شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"راح بيتنا وراحو ذكرياتنا"... سكان الأحياء المجاورة لمرفأ بيروت لا يزالون مشرّدين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 15 سبتمبر 202006:36 م

"راح بيتنا لي خلِقنا وربينا فيه أنا وإختي، وراحت معو ذكرياتنا الحلوة والمرة. ما بقى قادرين نسكن فيه"، تقول نيللي حبيب، إحدى الناجيات من انفجار مرفأ بيروت.

تضرر منزل نيللي الواقع في شارع أرمينيا، في منطقة مار مخايل القريبة من المرفأ، بشدّة وباتت بلا مكان يأويها.

"تربطني بمنزلي وبالحي الذي أقطن فيه علاقة وِدّ لم تنقطع يوماً"، تضيف لرصيف22، وتتابع: "أنا التي أقمت فيه طوال أعوامي الماضية، أشعر اليوم بالأسى لأنني اضطررت إلى مغادرته مرغمة، ولا أصدّق ما حلّ بنا".

تروي نيللي (40 عاماً) كيف أصبح منزلهم خراباً: لا جدران ولا شبابيك ولا أبواب، وأثاثهم دُمّر بالكامل، حتى كادت معالم المكان تختفي. "كان الانفجار مخيفاً إلى حد بعيد. أُصبنا أنا وأمي وخالتي بجروح طفيفة، أما أبي وشقيقتي فقد تضررا أكثر ونُقلا إلى المستشفى، حتى أنّ صورهما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وهما مضرّجان بالدماء".

"كنّا خمستنا نسكن في منزل جدي. انتقلنا بعد الانفجار إلى مبنى تابع لكلية اللاهوت المعمدانية العربية (ABTS) الذي فتح أبوابه ليحتضن منكوبي الانفجار، لكننا سنغادر المكان خلال فترة أسبوع إلى منزل يأوينا في سن الفيل (في ضواحي بيروت الكبرى الشمالية)، بعد أن تأمّنت لنا بعض المساعدات من الأقارب وإحدى الجمعيات، وما زلنا نحتاج إلى بعض المفروشات".

انتقال نيللي وعائلتها إلى منزل جديد ليس أمراً سهلاً عليهم. باتوا مجبرين على دفع 800 ألف ليرة كبدل إيجار شهري، بينما كانوا يدفعون 500 ألف ليرة كبدل إيجار سنوي عن منزلهم القديم، فهم من المستأجرين القدامى.

والمستأجرون القدامى هم الذين تعود تاريخ عقود إيجارات منازلهم إلى ما قبل عام 1992، ويدفعون بدلات إيجار أقل من غيرهم، لأن عقودهم أجريت قبل انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي ولا تزال قائمة بموجب القانون.

لم تقتصر الأضرار التي ألمّت بالعائلة على دمار منزلها. إحدى شرفات المنزل سقطت على سيارة أجرة تمتلكها شقيقتها، وكانت مركونة تحتها، ما تسبب بفقدان مصدر رزق العائلة، فهي معيلها الوحيد، و"هي أيضاً تحتاج اليوم إلى نحو عام كي تتعافى من الإصابة في يدها".

تقول نيللي: "حتى اليوم لا نعلم كم سيستمر بقاؤنا في المنزل الجديد، نحن ننتظر قرار لجنة الآثار في وزارة الثقافة، كون المنزل يُعَدّ ذا طابع تراثي، بسبب القنطرة التي تزيّنه، على أمل أن يجري ترميمه ونعود بعدها إليه".

وتتميّز منطقة الجميزة ومار مخايل المقابلة للمرفأ والتي تضررت كثيراً جراء الانفجار، ببيوتها التراثية القديمة المحمية بموجب القانون. وهناك تخوّف كبير من أن تخسر هذه المنطقة تراثها بسبب إهمال ترميمها أو عدم مراعاة خصوصية مبانيها.

وبمجرد أن تصنف اللجنة المختصة في وزارة الثقافة مبنى على أنه تراثي، يصير غير قابل للهدم، أي أن مالكه لا يمكنه التصرف فيه كمبنى عادي، حتى أن ترميمه يجري بطريقة تحافظ على خصائصه وميزاته العمرانية.

وخلال الشهر الماضي، تعاونت بلدية بيروت مع عدة جهات منها اليونيسف من أجل تأمين أبنية بديلة تحتضن الأشخاص الذين غادروا منازلهم لأنها لم تعد صالحة للسكن، كما تدفع جمعيات لبعض العائلات تكاليف إيجار منازل انتقلوا إليها، "مع العلم أن القسم الأكبر من المتضررين لا يزال متواجداً في المنازل التي تضررت بشكل جزئي"، حسبما يؤكد محافظ بيروت القاضي مروان عبود لرصيف22.

وأعلنت قيادة الجيش اللبناني في 15 أيلول/ سبتمبر أن وحدات الجيش أنجزت أعمال مسح الأضرار التي طالت الوحدات السكنية والمؤسّسات جراء انفجار المرفأ. وشملت عمليات المسح 69100 وحدة في المنطقة الأكثر تضرّراً، ونحو 16000 في المنطقة الأقل تضرراً.

خسارة مضاعفة

مثل نيللي، خسر كثيرون منازلهم الواقعة في الأحياء المجاورة لمرفأ ببيروت، مثل مار مخايل والأشرفية والجميزة، بسبب انفجار الرابع من آب/ أغسطس.

آخرون تضررت منازلهم حتى باتت غير قابلة للسكن، ولو مؤقتاً. بعضها دمّر بشكل كلي وسقطت جدرانها وتطايرت أسطحها القرميدية التراثية، وأخرى بشكل جزئي فصارت بلا شرفات وشبابيكها عارية من زجاجها وأبوابها مقتلعة من مكانها.

"راح بيتنا لي خلِقنا وربينا فيه أنا وإختي، وراحت معو ذكرياتنا الحلوة والمرة. ما بقى قادرين نسكن فيه... أنا التي أقمت فيه طوال أعوامي الماضية، أشعر اليوم بالأسى لأنني اضطررت إلى مغادرته مرغمة، ولا أصدّق ما حلّ بنا"

ما فاقم من نكبة سكان هذه الأحياء، والذين تعرّض عدد كبير منهم لإصابات في أجسادهم وبعضهم خسر أفراداً من عائلته، أنّ غالبيتهم كانوا يمرّون بظروف معيشية واقتصادية صعبة منذ الربع الأخير من العام الماضي، بسبب الأزمة التي تعصف بالاقتصاد اللبناني، ما جعلهم غير قادرين على تأمين بديل يأويهم.

وإلى اليوم، لم تؤمّن لهم السلطة مكان سكن بديل، ولم تسارع إلى ترميم وإصلاح الأضرار الحاصلة، وسط تخوّف من سقوط المطر مع اقتراب فصل الشتاء، وما سيُلحقه من أضرار إضافية بالمنازل المتضررة جزئياً.

تقول دعاء سمحات (23 عاماً)، وهي أم لثلاثة أطفال: "تضرر منزلي الواقع في برج حمود بشكل كبير، ولا أستطيع استئجار بديل عنه، لأن زوجي بات يعمل كحارس أمن لأيام قليلة في الشهر، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان، ولا نملك مدخولاً شهرياً ثابتاً".

وتضيف: "طلبت مني البلدية إخلاء المنزل لأنه آيل للسقوط، لكن لم يساعدنا أحد في تأمين البديل".

انتقلت دعاء للسكن في منزل في مدينة صور، جنوب لبنان، كلفة إيجاره منخفضة، "وهنا أتواجد بالقرب من منزل عائلتي وأقاربي".

وتقول: "ساعدتني إحدى الجمعيات في تأمين الحليب لأطفالي وبعض الحاجيات الخاصة، لكنّي اليوم أسكن في منزل شبه خالٍ من أي أثاث، وفقط يؤمن لنا الستر".

الكل متضرر

تقول المستشارة القانونية للجنة الأهلية للمستأجرين، وهي جمعية تمثل المستأجرين وتدافع عن وحقوقهم، المحامية مايا جعارة لرصيف22 إنّ "معظم البيوت المدمرة في أحياء الجميزة ومار مخايل والرميل والمدور والصيفي هي لمستأجرين قدامى، وهذه الفئة من الناس هي الأكثر تضرراً إذ باتوا يواجهون مصيراً مجهولاً بعد انفجار المرفأ".

"تضرر منزلي بشكل كبير، ولا أستطيع استئجار بديل عنه، لأن زوجي بات يعمل كحارس أمن لأيام قليلة في الشهر، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان، ولا نملك مدخولاً شهرياً ثابتاً"

وتضيف: "هم اليوم بين فكّي كماشة، تضررت بيوتهم ولا يستطيعون ترميمها من جهة، وعددٌ من المالكين يحاولون التضييق عليهم لاستغلال الواقع، وسط تخوفات من ألا يتمكن هؤلاء المستأجرين من العودة إلى منازلهم".

تدعو جعارة إلى "حفظ حق عودة الناس إلى منازلهم فور إنجاز عملية الترميم". وبرأيها، "في الوقت الراهن، يجب أن تنصب الجهود على الأبنية التراثية والأثرية في الأحياء المتضررة، والكشف عليها قبل حلول فصل الشتاء وترميم ما يمكن منها قبل أن تشكل خطراً على قاطنيها".

من جهة أخرى، تتحدث رئيسة جمعية "شبابيك"، وهي جمعية لبنانية ثقافية إجتماعية خيرية تضم مكتبة عامة، فاتن زين لرصيف22 عن حجم الضرر الذي أصاب جميع الناس في المناطق المتضررة، مالكين ومستأجرين على حد سواء.

وتقول إنه حتى الملاكين الذين كانوا يسكنون في منازلهم يعجزون اليوم عن ترميمها "إضافة إلى أنهم أصبحوا دون سقف يأويهم وقد خسروا ممتلكاتهم الخاصة".

وتلفت إلى "حجم الطلب الكبير على مختلف أنواع أثاث المنازل، ومواد التنظيف أكثر من المواد الغذائية، وعلى استئجار المنازل"، وتتابع: "تحاول مجموعة نساء من بيروت تتعاون مع الجمعية تأمين بعض حاجات الناس، كل حسب قدرتها، وسط غياب كلي للدولة والسلطات المسؤولة".

وبحسب رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني، تضررت منازل حوالي 300 ألف شخص بدرجات متفاوتة، و"تمّ إخلاء 170 مبنى معرضاً للانهيار فور وقوع الانفجار".

ويضيف لرصيف22 إنّ "البلدية تعمل مع بعض الجمعيات المحلية، ومع جمعيات أخرى أجنبية، على ترميم وإصلاح المنازل"، لافتاً إلى أنه ليس هناك أي مهلة زمنية محددة لإنهاء أعمال الترميم، فكل ذلك يعتمد على توافر الأموال.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard