أنت بدين...
أنت حاقدٌ..
أنت غبي..
أنت غير واثق من نفسك...
أنت كاذب...
كل هذه الاتهامات أو العبارات تعبر عن عدوانية مباشرة أو تهديد مبطّن للفرد، ما يضعه في موقف الدفاع عن النفس أو الانهيار، وهذا ما يسمى بالــ "التنمّر".
هذه الكلمة التي طالما سمعناها في السنوات الأخيرة وأغلبنا لم يعِ معناها إلاّ بعد حين، وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة رهيبة خلال السنوات الخمس الأخيرة.
ما هو التنمر؟
"التنمر أو "bullying" باللغة الإنجليزية، هو عدم التكافؤ في القوة بين شخصين أو أكثر أو بين مجموعة وأخرى"، وكثيراً ما تلعب قوة الشخصية والثقة العالية بالنفس أو المكانة الاجتماعية الأعلى من الآخرين دوراً كبيراً في التنمر.
والتنمر هو سلوك غاضب يتسم بالسخرية من الآخرين، السخرية من العرق (يا زنجي)، الطول أو النحف (عصاية طقي)، شكل الوجه أو البدانة (دب أو دبدوب) أو القصر (قدك قد الفارة وصوتك يعبي الحارة) ... إلخ. ومن نتائجه إلحاق الأذى اللفظي كوصف مهين للشخص، من خلال إطلاق ألقاب مسيئة عليه، أو النفسي بالترهيب والتقليل من شأن الآخرين، ممارسة السلطة عليهم وإحراجهم أمام من حولهم، أو الجسدي من خلال الضرب، الركل أو البصاق في وجهه.
بين أفراد العائلة تلعب المقارنة بين الإخوة دوراً كبيراً في ذلك: "لماذا لستَ ذكياً مثل أخيك"، "تعلم من أخيك الأدب"، "أنتِ بدينة للغاية، يكفي شراهة للطعام وكوني رشيقة مثل أختك أو صديقتك فلانة"...
تنتشر ظاهرة التنمّر بكثرة بين أفراد العائلة وفي المدارس، حيث يقول النرويجي دان ألويس، مؤسس الأبحاث المتعلقة بالتنمر في المدارس: "إن التنمر أفعال سلبية متعمدة من جانب تلميذ أو أكثر لإلحاق الأذى بتلميذ آخر، تتم بصورة متكررة وطوال الوقت."
ويمكن أن تكون هذه الأفعال السلبية بالكلمات مثل: التهديد، التوبيخ، الإغاظة والشتائم، أو بالاحتكاك الجسدي.
وتنتشر أيضاً في أماكن العمل والجامعات وحتى بين المثقفين، وكثيراً ما نسمع من الأساتذة عبارة: "ستبقى غبي ومهما شرحت الدرس وكررته لن تفهم" أو "سترسب عندي مهما درست لأنك غبي"، وبين أفراد العائلة تلعب المقارنة بين الإخوة دوراً كبيراً في ذلك: "لماذا لستَ ذكياً مثل أخيك"، "تعلم من أخيك الأدب"، "أنتِ بدينة للغاية، يكفي شراهة للطعام وكوني رشيقة مثل أختك أو صديقتك فلانة"... وتمتد هذه الكلمة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث نرى الكثير من المنشورات التي فيها تهديد مبطن أو سخرية، وينتهي المنشور بكلمة "مقصودة"، أو من خلال التهديد بنشر محادثات وصور للآخر، ونجدها بكثرة بين الدول كما تفعل بعض الدول القوية مع دول العالم الثالث أو الدول الفقيرة، عن طريق التهديد بالغذاء والدواء أو القوة العسكرية.
"نصف الأطفال في العالم تنمر عليهم أحد زملائهم في المدرسة".
تشير بعض الدراسات والإحصاءات إلى أن حوالي نصف الأطفال في العالم تنمر عليهم أحد زملائهم في المدرسة أو في زملاء اللعب أو أساتذتهم أو أهلهم، وأن نسبة 10% منهم يتعرضون لنوع من الضغوط العنيفة بشكل منتظم.
والتنمر المدرسي والعائلي كثيراً ما يحوّل التلميذ إلى طالب كسول وعدواني تجاه من حوله، إضافة لشعوره بالخوف الدائم، وقد نجد في جسده كدمات ناتجة عن الضغط النفسي أو الضرب الذي يتعرض له.
تنمر المهنة
تنمر المهنة هو سلوك سلبي يقوم به الأشخاص العدوانيون أو المستهترون بمشاعر الآخرين وزملائهم في العمل، وخاصة من قبل المدير غير الناجح في عمله، أو من قبل أناس عاديين وأقارب لا يقدّرون قيمة المهنة وعمل وتعب الموظف.
وهذا ما نلاحظه اليوم تجاه الأطباء، الذين يقدمون جلّ وقتهم لإسعاف مرضى كورونا، على حساب صحتهم وأوقاتهم، التي كانوا يقضونها من قبل مع عائلاتهم وأصدقائهم.
في سوريا كثيراً ما سمعتُ بنفسي هذه العبارات في الشارع أو من بعض الأصدقاء حولي:
"إي إذا الأطباء والممرضين مو آخدين احتياطاتهم، بدكم إحنا ناخد احتياطاتنا"؟
"طبيب ومكورن".
"طبيب ومكورن"، "إي بيكون لاقط كذا فيروس من المصابيبن بالمشفى وجاية يداوينا".
وكثيراً ما أقرأ منشورات على صفحات التواصل الاجتماعي وتعليقات تسيء للعاملين في مجال الطب بكل مكان في الدول العربية والعالم، وكأنهم وحدهم من يصيبهم الفيروس، وكأن إصابتهم لعنة حلّت عليهم.
في سوريا، تعرضت الممرضة بشرى طليعة للتنمّر والسخرية لإصابتها بمرض كورونا، عن طريق العدوى في مشفى تعمل به، وكان من التعليقات أنه إذا كان الطاقم الطبي يصاب بهذا الفيروس، فكيف تطلبون مننا الوقاية؟
ووجهت الممرضة رسالةً على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أعلنت فيها عن اصابتها بهذا الفيروس مستنكرة تنمر الكثير عليها:
"أنا الممرضة بشرى طليعة المصابة بكورونا، بدي وجه كلمة لبعض الأشخاص والأصدقاء ع صفحتي، وبتمنى توصل لشبكات الأخبار بالمنطقة من خلال أصدقاء صفحتي..
بكفّي تنمر وكلام اللوم... يلي فيني مكفيني
الناس يلي حواليي عم يقوموا بأسوأ أشكال التنمر، فوق ما تعبت كممرضة وعم أشتغل بأبشع وأقسى الظروف وغيري قاعد مع عيلتو وببيتو... وكل هاد الله ابتلاني لكون مصابة بكورونا؛ لشو كلام الإهانة وتحطو لوم عليي شو تركتوا للغريب... وهي الإشاعات يلي عم تمشو فيها وهالخوف مني كمصابة أنا بفتخر فيه وأهلي مفتخرين فيي، لأنو نصبت وأنا عم أدي واجبي.
وتانياً... شبكات الأخبار يلي عنا بجبل الشيخ مو مشكورين أبدا لتنشرو ضيعتي وتشهرو فيني بشي مالي ذنب فيه، وتنشرو الذعر بين الناس... يلي صار قدر ورضيانة فيه... هذا شي إرادة رب العالمين.
ياريت رسالتي توصل لكل الضيع المجاورة ولأصدقائي لتحسوا بالأذى يلي عم يلحقني بدون ماحدا يشيل الو خاطر أو بال...
أنا بخير ونشالله ازمة ورح تمرق عليي وأرجع لأهلي ورفقاتي وزملائي بمحبتكن ودعواتكن القوية".
أطباء "متآمرون" في مصر
وفي حملة منظمة بمصر، اتهمت الحكومة المصرية والإعلام المصري الأطباء بــ "الأخونة" والتآمر على الدولة المصرية، واعتبر مراقبون أن هذه الاتهامات تعتبر الشماعة التي تعلق الحكومة المصرية عليها فشلها في إدارة أزمة انتشار فيروس كورونا، وأعلن هؤلاء المراقبون قلقهم على الشعب المصري الذي سيدفع ثمن تداعيات المواجهة هذه بين الحكومة والأطباء.
قام مجموعة من الأطفال برش الصودا والعصير على لباس الممرضات الأبيض، هاتفين: إنها غبية ابتعدي عنا"، وتعرضت ممرضة لكسور في أصابع يدها اليمنى، وهي تحاول الدفاع عن نفسها
كما يتعرّض الأطباء والممرضون وكل الطواقم الطبية في أمريكا اللاتينية إلى التنمّر من قبل الناس الذين يعتقدون أنهم مصابون بفيروس كورونا، حيث قام مجموعة من الأطفال برش الممرضة ساندرا اليمان، بالصودا والعصير على لباس الممرضات الأبيض، هاتفين: إنها غبية ابتعدي عنا"، وتعرضت لكسور في أصابع يدها اليمنى وهي تحاول الدفاع عن نفسها.
تقول ساندرا: "لم أعد أستطيع القيام بعملي".
يذكر أن ساندرا اليمان ممرضة في المكسيك، مدينة سان لويس بوتوسي.
أما طبيب التخدير الكولومبي سانتياغو أوسوريو، فقال إن إدارة المبنى الذي يسكن فيه أصدرت أمراً بمنعه من استخدام المصاعد والمناطق المشتركة في شقته، منعاً لنقله العدوى إلى جيرانه، بالرغم من تأكيده بأنه غير مصاب، علماً أن منزله في الطابق السادس من البناء.
في الأرجنتين طلب جيران الدكتور لياندرو غوني، أن يغلق عيادته في بوينس آيرس خوفاً من إصابتهم بكورونا واستمروا على موقفهم حتى اضطر لإغلاقها، بالرغم من رده عليهم برسالة وضع فيها كل التدابير الاحترازية التي اتخذها.
ومنع السائقون الممرضات من استخدام النقل العام خوفاً من نقلهم للفيروس.
الطبيبة أنجيلا فارغاس، التي تعمل في أحد مستشفيات مدينة مكسيكو سيتي، قالت إنها أصبحت تخاف على حياتها، فالناس حولها يسيئون معاملتها لأنهم يعتقدون أنها مصابة بكورونا. وأضافت أنها تقوم بتبديل ملابسها في المشفى الذي تعمل فيه قبل مغادرتها، حتى لا يعرف أحد في الشارع أو من حولها أنها تعمل ضمن الطواقم الطبية.
يذكر أن مستشفيات العالم أجمع تعاني من نقص في المعدات الوقائية اللازمة لحماية الطاقم الطبي والعاملين من فيروس كورونا لكثرة الإصابات.
أخيراً، إنّ الأطباء والممرضين والطواقم الطبية في كل مكان وفي كل العالم هم من نعوّل عليهم للخلاص من هذه الجائحة، فيجب مساعدتهم وتقديم يد العون لهم، مثلما يبذلون كلّ غالي لأجلنا وأجل أن نشفى جميعاً، فيكفي كم خسرنا منهم وهم يقومون بعملهم على أكمل وجه.
يقول لينت ماذر: "ماذا لو أن الطفل الذي تنمرت عليه في المدرسة، نشأ وتبين أنه الجراح الوحيد الذي يمكنه أن ينقذ حياتك؟".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...