شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"أعيش في كوابيس منذ ولدتني أمي"... كيف يتعامل فلسطينيون مع ضغوطاتهم النفسية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 12 سبتمبر 202004:59 م

منذ سنوات طويلة وحال الفلسطينيين لا يتغير بل يزداد سوءاً، من بطالة، احتلال وحصار، وأخيراً انتشار فيروس كورونا، وكل ذلك كان له بالغ الأثر على صحتهم النفسية، وعلى علاقات بعضهم ببعض، رغم محاولاتهم التغلب على كل تلك الظروف وتفريغ الضغط النفسي بشتى السبل.

"بنحاول نتحمّل بعض"

تضحك أم سليم العمري، 55 عاماً، من قطاع غزة، وهي تقول: "من غير إشي مش متحملين بعض، كمان ننحجر بالبيوت. والله حرام".

وترى أم سليم أن "وضع الناس في غزة لا يساعد على الحجر ليومين، والناس يادوب متحملة حالها".

تعيش أم سليم في مخيم جباليا، شمال قطاع غزة، مع زوجها وأبنائها الثلاثة المتزوجين في نفس المنزل، ولديها 8 أحفاد، تقول حفيدتها نور، 12 عاماً: "ستي بتحاول تلاعبنا وتحكيلنا حواديت، بس إحنا بنزهق كتير".

واعتادت نور أن تذهب مع العائلة كل خميس إلى البحر، على اعتبار أنه المتنفس الوحيد وغير المكلف، ولكن مع الحجر المنزلي، تقول نور: "حتى البحر انحرمنا منه، وبيتنا حر كتير، وحتى ما فيش كهربا".

وحال نور حال كل أطفال غزة، حيث تصرخ لانا الداهوك، 15 عاماً، غاضبة وهي تقول لوالدها: "خلينا نتمشى على الأقل، أو اشتريلي جوال أتسلى عليه، أما نقعد بالبيت من غير كهربا ولا طلعة ولا نزلة، أنا حاسة حالي بموت".

أجمل ما تراه ديما يومياً هو مشهد الطائرات الورقية، الذي يجمع أهل المنطقة على تطييرها عصراً، وهي مزركشة بألوان علم فلسطين

ويزفر والدها كثيراً، بحسب حديثه لرصيف22، وهو يشكو قائلاً: "حسبي الله على هيك وضع، فقر وحصار وما معي مصاري أشتري ألعاب لأولادي ولا أكل، كيف طيب بدي أخليهم يتحملوا الحجر؟".

مضيفاً: "بيتي خلال هالأسبوعين تحول لمجزرة، ولادي بتخانقوا مش متحملين بعض، وقد ما نحاول أنا وأمهم نلاعبهم أو نخفف عنهم بس ع الفاضي".

"البلد مغلقة وأسافر بخيالي"

ليس الحال في الضفة الغربية بأحسن من حال غزة، فإن كان ملجأ أهل غزة الطبيعي للتفريغ النفسي هو البحر، فملاذ الضفاويين هو الجبال والأشجار.

يقول حاتم الحافي، 41عاماً، والذي يعمل مديراً لشركة دار الفنون، ويقطن شمال نابلس: "في بداية الحجر كانت العلاقات ممتازة، وتوطدت بين أبناء الأسرة الواحدة، ولكن سرعان ما بدأت العلاقات تسوء، بسبب ضعف الوضع المالي وعدم وجود وسائل تفريغ نفسي، فالبلد كلها مغلقة".

ويضيف حاتم لرصيف22: "قبل كورونا كان أحلى أوقات الناس، عندما يأتون للجبل، حيث الأراضي الزراعية والشجر والطبيعة الخلابة، وكانت هذه الرحلات بمثابة علاج من ضغوطات المدينة والعمل، ولكن بعد كورونا، لا خروج ولا حركة إلا من بعض الشاليهات الخاصة المقامة بالأغوار، ولكنها للأسف غالية الثمن".

يتابع: "أنا حرمت متعة السفر، وهي أسوء ما حرمت، لأنني بالعادة أزور 4 أو 5 دول سنوياً، لذلك أحاول السفر بخيالي وأنا أعزف على العود الذي أعشقه، واهتممت بتعليم عزفه لأبنائي وتوفير الوقت لهم لتحسين حالتهم النفسية".

"زاد وزني ووزن أبناء البيت بطريقة مفرطة".

يضحك حاتم مضيفاً: "لقد وصلنا لمرحلة أنه لا فرق بين يوم ويوم، وللأسف زاد وزني ووزن جميع أبناء البيت بطريقة مفرطة، وهذا يكفي لزيادة الضغط النفسي علينا".

أما ديمة صيرفي، 32 عاماً، من سكان مخيم عسكر في نابلس، فالحجر يذكرها بفترة اجتياح نابلس عام 2002، ولكن "العدو مختلف"، حسب وصفها، فتقول: "كان عمري 13 سنة لما كان الاجتياح، ما كان في كهربا ولا مي لمدة شهر على ما أذكر. كنا صغار، بس بجد مع هاد الوضع فترة التسكير أيام كورونا، كل الذكريات المزعجة أيام الاجتياح رجعت".

وتضيف: "طول عمرنا بنمر بظروف صعبة، والعادي تبعنا نكون مضغوطين ومتوترين ووسائل التفريغ محدودة، يا أكل وشرب يا رياضة يا بنحضر أفلام".

وأجمل ما تراه ديما يومياً هو مشهد الطائرات الورقية التي يجمع أهل المنطقة على تطييرها عصراً، وهي مزركشة بألوان علم فلسطين، في رسالة أنه "لا الاحتلال ولا كورونا راح يدمروا نفسيتنا، واحنا لسه رغم كل شي صابرين وصامدين".

"أنا وولادي بنعمل جو"

"كنا قبل الحجر نقضي وقتنا زي أغلب الناس بغزة، ما بين الزيارات العائلية ومدرسة الأولاد، وبنفسحهم على البحر على مطعم أو على المنتزه. لكن بعد الحجر حياتنا تغيرت كلياً"، تقول صابرين الطرطور، 37 عاماً، وهي تحدثنا عبر الواتس آب من حجرها المنزلي.

وتضيف صابرين لرصيف22: "طبعاً عاملين جدول يومي، كل يوم إلنا قعدة أنا وبناتي، وبنحكي وبنتناقش وبنحاول نتشارك في أنشطة، زي الرسم والرياضة، وبنقعد نحكي عن البلاد والثقافات غير طبعاً حلقة الذكر والصلاة".

وترى الطرطور التي تعمل كباحثة حقوقية، أن طبيعة عملها جعلتها على اطلاع على ظروف الناس في غزة، حيث الفقر المدقع والبيوت المتهالكة، خصوصاً في المخيمات، وظروف الناس النفسية سيئة جداً، ما يجعل الضغط النفسي كبيراً على الناس.

أما أم أدهم، 33 عاماً، من قطاع غزة، فتحكي عن حالها قائلة: "زوجي لا يطاق، الله يعيني على الحجر، من غير شيء الحياة يادوب ماشية بينا، كمان نضل بوجه بعض 24 ساعة".

"من يوم ما ولدتني أمي وأنا عايش كوابيس الحصار والفقر والبطالة والحروب والتصعيد والقصف، ما فيش يوم حلو بحياتنا، وإذا فكرنا ننزل على الشارع نقول لاء بننضرب وبننحبس"

وتضيف: "زوجي بطبيعته متطلب ومرهق بطلباته، من أكل وشرب وكل شوي قهوة شاي نسكافيه أرجيلة. أنا تعبت جداً منه من قبل الحجر وزاد تعبي بعد الحجر، خصوصاً في علاقتنا الزوجية، لأنه بيتعامل على أن سريرنا هو مكان التفريغ النفسي الوحيد".

وتحاول أم أدهم أن تنشغل بأولادها وتوليهم اهتماماً أكبر، خصوصاً أنهم في سن الحضانة، وتحاول أن تجد وقتاً لتفريغ ضغوطهم النفسية، باللعب معهم والضحك ومشاهدة التلفزيون.

تفريغ فيسبوكي

وتنشر الفتاة غدير زيد، صوراً كالكثير من الغزيين على صفحتها على فيسبوك، تستعرض آخر رسوماتها داخل الحجر المنزلي، بعد ان أوقف كورونا المعارض التي كانت تنوي المشاركة فيها داخل مدينة غزة.

تقول غدير لرصيف22: "أساساً ظروفنا سيئة من كل النواحي، ووضعنا النفسي سيئ من كثر الضغوط اللي بنعيشها. أنا خريجة ولحد الآن ما بشتغل، لكن بمارس هواياتي بالرسم وبعتبره الوسيلة الوحيدة للتفريغ النفسي عندي".

"الرسم الوسيلة الوحيدة للتفريغ النفسي".

وتشير غدير إلى أنها باتت تجد في الفيسبوك وسيلة لدعمها وتشجيعها، من خلال المتابعين الذين يدفعونها للمزيد من الرسم، حتى وإن كانت الرسمة لـ "فيروس كورونا" التي نشرتها قبل أيام، واصفة لحظة الرسم: "شعرت بضغط كبير بسبب الحجر المنزلي، خصوصاً وأني أخشى أن تنفذ أدوات الرسم من عندي، ولن أستطيع شراء غيرها بسبب الإغلاق، حينها فقط قررت أن أمسك فرشاتي وأرسم هذا الفيروس اللعين الذي حبسنا في المنازل".

وحال غدير كحال كل الفلسطينيين الذين باتوا يعتمدون على الفيسبوك بشكل أساسي، لتفريغ الضغط النفسي الذي يمرون به بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية، ومن خلاله ينفسون عن غضبهم. يقول أحمد عوض الله، 23 عاماً، من قطاع غزة: "من يوم ما ولدتني أمي وأنا عايش كوابيس الحصار والفقر والبطالة والحروب والتصعيد والقصف، ما فيش يوم حلو بحياتنا، وإذا فكرنا ننزل على الشارع نقول لاء بننضرب وبننحبس".

ويضيف: "الكلام أضعف الإيمان، علشان هيك مقضيين أغلب وقتنا على الفيسبوك، بنحاول نوصل صوتنا وننتقد السياسيين، يمكن صوتنا يوصل للعالم وحياتنا تتغير".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard