها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image