"انكشها، افلحها، ازرعها، اسقيها واقطفها وقصقصها واطبخها"، بهذه الكلمات البسيطة والقريبة من القلب، تأخذنا المخرجة اللبنانية نادين لبكي، إلى عالم البستنة، بحيث تزرع داخل كل منّا بذور حبّ الأرض والعودة إلى الجذور.
فقد انتشرت مؤخراً في لبنان حملة وطنية بعنوان "زريعة قلبي"، والتي تشدد من خلالها لبكي، بالتعاون مع مجموعة من المشاهير والمؤثرين على "السوشال ميديا"، على ضرورة العودة إلى الأرض والتشجيع على الزراعة المستدامة، بهدف تأمين الاكتفاء الذاتي، وتحويل كل رقعة أرض إلى مصدر تغذية، أو حتى استغلال أي مكان، إن كان الشرفة أو سطح المنزل، للزراعة.
وقد اعتمدت هذه المبادرة على أغنية مصوّرة، سبق وأن استخدمتها نادين لبكي في فيلمها السينمائي الشهير"هلأ لوين"، وقامت بتعديل كلماتها مع الملحن خالد مزنر والفنانة تانيا صالح، بالتعاون مع الممثل جورج خباز، وذلك بغية الترويج لأهمية الزراعة المنزلية، في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي يشهدها لبنان.
وفي الوقت الذي أثنى كثيرون على هذه الخطوة، أثارت "زريعة قلبي" موجة نقد على السوشال ميديا، على اعتبار أن لبكي تطرح "حلاً سحرياً" لا يمت للواقع بصلة، ووصل البعض في تهكمه لحدّ وصفها بـ"ماري أنطوانيت"، وبدلاً من "كلوا البسكويت" استعاضت عنها بـ"ازرعوا لتأكلوا".
سواء كنّا مع أو ضد هذه المبادرة التي طرحتها نادين لبكي، إلا أنه لا يمكننا أن ننكر أنه في ظل أزمة كورونا، ازدادت الزراعة المنزلية بشكل ملحوظ في العالم كله، فقد شهدت مشاتل النباتات ارتفاعاً كبيراً في مبيعات البذور، بعد أن بدأ الناس بالزراعة على مساحات مختلفة، حتى أنهم أقبلوا بقوة على زراعة شرفات المنازل وأحواض النوافذ.
رواج الزراعة المنزلية
في مقالها الذي ورد على موقع سي إن إن، كشفت الصحافية كريستين روجرز عن رواج الزراعة المنزلية في زمن كورونا.
فقد أوضحت روجرز أن الناس انخرطوا في زراعة الحدائق المجتمعية، بحيث يعملون في نوبات عمل محددة، ويحافظون على مسافات تباعد مناسبة، مع الالتزام بالتدابير الوقائية، مثل ارتداء الكمامات وتعقيم الأدوات للاستعمال القادم: "بينما يحتمي الناس الآن في منازلهم، فإنهم يمارسون هواياتهم، ويبدؤون مشاريع لملء أوقات فراغهم خلال تفشي فيروس كورونا، فازدهرت زراعة الحدائق".
رعاية الحدائق يمكن أن توفر حالة من الراحة من أهوال كورونا، لأنها تشبع العديد من الرغبات الطبيعية للإنسان، لا سيما تلك المتعلقة بالإنجاز، المجتمع، الانتماء والبقاء على تواصل مع الطبيعة
واللافت أن هواية البستنة، التي عادت مؤخراً إلى "الموضة"، هي مهمة في وقتنا الراهن لكونها تساعد في التخفيف من انعدام الأمن الغذائي، بخاصة بعد انخفاض دخل بعض الأسر، وازدياد المخاوف بشأن توفر المواد الغذائية، بالإضافة لقيام دول عدة في العالم بالإعراب عن خشيتها من قلة عدد الأيدي العاملة اللازمة للتعامل مع السلع سريعة التلف، مثل الخضار الطازجة، وفق ما ذكرته صحيفة التايم.
تلبية الحاجات البشرية
إبقاء أيديكم في التراب يبقيكم على تواصل مع الطبيعة، بالرغم من أنكم تبقون في منازلكم لفترة أطول خلال هذه الأيام الصعبة.
في الحقيقة، إن رعاية الحدائق يمكن أن توفر حالة من الراحة من أهوال كورونا، لأنها تشبع العديد من الرغبات الطبيعية للإنسان، لا سيما تلك المتعلقة بالإنجاز، المجتمع، الانتماء والبقاء على تواصل مع الطبيعة، فالزراعة قادرة على جمع الأحبة وجميع أفراد العائلة، وضمان تعاونهم بسعادة أثناء القيام بنشاط مشترك.
في هذا الصدد، تحدث رئيس قسم البستنة في جامعة تكساس آي أند إم، شارلي هول، عن فوائد الزراعة وتأثيرها الإيجابي داخل العائلة الواحدة، إذ قال لموقع سي إن إن: "هناك قدر أكبر من التماسك الذي يحدث داخل الوحدة الأسرية وأنتم في الخارج وأيديكم في التراب"، مشيراً إلى أنه خلال هذا الوقت الذي يقضيه أفراد العائلة مع بعضهم البعض، ليس هناك من تذمر من قبل المراهقين، لا مشاجرات بين الأشقاء ولا كلمات قاسية بين الزوجين.
واعتبر هول أن البستنة المنظمة -بقواعدها وصفوفها- يمكن أن تنظم إدارتنا لمهام الحياة الأخرى، كما أن الهدوء الذي يتطلبه هذا النشاط قد يخفف بعض الإحباطات المكبوتة، شارحاً ذلك بالقول: "مستويات الكورتيزول تنخفض بشكل كبير عندما تكونوا وسط الحدائق".
ونظراً لوجود نسبة من المخاطرة في نشاط الزراعة، كالطقس الذي قد يحبط جهودكم، إلا أن هذه التجربة مثمرة، فالطماطم تكون حلوة المذاق، والخيار منعشاً، ما يمنحكم شعوراً ملموساً بالإنجاز عندما تتعثرون وأنتم تحاولون تركيز أذهانكم، فترون "ثمرة هذا الإجهاد".
وبحسب شارلي، قد يكون للزراعة درس فلسفي مناسب لنا خلال هذه الفترة الصعبة التي نمر بها جميعاً: "يحتاج النبات إلى الماء والأسمدة وضوء الشمس لينمو، فإننا أيضاً ننمو بالتحدي والمشاركة في أشياء نستمتع بها"، مضيفاً بأنه عندما تنمو النباتات بشكل جيّد، فإنها تتفوق على المكان الذي زُرعت فيه، وبالتالي يتعيّن إعادة زراعتها في مكان آخر، حيث يكون لها متسع أكبر للنمو.
وعن علاقة ذلك بنمو الإنسان، يقول شارلي هول: "ينتقل الناس إلى مستويات أكبر من المسؤولية خلال مسيرتهم المهنية، وهناك أنواع كثيرة من الاستعارات التي تأتي من البستنة وكيف تنطبق على حياتنا... ففي بعض الأحيان يجب أن يتم زرعنا في مساحات أخرى، حيث يمكن لنا أن ننمو أكثر".
كيف ننشئ حديقة منزلية؟
قد لا يكون الوقت متأخراً لإنشاء حديقة منزلية، فإذا كنتم تفكرون باتخاذ هذه الخطوة، إليكم كيفية إنشاء حديقة خضراوات للمبتدئين، وفق دوريةThe Old Farmer's Almanac.
اختيار المكان المناسب: إن اختيار الموقع المناسب هو أمر مهم، لأنه يؤثر على جودة الخضراوات، إذ تحتاج معظمها لست ساعات على الأقل من التعرض لضوء الشمس يومياً، لذلك من المهم اختيار مكان مشمس.
وفي حال لم ترغبوا في شراء تربة جديدة، افحصوا التربة الموجودة في حديقتكم، للكشف عن احتوائها على الرصاص، إذ كشفت مجلة Garden Collage أن التلوث بالرصاص أمر شائع في المناطق الحضرية، بسبب سنوات التطوير الصناعي والتلوث من السموم الصناعية.
وبالتالي، إذا كانت تربتكم ملوثة وتسببت في تلوث خضراواتكم، فهذا يعني تسمماً بالرصاص لكم ولأي حيوانات أليفة قد تتجول في المكان. يمكنكم فحص تربة منزلكم عن طريق إرسال عدة عينات إلى أي مكان اختبار بتكلفة منخفضة.
هذا ويجب أن تزرعوا الخضار في تربة رطبة، وليست مشبعة بالماء تماماً، فإذا كانت لديكم تربة لا تصرف الماء بشكل جيد، ازرعوا الخضار في قدر مرتفع عن الأرض، كما يجب أن تبقى نباتاتكم في مكان مستقر، إذ إن التعرض مثلاً للرياح القوية يمكن أن يتلفها.
"يحتاج النبات إلى الماء والأسمدة وضوء الشمس لينمو، فإننا أيضاً ننمو بالتحدي والمشاركة في أشياء نستمتع بها"
اختيار حجم قطعة الأرض: يقترح الدليل الإرشادي أن يبدأ المبتدئون بزراعة قطعة صغيرة، مع مراعاة ما يمكنهم التعامل معه وما سيأكلونه بالفعل.
والحجم الموصى به هو 11 صفاً يبلغ طول كل منها 10 أقدام، لكن هذه التوصية مناسبة لعائلة مكونة من 4 أشخاص تكفيهم طوال فترة الصيف، لذلك لا تترددوا في تقليص حجم المساحة في حال كنتم تعيشون بمفردكم.
وتأكدوا من وجود مساحة كافية بين كل صف لتتمكنوا من المشي بسهولة من أجل إزالة الأعشاب والحصاد، هذا ولا يجب أن يزيد عرض الصفوف عن 4 أقدام، لأنكم ربما لن تتمكنوا من الوصول إلى عرض أكبر لرعاية نباتاتكم.
اختيار الخضراوات: هناك العديد من الخضار الشائعة وسهلة الزراعة مثل: الطماطم، الفجل، السلق، الكوسا، الفلفل، الملفوف (الكرنب)، الخس والجزر.
ضعوا في اعتباركم أيضاً ما الذي تحبون تناوله، وكميّة استهلاككم المحتملة.
هذا ويمكنكم شراء نباتات بادئة أو البدء من الصفر بالبذور، ولكن من المهم أن تختاروا بذوراً عالية الجودة.
تحديد أين ومتى ستزرعون: إن زراعة نبات أو اثنين لا تتطلب الكثير من التخطيط الاستراتيجي، ولكن إن كنتم تزرعون حديقة بأكملها، فعليكم أن تفكروا في مكان كل نوع من الخضار ومتى ستزرعونه.
تنمو بعض النباتات مثل الخس والخضراوات الجذرية في الربيع، بينما يجب زراعة الأنواع الأخرى مثل الطماطم والفلفل في الأشهر الأكثر دفئاً.
كما أنه يجب زرع النباتات الأطول في الجانب الشمالي من حديقتكم حتى لا تحجب الشمس عن النباتات الأقصر طولاً.
وأخيراً لا تزرعوا جميع البذور في وقت واحد، وإلا سيكون لديكم كمية من الخضار التي يجب حصادها واستهلاكها في فترة زمنية ضيقة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع