ذكرت تقارير استخبارية في الولايات المتحدة أن إيران تدرس اغتيال السفيرة الأمريكية في جنوب إفريقيا لانا ماركس، انتقاماً من مقتل قائد فيلق قدس قاسم سليماني مطلع العام الجاري، وفق ما نقلت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية في تحقيق قالت إنه "حصري" للصحافيتين ناهال توزي وناتاشا برتراند.
وتتمتع إيران بعلاقات تجارية وعسكرية ودبلوماسية رفيعة المستوى مع جنوب إفريقيا، وهو ما قد يقلّل التوقعات بأن تقدم طهران على خطوة من هذا القبيل في هذا البلد، تجنباً لخسارة علاقتها معها في ظل العقوبات الأمريكية القاسية على طهران.
تفاصيل المخطط المزعوم
بحسب مسؤولين أمريكيين اثنين اطلعا على المعلومات الاستخبارية، فإن السفيرة كانت معرّضة لـ"تهديد عام" منذ الربيع الماضي، لكن أصبحت التهديدات أكثر خطورة في الأسابيع الأخيرة، وزعما كذلك أن السفارة الإيرانية في العاصمة بريتوريا متورطة في هذه المؤامرة.
وقالت "بوليتيكو" إن أجهزة الاستخبارات من المفترض أن توجه إخطاراً يُطلق عليه اسم "واجب التحذير" إلى السفيرة، تتبلغ على أساسه أن حياتها قد تكون في خطر.
وذكر مسؤول حكومي أمريكي أن ماركس على علم بالتهديد، كما تم أيضاً تضمين هذه المعلومات الاستخبارية في خاصية " CIA World Intelligence Review"، وهو تقرير سري مسموح لكبار مسؤولي السياسة والأمن في الحكومة الأمريكية الاطلاع عليه، وكذلك لبعض المشرعين وموظفيهم.
وتشير التوقعات إلى أن تنفيذ هذا المخطط قد يؤدي إلى تصعيد التوترات الخطيرة بين الولايات المتحدة وإيران بشكل كبير، وخلق ضغط هائل على الرئيس دونالد ترامب للرد في ظل موسم انتخابي متوتر. في المقابل، يعتقد طرف آخر أن واشنطن تسعى لتخريب العلاقات الجيدة بين إيران وجنوب إفريقيا من خلال هذا النوع من التقارير.
لماذا لانا ماركس؟
أدّت ماركس البالغة من العمر 66 عاماً اليمين كسفيرة للولايات المتحدة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وهي تعرف ترامب منذ أكثر من عقدين، كما كانت عضواً في نادي "Mar-a-Lago" المملوك للرئيس الأمريكي في فلوريدا.
سخر منتقدو ترامب منها مراراً باعتبارها "مصممة حقائب يد"، لكن مؤيديها يردون بأنها سيدة أعمال ناجحة في هذا المجال، حيث تصل قيمة حقائب اليد التي تحمل اسمها إلى 40 ألف دولار، ولديها العديد من العلاقات الدولية.
رُبط نشر معلومات استخبارية عن تخطيط إيران لاغتيال السفيرة الأمريكية في جنوب إفريقيا لانا ماركس بأن السفيرة صديقة لترامب بينما رأى آخرون أن نشر هذا النوع من المعلومات هدفه تخريب العلاقة الجيدة بين إيران وجنوب إفريقيا، بينما لا توجد أسباب واضحة لاستهداف ماركس دون غيرها
وقالت "بوليتيكو" كذلك إن ماركس صديقة شخصية للأميرة البريطانية الراحلة ديانا، كما أنها ولدت أصلاً في جنوب إفريقيا وتتحدث بعض اللغات المحلية بما في ذلك الأفريكانية والكوسية.
وبحسب المجلة، فإن أجهزة الاستخبارات ليست متأكدة تماماً من سبب استهداف الإيرانيين لماركس التي لديها صلات قليلة بالأزمة الإيرانية، ومع ذلك رأى مسؤول حكومي أمريكي أن من المحتمل أن الإيرانيين أخذوا صداقتها الطويلة مع ترامب دافعاً لاستهدافها.
وأشار المسؤولون إلى أن الحكومة الإيرانية تدير أيضاً شبكات سرية في جنوب إفريقيا، ولها موطئ قدم هناك منذ عقود. على سبيل المثال، في عام 2015، كشفت قناة "الجزيرة" القطرية وصحيفة "الغارديان" البريطانية عن وثائق استخبارية مسربة توضح بالتفصيل شبكة سرية واسعة النطاق من العملاء الإيرانيين في جنوب إفريقيا.
ويرى مسؤولون أمريكيون أن ماركس قد تكون هدفاً أسهل من الدبلوماسيين الأمريكيين في أجزاء أخرى من العالم، مثل أوروبا الغربية، حيث تتمتع الولايات المتحدة بعلاقات أقوى مع أجهزة إنفاذ القانون والاستخبارات المحلية.
التعاون بين إيران وجنوب إفريقيا
في السنوات الأخيرة، تعاونت إيران وجنوب إفريقيا على عدد من الجبهات بما في ذلك في الأمم المتحدة، حيث دافعت جنوب إفريقيا في بعض الأحيان عن إيران وطورت معها علاقات اقتصادية وعسكرية، ما يجعل كثيرين يعتقدون أن واشنطن تحاول تخريب العلاقات بين البلدين عبر تقارير عن محاولة اغتيال السفيرة.
ووصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده اتهام إيران بمحاولة اغتيال السفيرة بأنها مزاعم لا أساس لها من الصحة وهي جزء من الهجوم الذي تشنه إدارة ترامب ضد إيران.
وقال خطيب زاده: "ننصح المسؤولين الأمريكيين بالامتناع عن اللجوء إلى الأساليب التكرارية لخلق جو معاد لإيران في الساحة الدولية".
من جهتها، ردّت السلطات في جنوب إفريقيا بأنها ليست على علم بتحضير إيران مخططاً لاغتيال سفيرة الولايات المتحدة في البلاد، ووصف المتحدث باسم وزارة خارجية جنوب إفريقيا لونغا نغكينغيليلي في حديثه لوكالة "بلومبرغ" التقارير الأمريكية حول هذا الموضوع بـ"المفاجئة" بالنسبة إلى بلاده، قائلاً: "علمنا بهذا التقرير فقط صباح اليوم".
وفي العام الماضي، بدأت مراكز الأبحاث الأمريكية تسليط الضوء على جنوب إفريقيا باعتبارها جزءاً من جهود طهران لتعويض خسائرها من العقوبات الأمريكية وكسر العزلة الدبلوماسية المفروضة عليها.
وقتها، نشر "مجلس العلاقات الخارجية" تقريراً حذر فيه من نمو العلاقات بين إيران وجنوب إفريقيا، مشيراً إلى أن الأخيرة ستوفر هي وغيرها شريان حياة أساسي لطهران وتقوض الضغط الأمريكي.
في السنوات الأخيرة، تعاونت إيران وجنوب إفريقيا على عدد من الجبهات بما في ذلك في الأمم المتحدة، وطوّر الطرفان علاقات اقتصادية وعسكرية، ما يجعل كثيرين يعتقدون أن واشنطن تحاول تخريب العلاقات بين البلدين عبر تقارير عن محاولة إيران اغتيال السفيرة الأمريكية هناك
وأشار التقرير إلى أن إيران طوّرت علاقات وثيقة مع جنوب أفريقيا لدرجة أن الأخيرة وصفت انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني بأنه "مؤسف"، وأعادت التأكيد علناً على التزامها ببناء علاقة قوية مع طهران.
ويعتقد محللون أن رواسب اليورانيوم في جنوب إفريقيا كانت مصدر اهتمام كبير لإيران لاستخدامه في برنامجها النووي. وفي المجال العسكري، أصبحت جنوب إفريقيا شريكاً دفاعياً مهماً لطهران، إذ سعت الأخيرة إلى الاستفادة من علاقتهما الطويلة لدعم التوسع البحري الإيراني خارج الشرق الأوسط، وأجرت عمليات بحرية محدودة خارج المنطقة في جنوب إفريقيا، وفقاً لتقرير لوكالة الاستخبارات الحربية الأمريكية العام الماضي.
في عام 2017، وقعت جنوب إفريقيا وإيران مذكرة تفاهم بشأن تعاون دفاعي خلال زيارة وزير الدفاع الإيراني العميد حسين دهقان إلى بريتوريا. وفي 15 تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه، رست سفينتان تابعتان للبحرية الإيرانية في مدينة ديربان في جنوب أفريقيا بعد توقف في تنزانيا وذلك ضمن مهمة بحرية لمكافحة القرصنة قبالة القرن الإفريقي وخليج عدن.
وفي نيسان/أبريل 2016، وقّع البلدان ثماني اتفاقيات في مجالات التجارة والزراعة والموارد النفطية وغيرها خلال زيارة رسمية لطهران قام بها رئيس جنوب إفريقيا السابق جاكوب زوما. كذلك تمتلك شركة الاتصالات العملاقة في جنوب إفريقيا "MTN" نسبة 49٪ من شركة "إيرانسل" لخدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية في إيران.
ويُقدّر مسؤولون إيرانيون قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر الإيراني في جنوب إفريقيا عام 2018 بنحو 135 مليار دولار، ما يعني أن حجم التجارة بين البلدين قد لا يروق إلى واشنطن التي تريد تضييق الخناق على طهران اقتصادياً.
في سياق آخر، يشير تقرير "بوليتيكو" إلى أنه في السنوات الأخيرة، تجنبت إيران استهداف الدبلوماسيين الأمريكيين بشكل مباشر، على الرغم من أن الجماعات المدعومة منها هاجمت منشآت دبلوماسية أمريكية وأفرادها في العراق.
وكان ترامب قد برّر قتل سليماني بأن الأخير كان يخطط كذلك لشن هجمات على البعثات الدبلوماسية الأمريكية، على الرغم من أن مسؤولين أمريكيين شككوا في هذه المعلومات.
وقال ترامب في كانون الثاني/يناير الماضي: "كانوا يتطلعون لتفجير سفارتنا" في إشارة إلى المجمع الدبلوماسي الأمريكي الضخم والمُحصن بقوة في العراق. وفي مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الأمريكية، قال: "يمكنني أن أكشف احتمال أن الجنرال الايراني كان يخطط لاستهداف أربع سفارات".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...